الخميس، 19 نوفمبر 2015

العائدون من معسكر 30 يونيو

العائدون من معسكر 30 يونيو
عصام تليمة

ملف العائدين من معسكر 30 يونيو، وتأييد الانقلاب العسكري، سيظل ملفا ملحا في التناول والطرح، ذلك أن هناك من يترك هذا المعسكر، إما قناعة عن خطأ توجهه، ويقظة ضميره، أو وصوله لقناعة فشل هذا الانقلاب، وأنه لا يبقي على أحد، أو لأنه لم ينل نصيبه الذي كان يطمح إليه من الانقلاب، أو إفاقته المتأخرة.
وهذه الحالات يثور حولها النقاش، وسيظل النقاش دائرا كلما خرج أحد من هذا المعسكر بأي درجة من الدرجات.

والأمر هنا في تصوري له شقان، شق ديني شرعي، وشق سياسي. 

أما الشق الديني الشرعي، فهو أمر موكول إلى الله عز وجل، لا يملك فيه الحكم بقبول التوبة من ردها إلا هو سبحانه وتعالى، وقد وضع الإسلام شروطا لصحة التوبة، وهي: الندم على ما قام به الشخص من تأييد للباطل، وتحريض على الدم والظلم، والعزم على عدم العودة إلى ذلك، وإصلاح ما أفسد، وتبيين الحق من الباطل، وذلك عملا بقوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة: 160.

أما الشق السياسي
، فلا أعتقد أن هناك مشكلة في خروج أحد من معسكر الانقلاب إلى معسكر الثورة، أو العمل على إسقاط الانقلاب، شريطة عدم صدارة هؤلاء العائدين حتى تثبت الأيام صدق نواياهم وتوجهاتهم، وإن كان الموقف مخلصا منهم فلن يفرق معهم في أي صف سيقفون، ما دام الهدف مبدأ وليس مصلحة شخصية، ويعجبني في هذا الأمر تجربة رائعة قام بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مع أتباع مسيلمة الكذاب، ولست هنا أصف من أيدوا الانقلاب بالردة، معاذ الله، بل أستشهد بالنموذج هنا لحكمته السياسية.

فقد اتخذ عمر رضي الله عنه مبدأ لكل من كان مع مسيلمة الكذاب وأراد التوبة أن يخرجه للجهاد دون أن يكون في الصفوف الأولى، حتى لا يحدث منه أي موقف يفت في عضد الناس، ثم بعد ذلك يقدمهم خطوة فخطوة حسب ما يلوح له وللناس منهم من حسن توبة، فقد كان تميم الداري على علم بكتب النصارى واليهود، وكان على علاقة بمعاوية بن حرمل صهر مسيلمة الكذاب، والذي كان معه في الردة، فإن عمر لم يستنكف بعد حينا من الزمن عن الإذن له في القصص يوما، مكتفيا بسؤاله عما يعتزم قوله، ووضع ضوابط لعمله، ثم استزاد عثمان بن عفان يوما فزاده.

وهو نفس ما حدث مع عبد الله بن أبي سرح، والذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه يوم فتح مكة وأحله حتى إن كان معلقا بأستار الكعبة، ثم عفا عنه، وقبل توبته.
ثم يوليه عمر بن الخطاب ميمنة جيش عمرو بن العاص في فتح مصر، ثم يوليه عمر على صعيد مصر، ثم يوليه عثمان على مصر كلها. وكان ابن أبي سرح أحد أبرز قادة الجيش الإسلامي في موقعة ذات الصواري، التي أحرز فيها المسلمون أول نصر حربي بحري على الروم. 

ففتح باب التوبة دينيا مطلوب بترغيب الناس فيه، وهو ما لا يملك أحد غلقه، وأما فتح باب التوبة السياسية فهو بشروطه التي ذكرناها، دون أن نحكم على الناس بالتفسير التآمري، أو أن نتعامل معهم بمنطق الغفلة والسذاجة، بل ما ذكرناه من منطق عمر بن الخطاب والذي كان يقول: لست بالخب، ولا الخب يخدعني.

إن إغلاق باب عودة من شاركوا في الانقلاب بأي درجة كانت، معناه أن يظل كل معسكر بما لديه من أنصاره، وهو ما ينافي سنن الله في كونه في امتلاك أدوات النصر، وأدوات إنهاء الباطل، وهو محاصرة الباطل حتى يكون وحده برؤوسه وفسدته، وفض من أيدوه من حوله، ومحاولة العودة بالناس الذين خدعهم هذا الانقلاب بكل وسائل الخداع المختلفة، لردهم إلى جادة الصواب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق