لماذا كثف الصهاينة تهويد الأقصى؟
د. صالح النعامي
كثف الصهاينة وبشكل غير مسبوق أنشطتهم الهادفة إلى إرساء الحقائق في الحرم القدسي الشريف بوتيرة متسارعة ولافتة تمهيداً لتهويده.
فلم يكن المسجد الأقصى في يوم من الأيام في خطر كما هي عليه الظروف الآن، في ظل تعاظم أنشطة المنظمات اليهودية التي أخذت على نفسها العمل على تدشين الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.
ويستغل الصهاينة عمليات القمع الممنهجة ضد المرابطين والمرابطات في الحرم من أجل قطع المزيد من الخطوات على طريق تهويد المسجد بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، وبغطاء مباشر من الحكومة الصهيونية بقيادة بنيامين نتنياهو.
ففي هذه الأثناء تحديداً تطلق منظمة "معهد الهيكل" - وهي أكثر المنظمات الصهيونية التي تنشط في العمل المباشر من أجل إعادة بناء الهيكل المزعوم على أنقاض الحرم - حملة واسعة وعلنية لجمع التبرعات من أجل تأهيل فريق الكهنة الذي سيتولى إقامة قداس تقديم الأضاحي، وهو أحد الطقوس التي تمهد لبناء الهيكل، وفق "الفقه اليهودي".
وقد دشنت منظمة "معهد الهيكل" موقعاً على الإنترنت لاستقبال التبرعات، على الرغم من أنها لا تحتاج في الواقع للدعم من الجمهور اليهودي؛ فهي تحصل على دعم بملايين الدولارات من الحكومة ومبالغ مماثلة من رجال أعمال يهود في الولايات المتحدة.
ويؤكد قادة هذه المنظمة أنه قد تم فتح باب التبرعات أمام جمهور الصهاينة من أجل تشجيع أكبر عدد من اليهود على الانضمام لدائرة العمل الهادف للتمهيد لتدمير المسجد الأقصى استعداداً لبناء الهيكل على أنقاضه.
وقد عرضت قناة التلفزة الصهيونية الثانية مساء أمس الأحد شريطاً يظهر فيه الحاخام يسرائيل أرائيل، رئيس منظمة "معهد الهيكل" وهو يشير بيده من على تلة تقع قبالة المسجد الأقصى ويقول: "لن نسمح بتواصل هذا النجس على ظهر المكان الأكثر قدسية لليهود، تدشين الهيكل هي الفريضة الأكبر في الشريعة اليهودية".
وشدد أرئيل على أنه "لن يتأخر اليوم الذي تزحف جموع اليهود على الأقصى لتخلص الهيكل من بين أيدي المسلمين وتطردهم، فبإمكانهم أن يجدوا مقدساتهم في مكة".
وقد كشف بنيامين نتنياهو عن أنيابه بشكل غير مسبوق عندما أمر بتمويل رحلات لمئات الآلاف من الطلاب لمقر منظمة "معهد الهيكل" وذلك "بهدف تعزيز الوعي بضرورة إقامة الهيكل لدى النشء اليهودي".
وقد كشفت صحيفة "هآرتس" مؤخراً النقاب عن أن الطلاب اليهود يحصلون على دروس حول الاستعدادات التي تجريها منظمة "معهد الهيكل" لإعادة بناء الهيكل على أنقاض الحرم القدسي الشريف.
ومن الواضح أن الهدف من هذا الجهد يهدف إلى تعزيز الوعي بضرورة تدمير المسجد الأقصى. فعلى الرغم من تعهد نتنياهو في اتفاقه مع الحكومة الأردنية الذي رعاه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في أكتوبر 2015 بعدم السماح للساسة والمرجعيات الدينية اليهودية المتطرفة بتدنيس الحرم، فإن الساسة والمرجعيات الدينية اليهودية التي تحرض على تدمير الحرم تواصل تدنيسه. فعلى سبيل المثال سمحت المحكمة الصهيونية العليا للحاخام يهودا غليك، الذي يعد أخطر وأكثر المرجعيات الدينية اليهودية جرأة في العمل والتحضير لتدمير المسجد الأقصى بتدنيس الحرم.
ويشار إلى أن هذا الحاخام ليس فقط مرجعية دينية، بل يشغل موقعاً سياسياً، حيث إنه قيادي بارز في حزب الليكود، وسينضم لقائمة الحزب البرلمانية كعضو كنيست قريباً.
من المؤسف، أنه في ظل الاتفاق برعاية كيري، فإن الكيان الصهيوني شرع في خطوات غير مسبوقة تهدف إلى تكريس واقع جديد في الحرم، حيث إنه بات لا يتورع عن اعتقال خطيب المسجد الأقصى محمد سليم بمجرد أن ينهي خطبته بزعم أنه "حرض" على الكيان الصهيوني. وفي الوقت ذاته فإن هذا الكيان يسمح للمرجعيات الدينية التي تخصصت في "التأصيل الفقهي" وإصدار الفتاوى التي تحث على قتل الفلسطينيين، مثل الحاخام يهودا كرويزر، الذي على الرغم من أنه حتى الشرطة الصهيونية قد أوصت بمنعه من تدنيس الحرم، إلا أن المستوى السياسي في تل أبيب ممثلاً في نتنياهو قد ضغط على الشرطة للسماح له بتدنيس المسجد من أجل استرضاء قواعد اليمين الديني المتطرف.
وإن كان الاتفاق الذي رعاه كيري ينص بشكل صريح وواضح على منع اليهود من "أداء الصلوات" في الحرم، فإن اليهود كثفوا في الواقع من أداء الصلوات التلمودية في الحرم بشكل استفزازي واستعراضي لا يخلو من دلالة.
ومما لا شك فيه أن أخطر خطوة تعكس خطورة المخطط الذي يعكف عليه الصهاينة لتهويد الحرم يتمثل في إعلان منظمة "معهد الهيكل" عن قيامها بعقد قران عدد كبير من اليهود واليهوديات داخل الحرم تحت سمع ومرأى شرطة الاحتلال. وفي خطوة لا تخلو من المباهاة والتفاخر فقد عرضت المنظمة صوراً وأشرطة فيديو توثق قيامها بطقوس عقد القران داخل الحرم.
وفي هذا السياق، فقد أعلن الحاخام بنتسي غوفشتاين، زعيم منظمة "لاهفا" الإرهابية على حسابه على تويتر أن نجله إليعاد قد عقد قرانه داخل الحرم قبل أسبوعين.
هل يعقل أنه في الوقت الذي يطرد الصهاينة ويعتقلون المرابطين والمرابطات ويفرضون عليهم غرامات باهظة يسمح لغلاة المتطرفين وسوائب المستوطنين بتدنيس الحرم تحت مسمع ومرأى العالم؟
إن ما يقوم به الصهاينة حالياً يدلل على صدقية الشعار الذي رفعته الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح "الأقصى في خطر"، وهناك حاجة لموقف عربي وإسلامي وفلسطيني جاد لمواجهة المخطط الصهيوني.
يجب قطع الطريق على الصهاينة ومنعهم من توظيف أي اتفاق للمضي قدماً في مخططهم الخطير، والذي من شأنه أن يشعل حريقاً هائلاً ستصل ألسنة لهبه إلى مسافات بعيدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق