في الرد على الإسلاموفوبيا
محمد عمارة
قبل أكثر من أربعة عشر قرنا، وعندما لم يكن هناك من يعترف بالآخر، فضلا عن أن يحترم هذا الآخر ويحمي خصوصياته ومقدساته، وعندما كان الرومان يعتبرون من عداهم برابرة وعبيدا ليست لهم أيه حقوق، أعلن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم عام 1 هـ ، 621 م ميثاق التعايش مع الآخر اليهودي في رعية دولة المدينة المتعددة الديانات.
أعلن ذلك في دستور هذه الدولة، فجاء فيه: "لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، ومن تبعنا من يهود فإن لهم النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم، وأن بطانة يهود ومواليهم كأنفسهم وأن اليهود ينفقون مع المسلمين ما داموا محاربين، على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة (الدستور) وأن بينهم النصح والنصيحة والبر المحض من أهل هذه الصحيفة دون الإثم.
وبالنسبة للآخر النصراني، أعلن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم عام 10 هـ ، 631م: "لقد أعطيتهم عهد الله أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وعلى المسلمين ما عليهم حتى يكونوا للمسملين شركاء فيما لهم وفيما عليهم، وأن أحمى جانبهم وأذب عنهم وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم ومواضع الرهبان ومواطن السياح حيث كانوا، وأن أحرس دينهم وملتهم أين كانوا بما أحرس به نفسي وخاصتي وأهل الإسلام من ملتي".
ولأن هذا الموقف الإسلامي من الآخر هو دين، وليس مجرد سياسة تتغير بتغير الملابسات فلقد أعلنه المسلمون وطبقوه، وصاغوه في مواثيق دستورية وعهود قطعوها لأهل البلاد التي حررتها الفتوحات الإسلامية من القهر الروماني الذي دام عشرة قرون، ففي "العهد العمري" الذي كتبه الراشد الثاني الفاروق عمر بن الخطاب (40 ق هـ - 23 هـ ، 584م – 644م) لأهل القدس عند تحريرها عام 15 هـ 636 م، جاء: "هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين أهل "إيليا" (القدس) من الأمان: أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم.
وعليهم أن يخرجوا منها (القدس) الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، ومن أحب من أهل إيليا أن يسير بنفسه وماله مع الروم، ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنوا على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم".
هكذا أعلن الإسلام – الدين والدولة – قبل أكثر من أربعة عشر قرنا، مواثيق التعايش والحقوق والتعددية، عندما بنى الدولة على التعددية الدينية في الأمة، وجعل لغير المسلمين كل ما للمسلمين، وتعهد – دينيا – بحماية الآخرين بما يحمي به المسلمين ودين الإسلام، وبعبارة رسول الإسلام: "وأن أحرس دينهم بما أحرس به نفسي وخاصتي وأهل الإسلام من ملتي".
فهل يعرف ذلك الذين يفترون على الإسلام ورسول الإسلام؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق