العراق.. بين الخاطف و المخطوف.. وما بينهما من التيه الشامل؟
داود البصري
عجيب أمر هذا العراق؟، فالبلد الذي كان يسمى منتصف القرن العشرين وإبان مرحلة التحرر الوطني يسمى بـ (بروسيا العرب) ! وحيث كان أملا ومعقدا للتطور الحضاري والفكري والسياسي الهادف للم شمل الأمة العربية وقيادتها نحو الوحدة والتطور والاستقلال!، دار الزمن دورته الثقيلة الكئيبة ليتحقق ذلك الوعد البائس الذي أطلقه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (جيمس بيكر) في جنيف في يناير 1991 بوجه الراحل طارق عزيز والمهدد بإعادة العراق لعصر ما قبل الحضارة! !، رغم أن فجر الحضارات قد انبثق من وادي الرافدين!.
وفعلا تحقق الوعد الأمريكي بعد سنوات الحصار والدمار والعذاب الطويلة ثم جاء الاحتلال العسكري التدميري الأمريكي المباشر، ليمعن هدما وتخريبا بتراث عقود طويلة من البناء الوطني التراكمي، وليؤسس لعملية سياسية كسيحة كان واضحا منذ البداية بؤسها وفشلها وعقمها، رغم الدعاية الاستعراضية الأمريكية بعراق مزدهر ومتطور تنتقل منه إشعاعات التنوير نحو المنطقة بأكملها!، لترحل السكرة والنشوة وينجلي الواقع البائس المر عن عملية سياسية كسيحة وفاشلة لم تكن ثمرتها ونتيجتها سوى استمرار حالة التكسيح العراقية وإيصال البلد لحافة الإفلاس وتحويله كزبون واقف على أبواب البنك الدولي طلبا للقروض بعد أن نهب الناهبون ما استطاعوا وجففوا ضروع الثروة الوطنية بطريقة مافيوزية محترفة!،
إذ لم يحاسب أي أحد لا على الدماء التي سكبت كالشلالات!،
ولا على الأموال ومئات المليارات التي نهبت بفضائحية عجيبة ليتحول العراق لبطولة العالم في الفشل!.
ثم جاءت المطالبات الشعبية التي تم تحويل بعضها لساحات مجازر دموية مروعة كما فعل نوري المالكي مع الحراك الشعبي،
ثم جاء خليفته في الحزب والحكومة حيدر العبادي ليمارس نفس المنهجية التدميرية ولكن عبر قفازات ناعمة وبأسلوب (الذبح بغير سكين) !، فالعراق لم يعد يعاني من أزمات سياسية واقتصادية حارقة خارقة تتوالد بانشطارية عجيبة!، بل تحول للأسف لساحة تمارس فيها عصابات القتل والنهب ثم الخطف راحتها وبشكل غير مسبوق في تاريخ العراق المعاصر!.
لقد سنت الميليشيات الطائفية سنة الابتزاز والخطف ثم القتل على الهوية منذ بداية الانفلات العراقي الشامل بعد الاحتلال، ولكنها طورت أساليبها، وتماشت مع المستجدات الطارئة، وكيفت أوضاعها بطريقة متقنة بعد أن أضحت تلك الميليشيات جزءا من المنظومة الأمنية للسلطة ذاتها!
فبدأت عمليات خطف من نوع غريب بدأت مع العمال الأتراك كرد فعل على الموقف التركي من النظام السوري الذي تؤيده تلك الميليشيات وتقاتل معه في الشام!، ثم تطورت نحو خطف ضيوف العراق من الصيادين والقناصة القطريين الذين دخلوا بادية السماوة العراقية بموجب موافقات وحماية أمنية مسبقة!
إلا أن قوة الميليشيات المنفذة فوق سطوة الدولة وقوتها، فتم خطف 26 مواطنا قطريا لم تزل المفاوضات منذ ما يقارب الستة شهور جارية لضمان سلامتهم والإفراج عنهم في ظل تفرج الدولة على المشهد الغريب!، وأخيرا وليس آخرا جاءت عملية خطف المواطن الكويتي خالد سرحان وهو تاجر بسيط للحوم ولا علاقة له بأي أجندات سياسية ومن جنوب العراق (الناصرية) وبسيارة حكومية ليطالب الخاطفون بفدية مالية مقدارها مليون دولار! ! ليؤكد أن تدهور الوضع الأمني العراقي في زمن سطوة قادة الميليشيات على وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية بات مؤشرا على تفكك الدولة العراقية وانهيارها! !.
فبين المطالبات السياسية بتفكيك المؤسسات القيادية في العراق، وتغيير الدستور، وبين المعارك الدموية الجارية في غرب وشمال العراق تتراوح وتتفاعل الأزمة الداخلية العراقية لتثمر عن تفريخ العديد من العصابات الإجرامية المرتدية للباس السلطة والباحثة عن صيد ثمين وسمين جاهز للخطف والابتزاز!، وبما يعمق من مأساوية الحالة العراقية البائسة!،
في العراق للأسف اليوم فراغ قيادي ومنهجي كبير أدى لتصاعد الحالة الفوضوية ودخولها مرحلة التآكل الداخلي للدولة ومؤسساتها، ومهرجانات الخطف القائمة بنشاط تطرح إشكالية كبرى حول قدرة الدولة العراقية بقياداتها المليشاوية الرثة الحالية على إحداث أي تغيير إيجابي للأوضاع العراقية المتدهورة.. للأسف العراق أضحى مخطوفا وخاطفا وهو يصعد للهاوية بكل امتياز وجدارة!.
فهل من منقذ؟ وهل من طريق للخلاص الوطني؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق