الثلاثاء، 19 نوفمبر 2019

هل طول العمر خير لصاحبه؟

هل طول العمر خير لصاحبه؟


الشيخ محمد الغزالي


جميل أن يكون المرء صالح العمل طويل الأجل. لقد اجتمعت له الحسنيان وعاش حياة خصبة مثمرة. وفى الحديث " ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا: نعم، قال: خياركم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا " .

وذكر أحمد بن حنبل فى قصة رقيقة: أن نفرا ثلاثة من بنى عذرة أسلموا عند النبى عليه الصلاة والسلام ـ وكانوا فقراء ـ فقال رسول الله : من يكفيهم؟ قال طلحة رضى الله عنه: أنا، فكانوا فى كفالته، فبعث النبى عليه الصلاة والسلام بعثا ـ للجهاد ـ فخرج أحدهم فاستشهد! ثم بعث بعثا آخر فخرج فيه الثانى فاستشهد! ثم مات الثالث على فراشه!


قال طلحة: فرأيت ـ فى المنام ـ هؤلاء الثلاثة الذين كانوا عندى فى الجنة، فرأيت الميت على فراشه إمامهم! ورأيت الذى استشهد أخيرا يليه! ورأيت أولهم آخرهم!


قال طلحة: فداخلنى من ذلك الحلم ريب فأتيت النبى فذكرت ذلك له.. فقال:! وما أنكرت من ذلك؟ ليس أحد أفضل عند الله عز وجل من مؤمن يعمر فى الإسلام لتسبيحه وتكبيره وتهليله "!!


لكن الربط بين طول العمر فى التقوى وعلو المكانة فى الآخرة يحتاج إلى تأمل وطول نظر، والذى دفعنى إلى ذلك القول حديث آخر رواه الترمذى عن أبى أمامة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إن أغبط أوليائى عندى لمؤمن خفيف الحاذ ـ رقيق الحال قليل المال ـ ذو حظ من صلاة، أحسن عبادة ربه وأطاعه فى السر وكان غامضا فى الناس لا يشار إليه بالأصابع وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك! ثم نقر النبى بيده فقال: عجلت منيته! قلت بواكيه! قل تراثه".


وهذا الوصف الوجيز لشباب من أهل الفداء والجهاد والاستشهاد، كانوا قذائف حية دكت كيان الكفر وأسدوا للإسلام يدا بيضاء..


يقول الشاعر فى رثاء أحدهم:
تروى ثياب الموت حمرا فما أتى .. 
لها الليل إلا وهى من سندس خضر!

هل يتقدم هذا الشباب غيره من الشيوخ الصالحين؟

يظهر أن رجالا من أهل البأس أو من أهل الفقه يرزقون هذه الصدارة!! وقد قتل أمراء الجيش الثلاثة فى معركة مؤتة وله يسقط من أيديهم علم الإسلام، وكانوا جميعا حول الثلاثين! فى شرخ الرجولة... وكذلك استشهد "مصعب بن عمير" فى أحد بعد عمر قصير وكان أنعم شاب فى مكة فأهانته أمه طويلا بعدما أسلم! وأعرف معمرين ما دخلوا الجنة إلا بما تعلموه من بعض الشباب.

لقد مات الإمام النووى فى الأربعين من عمره، وكان يلقب بالشافعى الصغير، بل مات الشافعى نفسه فوق الخمسين بقليل، فقال أحمد بن حنبل فى رثائه: كان كالشمس للدنيا والروح للبدن ا



قد تقول: فماذا نصنع بالأحاديث التى قالت: خيركم من طال عمره وحسن عمله؟

والجواب أن هذه الأحاديث تمثل القاعدة العامة مثل ما ورد فى فضل الأيام العشرة الأولى من شهر ذى الحجة فقد قال عليه الصلاة والسلام : " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من عشر ذى الحجة- قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد فى سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشىء" .

ففضل هذه الأيام العشرة ثابت للمحسنين المجتهدين، لكن اخترق هذا الفضل من سبقوا سبقا بعيدا بفضيلتى الجهاد والاستشهاد!!

والأعمار مجهولة الطول والقصر والكم والكيف ويعجبنى قول ابن الرومى:


أعمارنا جاءت كأى كتابنا .. 

منها طوال فصلت وقصار

هناك سورة تستغرق الصفحات الكثيرة، وهناك سورة من سطر واحد! وقد تكون سورة الإخلاص القصيرة أفضل من غيرها لما تضمنته من توحيد الله، فلنعمل لله بإخلاص، ولننتظر منه وحده الفضل، فهو المقدم والمؤخر ( إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ).



المصدر:موقع مجلة الأزهر 
شَوَّال 1439 
29 يونيو 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق