الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

الجنرال عارياً في فراش المؤامرة


الجنرال عارياً في فراش المؤامرة
وائل قنديل

السؤال لكل من راهن على لحظة 30 يونيو/ حزيران المجنونة: هل ما تراها ممتدة من النيل عند السودان، حتى ساحل المتوسط، "دولة" وتسمى مصر؟ هل ما تسمعه وتضحك، ثم تبكي، وتقرأ أخبار تحركاته وقراراته، هو نظام سياسي، بالمعنى الحقيقي للكلمة؟
أسألك الآن، وأنت ترى القاهرة عاجزة عن التدخل في شؤونها الداخلية والسيادية، بينما العالم كله يتدخل ويقرّر، في موضوع فضيحة إسقاط الطائرة الروسية في شرم الشيخ.. وطن هذا أم خرابة، أم مقبرة، أم منتجع مهجور؟ 
تجاوز نظام عبد الفتاح السيسي مرحلة "القدرة على التزييف" إلى حالة "الهذيان اللا إرادي" فيما يخص مواقف عواصم العالم منه، على نحو يجعل من بقاء هذا النظام طليقاً، خطراً حقيقياً على المجتمع.
استأنف نظام السيسي تصفية المعارضين أحياء، مع تصاعد شعوره بالانكشاف أمام المجتمع الدولي، وانفضاض المانحين وإدراك الجميع أنهم راهنوا على الشخص الخطأ.
يتزامن ذلك مع ارتفاع مخيف في أصوات "حديث المؤامرة الدولية" إلى الحد الذي دفع واحداً من شيوخ مهنة الصحافة الوقورين، الأستاذ فهمي هويدي، إلى محاولة البحث عن حالة اصطفاف وطني لمواجهتها، في لحظة صارت معها مفردة "الاصطفاف" أقرب إلى الإسفاف، من كثرة الاستعمال، التجاري والسياسي، لها.
 تطلق ماكينات إعلام عبد الفتاح السيسي النفير العام للتصدي للمؤامرة الأميركية، على الرغم من أن الجنرال يعتبر نفسه عاشقاً مخلصاً للمؤامرة، إذ أعلن، غير مرة، عدم قدرته على المبيت خارج فراش واشنطن، ولعلك تذكر صرخته الخالدة "حتى لو أدارت واشنطن ظهرها لنا لن ندير لها ظهرنا"، وهو المعنى الذي عبر عنه وزير خارجيته السابق، بوقاحة أكبر، بقوله "إن العلاقة مع واشنطن ليست ليلة واحدة عابرة، وإنما زواج". هل صغرت مصر وتقزمت وتشوهت، حتى صارت مجرد قطع من الجلد السميك، تسمى "القفا" بحيث يصبح صفع مذيع أحمق، في تصرف أحمق، على الأراضي الأميركية، مؤامرة وعدواناً من واشنطن على القاهرة؟ وما يقال في العلاقة مع أميركا يصح في الموضوع البريطاني، والموضوع الروسي، إذ تبدلت الحال من التزلف والتملق والتدله والانبطاح، والتسول لزيارة وصورة تذكارية، إلى الاتهام بالتآمر والمحاصرة والإهانة، على إيقاعات أغنيات وخطابات مبتذلة، تعبر عن وطنية مسيئة للوطن.
أنت بصدد نظام هو حصيلة كل نوازع ورغبات التربص الشرير، بما أنتجته ثورة المصريين في يناير/ كانون ثاني 2011، هو عصارة مؤامرات كل الأطراف الكارهة لتغيير ديمقراطي في مصر، يحرّر قرارها السياسي من الإملاءات والرغبات الإسرائيلية، والضغوط القادمة من دولٍ، أخذت على عاتقها منذ اليوم الأول للربيع العربي أن تجهضه. 
منذ البداية، يدرك أصحاب العقل أن انقلاب عبد الفتاح السيسي على الحكم الديمقراطي المنتخب في مصر، هو الابن السفاح لمؤامرة إقليمية ودولية، وأظن أن كل التحركات الداخلية والخارجية لتحقيق الغاية الشريرة لا تزال مدونة ومحفوظة في ذاكرة "غوغل"' والرحلات المكوكية لرموز الكيان السياسي المشين، المسمى "جبهة الإنقاذ" إلى حواضن الانقلاب الإقليمية والدولية، لا تزال حية في الذاكرة، بل إن واحداً من حوامل مشروع الانقلاب، الدكتور محمد البرادعي، لم ينف، أو ينكر، الدور الذي لعبه دولياً لاستعداء القوى الغربية على نظام الحكم المنتخب. وفيما بعد إطاحة الحكم المنتخب، وإراقة الدماء أنهاراً، واكتظاظ الزنازين بعشرات الآلاف، لم تتوقف المؤامرة، بالدعم المالي، الغزيز من رعاة الانقلاب الخليجيين، والإسناد السياسي والدبلوماسي المتواصل من حكومة الاحتلال الصهيوني، والاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض والكرملين، في لحظة انسجام تاريخية بين من كانا يصنفان نقيضين.
أنفق العالم كثيراً على رعاية جنرالكم الفاشل، مع الاعتذار للفشل، ما لم ينفق على أحد، منذ قدم نفسه باعتباره أداة كونيةً، لتخليص العالم من الإرهاب، بالأباتشي والرافال والميسترال، دمر سيناء وهجر أبناءها، في ظل تصفيق إسرائيلي حاد، وخرج أكثر من مرة وجنرالاته يقولون إن "الإرهاب يترنح" بفعل ضرباتهم.. ثم فجأة يستيقظ الإرهاب، ويصفعهم، ويضرب في أحشاء حليفهم الروسي الوحيد.
 هنا، قرر الرعاة أن يسلكوا وكأن لا دولة هنا، ولا نظام ولا رئيس، باستثناء العدو الصهيوني الذي لم يدخل حتى الآن قوائم الدول المعادية والمتآمرة، التي تحاربها آلة البروباغندا السيسية بكل قواها.
المؤامرة الحقيقية اسمها عبد الفتاح السيسي ونظامه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق