إنه أعظم مجسد للقيم الأخلاقية ﷺ
أمين أمكاح
كاتب وباحث مغربي
لا نستطيع أن نذكر القيم الأخلاقية دون أن نقف عند الرسول ﷺ الذي امتاز بقيمه عن غيره، فلا نقول اعتباطا أو مناكفة بأنه عليه الصلاة والسلام أعظم مجسد للقيم الأخلاقية، بل إننا فقط نسمي الأشياء بمسمياتها؛ فهو بدون أدنى شك النموذج القيمي الأعلى الذي يمثل القدوة التي لا مثيل لها، على اعتباره خير مثال يحتذى بقيمه الأخلاقية لنشر الفضيلة والتعامل النبيل عبر مختلف المواقف الحياتية التي مر بها، وهو أفضل ناقل للقيم الأخلاقية من نص الوحي إلى الواقع والحياة والنفوس والنظم والأوضاع، وتظل قيمه الأخلاقية صالحة لكل زمان ومكان وتخدم المجتمع الإنساني ككل وليس المسلمين فقط.
وفي سياق إظهار عظمة تجسيد القيم الأخلاقية عند المصطفى ﷺ سنقوم بإلقاء نظرة عامة على تعاليمه التي تؤكد أن سلوكه مرتبط ارتباطا متشابكا بالقيم الأخلاقية التي يتحقق بها التعايش السليم المفعم بالسعادة في هذه الحياة، والثواب الوفير والنعيم المقيم في الآخرة. ويقول الرسول ﷺ: «إن الله يحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها»، كما أطلق الله عز وجل على خاتم الأنبياء في القرآن صفة جامعة؛ تتمثل في قوله سبحانه: (وإنك لعلى خلق عظيم)؛ فهي شهادة عظيمة وتقويم دقيق من الله العظيم، والمصطفى ﷺ على الرغم من ذلك يتضرع إلى الله بقوله: «اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت»، والملاحظ من الآية المذكورة سلفا أنها لا تذهب إلى معايير القيم الأخلاقية المتعارفة بين الناس أو تلك المدروسة في طيات فلسفة القيم الأخلاقية ونظرياتها المختلفة، إنما المقصود منظومة القيم بالمفهوم الذي يدعو إليه الله سبحانه وتعالى، فهي الأرفع والأعظم مكانة، وتجسيد تلك القيم بين البشرية بذلك التصور النبوي كانت بمثابة معجزة، ومازالت هذه المعجزة القيمية مدعاة لكثير من الناس إلى الدخول في الإسلام بإيمان تخالط بشاشته القلوب اختلاط اللحمة بسداها.
ومن البديهي أن يكون عظيما من اختاره الله لحمل رسالته للعالمين، وفضلُه الكثير على الخلق جعله أعظم مجسد للقيم الأخلاقية، لكونه جامعا لمكارم الأخلاق ونموذجا مثاليا حيا للإنسان المتزن والفاضل قيميا، ولا غرابة في ذلك، فالرسول ﷺ منحة ربانية للبشرية جمعاء، رباه الله فأحسن تربيته، وأدبه فأحسن تأديبه، وقد حفل القرآن الكريم بالآيات التي ترسم لنا صورة مشرقة صادقة لقيمه الأخلاقية وفضائله، وكان واقع سيرته النبوية أعظم شهادة على عظم أخلاقه ﷺ، فهو ينبوع زاخر ومتدفق بالقيم الأخلاقية، حلاه بها المنان وبعثه لينشر شذاها بين الخلائق، ولهذا كان يقول عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
لقد كان أبعد الناس عن الغضب وأسرعهم رضا، وكل حليم قد عُرفت منه زلة، وحُفظت عنه هفوة، إلا هو ﷺ لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبرا |
لقد كان واقع القيم الأخلاقية عند الرسول ﷺ أفضل شهادة على رفعة سلوكه، وعظمة تجسيده لهذه القيم تظهر بشكل بارز فيما روي عنه في السيرة النبوية، وعلى لسان أصحابه والروايات المتنوعة الأخرى، ومن بين أهم القيم الأخلاقية التي كان يتبناها الرحمة المهداة ﷺ في أفعاله وتصرفاته:
-الرحمة في التعامل: كان الرسول ﷺ رحيما بأمته وشفيقا عليها أكثر من شفقة الأم على ولدها، وقد تجلت هذه الرحمة في مظاهر كثيرة، بل وكان أرحم الناس بالناس وأرأفهم بهم؛ وليس فقط بمن يدينون بدين الإسلام فقط، بل إن رحمته ﷺ تعدت ذلك إلى الحيوان والنبات والجماد.
-الحق والعدل: أقام الرسول ﷺ العدل وضمن الحق، وكان في ذلك نموذجا في أعلى درجاته، فعدله وسع الجميع بإنصاف، لأنه وزن بالحق وأقام بالقسط، إلى درجة أنه طلب من الآخرين أن يقتصوا منه خشية أن يكون قد لحقهم حيف أو أذى، بل وحفظ حتى حقوق البهائم والحيوانات.
-الحلم والعفو عند المقدرة، والصبر على المكاره: لقد كان أبعد الناس عن الغضب وأسرعهم رضا، وكل حليم قد عُرفت منه زلة، وحُفظت عنه هفوة، إلا هو ﷺ لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبرا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما، ومن ذلك كان يقدم دروسا عملية في فضائل القيم الأخلاقية لا تنسى أبدا.
-الجود والعطاء والبذل: يده سخية لا يتردد عن الإنفاق، فما سُئل الرسول ﷺ عن شيء إلا أعطاه عطاء من لا يخاف الفقر، وكان أجود الناس بالخير من الريح المرسلة، وبذل حياته من أجل أمته، وهذا مما فيه تأليف القلوب للدخول في الإسلام.
-الصدق في النية والكلام والفعل: اتصف الصادق الأمين ﷺ بهذه القيمة الأخلاقية العليا، وشهد بذلك أعداؤه قبل أصحابه، ولم يصل إلى ما وصل إليه من مكانة بالكذب والحيلة والمكر، بل إن كل حياته وضوح وصدق، حتى مع أعدائه الذين آذوه وأرادوا قتله وأسره.
-الشجاعة والبأس ورباطة الجأش في المحن والشدائد: كان ﷺ أشجع الناس في حضرة المواقف الصعبة، وفر منه الصناديد غير مرة وهو ثابت لا يبرح، ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح، وما أحصيت له فرة، فهو قوي الإرادة شديد العزم قلبه لا يدخله جبن ولا خوف من البشر.
ينبغي التأكيد على أن نشر الرسالة المحمدية للعالم لن تتم بمفهومها الصحيح والشامل إلا عبر تجسيد قيمه الأخلاقية كسلوك وممارسة عملية |
-التواضع ولين الجناح: لم يثبت على الرسول ﷺ أنه تعاظم على أحد، بل وكان أبعد الناس عن الكبر، ويمنع عن القيام له كما يقومون للملوك، وكان يعود المساكين ويجالسهم، ويشهد جنائزهم، ولا يحقر فقيرا لفقره، ويجيب دعوة العبد ولا يترفع عليهم، ويجلس في أصحابه كأحدهم.
-التعايش والسلم: آخى الرسول ﷺ بين المهاجرين والأنصار، وأقر اليهود على دينهم وحفظ أموالهم، وهو الضامن للأسس التي قامت عليه الدولة الإسلامية، وتعميم مبادئ الإنسانية والعدالة الاجتماعية والتسامح الديني والتعاون على مصلحة الدولة للحفاظ على أمنه واستقراره.
وهناك قيم أخلاقية كثيرة لا يمكن التطرق إليها جميعا، فلقد كان الرسول ﷺ جامعا لها؛ والمُركز على تجسيد الرسول ﷺ للقيم الاخلاقية سيتبين له تمحورها على مرتكزات ثلاث تعطيها قوة تأثيرية مقنعة:
أولا المرتكز التحفيزي: أي تبني الرسول ﷺ للقيم الأخلاقية عمليا يحفز ويشجع المؤمنين بعظمته أن يلتزموا بها أيضا، لهذا دعا الله في القرآن إلى الاقتداء بالمصطفى ﷺ لأنه الأسوة الحسنة،
ثانيا المرتكز الوقائي: من خلال الاطلاع على تجسيد القيم الأخلاقية عند النبي ﷺ يمنح الإنسان لنفسه الوقاية في مشواره الدنيوي الذي يتعرض فيه للاختبار والابتلاء.
ثالثا المرتكز الاستعدادي: بمعنى أن القيم الأخلاقية المتجسدة في سلوك الرسول ﷺ تزيد من درجة التعلق به، وتجعل المرء يعيش في تفاعله الاجتماعي بصورة حسنة، لأنه يضع صوب عينيه عالم الآخرة ويستعد له حق الاستعداد.
وفي الأخير ينبغي التأكيد على أن نشر الرسالة المحمدية للعالم لن تتم بمفهومها الصحيح والشامل إلا عبر تجسيد قيمه الأخلاقية كسلوك وممارسة عملية، فالانتماء الصادق لأمة محمد ﷺ قائم على الاهتداء والتمسك بنهجه والسير على منواله، فهذا ما نحتاج إليك، لنعتبره كنظام نرجع إليه ونحتكم إليه في سلوكياتنا، ولا يكفي أن نفتخر برسولنا ﷺ دون إتباعه، فتجسد القيم الأخلاقية في تعاملاتنا سيؤدي حتميا إلى نهضة حقيقية، لذا يلزمنا أن نعبر عن حبنا العظيم للطه الأمين ﷺ ونؤكد هذه المحبة ونجددها وندعمها بالأعمال المثبتة لها في مختلف أنشطة حياتنا اليومية، لأن صدق المحبة تقضي الاحتذاء والتأسي قولا وعملا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق