الأربعاء، 25 فبراير 2015

تلك اللحظات المجنونة بين الخرفان والكلاب

المحامي كريم حمدي شهيد سلخانة تعذيب الشرطةتلك اللحظات المجنونة 
بين الخرفان والكلاب


تلك اللحظات المجنونة بين الخرفان والكلاب


وائل قنديل

في اللحظة التي كان فيها نشطاء ومدونون ومواقع إلكترونية يقيمون سرادقات النحيب والأسى لمناسبة نشر فيديو عن تعذيب مجموعة من "البهائم البشرية" لكلب في شارع الهرم حتى القتل، بعد توثيقه بالحبال، كان محام مصري يلفظ أنفاسه في قسم شرطة المطرية، بعد تعذيبه على يد أفراد الأمن.
لو قارنت بين حجم الاهتمام بقصة الكلب القتيل والمحامي الشهيد، ستكتشف أن ما نشر عن الأخير لا يصل إلى عُشْر التغطية التي حظي بها الكلب، الذي وجد من يدشن له هاشتاج على "تويتر" مطلقاً صيحات من نوعية "لن أترك حق كلب الهرم".
جيد أن يكون الحس الإنساني مرهفا، والمشاعر رقيقة إلى هذا الحد. لكن، عندما ترى أن جل المتباكين على الكلب من أولئك الذين رقصوا احتفالاً بحرق معتصمي رابعة العدوية والنهضة، ستكتشف أنك بصدد حزن مزيف وخليع، خصوصاً عندما يوظف بعضهم قصة الكلب لاستدعاء الحديث عن "داعش".
أما المحامي الشاب، كريم حمدي، الذي توجه إلى قسم الشرطة، للترافع عن واحد من المتهمين، فكان نصيبه الحجز، ثم التعذيب الوحشي حتى الوفاة، فلم يجد نشطاء مرهفي الحس، كالذين نعوا الكلب، وطالبوا بالقصاص من قتلته، لأن كريم باختصار ذهب لأداء واجبه، محامياً في الدفاع عن موقوف بتهمة الاشتراك في تظاهرات المطرية، ولأن القاعدة في مصر الفاشية تقول إن كل متظاهر إخواني إرهابي، وبالتالي يحق عليه العذاب والقتل، فإن من يدافع عنه يستحق المصير ذاته.

وعليه، لم يكن لدى النشطاء الغارقين في دموعهم الصناعية على الكلب مساحة للحزن على إنسان قتل بالطريقة ذاتها.
إن قسماً كبيراً من حزانى الكلب كانوا، في الماضي القريب، أول من صكوا مصطلح "الخرفان"، وأطلقوه على الإخوان، وكل من أيد شرعية الرئيس محمد مرسي، ومنهم من مارس عمليات ذبح وحرق مؤيدي مرسي، وهم أحياء في أحداث المقطم الشهيرة مارس 2013، فيما وصفتها وقتها بأنها "كانت جمعة الاستقالة النهائية من الثورة، والانسلاخ التام من الآدمية، وتشييع الإنسانية إلى مثواها الأخير.. جمعة الانفلات من البشرية، والغوص عميقا في قاع "البهائمية".
ومنهم من أعلن عشية الثلاثين من يونيو من العام ذاته أن "الليلة الوقفة وغدا يوم الذبح لرافضي الانقلاب"، وبالتالي، يبدو انفطار قلوبهم على تعذيب وقتل الكلب شيئاً عصي التصديق، لأنهم هم أنفسهم من صناع تلك اللحظات غير الإنسانية المجنونة لحرق وقتل المختلفين معهم، بما يشي وكأن كل المقصود من محزنة الكلب لفت الأنظار عن جريمة قتل المحامي في قسم الشرطة وتعذيبه.
على أن الجنون لا يقتصر على مفارقة الكلب والمحامي فقط، فهذه لحظات أخرى مشحونة بالجنون، مثل التي أعقبت إعلان الحكم بسجن متظاهري مجلس الشورى، إذ اندلعت حرائق التشفي بين المحتفين بالحكم والمفجوعين به، وبينما الطرفان غارقان في دوامات الكراهية، مرت أحكام براءة حبيب العادلي وأحمد نظيف وأنس الفقي بهدوء شديد، من دون ردود أفعال من أولئك الذين يعتبرون أنفسهم "أهل يناير"، باستثناء بعض القفشات وكثير من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
لقد بلغ الاستغراق في الكراهية بين فرقاء الثورة الواحدة حداً يجعل أهل الانقلاب يمارسون كل أشكال الاستهزاء والاحتقار لتلك الثورة، وهم واثقون من أن أحداً لن يغضب، وإن غضب، فلن يتجاوز غضبه زفرات إلكترونية ساخنة على "تويتر" أو "فيسبوك".
إن حقول الكراهية الممتدة باتت مكاناً نموذجياً لدفن كل فرصة لعمل ثوري حقيقي وجاد يستهدف تحرير مصر من قبحها، وقلة حيلتها وقيمتها على يد سلطة الانقلاب.

وفي الوقت ذاته، تشكل ملاذاً آمنا لمن يهربون من دعوات الاصطفاف والتوحد.
وكما تجلس "إسرائيل" الآن سعيدة تضع ساقاً فوق ساق، وتملأ حجرها بحلو الثمار، فيما النار مشتعلة في العلاقات العربية العربية، تمضي منظومة الانقلاب في مصر مرتاحة، وممتنة لعطايا شركاء الثورة الذين يمزقونها بحروبهم الإلكترونية العبثية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق