السبت، 28 نوفمبر 2015

بوتن.. شين وقوي عين!

بوتن.. شين وقوي عين!



إسماعيل ياشا

إن القوات المسلحة التركية لم تسقط يوم الثلاثاء الماضي المقاتلة الروسية التي اخترقت المجال الجوي التركي فقط، بل أسقطت أيضا أقنعة لتنكشف وجوه أطراف في داخل تركيا وخارجها وصل بها الفجور في الخصومة لدرجة الاصطفاف مع خصوم تركيا في أي أزمة، صغيرة كانت أو كبيرة، بغض النظر عن هوية ذلك الخصم، وهل هو على الصواب أم لا. 
وهذه الأطراف التي تعاني من «فوبيا أردوغان» لم تتردد بعد إسقاط المقاتلة الروسية في الوقوف إلى جانب موسكو؛ نكاية بتركيا ورئيسها. ولكن ما يبعث على الأمل والاطمئنان أن الأغلبية الساحقة، سواء في الشارع التركي أو في الشارع العربي، تقف في هذه الأزمة إلى جانب تركيا وتعرف أنها على حق.
وفي حادثة إسقاط المقاتلة الروسية بالقرب من الحدود السورية-التركية، تملك تركيا جميع المبررات القانونية والأخلاقية لإسقاط طائرة حربية اخترقت أجواءها وتجاهلت التحذيرات التي أطلقت لتغير مسارها، وهي بذلك تدافع عن سيادتها. ومن حق أي دولة أن تحمي حدودها وأجواءها وترد على الانتهاكات في إطار المعاهدات والقوانين الدولية. وبالتالي، لا يمكن تجريم تركيا بسبب دفاعها عن مجالها الجوي.
وفي هذه الحادثة الأخيرة يجب أن توجه الأسئلة وأصابع الاتهام إلى روسيا التي اخترقت مقاتلاتها المجال الجوي التركي، ضاربة بتحذيرات أنقرة عرض الحائط، ويجب أن يسأل بوتن لماذا تجاهلت موسكو تحذيرات الجانب التركي وواصلت مقاتلاتها اختراق الأجواء التركية؟ ويجب أن يسأل أيضا: لماذا تقصف القوات الروسية القرى المأهولة بالسكان في منطقة جبل التركمان التي لا يوجد فيها أي واحد من عناصر «داعش»؟
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في قمة العشرين التي اجتمعت في مدينة أنطاليا التركية في منتصف الشهر الجاري، لفت انتباه ضيفه لاختراق المجال الجوي التركي من قبل المقاتلات الروسية، ورد بوتن قائلا: «اعتبروها ضيوفا»، ولكن أردوغان أكد أن الضيف لا يدخل البيت دون استئذان.
يبدو أن الرئيس الروسي قد نسي أن من حق صاحب البيت أن يقتل الدب الذي يقتحم بيته، وأن هناك حدودا وقوانين دولية يجب أن تلتزم بها روسيا كما تلتزم بها بقية دول العالم. وكان على بوتن أن يدرك أن انتهاك القوات الروسية لسيادة أوكرانيا أو غيرها دون أن تواجه أي مقاومة أو ردة فعل قوية لا يعني بالضرورة أن جميع الدول سوف تسكت على مثل هذه الانتهاكات.
التصريحات التي يطلقها بوتن منذ إسقاط مقاتلة روسية من «نوع سوخوي أس يو 24» من قبل سلاح الجو التركي تدل على حجم الصدمة وضعف الحجة، ولا تليق على الإطلاق برئيس دولة عاقل يحترم نفسه.
ومرة يحاول أن يضلل الرأي العام ويزعم أن المقاتلة الروسية لم تخترق الأجواء التركية، وأخرى يقول إن قادة تركيا يسعون إلى «أسلمة» المجتمع التركي، مع أنه هو نفسه قد دعا قبل شهرين فقط كبير هؤلاء القادة الأتراك إلى بلاده ليشارك معه في افتتاح مسجد موسكو. ويتهم تركيا بشراء النفط من «داعش» في الوقت الذي تعلن فيه الولايات المتحدة فرض عقوبات على بنك روسي وسيط بين «داعش» والنظام السوري في صفقات النفط.
الإعلام الروسي بدوره بدأ يشن حملة التشويه ضد تركيا ورئيسها وحكومتها، إلا أن الأساليب الرخيصة التي يستخدمها في هذه الحملة قديمة سبق أن استخدمها غيره، مثل اتهام بلال أردوغان نجل الرئيس التركي بدعم «داعش» بناء على صورة تظهره مع بعض الأشخاص الملتحين، على الرغم من أن الصورة نفسها نشرت قبل فترة طويلة في بعض وسائل الإعلام التركية المعارضة واتضح أن الأشخاص الذين يظهرون فيها أصحاب مطعم شهير بإسطنبول ينتمون إلى جماعة صوفية وأن الصورة تم التقاطها خلال زيارة بلال أردوغان للمطعم.
تركيا تتعامل مع الأزمة بمسؤولية إلا أن روسيا تتجه نحو التصعيد بخطوات صبيانية، مثل احتجاز رجال الأعمال الأتراك في المطار لمدة ساعات، وقصف شاحنات المساعدات الإنسانية التي أرسلت إلى المناطق المحررة في الشمال السوري، وإن كانت أنقرة لا تحبذ تدهور العلاقات بين البلدين إلا أنها مستعدة لمواجهة هذا التصعيد.

❍ @ismail_yasa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق