الأحد، 22 فبراير 2015

عزّ والسيسي: العميق والأعمق

عزّ والسيسي: العميق والأعمق

وائل قنديل

حتى السابع والعشرين من يونيو/حزيران 2013، كان الرئيس محمد مرسي مطمئناً إلى أن مؤسسات الدولة المسؤولة عن الأمن، والنظام السياسي العام، لديها الإرادة والقدرة على استيعاب مظاهرات الثلاثين من الشهر ذاته، والتعامل معها بكل احتمالات تطورها.
سمّها الغفلة، أو قل الثقة في غير موضعها، أو ما تشاء من توصيفات، لكن الثابت عندي من واقع روايات لسياسيين وحزبيين يقبعون في سجون الانقلاب الآن، أن لقاء ضيقا انعقد قبيل الثلاثين من يونيو، بحضور الرئيس، شهد شرحا من وزير الدفاع حينئذ، لسيناريو واحتمالات يوم الخروج، وكلها بنيت على أن الكتلة الأكبر من الحشود التي ستحاصر قصر الاتحادية هي من جمهور دولة حسني مبارك وأحمد شفيق، يقودها ويتولى شحنها رموز وقيادات الحزب الوطني المنحل، وأن هذه الكتلة من المرجح أن تستخدم العنف بكثافة سلاحاً في اليوم الموعود.

السيناريو المعروض لم يخل من أن ضمن مكونات الحشد عناصر غضب شعبي حقيقي، تحت تأثير الأزمات المعيشية المصطنعة، فضلاً عن العنصر الطائفي، غير أن المهم في الأمر أن المعنيين بالأمن، داخلياً وخارجياً، أكدوا جاهزيتهم لكل الاحتمالات، مشددين على أن اليوم سيمر، حتى وإن كان الثمن دامياً، بين صفوف مؤيدي الشرعية، وبعدها تتفرغ الدولة للبناء السياسي والاقتصادي.

في الرواية تفاصيل أخرى عديدة، احتفظ لأصحابها بحق إعلانها، حين تكتب لهم الحرية، إلا أن ما يهمني فيها أن الذين انقلبوا على الرئيس كان يدركون منذ البداية أن 30 يونيو هي صناعة دولة مبارك وحزبه ورموزه بالأساس.
ومن هنا، أستغرب كثيرا هذه الحملة "القومية" المضحكة ضد ترشح أحمد عز، رجل الخطة والموازنة والتوأم السياسي لمبارك الابن للبرلمان القادم.وأكثر ما يثير الضحك أن عودة عز من بوابة البرلمان تحمل معنى عودة النظام القديم، نظام مبارك، على الرغم من أن هؤلاء الرافضين لعودة رجل الحديد يعلمون يقيناً أنه لولا رجال مبارك لما كانت "30 يونيو" وما بعدها، ولولا حشود دولة مبارك، لما كان عبد الفتاح السيسي قد نجح في انقلابه، ووصل إلى سدة الحكم.
والأهم من ذلك كله أن مهاجمي ترشح أحمد عز هم أنفسهم صُنعوا وترعرعوا في مطابخ مبارك الأب والابن، تلك المطابخ التي كان يتولى عز الإنفاق عليها، وتزويدها بكل ما يلزم من مؤن سياسية واقتصادية وإعلامية، فلماذا هذا الجحود إذن ضد "أحمد بك" من قبل أولئك الذين كانوا أسياخا في مصانع حديده؟
كما قلت من قبل، لا فرق بين عز والسيسي إلا في الدرجة، فكلاهما من بقايا دولة مبارك وحزبه، بل تبدو علاقة الجنرال بالدولة العميقة أعمق وأكثر تجذراً من أحمد عز، فالثابت أن السيسي هو ابن الدولة العسكرية التي مثلها مبارك في حكم مصر أكثر من ثلاثين عاماً، هذه الدولة التي انتزعت ثورة يناير عجلة القيادة منها، ومنحتها للحظات عابرة لرئيس مدني جاء عبر صندوق الانتخاب، لا صندوق الذخيرة.
بينما أحمد عز هو ابن دولة مبارك في طورها "العولمي"، حين فرض عليها النظام العالمي الجديد الذهاب إلى اقتصاد السوق والخصخصة، الأمر الذي دفع "الجزء المعسكر" فيها إلى الاتجاه للبيزنس والمنافسة في السوق.
فيما لم يكن التنافس بين الجانبين قاصراً على كسب السوق فقط، بل، وأيضاً، على كسب ود ورضا "رب السوق" القابع هناك في واشنطن، وليس الإصرار على استبعاد عز من خوض انتخابات مجلس النواب، إلا استمرارا لهذا الصراع القديم بين أطراف دولة مبارك.
أما لماذا أحمد عز، وليس أحد آخر من بقايا برلمان دولة مبارك، فمرد ذلك أن الجنرال لا يريد نجوماً وأصحاب طموح ونفوذ وصلات وعلاقات بالمحرك الأساس للعبة في مصر، فضلاً عن أنه كان رئيساً للجنة الخطة والموازنة في برلمان مبارك، وما يعني ذلك من اطلاعه على دقائق وأسرار الهيمنة العسكرية على ميزانية مصر، ومن ثم كان لا بد من إحراق الأرض تحت قدميه، ليكون عبرة لكل من يفكر، مجرد تفكير، في منافسة قائد انقلاب الدولة العميقة.
إنه صراع بين عميق مدجج بالبيزنس وأعمق مدجج بالقوة المسلحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق