الخميس، 5 فبراير 2015

زمان سلطان الحمير

زمان سلطان الحمير


أحمد عمر

رفض حمار الوحش فكرة أمير الثعالب، وقال: أنا لا أصلح للإمارة والملك؟ أنا حمار ... حمااااار.
قال الثعلب: معظم حكام المنطقة حمير عادية، وأنت، اسم الله حولك، حمار وحش مخطّط وملوّن، "زيبرا" يا مولانا.
ثم إنكم المؤسسة الوحيدة الباقية في الغابة. ووراءك قطيع مدرب، بثياب موحّدة "ويوني فورم" ترهب أقوى النمور. ضربة حافر من سيادتكم تكسر جمجمة ثور البيسون. الكثرة تغلب الشجاعة والنمور.
قال الحمار: لكن، يصعب عليّ تقبّل فكرة أن أصير ملكاً. كيف سأجلس مع الليوث القشاعم، والنمور الضراغم، في مؤتمرات القمة؟ 
مولاي، سنتكفل بكل شيء، سنصنع لك باروكة تجعل الأسود ترتعب منها، ولدينا استوديوهات تحوّل نهيقك المنكر إلى زئيرٍ، ترتعد له فرائص الغابة، ونشتري لك طقم أنياب حادة أطول من أنياب الفِيَلة. شد العزم، فوراءك عشرات آلاف الحمير، التي لو أشرت لها بذيلك المحترم، لداست على الأخضر واليابس. أنتم أقوى مؤسسة في الغابة.
قال الحمار: صحيح أنا حمار، لكني أعقل وأحكم من القبول بهذه الخدعة. كن أنت الأمير؟
قال الثعلب: هذا هو زمان حكم الملوك الحمير.
قال أمير الثعالب: ستنجح، وإن خفت، اشرب قليلاً من حليب السباع، ويصبح الأسد في عينك فأراً.
قال الحمار: أنا حمار عندي بقية عقل، ولو شربت حليب السباع لخسرته. ثم إنني أميّ.
قال الثعلب: كل شيء له حل وتدبير، سنجد مَن يقرأ عنك، نحن في عصر الأتمتة، وهذا سيجعل لك هيبة أكبر. الغياب من صفات الآلهة.
وفعلاً تمت تولية الحمار ملكاً للغابة، بعد أن أجريت جميع جراحات التجميل اللازمة، لتحويله من حمار إلى ليث غضنفر. وفي أول قمة، مع ملوك ورؤساء الأمم، وقعت جملة أخطاء قاتلة، فما إن تقدمت إحدى اللبوات الأجنبيات للسلام الرئاسي على الملك الحمار، حتى أطلق "قذيفة" من مؤخرته رعباً، وتزحلق، وكاد أن يولي الأدبار، لولا أن ثبّته وزير التعبئة الحميرية.
وكان حمار الوحش يتودّد ويطأطئ، ويقبِّل الأكتاف، ويبادر إلى خدمة زملائه، مع أنه ملك أكبر الغابات!
وعندما جاء دور الحمار في الخطاب، في مؤتمر "الرفق بالإنسان"، صعد إلى المنبر، ونهق، ثم تدارك، وحاول أن يزأر مشغّلاً زراً مخفيّاً في سترته، لكنه، لأنه حمار، كان قد نسي العدة، وكانت الغلطة الرابعة أن أحد حكام دولة الفهود السبعة سعل، بسبب نزلة برد، وقال: "حا حا"، فنزل الحمار من مكانه، ملبياً النداء، وكانت فضيحة كاملة، لم تشفع لها كل عمليات التجميل والأتمتة. 
لكن، ما حدث أنّ الفضائيات أذاعت الأخبار كالتالي:
فضائية "العاهرة اليوم"، قالت إن الجماهير صفّقت طويلاً لكلمة الرئيس الجحش لبلاغتها وشجاعتها وفصاحتها.
قالت بجعة حسناء نالت، أخيراً، لقب أحسن ممثلة عن فيلم " دخيل الله": ليتني أصير جارية تحت حوافره.
وقال مذيع نعّاق في برنامجه اليومي "الشهيق والنهيق": نحن فخورون بك، يا سيادة الحمار، البطل، الكل يؤخذ منه، ويرد عليه إلا أنت.
وقال الرئيس الأميركي: الحمار ملك محترم وله كاريزما، وهو رمزنا الانتخابي!
الغريب أن مجلة التايم اختارت حمار الوحش شخصية العام، والأكثر تأثيراً في العالم. أما "فوربس" فاختارته أكثر الحيوانات غنى وثراءً!
واشتهر الحمار الوحش بالحسن والجاذبية، حتى أنّ لبوات متقاعدات، وأخريات صبايا، وأفراس نهر وقعن في غرامه.
وما حدث أن الحمار لم يعد يكترث بعمليات التجميل، أو بتقليد الزئير. وبات ينهق، والجماهير تصفق له، ويغشى عليها من الوجد والحب، وقال المؤرخون إن فترة حكمه التي استمرت ثلاثين سنة عرفت بالأمن والاستقرار.. والاستحمار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق