حملة فاشية كبرى لتدمير حلب؟
داود البصري
جريمة العصر تقترف هذه الأيام، وأمام عيون العالم المنافق، عبر عمليات القصف التدميري والحاقد الكامل للمدنيين الأبرياء في مدينة حلب، من قبل الطيران الروسي الإرهابي والسوري المجرم، وفي ظل غياب تام عن أي شرعة دولية، أو قوة عادلة بإمكانها نصرة المظلومين ولجم الظالمين، لقد سقط الضمير العالمي في أبشع امتحان لإرادته، وتهاوت كل القوانين الدولية المنافقة أمام هول ما يحدث من جرائم لم يشهد لها التاريخ مثيلا في أشد عصور الظلام والهمجية والتخلف، عار ما يحدث، ومصيبة كبرى تجري أمام العالمين، والشعب السوري يذبح من الوريد للوريد والوسيط الدولي ما زال يبتسم، وبان كي مون ما زال في حالة قلق، إنها مهزلة العصر المأساوية.
في حلب الشهباء وحولها وعلى تخومها وأطرافها وفي أرضها وسمائها تجمعت كل ذئاب الشرق، وهي تحاول النهش في جسد الثورة السورية المثخن بالجراح، ففي حلب تدور اليوم معركة تاريخية من نمط وأسلوب خاص، إنها معركة المصير لأعداء الثورة السورية وخصومها ومن يناصبونها العداء ويعملون لإجهاضها وإرجاع عقارب الساعة للوراء ومعاكسة الحتمية التاريخية،
المعركة في الشمال السوري يريد النظام وحلفاؤه الروس وإيران وميليشياتها الطائفية المتنوعة فرض إرادته، وكسر إرادة الثوار وإجهاض الثورة، والالتفاف على كل إنجازاتها، ومحاولة الخلاص من أوزار الجرائم الكبرى ضد الإنسانية التي اقترفها النظام السوري ولا يزال ضد شعبه المنكوب، فبعد التدخل العسكري الروسي الستراتيجي الواسع النطاق تلقى النظام جرعة من المقويات، ولكنها لم تكن كافية لفك عثرات النظام وتهاوي وتحلل جيشه المهزوم الذي تخلى تماما عن أسطورة وأهزوجة وكذبة الصمود والتصدي والتوازن الستراتيجي وأضحى مجرد ميليشيات مهزومة تبدع في قتل شعبها، وفي حماية أوكار الطغيان والقتل والإرهاب.
لقد أبدع طيران النظام السوري في إدارة مجازر بشرية بشعة من خلال التركيز على ضرب الأسواق والمتبضعين من المدنيين بعد أن اخترق علنا الهدنة الشكلية ومارس أسلوبا تفاوضيا فجا في جنيف من خلال التخلي عن كل الالتزامات والاتفاقات والعهود السابقة، وتصرف وكأنه الطرف المنتصر ميدانيا محاولا فرض شروطه بينما الحقائق الميدانية تشي بعكس ذلك تماما ومطلقا، معركة حلب والتي بدأها النظام السوري بقصف جوي شامل لمواقع المدنيين بهدف إلحاق أكبر أذى ممكن بحاضنة الثورة الشعبية تحولت لمعركة استنزاف كبرى للنظام وحلفائه، فالروس يقصفون جوا ويغطون مواقع النظام ويمهدون الطريق للميليشيات الطائفية التي تتوافد بكثرة على المنطقة، ومعارك ريف حلب الجنوبي تحديدا استنزفت الكثير من إمكانيات الحرس الثوري الإيراني ثم أضيفت للخسائر الإيرانية عناصر النخبة من اللواء 65 من الجيش الإيراني والثوار أيضا يقدمون خسائر واضحة على مستوى الأفراد والقيادات وبما يشكل حالة قلق حقيقية للجهد العسكري والسياسي الإيراني الذي بات اليوم محصورا في الزاوية مع كل تورط جديد في معارك يعلم أهل المنطقة طبيعتها وظروفها رغم قوة نيران النظام وحلفائه، الإيرانيون اليوم بصدد المشاركة الفعلية والعملية في تنفيذ برنامج تبديل وإحلال ديموغرافي طائفي واسع النطاق يشمل السيطرة على مناطق واسعة في قلب الشام وفي العاصمة دمشق تحديدا كما حدث في حريق (سوق العصرونية ) في قلب دمشق القديمة والذي هو هدف مشترك بين النظام والإيرانيين لأعمال استثمارية وبأهداف طائفية محضة لا تخطئ العين الخبيرة قراءة دلالاتها ومعانيها، في الشمال السوري وحول حلب بالذات تتناطح مشاريع وخطط محلية ودولية ومنها الدعوة الألمانية للإقامة منطقة آمنة تكون ملاذا للاجئين السوريين الهاربين من جحيم المعارك وهو طلب تركي قديم لم يتم الاستماع له للأسف، والنظام يعلم تماما أن خروج الشمال عن سيطرته يعني ضمنيا خروج سورية بكاملها عن سطوته وهو ما سوف يتحقق في نهاية المطاف، لذلك فالمعركة شرسة وساخنة هناك وعلى نتائجها يتوقف مصير سيناريوهات وخطط عدة، النظام السوري يتصرف للأسف من دون خشية من رقابة أو عقاب دولي، فالرئيس الأمريكي أوباما قد أغلق الباب نهائيا في وجه أي عملية عسكرية دولية لتأديب ولجم النظام السوري معتبرا ذلك خطأ كبير!، وهو ما يدفع النظام للتمادي في وحشيته وعدوانيته وفظاظته، وحلفاؤه الإيرانيون يعتبرون أي انسحاب من المعركة بمثابة هزيمة كاملة قد ترتد عليه في العمق الإيراني، بينما مقاومة الثوار بلغت درجة أسطورية من الفداء والتضحية في مواجهة هجمة عسكرية متوحشة وظالمة وشبه دولية، وفي ظل صمت الدول الكواسر عن الفظائع التي يقترفها النظام السوري فإن في فصول معركة حلب المستمرة والمتصاعدة مفاجآت آتية حاسمة قد تغير شكل وطبيعة المواجهة!..
وتبقى المحرقة السورية مستمرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق