في فمي ماء كثير .. ولكن الأمانة تقتضي أن أتكلم ...
السفير معصوم مرزوق مساعد
مقال السفير معصوم مرزوق مساعد وزير الخارجية الأسبق الممنوع من النشر في أحدى الصحف القومية والتي فضل عدم ذكرها احتراما للالتزام الاخلاقي مع إدارة تحريرها :
وإلى نص المقال الذي جاء تحت عنوان تيران وصنافير مصرية :
في فمي ماء كثير .. ولكن الأمانة تقتضي أن أتكلم ...
عندما رأيت ما يشبه رقرقة الدموع في النظرة الحزينة لرئيس عمليات الجيش المصري السابق اللواء عبد المنعم سعيد ، وهو يؤكد بألم أن : " تيران وصنافير .. مصرية " ، تذكرت دموع المشير الجمسي حين أخطره كيسنجر بإتفاقه مع السادات علي سحب الفرق المدرعة من سيناء ، وعندها شعر كيسنجر بالقلق علي حياة السادات ، وسأل الجمسي ، فقال له في ألم : " لو تعرف كم كلفنا إرسال كل دبابة إلي سيناء لفهمت .. ولكنني جندي ، سأنفذ الأوامر التي تصدر إلي " ...أود أن أكون واضحاً منذ البداية ، فهذا المقال يهدف إلي مناقشة جادة ، لذا أرجو أن يمتنع المتنطعون والبصاصون .. لأن المقال لن يتهم أحداً ، ولكنه سوف يتهم منهجاً وسياسات أراني مختلفاً معها ، وهذا الإختلاف – ليس كما يروج سماسرة السلطة – لا يهدف إلي إحراج النظام السياسي أو إصطياده .. لأنني – وبكل الشجاعة والوضوح – حريص مثل كل مصري علي أن تجتاز مصر تلك الفترة الصعبة بأقل قدر من الخسائر ..
ورغم أن لدي ما يثبت بشكل قاطع ملكية الشعب المصري لهاتين الجزيرتين ، إلا أنني أزعم لنفسي إمتيازاً خاصاً عليهما ، لأنني قاتلت لإستعادتهما ضمن باقي أراضينا المحتلة عام 1973 ، وأعتبر دمائي ودماء رجالي التي نزفت علي تلك الرمال المقدسة بمثابة التوقيع علي عقد الإمتياز الخاص لنا ...
بعد أن سمعت الكلمات الحزينة لمدير العمليات السابق ، وجدتني أهمس بغضب مخاطباً رفاق السلاح الشهداء ، وأقول لهم : " لا تصدقوهم ... نحن لم نكن مرتزقة نحارب دفاعاً عن أرض لا يملكها شعب مصر .. تباً لهم .." ..
هل يدلني أحد علي جندي سعودي واحد نزف ولو قطرة دم واحدة من أجل إستعادة هذه الجزر من الإحتلال الإسرائيلي في أي مرة من المرات التي أحتلت فيها ؟ ..
لقد دهشت لما قامت به إحدي الصحف المصرية من نشر مفاجئ لخطابات تبدو وكأنها وثائق سعودية ، ولكن الدهشة زادت حين وجدت أنها نشرت أيضاً ما قالت أنه خطاب من الدكتور عصمت عبد المجيد موجهاً إلي رئيس الوزارء !! ..
ولقد أزعجني أن ذلك الخطاب تحديداً مبين عليه بوضوح أنه "سري للغاية " ، أي أن عرضها بذلك الشكل هو اختراق لوثائق مصرية ، أي قضية أمن دولة ، فإذا صحت هذه الوثائق فكيف تم تسريبها ؟ ومن الذي سربها ؟ ومن المستفيد من ذلك ؟؟ .. بل لعل السؤال الأشد إيلاماً هو : " كيف يحدث هذا الإختراق في الإدارة المصرية ؟؟ " ..
ومن المضحك أن نفس الصحيفة نشرت ما قالت أنه وثائق باللغة الإنجليزية من مجلس الأمن تثبت أن الجزر سعودية .. والغريب أن تلك الوثائق المنشورة تثبت أن مصر كانت تتصرف في هذه الجزر كمالك ذي سيادة ، ولكن من الواضح أن طرفاً ما قام علي وجه السرعة بإعداد هذه الحملة الإعلامية كي تسكت أي صوت معارض ..
وأصبح المشهد بالغ الغرابة ..وزارة لا تزال تنتظر " الثقة " من البرلمان .. أي في فترة الريبة .. وتقوم بتعديل حدود مصر !!! ، بينما تتصاعد فجأة الأنغام السعودية من أغلب الإعلام المصري .. وكأن إعلامنا يرقص علي أنغام سعودية !! ، ومن المحزن أنهم للأسف يغالطون ..
يقولون أن ترسيم الحدود البحرية أثبت أن الجزر خارج السيادة المصرية .. والمعني الوحيد لذلك أنهم كانوا يقومون برسم الحدود بشكل خاطئ ، لأنه كان ينبغي القياس من خط أساس يمتد من شاطئ الجزيرتين ..
ولكي يزداد المشهد طرافة يقول الحزب السعودي في مصر أن الجسر ما بين مصر والسعودية سيستخدم لنقل البترول .. حسناً .. ما الذي يبقي ليمر في قناة السويس ؟ .. ولماذا انفقنا 64 مليار جنيهاً لتوسيعها ؟ ..
وفي مساء نفس اليوم قامت محطة فضائية معروفة بتوجهها ، بنشر نفس الأوراق التي أطلقوا عليها وثائق ، وكأن جهة ما قامت بتوزيع نسخ متشابهة علي " الحزب السعودي في مصر " ومن المحزن أن ذلك يقوم به إعلام مصري !! ..
وصدمت لتصريحات مختلفة صادرة من بعض النخبة المصرية تؤكد أن الجزر سعودية .. هكذا في 24 ساعة فقط أكتشف هؤلاء دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتنقيب .. أكتشفوا أن جزءاً من بلادهم ليس من ترابهم الوطني ...وربما لأول مرة في التاريخ يقوم بعض نخب شعب بالدعاية المكثفة للتخلي عن ترابهم الوطني ...
إذا كانت السعودية تنازعنا هذا الحق ، الذي أراه ثابتاً لمصر بالقانون والتاريخ ، فلماذا لم تحتج – منذ إنشائها وحتي الآن- كما كان ينبغي عليها- لدي المنظمات الدولية ،أو حتي حين احتلتها إسرائيل مرتين ؟ .. ولعلي أعتصر كل خبرتي الدبلوماسية وأضيف أنه إذا كان لازماً ، فلماذا لم يتم اللجوء إلي التحكيم الدولي للفصل في هذا الموضوع ؟..
ومن ناحية أخري ، لا أظن أن السلطات المصرية تملك إتخاذ هذا القرار مطلقاً ، ولا حتي باستفتاء شعبي ، لأنه لا استفتاء علي السيادة .. علماً بأنني لم أكن أنوي في هذا المقال الكشف عن كل الأسانيد القانونية التي يمتلكها الجانب المصري ، ولكنني فقط أردت أن أبعث برسالة تحذير ، وأكتفي حالياً أن أوضح أنه وفقاً للمادة 151 من الدستور ، لا يملك أحد التنازل عن أي حق من حقوق السيادة المصرية علي الإقليم ، وسوف يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً أي إتفاق يخالف مقتضيات هذه المادة الحاكمة .
كما أنني أضيف إلي أنه رغم أن مصر تحوز هذه الجزر حيازة هادئة منذ فجر التاريخ ، إلا أنه يمكن الإشارة إلي إتفاقية 1906 كأقرب تاريخ معاصر يؤكد ذلك ، بينما يعرف الكافة أن المملكة السعودية كما نعرفها اليوم لم تنشأ إلا عام 1932 ، ومن المعلوم أن أجزاء واسعة من شمال تلك المملكة كانت تخضع لفترات طويلة للسيادة المصرية ، وأنبه إلي أن شعب مصر قاتل لإسترداد هاتين الجزيرتين من الإحتلال الإسرائيلي وأدرجت في معاهدة السلام كجزء من المنطقة ج في سيناء ..وأن هذا الشعب سيقاتل حفاظاً علي كل ذرة رمل من بلاده ...
بقلم السفير / معصوم مرزوق
مساعد وزير الخارجية الأسبق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق