أبو عبيدة يصلح ما يفسد عباس
عبد الستار قاسم
أحاديث عباس حقائب الأطفال شحنة العزة أمران مخزيان هزا مشاعر الشعب الفلسطيني بالتزامن مع الذكرى الأربعين ليوم الأرض الفلسطيني، وهما قيام بعض الفلسطينيين المنتسبين للسلطة الفلسطينية ولمنظمة التحرير الفلسطينية بتعزية أحد أركان الإدارة المدنية الصهيونية في بلدته داخل فلسطين المحتلة عام 1984، وتبرير أحدهم بأنه تربطه علاقات أسرية مع هذا الشخص، وكان السؤال الذي خيم على رؤوس الفلسطينيين هو كيف تطورت علاقة أسرية مع ضابط يخدم في الأمن الصهيوني؟ أما الأمر الثاني فهو قيام عباس بتاريخ 31/1/2016 بإجراء مقابلة مع القناة الثانية الصهيونية. لم يحترم المعزون وعباس مشاعر الشعب الفلسطيني، ولم يحترموا مناسبة يوم الأرض المؤثرة جدا في نفوس الشعب الفلسطيني. أحاديث عباس كالعادة، لم تكن مقابلة عباس لائقة أو محترمة، وكان يجلس أمام المستجوب وكأنه طفل يتم تأنيبه أو التحقيق معه ليبوح بما جرى وما يجري، لقد كانت مقابلته مستفزة للشعب الفلسطيني ومهينة ومذلة للغاية. وتلك عادته عندما يقابل صهاينة، إنه ينحي الشعب الفلسطيني جانبا ويوجه خطابه أو إجاباته للصهاينة، وما على الفلسطيني إلا أن يشعر بالخجل والعار من الجمل التي ينطق بها، والرؤية الانهزامية التي يتمسك بها حيال القضية الفلسطينية والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني. عباس يوجه حديثه للصهاينة بطريقة مبتذلة ربما من أجل استدرار عطف وشفقة الصهاينة فيقدمون له شيئا يبرر به أعماله أمام الشعب الفلسطيني، محاولاته لاستدرار الشفقة فاشلة حتى الآن بالرغم من كل ما يقدمه من تذلل وانبطاح وخنوع وذلة.
وفي مقابلته، لا يطبع عباس فقط وإنما يعود مجددا للتأكيد على التنسيق الأمني وملاحقة الفلسطينيين الذين يمكن أن يمسوا بالأمن الإسرائيلي، وهذا المنحى مبرر في الاتفاقيات مع الصهاينة من اتفاقية أوسلو إلى آخر ما تبعها من اتفاقيات. الأمن الصهيوني كان دائما حجر الزاوية في كل اتفاقية عقدها العرب عموما والفلسطينيون خصوصا مع الصهاينة، الصهاينة حريصون على أمنهم دائما، ولا يوقعون اتفاقيات مع العرب إلا إذا ارتضي الطرف العربي لنفسه منصب وكيل أمني لإسرائيل، هكذا كان الأمر بالنسبة لاتفاق كامب ديفيد مع مصر، واتفاق 17 مايو/أيار مع لبنان، واتفاق أوسلو واتفاق وادي عربة. وفي كل المعادلات لا يوجد ذكر للأمن الفلسطيني على الرغم من أن الفلسطينيين هم الذين يعانون من غياب الأمن، وهم الذين يفقدون أبناءهم وأراضيهم وبيوتهم وأشجارهم كل يوم، بينما الصهاينة يمعنون في ضرب الفلسطينيين على كافة المستويات. لا يوجد في عروق المسؤولين العرب والفلسطينيين دم عربي يشعرهم بالغيرة على أهل فلسطين، ويفضلون توظيف أنفسهم مطايا للأمن الصهيوني، حتى في جولات التفاوض المختلفة والتي هي تطبيع أيضا يبقى التركيز على الأمن الصهيوني، ويوصف الفلسطينيون بالإرهابيين. حتى في رسالة رئيس منظمة التحرير لرابين، رئيس وزراء الصهاينة، عام 1993 تعهد رئيس المنظمة بنبذ الإرهاب والذي عنى وفق فلسفة اللغة أن الفلسطينيين كانوا إرهابيين وسيتوقفون عن ذلك بالحسنى وبالقوة. فبدل أن يبقى بعض الفلسطينيين يتشدقون بالتنسيق الأمني ويتغنون بمحاسنه المخزية، على الشعب الفلسطيني أن يتحرك من أجل حشد مختلف القوى للدفاع عن أمنه هو، وعلى رأسها القوى الذاتية للشعب. لا يعقل أن يطلب الفلسطينيون من العالم حمايتهم بينما هم يعرضون أمنهم للخطر دفاعا عن الصهاينة.
لا يستطيع عباس أن يدرك حتى الآن أن استعراض الضعف يلحق الضرر الكبير به هو وبالشعب الفلسطيني.. الصهاينة لا يشفقون على أحد، ولو كانوا يشفقون لما اغتصبوا ديارنا وشردوا شعبنا وهدموا بيوتنا وصادروا أراضينا. الضعف بالنسبة للصهاينة يعني التمادي بالصلف والاستكبار وتوجيه الإهانات ورفع سقف المطالب والاعتداءات. الصهاينة لا يحترمون من يتذلل لهم ويؤكد باستمرار على التنسيق الأمني وملاحقة الفلسطينيين، هؤلاء العنصريون المنحطون الذين هم أعداؤنا لا يحترمون الضعفاء، ويعملون دائما على إذلالهم، ولا يثقون إلا بالأقوياء، ولا يحترمون إلا الأقوياء، وإذا ظن عباس أن التذلل ومواصلة الاستهتار بالشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية سيجديه نفعا فإنه بالتأكيد واهم ولا يعرف عن فلسفة السياسة، وكل ما يؤكده حول خدمة الأمن الصهيوني يصبح مادة للتندر في دولة الصهاينة، وما عليه إلا أن يقارن بين رد فعل الصهاينة حيال ما يقوله وحيال ما يقوله السيد حسن نصر الله. القائد السياسي الحقيقي لا يتذلل ولا يمجد ضعفه، ولا يتحدث أصلا حول انهيار قواه، القائد السياسي يعمل على اكتساب القوة، ويعمل لنفسه دائما صورة يخشاها العدو، القائد السياسي الحقيقي يرفع من مستوى الأداء الأخلاقي لدى شعبه، ويعمل على رفع مستوى التماسك الاجتماعي، ويسهر على مشاريع تجعله قادرا على الاعتماد على النفس.. هذه أمور لا يبدو أنها تخطر على بال السلطة الفلسطينية وبال القائمين عليها، يبدو أنه يكفيهم أن تكون السلطة مشروعا استثماريا يخدم مصالحهم الذاتية ولو على حساب الشعب والقضية. حقائب الأطفال وقال عباس المنتهية مدته ما يطعن شعب فلسطين في الصدر عندما قال إن سلطته تفتش الحقائب المدرسية لأطفال فلسطينيين، وإن لم أكن قد نسيت فإنه قال إن أجهزة أمن الفلسطينيين وضعت يدها على سبعين سكينا في هذه الحقائب! من في الأرض يدعي أنه يقود شعبا يمكن أن يبوح بهذا الكلام عن أطفال شعبه؟ المسألة لا تحتاج إلى عبقرية وإنما إلى تفكير بسيط ليهتدي إلى الصواب. وهذا الحديث يشير بوضوح إلى محاولات ضرب نفسيات الأطفال الفلسطينيين وأولياء أمورهم. هؤلاء الأطفال يجب أن يحصلوا على تربية وطنية تؤهلهم للدفاع عن أنفسهم ولاسترجاع حقوقهم الوطنية الثابتة. حديث عباس يهدم نفسيات الناس ويشل شخصيات الأطفال، وإذا كان يريد قول شيء لأطفال فلسطين فعليه أن يقوله بطريقة لا تشهّر بالشعب الفلسطيني ولا تجعلنا أضحوكة أمام الأمم.
شحنة العزة في مقابل هذا الانحطاط في المستويين الأخلاقي والوطني، ظهر أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام ليعطي شحنة من التفاؤل والعزة والإحساس بالكرامة عندما أعلن بالصور وجود أربعة صهاينة في الأسر لدى حركة المقاومة الإسلامية حماس. لقد ضخ أبو عبيدة في نفوس الفلسطينيين ما أشعرهم بالاطمئنان والقوة والشجاعة والتفاؤل بأن المستقبل لنا بإذن الله. وقد كان وقْع حديث أبو عبيدة كبيرا على الأسرى الفلسطينيين الذين تفاءلوا بتبادل قريب يعيدهم إلى حياة الحرية والنشاط. الشعب الفلسطيني كله متفائل الآن بقيام مفاوضات عبر طرف ثالث لتبادل الأسرى، وهكذا يفعل الحريصون على حرية أسرى فلسطين. أما الحديث الأجوف حول تسريح الأسرى تحت مظلة التنسيق الأمني وملاحقة المناضلين فلن يقود الشعب إلا إلى مزيد من الإحباط والتراجع والهزائم.. هناك فرق شاسع بين كلام عباس وبيان أبو عبيدة، بل إن المقارنة غير واردة إطلاقا، عباس يسرح في واد بعيد عن صدى صواريخ أبو عبيدة التي رفعت رأس الشعب الفلسطيني. أبو عبيدة قائد حقيقي يحرص على البعد الأمني، ويعمل على رصد وملاحقة الجواسيس لكي تكون المقاومة الفلسطينية في مأمن عن عيون العدو، وهناك فرق شاسع بين من يصنع البيئة الملائمة لتكاثر الجواسيس وبين الذي يقطع دابرهم. لم يظهر أبو عبيدة على الشاشة لكي يندب حظه أو يتذلل وإنما ظهر ليبين قوته وبأس المقاومة الفلسطينية وليفاجئ العدو بما لم يحسب، وصنع بإعلانه هذا إرباكا كبيرا داخل الكيان الصهيوني، وصنع تلاسنا سياسيا واتهامات متبادلة. من ناحية أخرى، فاجأ أبو عبيدة الفلسطينيين وبشرهم بخير كبير، ورفع من مستوى تلاحمهم ورغباتهم في العمل معا لمواجهة العدو، بينما غرس عباس أسافين الفتنة والأحقاد والكراهية بين صفوف الشعب. لقد زرع أهل أوسلو الفتنة بين الناس ومزقوا شملهم وضربوا وحدتهم الوطنية، وصنعوا لهم هموما خاصة عميقة ما زالت تتغذى على الهم الوطني، وغيبوا الثوابت الفلسطينية عن الوعي الجماهيري وساقوهم إلى مشنقة الرواتب والمصالح المالية الخاصة.. كلام أبو عبيدة يسير في الاتجاه المعاكس عله يصلح جزءا مما أفسدته السلطة الفلسطينية. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق