الخميس، 5 فبراير 2015

لمصلحة مَن هذه الطرق الداعشية في القتل ؟!

لمصلحة مَن هذه الطرق الداعشية في القتل ؟!


تقرير إخباري

بغض النظر عن صحة ومصداقية التسجيلات والفيديوهات المنسوبة لما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية" وهو يعدم بعض الرهائن المحتجزين لديه من عرب وأعاجم مسلمين وغير مسلمين , إلا أن وسائل وأساليب وطرائق الإعدام التي يستخدمها هذا التنظيم أثارت حولها جدلا كبيرا , سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي أو حتى الفقهي الإسلامي , وخصوصا الطريقة الأخيرة التي ابتدعها في القتل من خلال "إحراق" الطيار الأردني معاذ الكساسبة بالنار وهو حي حتى الموت .
وبغض النظر عن حقيقة مشاهد قتل "داعش" للرهائن بتلك الطرق المثيرة والمحفزة , والتي شكك في حدوثها بالفعل بعض الباحثين , فإنها بلا شك لا تصب في مصلحة المسلمين بأي حال من الأحوال , ولا تصب في مصلحة المقاومين للمشروع الصليبي الرافضي الذي يتمدد ويتوسع يوما بعد يوم في المناطق السنية , ويرتكب من الجرائم الوحشية ما يندى له جبين البشرية .
إن أمثال هذه الطرق والأساليب في قتل "داعش" للرهائن والأسرى لديها , تصرف الأنظار عن جرائم الصفويين والصليبيين في كل من سورية والعراق وغيرها , وتشوه صورة الثورة السورية والعراقية الإسلامية المستمرة حتى الآن , والتي ما زالت شوكة في حلق المشرع الصليبي الصفوي , ناهيك عن أن تلك المشاهد تصب في مصلحة أعداء هذا الدين , الذين يريدون مبررا متجددا مستمرا لاستكمال عدوانهم الآثم على أبناء هذه الأمة , وهو ما تقدمه "داعش" كل فترة بطريقة جديدة مبتدعة في القتل . 
إن المتابع لردود الفعل الإقليمية والدولية لطريقة قتل "الكساسبة" , وما ترتب عليه من دعم جديد لما يسمى "التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة " , وإعطاء الذريعة والمبرر لمزيد من العمليات العسكرية ضد الأبرياء في كل من سورية والعراق , ناهيك عن التغطية الجديد لمواصلة التآمر على كل من الثورة السورية والعراقية , يدرك حجم تداعيات أمثال هذه الممارسات والتصرفات "الداعشية" .
ومن هنا يمكن فهم إدانة كثير من علماء الأمة لما قام به التنظيم بالأمس من إعدام الكساسبة بهذه الطريقة , مأكدين مخالفة ذلك لتعاليم الإسلام وأحكامه المنصوص عليها في كتاب الله وسنة رسوله , وعلى رأسهم الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين علي القره داغي وغيره كثير . وبعيدا عن مناقشة مسألة الخلافة التي أعلنها "التنظيم" منفردا , والإمام الذي نصبه على المسلمين دون مراعاة الضوبط الواجبة في مسألة تعتبر من أهم وأخطر مسائل الفقه الإسلامي "الإمامة" , فإن ما يقوم به "التنظيم" باسم الخلافة مناقض ومخالف لأبسط أحكام ما يسمى في الفقه الإسلامي "السياسة الشرعية" . 
وعلى الرغم من زعم "التنظيم" تمسكه بتعاليم الإسلام , والالتزام بالسنة النبوية وإقامة الشريعة الإسلامية , إلا أن طرق وأساليب قتله للرهائن أو الأسرى لا تتفق مع أحكام الإسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
 فمن المعروف في الفقه الإسلامي أن إمام المسلمين مخير بشأن أسرى الحرب بين المن أوالفداء أو القتل أو الاسترقاق , أما المن – وهو إطلاق الأسير دون مقابل لحكمة أو مصلحة يراها إمام المسلمين – والفداء – وهو إطلاق الأسير بمقابل مادي بالمال أو تبادله بأسرى مسلمين لدى العدو , أو معنوي كالتعليم أو ما شابه ذلك , فمنصوص عليه بقوله تعالى : { فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً } محمد/4 , وقد أطلق النبي صلى الله عليه وسلم أبا عزة الشاعر بعد أسره بغزوة بدر , كما أطلق بعد فتح مكة الكثير ممن سموا "بالطلقاء" , كما طبق الفداء في أسرى بدر .
وأما القتل فهو أحد خيارات إمام المسلمين إن كانت المصلحة في ذلك , وقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر كلا من عقبة بن أبي معيط , والنضر بن الحارث , كما قتل أبا عزة الشاعر بعد غزوة أحد بعد أن منّ عليه بعد غزوة بدر ....الخ . إن الضابط في اختيار الإمام لأحد هذه الخيارات هو الأصلح للأمة , ومن هنا ذهب بعض العلماء إلى وجوب أخذ الإمام بالأصلح للأمة من خيارات التعامل مع الأسرى ,
قال ابن تيمية : "تخيير ولي الأمر بين : القتل، والاسترقاق، والمن، والفداء ؛ ليس تخيير شهوة ، بل تخيير رأي ومصلحة ، فعليه أن يختار الأصلح" .
هذه الأحكام الفقهية المأخوذة من الكتاب والسنة تخص غير المسلمين من الأسرى , أما الأسير المسلم فلا يجوز قتله بحال من الأحوال باتفاق العلماء والفقهاء .
إن الغريب والمثير للانتباه هو في طريقة قتل "داعش" للكساسبة , فبغض النظر عن مسألة مشاركته في الغارات التي يشنها التحالف الدولي على كل من سورية والعراق , إلا أنه يبقى على كل حال مسلما , ولا يجوز قتله أبدا بعد أن وقع في الأسر بيد التنظيم , إلا أنهم لم يكتفوا بقتله بالطريقة المعتادة لديهم سابقا "الذبح" , بل قتلوه بطريقة وأسلوب منهي عنه في الإسلام وهو "الحرق" , فقد ورد في الحديث الصحيح : (.....إِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ.... ) صحيح البخاري برقم 2954 .
فلماذا ينفرد المسلم بالقتل بهذه الطريقة المنهي عنها في الإسلام من بين عشرة رهائن أو أسرى قتلهم التنظيم منذ أغسطس من العام الماضي ؟ وهل في ذلك إشارة إلى تشدد في التعامل مع المسلمين بما لا يفعلوه مع أعداء الدين ؟؟ والتي هي صفة فئة وفرقة إسلامية معروفة في التاريخ الإسلامي القديم والحديث ؟! ثم بعد كل ما سبق يبقى السؤال : لمصلحة مَن هذه الطرق الداعشية في القتل ؟! والتي تخالف أحكام الشريعة الإسلامية التي يزعم التنظيم أنه أقام "خلافته" المزعومة لتطبيقها على أرض الواقع !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق