الأحد، 10 نوفمبر 2019

تقرير " RAND 2007 " خطير جدا .. تفاصيل خطيرة عنه يجب معرفتها !

تقرير " RAND 2007 " خطير جدا .. تفاصيل خطيرة عنه يجب معرفتها !
عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل

 
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ...
قال تعالى : 
" وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ " [ البقرة : 120 ] .
وقال تعالى : 
" وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ " [ البقرة : 217 ] .
وقال تعالى : 
" وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ " [ الأنعام : 55 ] .صدر عن " مؤسسة راند RAND Corporation " تقريرها الأخير 2007م ، والذي مكثت مؤسسة راند ثلاث سنوات في إعداده ، وتقاريرها التي تُصدرها ترسم خطةُ للسياسية الإمريكية في التعاملِ مع الأحداث في العالم أجمع ، ومنها منطقة ما يسمونه بـ " الشرق الأوسط " ، وقد حمل التقرير الأخير قضايا خطيرة جداً ، وعنون للتقرير " بناء شبكات مسلمة معتدلة Building Moderate Muslim Networks " ، وهو عنوان يحملُ في ثناياه خطط خطيرة جداً .

دعوني أضع بين أيديكم ملخصاً جاهزاً للتقرير نشر في عددٍ من المواقع لتعلموا خطورته ، ولتأخذوا حذركم مما نحن مقبلون عليه ، ولنعلم أن هؤلاء القوم يعملون ليلا ونهاراً سراً وعلانيةً لحرب هذا الدين ، ومحاولة زرعِ إسلام جديد بتفاصيل أمريكية أو " إسلام ليبرالي " على وزن " إسلام شيوعي " .

ولا بد للحكومات أن تَحذرَ وتُحذر من هذا التقرير فهو يحمل في طياتهِ خطراً على العالم الإسلامي من جهةِ دعمه وبقوة لليبراليين ليكونوا أداةً وعملاء لتحقيق ما ورد في التقرير .

ملحوظة مهمة : تذكروا تفاصيل التقرير وأنزلوها على الواقع .
اللهم احفظ علينا ديننا ، وثوابتنا ، وعقيدتنا ، وردّ كيد الخونة والعملاء في نحورهم .

رابط التقرير كاملا باللغة الإنجليزية

لماذا تبني أمريكا " شبكات مسلمة معتدلة " علمانية ؟محمد جمال عرفةالمحلل السياسي بشبكة إسلام أون لاين.نت


 
انقلاب.. هي الكلمة الصحيحة التي يمكن أن نصف بها الموقف الأمريكي - حسبما قدمته مؤسسة "راند" RAND البحثية التابعة للقوات الجوية الأمريكية في تقريرها الأخير "بناء شبكات مسلمة معتدلة" Building Moderate Muslim Networks- بشأن التعامل مع "المسلمين"، وليس "الإسلاميين" فقط مستقبلاً! .

فالتقرير الذي أصدرته هذه المؤسسة البحثية التي تدعمها المؤسسة العسكرية الأمريكية - التي تبلغ ميزانيتها السنوية قرابة 150 مليون دولار - والذي يقع في 217 صفحة لا تنبع خطورته من جراءته في طرح أفكار جديدة للتعامل مع "المسلمين" وتغيير معتقداتهم وثقافتهم من الداخل فقط تحت دعاوى "الاعتدال" بالمفهوم الأمريكي، وإنما يطرح الخبرات السابقة في التعامل مع الشيوعية للاستفادة منها في محاربة الإسلام والمسلمين وإنشاء مسلمين معتدلين !.

بل إن التقرير يحدد بدقة مدهشة صفات هؤلاء "المعتدلين" المطلوب التعاون معهم -بالمواصفات الأمريكية- بأنهم هؤلاء الليبراليين والعلمانيين الموالين للغرب والذين لا يؤمنون بالشريعة الإسلامية ويطرح مقياسًا أمريكيًّا من عشرة نقاط ليحدد بمقتضاه كل شخص هل هو "معتدل" أم لا، ليطرح في النهاية -على الإدارة الأمريكية- خططًا لبناء هذه "الشبكات المعتدلة" التي تؤمن بالإسلام "التقليدي" أو "الصوفي" الذي لا يضر مصالح أمريكا ، خصوصًا في أطراف العالم الإسلامي (آسيا وأوروبا) .

أما " الانقلاب " المقصود في بداية هذا المقال فيقصد به أن تقارير "راند" ومؤسسات بحثية أمريكية أخرى عديدة ظلت تتحدث عن مساندة إسلاميين معتدلين في مواجهة المتطرفين، ولكن في تقرير 2007 الأخير تم وضع كل "المسلمين" في سلة واحدة.
إعادة ضبط الإسلام !
الأكثر خطورة في تقرير مؤسسة "راند" الأخير -الذي غالبًا ما تظهر آثار تقاريرها في السياسية الأمريكية مثل "إشعال الصراع بين السنة والشيعة" و"العداء للسعودية" ويتحدث باسم "أمريكا"- أنه يدعو لما يسميه "ضبط الإسلام" نفسه - وليس "الإسلاميين" ليكون متمشيًا مع "الواقع المعاصر". ويدعو للدخول في بنيته التحتية بهدف تكرار ما فعله الغرب مع التجربة الشيوعية، وبالتالي لم يَعُد يتحدث عن ضبط "الإسلاميين" أو التفريق بين مسلم معتدل ومسلم راديكالي، ولكن وضعهم في سلة واحدة!.

فتقارير "راند" الأخيرة -تقرير 2004- كانت تشجيع إدارة بوش على محاربة "الإسلاميين المتطرفين" عبر: خدمات علمانية (بديلة)، ويدعون لـ"الإسلام المدني"، بمعنى دعم جماعات المجتمع المسلم المدني التي تدافع عن "الاعتدال والحداثة"، وقطع الموارد عن المتطرفين، بمعنى التدخل في عمليتي التمويل وشبكة التمويل، بل وتربية كوادر مسلمة عسكرية علمانية في أمريكا تتفق مصالحها مع مصالح أمريكا للاستعانة بها في أوقات الحاجة.

ولكن في التقرير الحالي " بناء شبكات مسلمة معتدلة "، يبدو أن الهدف يتعلق بتغيير الإسلام نفسه والمسلمين ككل بعدما ظهر لهم في التجارب السابقة أنه لا فارق بين " معتدل " و" متطرف " وأن الجميع يؤمن بجدوى الشريعة في حياة المسلم، والأمر يتطلب " اللعب في الفكر والمعتقد ذاتهما " .
من هو " المعتدل ".. أمريكيًّا ؟
من يقرأ التقرير سوف يلحظ بوضوح أنه يخلط بشكل مستمر وشبه متعمد ما بين "الإسلاميين" و"الراديكاليين" و"المتطرفين"، ولكنه يطالب بدعم أو خلق تيار "اعتدال" ليبرالي مسلم جديد أو Moderate and liberal Muslims ، ويضع تعريفات محددة لهذا " الاعتدال الأمريكي " ، بل وشروط معينة من تنطبق عليه فهو " معتدل " - وفقًا للمفهوم الأمريكي للاعتدال، ومن لا تنطبق عليه فهو متطرف.
ووفقًا لما يذكره التقرير، فالتيار (الإسلامي) المعتدل المقصود هو ذلك التيار الذي :
1 - يرى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية.
2 - يؤمن بحرية المرأة في اختيار "الرفيق"، وليس الزوج.
3 - يؤمن بحق الأقليات الدينية في تولي المناصب العليا في الدول ذات الغالبية المسلمة.
4 - يدعم التيارات الليبرالية.
5 - يؤمن بتيارين دينيين إسلاميين فقط هما: "التيار الديني التقليدي" أي تيار رجل الشارع الذي يصلي بصورة عادية وليست له اهتمامات أخرى، و"التيار الديني الصوفي" - يصفونه بأنه التيار الذي يقبل الصلاة في القبور (!) - وبشرط أن يعارض كل منها ما يطرحه " التيار الوهابي ".

ويلاحظ هنا أن التقرير يستشهد بمقولة لدينس روس المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط يتحدث فيها عن ضرورة إنشاء ما يسميه (سيكولار – secular - دعوة) أو (دعوة علمانية) ! ، والمقصود هنا هو إنشاء مؤسسات علمانية تقدم نفس الخدمات التطوعية التي تقدمها المنظمات الإسلامية ، سواء كانت قوافل طبية أو كفالة يتيم أو دعم أسري وغيرها.
أما الطريف هنا فهو أن الدراسة تضع 11 سؤالاً لمعرفة ما هو تعريف (المعتدل) - من وجهة النظر الأمريكية - وتكون بمثابة اختبار يعطي للشخص المعرفة إذا كان معتدلاً أم لا ؟. وهذه المعايير هي :
1 - أن الديمقراطية هي المضمون الغربي للديمقراطية.
2 - أنها تعني معارضة "مبادئ دولة إسلامية".
3 - أن الخط الفاصل بين المسلم المعتدل والمسلم المتطرف هو تطبيق الشريعة.
4 - أن المعتدل هو من يفسر واقع المرأة على أنه الواقع المعاصر، وليس ما كان عليه وضعها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
5 - هل تدعم وتوافق على العنف؟ وهل دعمته في حياتك من قبل أو وافقت عليه؟.
6 - هل توافق على الديمقراطية بمعناها الواسع.. أي حقوق الإنسان الغربية (بما فيها الشذوذ وغيره)؟.
7 - هل لديك أي استثناءات على هذه الديمقراطية (مثل حرية الفرد في تغيير دينه)؟
8 - هل تؤمن بحق الإنسان في تغيير دينه؟.
9 - هل تعتقد أن الدولة يجب أن تطبق الجانب الجنائي من الشريعة؟ وهل توافق على تطبيق الشريعة في جانبها المدني فقط (الأخلاق وغيره)؟، هل توافق على أن الشريعة يمكن أن تقبل تحت غطاء علماني (أي القبول بتشريعات أخرى من غير الشريعة)؟.
10- هل تعتقد أنه يمكن للأقليات أن تتولى المناصب العليا ؟ وهل يمكن لغير المسلم أن يبني بحرية معابده في الدول الإسلامية ؟.

وبحسب الإجابة على هذه الأسئلة سوف يتم تصنيفه هل هو معتدل ( أمريكيًّا ) أم متطرف ؟!
ويذكر التقرير ثلاثة أنواع ممن يسميهم (المعتدلين) في العالم الإسلامي، وهم :
(أولاً) : العلماني الليبرالي الذي لا يؤمن بدور للدين.
(ثانيًا) : "أعداء المشايخ".. ويقصد بهم هنا من يسميهم التقرير " الأتاتوركيين " - أنصار العلمانية التركية - وبعض " التونسيين " .
(ثالثًا) : الإسلاميون الذين لا يرون مشكلة في تعارض الديمقراطية الغربية مع الإسلام.
ثم يقول بوضوح إن التيار المعتدل هم من : يزورون الأضرحة، والمتصوفون ومن لا يجتهدون .
الأطراف.. بدل المركز العربي للإسلام
وينفق التقرير جزءًا كبيرًا منه (فصلان من عشرة فصول) في التركيز على ضرورة أن يتم التركيز على "أطراف" العالم الإسلامي وتجاهل "المركز" -يقصد به المنطقة العربية- بغرض دعم ما يسمونه " الاعتدال في أطراف العالم الإسلامي " خصوصًا في آسيا وأوروبا وغيرها.

أما الهدف فهو أن تخرج الأفكار الإسلامية المؤثرة على مجمل العالم الإسلامي من هذه الأطراف وليس من المركز (العربي) الذي أصبح ينتشر فيه "التطرف"، وبحيث تصبح هذه الأطراف هي المصدرة للفكر الإسلامي المعتدل الجديد، ولا تخرج الأفكار من المركز!.

بل إن التقرير يطرح هنا طريقة غريبة في الحوار مع المسلمين بهدف تغييرهم تتلخص في: تغيير من نحاوره، وتحجيمه عن القيام بأعماله، أو "انتظار الفرصة المناسبة" بدون أن يحدد ما يعني بالفرصة المناسبة .

وهنا يركز في فصليه السادس والسابع على تجربة الأطراف في آسيا وأوروبا على التوالي، ويطرح أسماء مؤسسات وأشخاص في آسيا وأوروبا "ينبغي" العمل معها ودعمها بالمال، ويضرب أمثلة بتجارب مشوّهة تشوِّه دور الإسلام بالفعل مطلوب التعاون معها ودعمها، مثل دعم موقع سعودي يرى مثلاً أن الأحاديث حول شهادة (ألا إله إلا الله.. وأن محمدًا رسول الله) ليست ثابتة ! .
احذروا دور المسجد
والغريب أن التقرير يركز في فصله الأول (المقدمة) على ما يعتبره " خطورة دور المسجد " - ضمن هجومه على التيار الإسلامي - باعتبار أنه (المسجد) الساحة الوحيدة للمعارضة على أسس الشريعة ؛ ولذلك يدعو لدعم " الدعاة الذين يعملون من خارج المسجد " (!) ، ولا ينسى أن يحذر من سطوة المال - يقصد به المال السعودي الوهابي - الذي يدعم تنظيم التيار الإسلامي، مؤكدًا أنه لا بد من تقليل تقدم هذا التيار الديني لصالح التيار العلماني التقليدي الديني ( وفق المفهوم الأمريكي للاعتدال ) ، بغرض " تسوية الملعب " كي يتقدم " التيار التقليدي" ! .

بعبارة أخرى يركز التقرير هنا على أن الطريق الصحيح لمحاربة المسلمين هو بناء أرضية من المسلمين أنفسهم من أعداء التيار الإسلامي، مثلما حدث في أوروبا الشرقية وروسيا حينما تم بناء منظمات معادية للشيوعية من أبناء الدول الشيوعية نفسها.
وربما لهذا أفرد التقرير فصله الثاني للتركيز على فكرة الحرب البادرة والاستفادة من الخبرة الأمريكية في ضرب التيار الشيوعي من الداخل في تقديم نموذج مشابه لصانع القرار الأمريكي كي يستفيد منها في المواجهة المشابهة مع التيار الإسلامي، وركّز هنا على جانبين :
(الأول) خاص بخبرة الاستعانة بالطابور الخامس من المهاجرين البولنديين والشيوعيين للغرب ومعهم المفكرين الأمريكيين لتمهيد أرض المعركة ونشر القيم الغربية .
و(الثاني) خاص بالجانب الإعلامي مثل تجربة (راديو ليبرتي) الموجه لروسيا، فضلاً عن إنشاء قسم خاص في المخابرات الأمريكية دوره هو التغيير الفكري لمواقف وآراء طلاب ومفكري الدول الشيوعية وتقديم العالم لهم من وجهة نظر غربية محببة. بل يطرح التقرير هنا أفكارًا بشأن كيفية استخدام الدين ضد الشيوعية، كنوع من الإسقاط لبيان أنه يمكن -العكس- باستخدام العلمانية ضد الدين في الدول الإسلامية ! .
ومع أن الفصل الثالث من دراسة (راند) يركز على بحث أوجه التشابه أو الخلاف بين أسلحة الحرب البادرة في هدم الشيوعية، وأسلحة الحرب الحالية ضد الفكر الإسلامي، ويؤكد أن هناك أوجه تشابه أبرزها أن الصراع مع الشيوعية كان فكريًّا مثلما هو الحال مع العالم الإسلامي، فهو يعترف بأن عقبات هذه السياسة أعمق مع المسلمين.

ويذكر من أوجه الخلاف -عما حدث في الحرب البادرة- بأن أهداف الشيوعية كانت واضحة للغرب وكان من السهل محاربتها، بعكس أهداف التيار الإسلامي غير الواضحة للغرب، كما أن الشيوعية كانت هناك آليات للتفاوض معها (عبر أجهزة الأمم المتحدة وغيرها) ، بعكس التيار الإسلامي غير المحدد في كتلة واحدة محددة كالشيوعية، أما الأهم فهو المخاوف - كما يعترف التقرير - من أن ينظر لمحاولات " تحرير" العالم الاسلامي أو اعتداله على الطريقة الغربية على أنه غزو واحتلال فكري ، فضلاً عن صعوبة ضرب وتحجيم الدول التي تقف خلف الفكر الوهابي (السعودية) ؛ لأنها في نفس الوقت دول ترتبط أمريكا بمصالح معها (البترول - مناطق النفوذ) .
مرحبًا بالدول المتسلطة لا للديمقراطية
وربما لهذا يقول التقرير صراحة إن هناك مشكلة أمريكية في الضغط على حكومات وأنظمة الدول العربية والإسلامية المتسلطة للحصول على الديمقراطية، ما يعني ضمنًا التوقف عن دعم برامج الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي والتوقف عن الضغط للمجيء بالديمقراطية.

ويقول - في مقدمة الفصل الخامس - إن أمريكا دعمت في أوقات سابقة ما اعتبرته قوى معتدلة إسلامية في الأردن والمغرب (حزب العدالة والتنمية) و" فوجئنا أننا أخطأنا وأننا دعمنا غير المعتدلين " ! ، كما لا ينسى أن يشير لمشكلة في التأثير - بالمعونة الأمريكية - على التيار الإسلامي في دول غنية مثل دول الخليج ( مثلما يحدث في دول فقيرة ) ، ومن ثَم صعوبة ضرب التيار الإسلامي الحقيقي في هذه الدول الإسلامية الغنية.

والملفت هنا أن التقرير يسرد قائمة بمن يعتبرهم من المعتدلين في العديد من الدول العربية ودول الخليج ، ما يعني حرقهم أو ربما قطع خط الرجعة عليهم للعودة عن العمالة لأمريكا، ويطرح أفكارًا لمواجهة اتهام أنصاره بالعمالة، ويؤكد أهمية برامج التلفزيون التي تركز على فكرة (التعايش) مع الغرب.

الدراسة أو التقرير خطيرة كما هو واضح ومليئة بالأفكار السامة التي تركز على ما يسمونه " علمنة الإسلام " ، ومناصرة العلمانيين ودعمهم في المرحلة المقبلة، ويصعب جمع ما فيها في تقرير واحد، ولكن الأمر المؤكد أن الدراسة تركز - كما يقول مؤلفها الرئيسي في حوار صحفي - على أن " الهدف ليس طرح الصراع بين العالم الإسلامي والغرب ، وإنما بين العالم الإسلامي بعضه بعضًا "... أي ضرب الإسلام والمسلمين من الداخل على غرار تجربة ضرب الشيوعية .
 


مؤسسة أمريكية مدعومة تدعو إلى دعم شخصيات وشبكات مسلمة " تتبنى العلمانية وأفكار الصوفية "الثلاثاء 10 نيسان (أبريل) 2007القاهرة - خدمة قدس برس
 
في تقريره الأخير المقدم للإدارة الأمريكية، بشان التعامل مع "الإسلاميين" أو العالم الإسلامي، طرح مركز دراسات "راند RAND" البحثي التابعة للقوات الجوية الأمريكية فكرة بناء ما أسماه "شبكات مسلمة معتدلة" Building Moderate Muslim Networks، داعيا لتصنيف "المعتدل" أو مقياس هذا "الاعتدال" بأنه الشخص أو الجهة التي لا تؤمن بالشريعة الإسلامية، وتتبنى الدعوة العلمانية، ويتبنى الأفكار الدينية التقليدية كالصوفية.

ودعا التقرير، الذي صدر في 26 آذار (مارس) 2007، وعرضه الدكتور باسم خفاجي، مدير المركز العربي للدراسات الإنسانية في مائدة مستديرة بالمركز بالقاهرة مساء الأحد الماضي، إلى توجه جديد بشأن التعامل مع "المسلمين" ككل، وليس "الإسلاميين" فقط عبر ما أسماه "إعادة ضبط الإسلام"، ليكون متمشيا مع "الواقع المعاصر"، والدعوة للدخول في بنيته التحتية بهدف تكرار ما فعله الغرب لهدم التجربة الشيوعية.

وأشار الدكتور "خفاجي"، مدير العلاقات العامة السابق بمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، إلى أن هذه المؤسسة البحثية (راند) التي تدعمها المؤسسة العسكرية الأمريكية - والتي تبلغ ميزانيتها السنوية قرابة 150 مليون دولار، تتميز تقاريرها بأنها تلقي اهتماما لدي المؤسسة الأمريكية، وأن تقاريرها السابقة خصوصا تقرير 2004، بشأن "إشعال الصراع بين السنة والشيعة"، و"العداء للسعودية"، ظهرت أثارها بالفعل في السياسية الأمريكية ما يظهر خطورة دراستها الأخيرة خصوصا أنها لم تلق، على غير المعتاد، رواجا إعلاميا أمريكيا، ما قد يكون أمرا متعمدا في غفلة المسلمين، حسب تعبيره.
رافض الشريعة .. معتدل
ويحدد التقرير بدقة، صفات هؤلاء المسلمين "المعتدلين" المطلوب التعاون معهم، بالمواصفات الأمريكية، بأنهم الليبراليون والعلمانيون الموالون للغرب، والذين لا يؤمنون بالشريعة الإسلامية، ويطرح مقياسا أمريكيا من عشرة نقاط ليحدد بمقتضاه كل شخص هل هو "معتدل" أم لا، ليقترح في النهاية - على الإدارة الأمريكية - خططا لبناء هذه "الشبكات المعتدلة" التي تؤمن بالإسلام "التقليدي" أو "الصوفي" الذي لا يضر مصالح أمريكا خصوصا في أطراف العالم الإسلامي (أسيا وأوروبا) .

كما يحذر التقرير مما يعتبره "خطورة دور المسجد"، باعتبار أنه الساحة الوحيدة للمعارضة على أسس الشريعة، ولذلك يدعو لدعم "الدعاة الذين يعملون من خارج المسجد"، ولا ينسى أن يحذر من ما أطلق عليها "سطوة المال السعودي الوهابي"، ويشجع فكرة "التعايش".

ويلاحظ الدكتور "خفاجي"، أن تقرير "راند" الأخير يسعى لخلق ما يسميه دنيس روس المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط ( سيكولار – secular - دعوة) أو (دعوة علمانية)، وربما المقصود هنا هو "علمنة الدعوة الإسلامية" أو إنشاء مؤسسات علمانية إسلامية تقدم نفس الخدمات التطوعية التي تقدمها المنظمات الإسلامية التي تعارضها أمريكا، سواء كانت قوافل طبية أو كفالة يتيم أو دعم أسري وغيرها.
مواصفات أمريكية لـ "المعتدل"
ويؤكد تقرير مؤسسة راند، الذي يقع في 217 صفحة منها 145 صفحة، تتضمن الدراسة والتوصيات، أن هناك ثلاثة أنواع ممن يسميهم (المعتدلين) في العالم الإسلامي، هم : العلماني الليبرالي الذي لا يؤمن بدور للدين، و"أعداء المشايخ".. ويضرب مثلا بهم بـ "الاتاتوركيين"، وأنصار العلمانية التركية، وبعض "التونسيين" حسبما يقول التقرير، إضافة إلى المسلمين الذين لا يرون مشكلة في تعارض الديمقراطية الغربية مع الإسلام.

ثم يقول بوضوح إن التيار المعتدل (في التعريف الأمريكي) هم من : يزورون الأضرحة، والمتصوفون والرافضون للاحتكام للشريعة، والمؤمنون بحرية المرأة في اختيار "الرفيق وليس الزوج"، وحق الأقليات الدينية في تولي المناصب العليا في الدول ذات الغالبية المسلمة، ويروج التقرير لتيارين دينيين إسلاميين فقط هما: "التيار الديني التقليدي"، أي تيار رجل الشارع الذي يصلي بصورة عادية وليست له اهتمامات أخرى، و"التيار الديني الصوفي"، يصفه التقرير بأنه التيار الذي يقبل الصلاة في القبور، وبشرط أن يعارض كلا منها ما يطرحه "التيار الوهابي".
إهمال العرب
ويؤكد التقرير، الذي يقع في عشرة فصول، أن هناك حاجة للتركيز على "أطراف" العالم الإسلامي في أسيا وأوروبا، وتجاهل "المركز"، يقصد به المنطقة العربية، بغرض دعم ما يسمونه "الاعتدال في أطراف العالم الإسلامي"، خصوصا في أسيا وأوروبا وغيرها، وذلك بهدف أن تخرج الأفكار الإسلامية المؤثرة على مجمل العالم الإسلامي، من هذه الأطراف وليس من المركز الذي أصبح ينتشر فيه "التطرف"، وبحيث تصبح هذه الأطراف هي المصدرة للفكر الإسلامي المعتدل الجديد وفق المعايير الأمريكية، ولا تخرج الأفكار من المركز.

ويطرح التقرير أسماء مؤسسات وأشخاص في أسيا وأوروبا يدعو للعمل معها ودعمها بالمال، ويضرب أمثلة بتجارب مشوهة تشوه دور الإسلام بالفعل مطلوب التعاون معها ودعمها مثل دعم موقع سعودي خاص على الإنترنت يزعم أن الأحاديث النبوية حول شهادة " لا الله إلا الله وان محمد رسول الله " ليست ثابتة ومؤكدة .

كذلك تطرح دراسة راند، بوضوح فكرة الاستعانة بتجربة الحرب البادرة لضرب الشيوعية من الداخل في التعامل المستقبلي مع العالم الإسلامي، عن طريق بناء أرضية من المسلمين أنفسهم من أعداء التيار الإسلامي الحقيقي، مثلما حدث في أوروبا الشرقية وروسيا حينما تم بناء منظمات معادية للشيوعية من أبناء الدول الشيوعية نفسها، والاهتمام بالجانب الإعلامي مثل تجربة "راديو ليبرتي" الموجه لروسيا، فضلا عن إنشاء قسم خاص في المخابرات الأمريكية، دوره هو التغيير الفكري لمواقف وأراء طلاب ومفكري الدول الشيوعية، وتقديم العالم لهم من وجهة نظر غربية محببة.
671 مليون ميزانية "الحرة" و"سوا"
وفي هذا الصدد يشير الدكتور خفاجي، إلى أن التقرير ذكر مبالغ غير عادية للإنفاق على ميزانية قناة "الحرة" الفضائية الأمريكية، وراديو "سوا" تبلغ 671 مليون دولار سنويا، وطلبوا 50 مليون دولار أخرى "لمواجهة الأزمات"، وهو ما يعادل 4 مليار جنية مصري، أو 10 مليون جنية يوميا، ويزيد بدرجة غير معقولة مقارنة بفضائيات عربية ضخمة كالجزيرة والعربية ميزانيتها لا تزيد عن 50 مليون دولار سنويا، ما يرجح احتمال وجود "عمليات تمويل بطرق غير مباشرة " في هذه القنوات.
"مرحبا بالتسلط .. لا للديمقراطية"
ويؤكد تقرير "راند" صراحة، أن هناك مشكلة أمريكية في الضغط على حكومات وأنظمة الدول العربية والإسلامية المتسلطة للحصول على الديمقراطية، بسبب المصالح الأمريكية في التعامل مع هذه الحكومات، ما يعني ضمنا التوقف عن دعم برامج الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي والتوقف عن الضغط للمجيء بالديمقراطية.

ويقول، في مقدمة الفصل الخامس، إن أمريكا دعمت في أوقات سابقة ما اعتبرته قوي معتدلة إسلامية في الأردن والمغرب (حزب العدالة والتنمية) و" فوجئنا أننا أخطأنا وأننا دعمنا غير المعتدلين"، كما لا ينسي أن يشير لمشكلة في التأثير، بالمعونة الأمريكية، على التيار الإسلامي في دول غنية مثل دول الخليج ( مثلما يحدث في دول فقيرة) ، ومن ثم صعوبة ضرب التيار الإسلامي الحقيقي في هذه الدول الإسلامية الغنية.

ويلفت الدكتور خفاجي الأنظار إلى أن التقرير يسرد قائمة بمن يعتبرهم من المعتدلين في العديد من الدول العربية ودول الخليج، ما يعني حرقهم أو ربما قطع خط الرجعة عليهم للعودة عن العمالة لأمريكا، حسبما رجح خبراء شاركوا في المائدة المستديرة لمناقشة التقرير الأمريكي.
المصدر : أخبار الشرق


في أمان اللّه / «نظرية المؤامرة» و «نظرية البلاهة» !
أحمد الديين
هناك اتهام جاهز ومعلّب ضد أي متسائل عن نوايا السياسات الغربية تجاه العرب والمسلمين، أو باحث عن دوافعها، ومحاول لتفسير مقاصدها، بأنّه مصاب بمرض «نظرية المؤامرة» !

بالطبع المؤامرة ليست هي المحرك الأول ولا حتى الوحيد للتاريخ والأحداث والصراعات والحروب، ولكن المؤامرة موجودة في التاريخ، وهي عنصر محرك للأحداث، وأداة تُستخدَم في الصراعات، وليست هناك حروب خالية من المؤامرات... سواءً كانت حروباً عسكرية «ساخنة» أو «حروباً باردة» مثل ، التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية حتى بداية تسعينيات القرن العشرين بين المعسكر الرأسمالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والمعسكر الاشتراكي الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي السابق ...

وكذلك هي الحال في الحرب الباردة الجديدة، التي اتخذت أول الأمر اسم «صراع الحضارات» بين الغرب والإسلام، حيث جرى استهداف الإسلام والمسلمين كأعداء بديلين للحضارة الغربية بعد سقوط العدو السابق الممثّل في المعسكر الاستراكي، وها هي هذه الحرب الباردة الراهنة تتخذ عناوين جديدة اليوم، مرة تحمل اسم «الحرب ضد الإرهاب»، مع الخلط المتعمد بين المقاومة العادلة والإرهاب المدان، ومرة أخرى تحمل اسم محاربة «الفاشية الإسلامية»، وغير ذلك من عناوين !

الجديد أنّه في السادس والعشرين من شهر مارس الفائت نشرت «مؤسسة راند» الأميركية تقريراً يحمل عنوان: «بناء شبكات مسلمة معتدلة»، وهو باختصار تقرير يتضمن «مؤامرة معلنة» لا يستطيع تجاهلها أشد الناس سذاجة وبلاهة ممَنْ اعتادوا اتهام مخالفيهم المشككين بأنّهم «مصابون بمرض نظرية المؤامرة» !

وحتى يصبح الأمر واضحاً، فإنّ «مؤسسة راند»، التي يتكون اسمهما من اختصار كلمتي الأبحاث والتطوير باللغة الانكليزية، تأسست في 14 مايو 1948 فترة الحرب الباردة، ومقرها الرئيسي الآن سانتا مونيكا في كاليفورنيا، ويعمل فيها نحو 1600 موظف معظمهم من الباحثين والأكاديميين، وهي تقوم بجمع أكبر قدر من المعلومات، حيث تتولى تحليلها؛ وإعداد تقارير عنها؛ وإجراء أبحاث حولها، تتركز حول الشؤون الدولية، والأمن القومي، والسلامة العامة، والإرهاب والأمن الداخلي، وتقدّمها إلى صناع القرار في الولايات المتحدة الأميركية... أي هي باختصار مؤسسة استخباراتية «مستقلة» تعمل في إطار مدني !

أما التقرير الأخير، الذي أصدرته «مؤسسة راند» المعنون : «بناء شبكات مسلمة معتدلة» فوفقاً لعرض مسهب قام به الدكتور باسم خفاجي مدير المركز العربي للدراسات الإنسانية، فمكوّن من 217 صفحة، ويقع في عشرة فصول، وهو يطرح الاستفادة من خبرات الحرب الباردة السابقة بين المعسكرين الرأسمالي الغربي والاشتراكي الشرقي في الصراع بين الغرب والإسلاميين ولاحتواء الحركات الإسلامية، فيدعو إلى تجنيد مثقفين إسلاميين ورجال دين مسلمين، والاستفادة من الصوفيين، واستغلال العلمانيين في المجتمعات المسلمة، ويقترح على صناع القرار في الولايات المتحدة استخدام القطاع الخاص الأميركي وليس المؤسسات الحكومية لتنفيذ مخططاته، ولإبعاد شبهة العمالة عن المتعاونين ...

ويدعو إلى نقل الصراع ليتحول إلى صراع بين العالم العربي المسلم وبين الأجزاء الأخرى غير العربية من العالم الإسلامي، ولأن يصبح الصراع أيضاً بين الإسلاميين أنفسهم، مع دعم التيار العلماني الليبرالي في مواجهة صعود الإسلاميين سياسياً ... ولنتذكر فقط أنّه خلال الحرب الباردة سعى الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية لدعم التيار الإسلامي في مواجهة التيار اليساري القومي ... وقبله في نهاية خمسينيات القرن العشرين بذل الغرب جهوداً من أجل استخدام القوميين العرب في الصراع ضد التيار اليساري الماركسي ... وهكذا دواليك !

ومع ذلك لا يزال هناك مَنْ ينكر وجود المؤامرات، ويتهم المتسائلين عن النوايا والسياسات الغربية والباحثين عن دوافعها ومقاصدها بأنّهم مصابون بمرض «نظرية المؤامرة» ... ولكن ماذا عن أولئك المصابين بمرض «نظرية البلاهة» ؟!
المصدر : جريدة الرأي


العداء للسعوديةأميمة أحمد الجلاهمة
 
أشعر بأن الواجب يحتم علي أن أوجه الشكر والامتنان للمواقع الإسلامية الإلكترونية، المتميزة في طرحها ومتابعتها للأحداث، فمع قلة رفقتي لها مقارنة بأبناء هذا الجيل إلا أنها كعادتها دوما سخية معطاءة سواء مع المقبلين أو المدبرين، مواقع كهذه لا تنأى بنفسها عن بيان خطط معلنة لمؤسسات غربية تهدف لإصابتنا في مقتل.

والعنوان الذي سطر أعلاه ليس من نتاج مخيلتي بل من خلال عرض تقرير أمريكي وصلني من خلال أحد تلك المواقع الإلكترونية، وهو التقرير الذي وضعت بنوده مؤسسة (راند) البحثية والتابعة للقوات الجوية الأمريكية، والخطير في هذه المؤسسة يكمن في كونها قادرة على تحريك السياسة الأمريكية الخارجية والداخلية، إذ غالبا ما تظهر آثارها على هذه السياسة، خصوصا التقرير الذي اعتمدته عام 2004م والذي دعت فيه إلى (إشعال الصراع بين السنة والشيعة)، و(العداء للسعودية). وغني عن البيان أن هناك من اعتمد تلك التوصيات وقام بتطبيقها، نجح في بعضها مع الأسف، والعراق الجريح يصرخ بهذا، وفشل في بعضها ولله الحمد والمنة.

على أية حال التقرير الأمريكي الذي عنون بـ(بناء شبكات مسلمة معتدلة) والذي نحن بصدد التحدث عنه هنا، صدر في 26مارس 2007م، وعرضه الدكتور "باسم خفاجي" في القاهرة، وهو مدير العلاقات العامة السابق بمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية "كير"، والمدير الحالي للمركز العربي للدراسات الإنسانية. ولن أكون مبالغة لو قلت إن تقريراً كهذا يدفعنا دفعا للاهتمام بجوهر القضايا وترك القشور، خاصة في المملكة العربية السعودية، البلاد التي هي مطمع الكثيرين ممن قد يتعاملون اليوم معنا كأصدقاء وغدا قد نراهم طامعين في الحصول على نصيب من الكبش الثمين الذي عرفوه وعايشوه، واعتادوا تناول الطعام على مائدته كرما منه وحبا.

لا، لست مبالغة، ولا متوجسة، ولا متشائمة، وآمل ألا تكون نهايتي ونهاية قومي - حفظهم الله - كنهاية زرقاء اليمامة وقومها. فنحن على يقين بصدق الإحصاءات العالمية التي تؤكد خصوبة هذه الأرض وأهلها، فغناها وافر - ولله الحمد - ورجالها ونساؤها مباركون، إلى حد أصبح شبابنا بنين وبنات، هم معظم سكان البلاد، وبالتالي من الواجب علينا أن نهتم بهم وبفكرهم، ونحاول إيصال الحقائق لهم دون مواربة، ودون تحيز، نوضح لهم حقيقة ما نجده من تهديد من فئة إرهابية ليست منا فكرا وسلوكا، كما نوضح لهم في المقابل حقيقة الفكر النشط المنظم المدعوم من الخارج، فكر يعمل على توجيه ولاء هؤلاء الفتية والفتيات للغرب قلبا وقالبا، فالمؤسسات التعليمية والبحثية والإعلامية الخارجية تحاول جاهدة تغيير مفاهيم أبنائنا بحيث يزدرون كل ما هو موروث، ويجلون كل ما عداه من مفاهيم وأفكار وأنظمة اجتماعية، وحبذا لو تعارضت هذه المفاهيم والنظم المستوردة مع معطيات ديننا الإسلامي وتقاليدنا المتوارثة، وحتى أكون واضحة في حديثي أفيد القارئ بأن تجربتي والتي استقيتها منذ نعومة أظفاري ومن خلال مؤسسات تعليمية خارجية، تجعلني أجزم أن ذلك هو ما يراد لنا من البعض.

ولنرجع إلى خلاصة هذا التقرير الخطير، لقد حدد صفات المسلم المعتدل المستهدف بالدعم بالآتي: "الليبراليون الموالون للغرب، الذين لا يؤمنون بضرورة الالتزام بالشريعة الإسلامية، الرافضون للاحتكام للشريعة، المؤمنون بحرية المرأة في الاختيار والتعايش مع الرفيق- العشيق - وليس الزوج"، ولم يكتف التقرير بذلك بل حدد بعشر نقاط مقياسا يقاس من خلاله اعتدال المسلم المستهدف، فهو يروج لتيارين دينيين إسلاميين فقط هما : " التيار التقليدي " أي التيار المواطن البسيط الذي يكتفي بأداء الصلاة بصورة روتينية وليس له أدنى اهتمامات أخرى، و"التيار الديني الصوفي" الذي لا يضر مصالح أمريكا بشكل خاص، كما لا بد أن يكون أصحاب هذا التيار ممن يزورون الأضرحة، الشرط المعتمد لكل من هذين التيارين أن يكون كل منهما معارضا لكل ما يطرحه التيار الوهابي ولذا كان طبيعيا أن يحذر من "سطوة المال السعودي الوهابي" ولسنا بحاجة لبيان أن الدعوة الوهابية نابعة جملة وتفصيلا من المذهب الحنبلي، ولسنا في حاجة لبيان أننا لا نعرف الدعوة الإصلاحية للإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بالوهابية، ولسنا بحاجة أيضا لبيان أنهم عند ذكر "الوهابية" إنما يقصدون الإشارة إلى بلادنا المملكة العربية السعودية.

والغريب في هذا التقرير كما أشار الدكتور خفاجي في عرضه أن تقاريره السابقة كانت تزعم أنها تدعو لمساندة المسلمين المعتدلين، في حين جاء تقرير عام 2007م واضعا كل المسلمين في سلة واحدة، إذ دعا إلى التعامل مع المسلمين ككل لا الإسلاميين المتطرفين، فقد عبر عن ذلك بقوله "إعادة ضبط الإسلام" دون تفريق بين المتطرف المنبوذ حتى من قومه، وبين المعتدلين الذين هم الغالبية العظمى من المسلمين كما يطرح تقرير "راند" وضع فكرة الاستعانة بتجربة الحرب الباردة لضرب الشيوعية من الداخل، في التعامل المستقبلي مع العالم الإسلامي، عن طريق بناء أرضية من المسلمين أنفسهم من أعداء التيار الإسلامي، والاهتمام بالجانب الإعلامي مثل تجربة راديو (ليبرتي) الذي كان موجها لروسيا الشيوعية، وهنا أشار الدكتور خفاجي لما تنفقه الفضائية "الحرة" وراديو "سوا" من مبالغ تصل إلى(671) مليون دولار سنويا، تتكفل بدفعها وتوفيرها الإدارة الأمريكية، علما أن الدستور الأمريكي ينص صراحة على عدم تمويل الحكومة الأمريكية لأي مؤسسة إعلامية !

ولست هنا في موضع الفكاهة لأضحك أو لأضحككم على ما قد يعتبره بعضنا أضغاث أحلام، إذ حقيقة أخشى أن يضحكوا هم في النهاية لو عمدنا مع سبق الإصرار والترصد إلى إهمال توضيح الحقائق لأبنائنا وبناتنا، فالأفكار الغربية تروج عامدة تخدير عقولهم عن طريق تشويه مقدراتنا الدينية والوطنية، مستخدمة مصطلحات فارغة في مضامينها، فتلك ديموقراطية تدار عجلتها على أرضهم بأموال أصحاب المصالح، وتلك حرية هي أشبه بالإباحية الفوضوية من حرية العقلاء، وهذا دين ووطن يراد أن يفرغ من مضامينه لتحل بدلا منها مضامين غريبة موحشة.

إن ما أطلبه اليوم أوجهه للوطن "المملكة العربية السعودية" بشكل خاص، وللعالم العربي والإسلامي بشكل عام، ولكل المؤسسات الدينية والفكرية والإدارية والإعلامية، للنظر للقريب والبعيد من أيامنا، لنخطط لسنوات قد لا نكون سائرين على الأرض حينها، لنعيش لا ليومنا أو لغدنا القريب بل للبعيد، لننظر إلى عام 1450هـ 2030م.

أما صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير عسير، فقد أعلن الأسبوع المنصرم عن دراسة مستقبلية طموحة تم اعتمادها - ولله الحمد - للتنفيذ على أرض عسير في غضون ربع القرن القادم، الدراسة تهدف ليس فقط لتنمية أرض عسير وثرواتها، بل أيضا لتنمية الإنسان العسيري ذكرا كان أم امرأة، له دون غيره أطالب ومن منطلق رئاسته لمؤسسة الفكر العربي بالعمل على دعوة الدكتور "باسم خفاجي" وأمثاله ليكون ضمن أعضاء (مؤسسة الفكر العربي) خاصة أن له تجربة في خدمة المراكز البحثية الفكرية، كما أنه حاليا مدير" المركز العربي للدراسات الإنسانية" وإن كنت أتمنى أن يصلني ما يؤكد أنه حاليا يحمل عضوية المؤسسة.
المصدر : جريدة الوطن


وصفة أمريكية جديدة لبناء شبكات الإسلاميين " المعتدلين " (1-2)تقرير واشنطن - خليل العناني

لا يزال الغرب مسكوناً بهاجس التطرف الإسلامي، ولا تزال الكثير من مؤسسات ومراكز الأبحاث الأمريكية تقوم بالعديد من الدراسات والأبحاث حول كيفية تقويض والحد من المد الأصولي الذي تراها عنصراً رئيسياً في تهديد المصالح الغربية حول العالم.

ويعتقد البعض أن أحد الأدوات الرئيسية لمواجهة هذا المد المتصاعد تكمن في تقوية ما أطلق عليه تيارات "الإسلام المعتدل" باعتبارها حائط الدفاع الأول في مواجهة انتشار التطرف والتشدد في العالم الإسلامي. وتعتبر الدراسة التي أعدتها شارلي بينارد الباحثة بمؤسسة "راند" للدراسات ونشرت عام 2004 أحد العلامات البارزة في هذا المجال، والتي صنفت فيها الإسلام السياسي إلي أشكال متعددة، كان أهمها "الإسلام المعتدل".

قبل أيام قليلة أصدرت مؤسسة "راند" دراسة شاملة حول " بناء شبكات من المسلمين المعتدلين في العالم الإسلامي" شارك فيها أربعة باحثين في مقدمتهم شارلي بينارد وأنجل رابسا ولويل شوارتز وبيتر سكيل. وتنطلق الدراسة من فرضية أساسية مفادها أن الصراع مع العالم الإسلامي هو بالأساس "صراع أفكار" وأن التحدي الرئيسي الذي يواجه الغرب يكمن فيما إذا كان العالم الإسلامي سوف يقف في مواجهة المد الجهادي الأصولي، أم أنه سيقع ضحية للعنف وعدم التسامح.

وقد قامت هذه الفرضية علي عاملين أساسيين أولهما أنه علي الرغم من ضآلة حجم الإسلاميين الراديكاليين في العالم الإسلامي، إلا أنهم الأكثر نفوذاً وتأثيراً ووصولا لكل بقعة يسكنها الإسلام سواء في أوروبا أو أمريكا الشمالية. وثانيهما ضعف التيارات الإسلامية المعتدلة والليبرالية والتي لا يوجد لديها شبكات واسعة حول العالم كتلك التي يملكها الأصوليون.

وانطلاقاً من هذه الفرضية فإن الخيط الرئيسي في الدراسة يصب في منحي ضرورة قيام الولايات المتحدة بتوفير المساندة للإسلاميين المعتدلين من خلال بناء شبكات واسعة وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم لبناء حائط صد في مواجهة الشبكات الأصولية. وفي هذا الإطار تضع الدراسة ما تطلق عليه "خارطة طريق" يمكن للولايات المتحدة السير عليها من أجل خلق أجيال من الإسلاميين المعتدلين يمكن من خلالهم مواجهة التيارات الأصولية. وتوصي الدراسة بإمكانية الاستفادة في بناء هذه الشبكات من تجربة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق طيلة النصف الأخير من القرن الماضي.

تنقسم الدراسة، التي تقع في 217 صفحة، إلي مقدمة وعشرة أجزاء، يمكن استعراضها علي حلقتين، وفي هذه الحلقة نتعرض للأفكار التالية :
تحدي الإسلام الراديكالي وحتمية البحث عن حلفاء

تكتسب التفسيرات الراديكالية للإسلام مساحة كبيرة في المجتمعات الإسلامية، وذلك لأسباب عديدة منها انتشار الأدبيات والمصادر المتشددة لشرح الدين الإسلامي، فضلاً عن المناخ السلبي الذي تفرزه البنية السلطوية للنظم السياسية في العالم الإسلامي، ناهيك عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي تجعل المسجد بمثابة المؤسسة الوحيدة التي تستوعب مشاعر الإحباط وعدم الرضاء لدي العديد من المسلمين.

وانطلاقاً من هذه الخلفية يقدم الإسلاميون الراديكاليون أنفسهم باعتبارهم البديل الوحيد للأنظمة الاستبدادية وللخروج من هذه الحال المأساوية. وهم يديرون معركتهم مع هذه النظم من خلال استخدام وسائل الإعلام والمنابر السياسية المختلفة لرفع درجة السخط واليأس السياسي لدي المجتمعات من الأوضاع القائمة.

وفي كل الأحوال ينجح الراديكاليون والنظم السلطوية في تهميش وإضعاف ما يمكن أن يطلق عليه "المسلمين المعتدلين" وذلك علي غرار ما يحدث في مصر وإيران والسودان. حيث يواجَه هؤلاء إما بالقتل أو بالهروب خارج بلادهم.

ويمتلك الراديكاليون مزيتين لا تتوافرن لنظرائهم من المعتدلين أولاهما، التمويل، وفي هذا الإطار تشير الدراسة إلي الدور الذي قامت به السعودية في تمويل الإسلاميين المتشددين من أجل نشر المذهب الوهابي خارج السعودية وذلك علي مدار ثلاثة عقود. وثانيتهما التنظيم القوي الذي يتمتع به الراديكاليون، حيث نحج هؤلاء بحسب في بناء وتطوير شبكات تنظيمية علي مدار السنوات الماضية من أجل مد أنشطتها إلي خارج بلدانها.

وتمكن هاتين المزيتين الإسلاميين الراديكاليين من الانتشار والتأثير، وذلك برغم ضآلتهم العددية مقارنة بالمعتدلين، وهو ما يفرض علي الولايات المتحدة ضرورة العمل من أجل توفير هذه المزايا لدعم موقف المعتدلين، ويمكن في هذا الإطار الاستفادة مما قامت به الولايات المتحدة لمواجهة الاتحاد السوفيتي السابق عبر بناء شبكات من المتحالفين والشركاء داخل البلدان الاشتراكية والشيوعية وذلك عبر استخدام كافة الوسائل بما فيها الأنشطة الخفية لوكالة الاستخبارات المركزية CIA.

بيد أن صناع السياسة في الولايات المتحدة يواجهون، بحسب الدراسة، ثلاثة تحديات رئيسية تختلف كلياً عما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة. أولها، يتعلق بصعوبة الاختيار بين استراتيجيتي الدفاع أم الهجوم، فالبعض فضل اللجوء للاستراتيجية الهجومية من أجل خلخلة النظم الشيوعية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق، من خلال خلق شبكات داخلية لمهاجمة كافة الحكومات الشيوعية. في حين اعتقد البعض الأخر ضرورة اللجوء للاستراتيجية الدفاعية من خلال اعتماد استراتيجية "الاحتواء" من خلال دعم الحكومات الديمقراطية في أوروبا الغربية وآسيا وأمريكا اللاتينية.

التحدي الثاني يتمثل في كيفية حفاظ الحلفاء المحليين علي مصداقيتهم أمام شعوبهم بسبب ارتباطهم بالولايات المتحدة، ولذا فقد حاولوا وضع مسافة واضحة بين أنشطتهم وعلاقتهم بواشنطن.

أما التحدي الثالث فيتمثل في شكل وبنية التحالف الذي يمكن بناءه في مواجهة الشيوعية، وهل يتم من خلال العلاقة مع الاشتراكيين السابقين الذي تحولوا ضد الشيوعية، ولكنهم أيضا ينتقدون السياسة الخارجية الأمريكية، أم البحث عن شركاء آخرين؟ وفي النهاية لجأت الولايات المتحدة إلي بناء تحالف كبير يضم جميع من ينتقد الأيديولوجية الشيوعية، لذا تم تأسيس ما يطلق عليه "كونجرس الحرية الثقافية".
وقد وضعت الدراسة جدولاً توضيحياً لمعرفة الفروق الرئيسية بين استراتيجية بناء الشبكات إبان مرحلة الحرب الباردة، وبناءها في الوقت الراهن وذلك علي النحو التالي :
تحدي بناء الشبكات .. مقارنة بين الحرب الباردة والشرق الأوسط
وتشير الدراسة إلي أن أهم الشركاء "المحتملين" في مواجهة الإسلام الراديكالي هم المسلمون الليبراليون والعلمانيون الذين يؤمنون بقيم الليبرالية الغربية وأسلوب الحياة في المجتمعات الغربية الحديثة.والذين يمكن من خلالهم محاربة الأيديولوجية الإسلامية المتشددة والراديكالية، ويمكن أن يكون لهم دور مؤثر في "حرب الأفكار".

بيد أن الدراسة تؤكد علي أنه لابد من توفير كافة مصادر التمويل التي تمكن هؤلاء المعتدلين من نشر أفكارهم وحصد مؤدين وأنصار لهم داخل المجتمعات الإسلامية، وتوفير الدعم السياسي من خلال الضغط علي الحكومات السلطوية للسماح لهم بالتحرك بحرية ودون قيود.
الجهود الأمريكية لكبح جماح الإسلام الراديكالي

مثلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، دافعاً قويا للإدارة الأمريكية من أجل إعادة تقييم سياسات ومشروعات الأمن القومي الأمريكي، وقد تم تخصيص موارد كثيرة من أجل توفير الحماية للأراضي الأمريكية ومواطنيها من أية تهديد إرهابي. وهو ما أسفر عن زيادة مخصصات الجيش الأمريكي وأجهزة الاستخبارات الأمريكية فضلاً عن تدشين وزارة للأمن الوطني .

واتسعت برامج مكافحة الإرهاب لتشمل ليس فقط محاكمة ومقاضاة المتورطين في الأنشطة الإرهابية، وإنما أيضا التعاطي مع المصادر الحقيقية والبعيدة للإرهاب، ممثلة في إعادة هيكلة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلدان التي تمثل مصدراً رئيسياً لظهور الإرهابيين، وذلك علي حد وصف الدراسة. وهو ما ترجم عملياً في وثيقة "استراتيجية الأمن القومي الأمريكي" التي أصدرتها الإدارة الأمريكية في سبتمبر عام 2002، والتي تبنت فكرة نشر الديمقراطية والحرية خارج الحدود الأمريكية، أو ما أطلق عليها الرئيس بوش في خطابه الشهير أوائل عام 2002 "أجندة الحرية".

وتؤكد الدراسة أنه رغم الجهود التي بذلتها الإدارة الأمريكية طيلة الأعوام الخمس الماضية لنشر الديمقراطية والحرية، والدفع نحو مزيد من الإصلاح السياسي في البلدان السلطوية، إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة ودفعت نحول حال من عدم الاستقرار في بعضها، في حين لم تحقق تقدماً يذكر في بلدان مثل باكستان ومصر.

وتلفت الدراسة الانتباه إلي أن "أجندة الحرية" اعتبرت الاستراتيجية الكبرى Grand Strategy لإدارة الرئيس بوش لم تركز علي إيجاد حلفاء يمكن الاعتماد عليهم في بناء شبكات من المسلمين المعتدلين، وتري أن التحدي الحقيقي الذي يواجه الولايات المتحدة، والدول الغربية عموماً، يكمن في عدم امتلاكهم استراتيجية واضحة عن ماهية هؤلاء المعتدلين، وما هي فرص بناء شبكات تحالفيه معهم، وما هي أفضل السبل لتحقيق هذا الهدف؟

وعطفاً علي عدم وضوح الرؤية الأمريكية فيما يخص " حرب الأفكار " فقد لجأت إلي مجموعة من السياسات التقليدية مثل فرض الدمقرطة والحكم الرشيد، ودعم المجتمع المدني، ودعم التحرير السياسي والاقتصادي، وتغيير المناهج التعليمية والتثقيفية، فإنها قد وضعت نفسها في مواجهة ثلاثة مخاطر رئيسية أولها يتعلق بفقدان البوصلة، حيث فقد بعض الإسلاميون المعتدلون قدراً من مصداقيتهم بسبب العلاقة مع الولايات المتحدة كما هو الحال مع حزب العدالة والتنمية المغربي، وحزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن. والثاني يتعلق بضياع الوقت والجهد بسبب ازدواجية الأنشطة التي تقوم بها الهيئات غير الحكومية. والثالث هو ضياع الفرص الحقيقية للتغيير، وذلك بسبب التداخل الشديد في الاتصالات والعلاقات البينية التي تمارسها البيروقراطية الأمريكية.

وسط هذا الوضع المعقد تضيع الجهود الأمريكية للتعرف علي المسلمين المعتدلين وتوفير الدعم اللازم لجهودهم. لذا تقرر الدراسة أن بناء شبكات المسلمين المعتدلين يمكن أن تتم من خلال ثلاثة مستويات أولها مساندة الشبكات القائمة، وثانيها التعريف الدقيق للشبكات المحتملة ودعم نموها، وثالثها تعزيز قيم التعددية والتسامح التي قد تساهم في نمو هذه الشبكات.
خارطة طريق لبناء شبكات الإسلاميين المعتدلين في العالم الإسلامي

تشير الدراسة إلي أن نقطة البدء الرئيسية التي يجب علي الولايات المتحدة البدء بها في بناء شبكات من الإسلاميين المعتدلين تكمن في تعريف وتحديد هوية هؤلاء الإسلاميين. وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلي أنه يمكن التغلب علي صعوبة تحديد ماهية هؤلاء المعتدلين من خلال اللجوء إلي التصنيفات التي وضعتها بعض الدراسات السابقة التي قام بها بعض باحثي معهد راند مثل دارسة شارلي بينارد "الإسلام المدني الديمقراطي"، ودراسة "أنجل رابسا" "العالم الإسلامي بعد أحداث 11 سبتمبر".
ولهذا الغرض فقد وضعت الدراسة بعض الملامح الرئيسية التي يمكن من خلالها تحديد ماهية الإسلاميين المعتدلين أهمها ما يلي :

1 - القبول بالديمقراطية : يعتبر قبول قيم الديمقراطية الغربية مؤشراً مهماً علي التعرف علي الإسلاميين المعتدلين، فبعض الإسلاميين يقبل بالنسخة الغربية للديمقراطية، في حين أن البعض الأخر يقبل منها ما يتوائم مع المبادئ الإسلامية خصوصاً مبدأ "الشورى" ويرونه مرادفاً للديمقراطية.

كما أن الإيمان بالديمقراطية يعني في المقابل رفض فكرة الدولة الإسلامية التي يتحكم فيها رجال الدين كما هو الحال في إيران، لذا يؤمن الإسلاميون المعتدلون بأن لا أحد يملك الحديث نيابة عن " الله ".

2 - القبول بالمصادر غير المتعصبة في تشريع القوانين: وهنا تشير الدراسة إلي أن أحد الفروق الرئيسية بين الإسلاميين الراديكاليين والمعتدلين هو الموقف من مسألة تطبيق الشريعة.

فالتفسيرات التقليدية للشريعة لا تتناسب مع مبادئ الديمقراطية، ولا تحترم حقوق الإنسان، وتدلل الدراسة علي ذلك من خلال مقال للكاتب السوداني "عبد الله بن نعيم" قال فيه بأن الرجال والنساء والمؤمنين وغير المؤمنين لا يمتلكون حقوقاً متساوية في الشريعة الإسلامية.

3 - احترام حقوق النساء والأقليات الدينية: وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلي أن المعتدلين أكثر قبولاً بالنساء والأقليات المختلفة دينياً، ويرون بأن الأوضاع التمييزية للنساء والأقليات في القرآن يجب إعادة النظر فيها، نظراً لاختلاف الظروف الراهنة عن تلك التي كانت موجودة إبان العصري النبوي الشريف.

وهم يدافعون عن حق النساء والأقليات في الحصول علي كافة المزايا والحقوق في المجتمع.

4 - نبذ الإرهاب والعنف غير المشروع : وهنا تؤكد الدراسة علي أن الإسلاميين المعتدلين يؤمنون، كما هو الحال في معظم الأديان، بفكرة " الحرب العادلة " ، ولكن يجب تحديد الموقف من استخدام العنف، ومتي يكون مشروعاً أو غير مشروع ؟

وفي نهاية هذا الجزء تضع الدراسة مجموعة من التساؤلات، أشبه بمقياس للفرز بين الإسلاميين المعتدلين، وأولئك الذين يتخفون وراء مقولات الاعتدال والديمقراطية كما هو الحال مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر وذلك علي حد قول الدراسة.
هذه الأسئلة هي بمثابة اختبار لإثبات مدي اعتدال أي جماعة إسلامية من عدمه وتتمثل فيما يلي:
- هل الجماعة تتساهل مع العنف أو تمارسه؟ وإذا لم تكن تتساهل معه فهل مارسته في الماضي؟
- هل الجماعة تؤيد الديمقراطية باعتبارها حق من حقوق الإنسان؟
- هل تحترم الجماعة كافة القوانين والتشريعات الدولية لحماية حقوق الإنسان؟
- هل لديها أية استثناءات في احترام حقوق الإنسان (مثل الحرية الدينية علي سبيل المثال) ؟
- هل تؤمن بأن تغيير الديانة أحد حقوق الإنسان؟
- هل تؤمن بضرورة أن تطبق الدولة قانوناً جنائياً (الحدود) يتطابق مع الشريعة الإسلامية؟
- هل تؤمن بضرورة أن تفرض الدولة قانوناً مدنياً متلائما مع الشريعة؟ وهل تؤمن بحق الآخرين في عدم الاحتكام بمثل هذا القانون والرغبة في العيش في كنف قانوني علماني؟
- هل تؤمن بضرورة أن تحصل الأقليات الدينية علي نفس حقوق الأغلبية ؟
- هل تؤمن بحق الأقليات الدينية في بناء دور العبادة الخاصة بهم في البلدان الإسلامية ؟
- هل تؤمن بأن يقوم النظام القانوني علي مبادئ غير دينية ؟
ملحوظة : ركزوا على الملامح الرئيسية التي جاءت في أربع نقاط في تحديد ماهية الإسلاميين المعتدلين ، وطبقوها على واقع الحال .
وللموضوع بقية ومعلومات مهمة جداً ...
 


وصفة أمريكية لدعم فكر الإسلام المعتدل (2-2)
تقرير واشنطن – خليل العناني

نستعرض في هذه الحلقة الجزء الثاني من الدراسة التي أعدتها مؤسسة "راند" الأمريكية حول كيفية بناء شبكات من الإسلاميين المعتدلين، وهي الدراسة التي شارك في إعدادها أربعة باحثين في مقدمتهم شارلي بينارد وأنجل رابسا ولويل شوارتز وبيتر سكيل. وعرض تقرير واشنطن الجزء الأول الأسبوع الماضي.
حلفاء محتملون ...علمانيون وليبراليون ومتصوفة
تشير الدراسة إلي أن هناك ثلاثة قطاعات مهمة في العالم الإسلامي قد تمثل نواة جيدة لبناء شبكات من الإسلاميين المعتدلين من أجل مواجهة المتطرفين الإسلاميين .
 وهذه القطاعات هي العلمانيين والإسلاميين الليبراليين والمعتدلين التقليديين بما فيهم المتصوفة .

بالنسبة للعلمانيين تشير الدراسة إلي أن التيار العلماني في العالم الإسلامي، خصوصاً في البلدان العربية، يعاني من الضعف والتهميش نظراً للعلاقة الوثيقة التي نشأت بين العلمانية والنظم الشمولية.

وتشير الدراسة إلي وجود ثلاثة أنواع من العلمانيين أولها، العلمانيين الليبراليين وهم الذين يؤيدون تطبيق القوانين العلمانية في الدول الإسلامية.

وهم يؤمنون بالقيم العلمانية الغربية التي تقوم علي ما يسمي بـ" الدين المدني ".

أما النوع الثاني من العلمانيين فتطلق عليه الدراسة اسم "الأتاتوركيين" نسبة إلي العلمانية التركية، التي تحرم أي مظاهر للدين في الحياة العامة كالمدارس أو الأماكن العامة. وهي أقرب ما تكون للنموذج الفرنسي والتونسي، وخير مثال علي ذلك موقفهم من قضية الحجاب.

أما النوع الثالث فتطلق عليه الدراسة "العلمانيين السلطويين" وقائمتهم تشمل البعثيين والناصريين والشيوعيين الجدد. وعلي الرغم من علمانيتهم الظاهرة إلا أن هؤلاء قد يتمسكون ببعض الرموز الدينية من الناحية الشكلية فقط من أجل كسب التعاطف الشعبي علي غرار ما فعل الرئيس العراقي السابق صدام حسين

أما بالنسبة للإسلاميين الليبراليين، فعلي الرغم من أنهم يختلفون مع العلمانيين في أيديولوجيتهم السياسية، إلا أنهم يحملون أجندة فكرية وسياسية تتلاءم تماماً مع القيم الغربية، وهم يأتون من أوساط الإسلاميين التحديثين .

وتشير الدراسة إلي أبرز أمثلة هؤلاء هو الناشط الإسلامي في ماليزيا "عليل أبصار عبد الله" وشبكته الليبرالية .

وتري الدراسة أن هؤلاء لديهم نموذج خاص من الليبرالية الإسلامية يتواءم مع الديمقراطية الليبرالية الغربية خصوصاً فيما يتعلق بالديمقراطية وشكل الدولة وحقوق الإنسان والتعددية السياسية. بل الأكثر أن موقفهم من مسألة تطبيق الشريعة متقدم وبناء، علي حد وصف الدراسة، حيث ينظرون إلي الشريعة باعتبارها منتج تاريخي وأن بعض أحكامها لم يعد يتناسب مع الوضع الراهن. وفي هذا الإطار تشير الدراسة إلي ما كتبه الناشط السياسي التونسي "محمد شرفي" في كتابه ( الإسلام والحرية .. الالتباس التاريخي ) من أن الشريعة الإسلامية إبان الحكمين الأموي والعباسي كانت تعبيراً عن التحالف بين رجال الحكم ورجال الدين.

وبالنسبة للإسلاميين التقليديين والصوفيين، تشير الدراسة إلي أنهم يشكلون الغالبية العظمي من سكان العالم الإسلامي، وهم يعبرون عن الإسلام المحافظ، ويؤكدون علي السير علي خطي السلف، والتمسك بالجانب الروحي للإسلام. وهم يعتمدون علي المذاهب الأربعة في فهمهم للإسلام.

ووفقاً لهذه الدراسة فإن هؤلاء الإسلاميين من ألد أعداء الوهابيين والسلفيين الجهاديين .

وتشير الدراسة إلي أن الصوفية تتمتع بمكانة ميزة في كل من البوسنة وسوريا وكازاخستان وإيران وإندونيسيا، في حين أنهم يأخذون شكلاً رسميا في المغرب وتركيا والهند وألبانيا وماليزيا. وتري الدراسة إلي أن بعض الجماعات الصوفية متشددة ومتطرفة، وتشير في هذا الصدد إلي "جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية أحباش" المتواجدة في لبنان.

وبالنسبة للدراسة فإن النموذج الذي تقدمه تجربة " فتح الله جولن " في تركيا تعد مثالاً للصوفية المتمدينة ، فهي تعارض سياسة الدولة لفرض الشريعة الإسلامية، ويري أن علي الدولة ألا تسعي لفرض الدين علي المجتمع باعتبار أن الدين يمثل شكل من أشكال الخصوصية الفردية.
هل يمكن دمج الإسلاميين ؟
تشير الدراسة إلي الجدل المحتدم في الولايات المتحدة وأوروبا حول الموقف من دمج الإسلاميين في العملية السياسية، والتعامل معهم باعتبارهم شركاء . وتستعرض الدراسة وجهتي نظر مختلفتين حول هذه المسألة. الأولي تتبني الدمج وتقوم علي ثلاث حجج، أولها أن الإسلاميين يمثلون البديل المحتمل للنظم الشمولية في العالم الإسلامي خصوصاً في العالم العربي .

ثانيها أن العديد من الجماعات الإسلامية تتبني أجندة ديمقراطية تقوم علي احترام التعددية وحقوق الأقليات كما هو الحال مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية. ثالثها، أن هؤلاء الإسلاميين الأكثر قدرة علي مواجهة الخطر الراديكالي الذي يمارس العنف والإرهاب، وهم أقدر علي ذلك من رجال الدين التقليديين.

في حين تقوم وجهة النظر الأخرى التي تعارض دمج الإسلاميين ومعاملتهم كشركاء علي ثلاث حجج، أولها عدم التأكد من أن خطاب الإسلاميين بشأن موقفهم من الديمقراطية يعبر عن موقف تكتيكي أم استراتيجي.

وما إذا كانوا سيقبلون بمبدأ الفصل بين الدين والدولة، وما إذا كانت فكرة الدولة الإسلامية لا تزال تهيمن علي مخيلتهم أم لا؟. ثانيها، إنه ربما يقوم هؤلاء الإسلاميين، علي المدى القصير، بدور فعال في مواجهة الجهاديين، وهو ما قد يفقدهم المصداقية أمام الشعوب، وتكون مواجهتهم مرتفعة الثمن في المدى الطويل.

وثالثها، أن أفضل طريق للتعاطي مع هؤلاء الإسلاميين يكون فقط من خلال تقوية شبكاتهم وجعلهم نداً لغيرهم من الجماعات قبل الحديث عن شراكة وتحالف معهم.

وتخلص الدراسة في هذا الجزء إلي أن خمسة فئات يجب دعمها في العالم الإسلامي وهي، فئة الأكاديميين والمفكرين الليبراليين والعلمانيين، وفئة الشباب من رجال الدين وفئة نشطاء المجتمع المدني، وفئة الناشطين في مجال حقوق المرأة، وفئة الكتاب والصحفيين والإعلاميين.
الجناح الأوروبي للشبكة
تولي الدراسة اهتماما واضحاً للدور الذي يمكن أن تقوم به التجمعات الإسلامية في أوروبا في دعم شبكات المعتدلين الإسلاميين، حيث يصل عدد المسلمين في الدول الأوروبية إلي 15 مليون نسمة، بحسب الدراسة.

وتحذر الدراسة من التعاطي مع عدد من زعماء المراكز الإسلامية في أوروبا باعتبارهم معتدلين ومنهم الإمام عبده لبن رئيس المركز الإسلامي في الدانمرك الذي لعب دوراً سلبياً في أزمة الرسوم الدانمركية، وذلك علي حد وصف الدراسة.

في حين تشير الدراسة إلي ضرورة دعم المعتدلين الذين يعرفون أنفسهم باعتبارهم مسلمين أوروبيين، وتذكر هنا منتدى طلاب الاتحاد الأوروبي الذي يقوم بتنظيم برامج للتبادل الطلابي والثقافي لدعم فكرة الإسلام الليبرالي المعتدل.

ويشارك في أنشطة هذه المؤسسة العديد من الصحفيين والكتاب والمثقفين، ومنهم ناصر خاضر عضو البرلمان الدانمركي عن الحزب الليبرالي الاجتماعي، ورشيد كاشي عضو البرلمان الفرنسي، والتونسية سامية لبيدا مؤسسة مجموعة من الجمعيات غير الحكومية لتقديم الصوت الإسلامي المعتدل في أوروبا.

فضلاً عن الشيخ الهادي الصباح أمام مسجد " باسوا " بألمانيا، الذي يدين العنف والتمييز ضد المسيحيين. وصهيب بن الشيخ، الذي يدين الأصولية.

أما علي مستوي المؤسسات فتشير الدارسة إلي " الاتحاد الأسباني للجمعيات الإسلامية " ، والاتحاد الوطني لمسلمي فرنسا، والمجلس الإسلامي البريطاني، فضلاً عن التجمعات الإسلامية في دول البلقان.
جناح جنوب شرق آسيا
تؤكد الدراسة علي أن بناء الشبكة في جنوب شرق آسيا لابد وأن ينطلق من ترسيخ التعاون مع مؤسسة "نهضة الأمة" التي تضم ما يقرب من 15 ألف شخص، والمؤسسة "المحمدية" التي تضم شبكة من المؤسسات التعليمية والاجتماعية.

أيضا هناك شبكة الإسلاميين الليبراليين التي تكونت عام 2001 في مواجهة المد الأصولي الذي واجه أندونيسيا، والتي يرأسها "عليل أبصر عبد الله" الذي أصدر الإسلاميون المحافظون فتوى بتكفيره عام 2004، في حين أصدرت هيئة العلماء بإندونيسيا فتوى بإدانة أفكار التعددية والليبرالية والعلمانية واتهمتها بأنها معادية للإسلام.

وترصد الدراسة مجموعة من المؤسسات في جنوب شرق آسيا يمكن النظر إليها باعتبارها من الشركاء المحتملين في شبكة الإسلاميين المعتدلين ومنها المدارس الإسلامية المنتشرة في جنوب شرق آسيا خاصة مدارس الفلاحين والطلبة.
جناح الشرق الأوسط
تشير الدراسة إلي مدي ضعف شبكات الإسلام المعتدل في الشرق الأوسط وهو ما يتطلب بحسب الدراسة خلق تيارات ليبرالية من أجل خطف التفسيرات المتطرفة للإسلام من أفواه الراديكاليين.

وتؤكد الدراسة أنه في ظل غياب مؤسسات ليبرالية فإن " المساجد " تظل الأداة الوحيدة للتجنيد السياسي .

وتري الدراسة أن التيار الليبرالي في مصر بحاجة للمساعدة، وأن هناك من يدعو لطلب الدعم من الولايات المتحدة من أجل بناء شبكات ليبرالية لزيادة التفاعل بين المثقفين الليبراليين. ذلك أن الإسلام "المصري" بطبيعته معتدل، ويتناقض مع نظيره السعودي.

في حين تعد الأردن بلداً نموذجياً لبناء شبكات معتدلة في العالم العربي، وتستشهد الدراسة في هذا الإطار بما قاله الدكتور مصطفي الحمارنة مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بعمان من أن "المجتمع الأردني أكثر نضجاً من الحكومة" وأن هناك طلب داخلي قوي علي الإصلاح والدمقرطة.

وتشير الدراسة إلي أن معظم بلدان الخليج لديها إسلام معتدل كما هو الحال في الكويت والبحرين والإمارات، ولكن المشكلة أنه لا توجد شبكات تنظم المعتدلين في علاقات تفاعلية. في حين ينعم السلفيون والصوفيون بهذه الشبكات والروابط علي حد وصف الدراسة.

بالنسبة للكويت فإن جماعة الإخوان المسلمين تهيمن علي جامعة الكويت وعلي بيت المال الكويتي، في حين يكافح الليبراليون في الكويت من أجل دعم الديمقراطية والتعددية والاعتدال.

ومنهم علي سبيل المثال د. أحمد بشارة الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي في الكويت، د. شملان العيسي مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية في جامعة الكويت. ومحمد الجاسم رئيس تحرير جريدة الوطن.

أما البحرين فتتمتع بمجتمع مدني حيوي ونابض، علي حد وصف الدراسة، وقد نجحت القوي الإسلامية بمختلف أشكالها من سلفيين وشيعة وإخوان مسلمين من حصد معظم المقاعد البرلمانية في انتخابات 2002. كما أن هناك دور فاعل للكتلة الاقتصادية التي تدافع عن الحريات واحترام حقوق الإنسان والاقتصاد الحر.

أما في الإمارات خاصة في دبي وأبو ظبي فلا يوجد تيار ليبرالي حقيقي، وباستثناء ملتقي دبي الإصلاحي، وجمعية حقوق الإنسان في دبي لا توجد مؤسسات للتعبير.

وتدور معظم أسماء المثقفين المعتدلين حول الدكتور محمد الركن مساعد عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات، وعبد الغفار حسين رئيس الجمعية الإماراتية لحقوق الإنسان.

وعلي صعيد المشروعات البحثية تشير الدراسة إلي أن هناك مجموعة من المشاريع التي تقوم بها بعض المؤسسات الغربية من أجل دعم الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، منها علي سبيل المثال مؤسسة بن رشد لدعم حرية التفكير التي تتخذ من ألمانيا مقراً لها تدعم المفكرين العرب المستقلين، وقد أنشئت عام 1998.

أيضا هناك مركز دراسات الإسلام والديمقراطية الموجود بواشنطن ينظم دورات وبرامج تدريبية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ولقاءات للحوار في الأردن والمغرب والجزائر ومصر.

ويتركز عمل المركز في عقد جلسات حوار بين مثقفين من مختلف التوجهات الفكرية من أجل تقريب وجهات النظر حول العديد من القضايا، كما أنه مهتم بتدريب طلاب من الشرق الأوسط علي مفاهيم الديمقراطية.
العلمانيون .. الحلقة المنسية في حرب الأفكار
تشير الدراسة إلي أن أحد الأطراف القوية التي يمكنها أن تلعب دوراً مؤثراً في حرب الأفكار هم العلمانيون في العالم الإسلامي، بيد أن ثمة عراقيل تواجه نمو التيار العلماني لعل أهمها :

- ارتباط العلمانية، خصوصاً في العالم العربي، بالعديد من النظم الشمولية السلطوية .
- ارتباط العلمانية بالتيار اليساري سواء كفرادى أو مجموعات، وهو ما يواجه بمعارضة دائمة، خاصة في الولايات المتحدة، حيث أن هناك حساسية من مراكز الأبحاث لدعم هذه التيارات .
- يحوط مفهوم العلمانية الكثير من الغموض خصوصاً في العالم العربي، خاصة وأن البعض ينظر إليها باعتبارها ضد الدين.

بيد أن ذلك لا يعني أنه من الصعوبة دعم التيار العلماني، حيث تشير الدراسة إلي بعض الكتاب العلمانيين في العالم العربي الذين يجب دعمهم، مثل الشاعر العربي علي أحمد سعيد المعروف باسم "أدونيس"، والمثقف المصري الدكتور نصر حامد أبو زيد، والمهندس الهندي "أصغر علي"، والفنان اللبناني مارسيل خليفة.

أما علي المستوي المؤسسي فتشير الدراسة إلي بعض المؤسسات العلمانية ومنها "ائتلاف المسلمين الأحرار" الذي أسسه المحامي الفلسطيني كمال نواش وله 12 فرع في الولايات المتحدة وفرع في كندا وأخر بمصر. ومؤسسة الدراسات الإسلامية التي أسسها أصغر علي في الهند عام 1980.
توصيات الدراسة
في نهاية الدراسة يشير الباحثون إلي مجموعة من التوصيات التي يجب علي الولايات المتحدة الالتفات إليها ويمكن إيجازها فيما يلي :- أن تشرع الولايات المتحدة في بناء شبكات من الإسلاميين المعتدلين، وأن يكون ذلك جزء من الاستراتيجية الأمريكية الشاملة حول هذا الملف وهو ما يمكن تحقيقه من خلال وجود جهاز مؤسسي يقوم بهذا الجهد.
- يجب أن تهتم الإدارة الأمريكية من خلال مبادرة دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط ببناء علاقات مع كل من العلمانيين ورجال الدين المعتدلين والمفكرين والصحفيين والناشطين في مجال المرأة.
- وضع برامج محددة في مجالات التعليم الديمقراطي، الإعلام، جمعيات الدفاع المدنية.
- عقد ورش عمل ودورات للمعتدلين والليبراليين والاستماع إلي أفكارهم .
- بناء شبكة دولية لربط الليبراليين والمعتدلين الإسلاميين حول العالم ووضع برنامج محدد لتطوير أدواتهم وإمكاناتهم.
ملاحظة : دققوا في الأسماء المذكورة في التقرير ، والتي ستجد الدعم الكامل من أمريكا .
 


تقرير (راند) .. معايير أمريكية للإسلام المعتدل
القاهرة/علي عليوه 2/4/1428 19/04/2007
منذُ أيام صدر تقرير 2007 لمؤسسة (راند) الأمريكية للأبحاث، وهي المؤسسة التي تتبع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، وتلعب دوراً مهمًّا في اتخاذ القرار داخل هذه المؤسسة الأمريكية الهامّة، وأشرف على إعداده (أنجيل سبارا) الذي كان يعمل بوزارتي الخارجية والدفاع الأمريكية، ويقع في أكثر من مائتي صفحة، ويرسُم ملامح إستراتيجية للتعامل مع المسلمين المقيمين فيما أسماه بـ (العالم المسلم) ، وليس الإسلامي، واستخدم مصطلحات ذات مدلولاتٍ جديدة مثل "المسلم المعتدل" ، و"المسلم الراديكالي" , و"دول الأطراف" , و"دول القلب" , وغيرها مستفيداً من الخبرة المخابراتية الأمريكية في التعامل مع الاتحاد السوفيتي إبّان الحرب الباردة.الاعتدالُ في المفْهُومِ الأمريكي
ومن معايير الاعتدال التي وضعها التقرير رفض تطبيق الشريعة الإسلامية، وتبني منظومة القيم الليبرالية الأمريكية التي تقوم على الفصل بين الدين, والدولة، واعتبار العقيدة شأناً فردياً بين الإنسان وربه، ولا علاقة لها بتنظيم شؤون الحياة, ورفض العنف، وتبني منظومة حقوق الإنسان التي تعتبر الشذوذ و"تغيير الفرد لدينه" ضمن هذه الحقوق، وتمَّ وضع استبيان من أحد عشر سؤالاً؛ لتحديد الشخص المعتدل.

أما الراديكالي أو المتطرِّف فهو من يتمسَّك بتطبيق الشريعة الإسلامية، ويسعى لإقامة الدولة الإسلامية, ويتبنى الفكر السلفي, ويرفض الديمقراطية، والليبرالية الغربية، وما يرتبط بها من منظومات حقوق الإنسان المنبثقة عن المنظور الغربي، ويرى أن من حقِّه استخدام العنف كأداةٍ للتغيير.

ويتضمَّن التقرير تفاصيل التعامل الأمريكي مع المسلمين بعد تصنيفهم، منها الوقوف إلى جانب العلمَانيين, والليبراليين, والمعتدلين (وفق المفهومِ الأمريكي للاعتدال)؛ لضرب غير المعتدلين, و دعم المعتدلين مالياً, ومعنوياً، وتصعيدهم للمناصب القيادية داخل دولهم؛ ليكونوا أنصاراً للإدارة الأمريكية في سياستها تجاه العالَمَين العربي والإسلامي.

ويشير إلى أن أحد مصادر هذا التمويل سيتمُّ من خلال الميزانيات الضخمة لإذاعتي (الحرّة), و(سوا) الأمريكيتين التي بلغت عام 2007 أكثر من (671) مليون دولار، وهناك مطالب لزيادتها بـ(50) مليون إضافية، يُستخدمُ الجزء اليسير منها؛ لتشغيل المحطتين، والباقي سيُنفقُ بشكلٍ غيرِ مُعلن؛ لدعم المعتدلين والليبراليين, والعلمانيين.

وشدَّد التقرير على ضرورة تشجيع الدعاة الجدد، الذين ينشطون خارج الإطار الرسمي على وضع رؤى إسلامية جديدة، تؤيد الليبرالية, والعلمانية بما يُنتج إسلاماً جديداً منفتحاً, ومعتدلاً، وترويج هذا النوع من الإسلام بين العامة، ونشرِه بكلِّ الطُرُق المتاحة، وتشجيع هؤلاء الليبراليين, والعلمانيين, والمسلمين "المعتدلين" على تكوينِ جمعيّةٍ عالمية للاعتدال، يكون لها فروعٌ, وروابط داخل البلدان العربية, والإسلامية.

أهم ما يلفت الانتباه في التقرير أنه ينقل معركة الإدارة الأمريكية، ضدّ العالم الإسلامي من مستوى الغزو العسكري الحالي، إلى معركة فيما بين المسلمين أنفسهم الذين يُراد لهم أن ينقسموا إلى معتدلين, ومتطرفين، وفق المفهوم الأمريكي ثُمَّ يتمُّ إشعال فتيلِ الصراع بينهم، وبذلك يتمُّ إضافة سببٍ جديدٍ للصراعات الداخلية، والاقتتال إلى جانب الأسباب العِرقية, والطائفية الموجودة بالفعل، والتي يتمُّ تغذيتها لتزداد المنطقة احتقاناً للوصول بشكلٍ أسرع لمرحلة الفوضى الخلَّاقة التي أشارت إليها كوندليزا رايس؛ لتحقيق الشرق الأوسط الجديد.

الجديد في التقرير أنه وضع معايير جديدة للاعتدال والراديكالية لم تكن معتادة من قبل، وأهميته ترجع إلى أن توصيات التقارير السابقة لنفس المؤسسة هي التي طُبِّقت في العراق، وأثمرت تلك الحرب الطائفية الطاحنة بين العراقيين، ويوصي بنقل تلك الخبرة إلى البلدان العربية, والإسلامية الأخرى؛ للتسريع بعملية التقسيم والتفتيت.
اختراق الجيوش
ويتضمَّن التقرير توصيات أخرى، منها حجب التمويل عن الجماعات الإسلامية، وتدريب كوادر عسكريّة من المنتمين لجيوش الدول الإسلامية، من المُتّصِفين بالاعتدال على القِيم الأمريكية؛ للاستعانة بهم عند الحاجة, وتغيير المناهج الدينية في البلدان الإسلامية؛ لتكونَ أكثر ليبرالية، وتشجيع إنشاء الجماعات أو الشبكات المعتدلة لمواجهة الدعوات المتطرِّفة، حيثُ يشير التقرير إلى أن المسلمين الليبراليين والمعتدلين لا يملكون شبكات فعَّالة، كالتي أنشأها المتطرِّفون لتوفير الحماية للجماعات المعتدلة.

ويوصي بقيام الولايات المتّحدة بمساعدة المُعتدلين الذين يفتقرون إلى الموارد اللازمة لإنشاء هذه الشبكات بأنفسهم، وإيجاد مجموعات إسلامية تدعو لما يسميه البعض دين أمريكي جديد، مثل الدعوة لعدم تطبيق الحدود، و جواز إمامة المرأة للصلاة، وقبول التطبيع مع إسرائيل.

ويدعو التقرير إلى تمزيق الشبكات المتطرِّفة، ويتطلَّب ذلك معرفة نقاط الضعف التي تعاني منها، ومن ثمَّ وضع إستراتيجية تستهدف تمزيق, وتفكيك هذه الشبكات، والعمل على تمكين المسلمين المعتدلين.

دعم جهود الحكومات, والمُنظَّمات الإسلامية المُعتدلة، للتأكد من أن المساجد لا يتمّ استخدامها منابر للأفكار المتطرِّفة، ودعم الإسلام المدني، ومنح الأولوية لمساعدة جهود المنظمات العلمانية، والمنظمات الإسلامية المُعتدلة؛ للقيام بأنشطة تعليمية, وثقافية ذات طابع جماهيري، و تطوير المؤسسات الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني.
المصدر : الإسلام اليوم
 


مركز "راند": الإسلام "المعتدل" هو الحل لأمريكامركز "راند" بواشنطن*
قراءة وترجمة: شيرين حامد فهمي**
03/05/2005
غلاف كتاب العالم المسلم بعد 11-9

"العالم المسلم بعد 11/9" هو كتاب أصدره مركز "راند" في أكثر من 500 صفحة في عام 2004 لبحث التفاعلات والديناميات المؤدية إلى حدوث التغيرات الدينية-السياسية التي يشهدها المسرح الإسلامي الراهن بهدف إمداد صانعي السياسة الأمريكية برؤية شاملة عن الأحداث والتوجهات الواقعة حاليا في العالم الإسلامي.

ويقدم الكتاب في محوره الأول خريطة شاملة للتوجهات الأيديولوجية في المناطق المختلفة بالعالم الإسلامي مشيرا إلى أن المسلمين لا يختلفون فقط في الرؤى الدينية، بل يختلفون أيضا في الرؤى السياسية والاجتماعية مثل الحكومة والقانون وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والتعليم.

وما يلفت النظر أن هذا الكتاب يصنع مساواة مفتعلة بين الإسلام "المعتدل" وبين "العلمانية" ويقسم العالم الإسلامي تقسيما قسريا حيث يتم مثلا تعريف منطقة معينة في العالم المسلم كونها "سلفية"، وأخرى "راديكالية"، وثالثة "معتدلة"...إلخ. وهو أمر غير جائز منطقيا أو علميا لأن التصنيف وفق الطريقة المادية المطلقة لا يتفق مع الطبيعة البشرية.

ومن خلال هذا التقسيم يتناول الجزء الثاني من الكتاب الخلافات القائمة بين المسلمين بعضهم البعض، مع تركيزه على خلافين أساسيين هما الخلاف السني-الشيعي والخلاف العربي-غير العربي حيث يخلص إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تثبت ولاءها للشيعة العراقية لصد المد الشيعي الإيراني رغم صعوبة ذلك، كما يرى أن مركز ثقل الإسلام سيتجه حتما ناحية "الأطراف" غير العربية التي تتسم بطبيعة أكثر ديناميكية، وكذلك بطبيعة أكثر ديمقراطية علمانية مقارنة بالدول العربية التي تشهد أدنى مستويات التقدم والتحضر مقارنة بالمناطق النامية الأخرى.
دوافع الإسلاميين الراديكاليين

وبعد أن قام الكتاب بتقسيم العالم الإسلامي وبيان الخلافات القائمة بين المسلمين سعى إلى توظيف هذا المدخل ليقوم في المحور الثالث بدراسة الأسباب الكامنة وراء ظاهرة الإسلاميين الراديكاليين، حيث يستنتج أن هناك ثلاثة أسباب كبرى تضافرت مع بعضها البعض هي: الظروف أو الأحوال ذات الصفة الاستمرارية أو شبه الاستمرارية، وهي الـconditions؛ والعمليات التي تتطور عبر فترة ممتدة من الوقت، وهي الـprocesses؛ والأحداث الكبيرة – مثل الحروب والثورات – التي كان لها تأثير كبير في تغيير التفاعلات السياسية في دولة ما بشكل جذري، وهي الـcatalytic events.
1ـ الأحوال الغالبة الدائمة:
يذكر الكتاب ثلاثة عوامل كان لها أثر فعال في تشكيل البيئة السياسة بالعالم المسلم. أولها يتمثل في فشل النماذج السياسية والاقتصادية التي سادت بعد تخلصه من الاحتلال الأجنبي. ذلك الفشل الذي فرخ جميع أشكال التعصب والتطرف المشهودة حاليا على الساحة الإسلامية، والذي أدى إلى ظهور العامل الثاني الذي يسمى "المناهضة البنيوية للغرب" أو structural anti-Westernism؛ وهي مناهضة سرعان ما تتفجر بمجرد ظهور أي سياسة أمريكية "مستفزة. وهى مناهضة متجذرة في العمق، مما يُصعّب اقتلاعها أو تليينها، مهما بلغت الوسائل الأمريكية من حنكة أو دبلوماسية. وأخيرا، فإن ثالث هذه الأحوال تمثل في تفتت مركزية السلطة الدينية للإسلام السُني الأمر الذي جعله عرضة لاستغلال المتطرفين والمتشددين ذوي الصيت الديني الواسع.
2 ـ العمليات المتطورة المتغيرة:
أدرج الكتاب تحت هذا البند العديد من العمليات التي أدت بكثير من المسلمين إلى انتهاج الإسلام "الراديكالي"؛ ومنها:

1) انتشار الصحوة الإسلامية في وسط المسلمين على امتداد العقود الثلاثة الماضية، وتسببها في خلق فجوة كبيرة بين المسلمين القوميين المؤمنين بالقومية العربية وبين المسلمين المؤمنين بالحل الإسلامي.

2) ضخ التمويلات الخارجية التي تستهدف دعم المتطرفين والمتشددين، وأكثرها التمويلات السعودية الساعية إلى نشر الفكر الراديكالي العنيف، وإلى ترويج الأيديولوجية الوهابية عبر القنوات العامة والخاصة.

3) تعانق التطرف مع القبلية، إذ يرى الكتاب وجود علاقة وطيدة بين المجتمعات القبلية وبين التشدد الديني؛ فغياب سلطة مركزية قوية في وسط المجتمع القبلي تهيئ الأخير وتشجعه على خلق أنواع خاصة به من التطرف والتشدد الديني.

4) تنامي الشبكات الإسلامية الراديكالية التي تجمع تحت لوائها أصنافا متباينة من البشر ولكن ذات خلفية دينية واحدة؛ وهي إما شبكات تجمع المال، أو تجمع أهل الشتات، أو تجمع قلوب وأفئدة الناس.

5) ظهور طفرة في الفضائيات في البلدان الإسلامية، وأعظمها أثرا قناة "الجزيرة" الفضائية وما يشبهها من قنوات تعمل على إثارة الشعور لدى المسلم العادي بـأنه "ضحية"، فكيف سيكون الأثر على المسلم المتشدد؟.
3 ـ الأحداث الجوهرية الدافعة:
أما الأحداث الجوهرية الدافعة التي ذكرها الكتاب، فهي تتلخص في الآتي: الثورة الإيرانية؛ الحرب الأفغانية؛ حرب الخليج 1991؛ الحرب العالمية على الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001؛ غزو العراق 2003.

واللافت للانتباه أن الكتاب لم يدرج الصراعين العربي الإسرائيلي والهندي الباكستاني من ضمن الأحداث الجوهرية الدافعة، بل أدرجهما من ضمن "العمليات" التي شكلت الحوار السياسي في كل من الشرق الأوسط وجنوب آسيا على امتداد نصف قرن، والتي أخرت النضج السياسي في كل من العالم العربي وباكستان نتيجة لانصرافهما عن الأزمات والإشكاليات الداخلية، كما يرى الكتاب.

فعلى سبيل المثال، أدت أحداث 11 سبتمبر 2001 إلى إعادة الشراكة الإستراتيجية بين عدد من الدول المسلمة أبرزها باكستان وبين الإدارة الأمريكية؛ وذلك في ظل الحرب العالمية على الإرهاب.

أما حرب العراق في عام 2003، فقد أدت بدورها إلى زرع القوة الأمريكية في داخل المنطقة العربية الإسلامية؛ وهو حدث يعتبر طفرة حقيقية على مسار العلاقات الأمريكية العربية الممتدة على مدار نصف قرن، ويعتقد الكتاب أن هذا الوضع لم يؤد فقط إلى ظهور القوى الإسلامية "المتطرفة" على المستويين السُني والشيعي، وإنما أدى أيضا إلى صراع بين النموذج الديمقراطي الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تدشينه ليصير أول تجربة ديمقراطية في الشرق الأوسط وبين النموذج "المتطرف" الذي يسعى "المتطرفون" إلى تطبيقه.
سيناريوهات المواجهة الأمريكية

أكثر ما يشدد عليه الكتاب هو ظاهرة انتشار التفسيرات الراديكالية حول الإسلام، وتمكنها من العقول المسلمة. وهي بالطبع ظاهرة تُزعج الإدارة الأمريكية التي ستجد عنتا شديدا في إقناع العقول المسلمة بأفكارها الليبرالية المناهضة للراديكالية، مما سيعني تعطيل المصالح الأمريكية في العالم المسلم. ومن ثم فإن "حرب الأفكار" ليست بالحرب السهلة؛ بل هي حرب في غاية الصعوبة من وجهة نظر مؤلفي الكتاب. والسؤال المطروح الآن هو: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تتفاعل مع التحديات والفرص التي تفرضها الساحة المسلمة اليوم؟ وهنا يطرح الكتاب "الراندي" سلسلة من المقترحات الاجتماعية والسياسة والعسكرية:
1 ـ إيجاد شبكات إسلامية "معتدلة":
يدعو الكتاب إلى مساعدة المسلمين "المعتدلين" و"الليبراليين" على توصيل أصواتهم إلى بقية المجتمعات المسلمة من خلال خلق شبكات ضخمة تتحدث بلسانهم وتعبر عن أفكارهم. ويقول: "إن الحرب من أجل الإسلام سوف تتطلب خلق جماعات ليبرالية بهدف إنقاذ الإسلام من خاطفيه، وإن إيجاد شبكة دولية يعتبر خطوة في غاية الأهمية؛ لأنها ستوفر منبرا أساسيا لتوصيل رسالة المعتدلين وستوفر لهم قدرا من الحماية، إلا أن المعتدلين ليس لديهم المصادر لخلق مثل هذه الشبكة الدولية".
2 ـ إتلاف الشبكات الراديكالية:
على الناحية الأخرى، يدعو الكتاب إلى اتباع إستراتيجية الإتلاف لكل الشبكات التي تستخدم العنف. ويتطلب ذلك قدرا كبيرا من الجهد من الإدارة الأمريكية، لكي تتفحص من خلاله أصول ومصادر الشبكات الإسلامية المتواجدة على الساحة. ومثل هذه الخطوة ستصب بالتأكيد في دعم "المعتدلين" وتقوية شوكتهم.

ويعتقد مؤلفو الكتاب أن تمويل المنظمات الراديكالية ينبع أصلا من السعودية ومن دول خليجية أخرى. ومن ثم فهم يرون ضرورة مراقبة عملية دوران تلك التمويلات، خاصة عند طرفي البداية والنهاية، وتزويد الدول الإسلامية بجميع القدرات التقنية الممكنة التي تساعد على مراقبة التدفقات المالية بسرعة وسهولة.
3 ـ تشجيع إصلاح المدارس الدينية والمساجد:
يعتبر الكتاب المدارس "الراديكالية" المنتشرة من باكستان إلى جنوب شرق آسيا رافدا أساسيا من روافد الحركات الراديكالية الإرهابية؛ ومن ثم ينادي الإدارة الأمريكية والمؤسسات الدولية ودولا أخرى متضررة من تلك الحركات والجماعات بتكثيف الجهود الرامية إلى إصلاح تلك المدارس عبر إعدادها وتجهيزها لتقدم تعليما حديثا يمد الطالب المسلم بالقدرات "السوقية" والتجارية. كذلك ينادي الكتاب الإدارة الأمريكية بتأييد جهود الحكومات والمنظمات المسلمة المعتدلة في جعل المساجد صرحا لخدمة المجتمعات المسلمة، وليس ساحة لنشر الأيديولوجيات الراديكالية.
4 ـ توسيع الفرص الاقتصادية:
يرى الكتاب أن توسيع الفرص الاقتصادية لدى الشباب المسلم هي التي ستصرفه عن الالتحاق بالمنظمات الراديكالية. ومن ثم يدعو إلى حتمية قيام الإدارة الأمريكية بالمبادرات التي من شأنها تحسين الحالة الاقتصادية لدى هؤلاء الشباب، على أن تكون المعونات الأمريكية معتمدة أصلا على المنظمات غير الحكومية المتواجدة في المنطقة؛ وكذلك أن تكون ملائمة للأوضاع المحلية. إضافة إلى ضرورة تدشين برامج ثقافية وتعليمية في الدول المسلمة لتقوم بوأد الأفكار "الراديكالية" وأن تستبدل بها الأفكار "العلمانية" أو "المعتدلة".
5 ـ دعم الإسلام المدني:
يمثل دعم العلاقات مع جماعات المجتمع الإسلامي المدني التي تسعى إلى تطبيق الاعتدال والحداثة مكونا فعالا في السياسة الأمريكية تجاه العالم المسلم". لذا يضع الكتاب هذا الهدف على سلم الأولويات عبر المشاركة الأمريكية في تنمية وتطوير المؤسسات المدنية الديمقراطية التي لم تر النور حتى الآن.
6 ـ الموازنة بين حرب الإرهاب ودمقرطة الدول الإسلامية:
يحذر الكتاب الإدارة الأمريكية في إطار حربها على الإرهاب من خطر الوقوع في الفخ الذي يرسمه لها الإسلاميون الراديكاليون وهو أنها تخوض حربا ضد الإسلام، فالإدارة الأمريكية ملزمة بإفهام الشعوب المسلمة بمدى رفضها للأنظمة المسلمة الديكتاتورية، وسعيها إلى تحقيق تحول ديمقراطي فعال في أنحاء العالم المسلم؛ ومواصلة حربها على الإرهاب في نفس الوقت حتى ولو استخدمها الراديكاليون كثغرة للنفاذ من خلالها.
7 ـ إدماج الإسلاميين في السياسة العامة:
هناك اعتقاد سائد يقول: بمجرد وصول الإسلاميين إلى السلطة فستكون هناك قطيعة مع الديمقراطية والحرية؛ إلا أن الكتاب يأمل في انقشاع ذلك الخطر تدريجيا إذا ما تدرب الإسلاميون -تدريجيا أيضا- على التعامل واقعيا وتطبيقا مع المؤسسات الديمقراطية. وهذا لن يتأتى إلا من خلال انخراط الإسلاميين (حتى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر) في داخل العملية الديمقراطية؛ فذلك هو خير ضامن لإنهاء حالات العنف المتفشية وسط الإسلاميين، كما يرى الكتاب.
8 ـ العمل مع المسلمين المغتربين:
يلفت مؤلفو الكتاب الانتباه إلى المسلمين المغتربين كعنصر أساسي ومهم في مساعدة الولايات المتحدة في تحقيق مصالحها داخل العالم المسلم. فعلى سبيل المثال، تعتبر المجتمعات المسلمة المتواجدة في الولايات المتحدة، بما لديها من مخزون ثقافي عالٍ، تعتبر رأس حربة لإحياء الديمقراطية والتعددية في العالم المسلم. إلا أنه لا بد من انتهاج الحيطة عند إدراج المنظمات الإسلامية غير القومية في أي تنمية ديمقراطية.
9 ـ إعادة العلاقات العسكرية مع الدول الإسلامية الرئيسية:
يطالب الكتاب الولايات المتحدة بضرورة تفعيل العلاقات العسكرية مع الدول الإسلامية لأن إيجاد ضباط مسلمين مُدربين أمريكيا؛ من خلال برامج مثل "التعليم والتدريب العسكري الدولي" لا تضمن فقط عدم تعرض القادة العسكريين المسلمين إلى القيم والممارسات الأمريكية، بل تضمن أيضا تزايد النفوذ الأمريكي في المنطقة العربية الإسلامية.
10 ـ بناء قدرات عسكرية مناسبة:
يطالب مؤلفو الكتاب الإدارة الأمريكية بضرورة تخفيض عدتها العسكرية في العالم الإسلامي، والعمل بدلا من ذلك على دعم وجودها الاستخباراتي والنفسي والمدني، الأمر الذي يقضي على ذريعة الوجود العسكري الأمريكي لاستخدام العنف. كذلك فإن توفير الجهود والعمليات العسكرية من أجل تكثيفها فيما هو أثمن -مثل الشئون المدنية والاقتصادية والسياسة- سوف يصب بدوره في المصلحة الأمريكية بالمنطقة.

خلاصة القول: إن هذا الكتاب يقدم إستراتيجية للإدارة الأمريكية للتعامل مع الإسلام تقوم على استخدام القوة الرخوة من خلال دعم الإسلاميين المعتدلين وإحداث العديد من التغييرات الثقافية والسياسية عبر دعم المجتمع المدني المسلم وتوسيع الفرص الاقتصادية والاتجاه نحو الديمقراطية. ويطالب في نفس الوقت بالتركيز على الوجود الاقتصادي والمدني والاستخباراتي بدلا من الوجود العسكري..
فهل ستعمل الإدارة الأمريكية الحالية بالنصيحة "الراندية"؟.

لعل في التصريحات الأخيرة لمسئولي الإدارة الأمريكية التي تحمل توجها نحو التواصل مع القوى الإسلامية المعتدلة في العالم العربي ما يشير إلى ذلك.
المصدر : إسلام أون لاين
 


خطة "راند" لكشف المنافقين !ياسر الشهري
لأول مرة تصل مؤسسة راند إلى طرح عقلاني يستحق التقدير، التقرير الأخير 2007م يؤكد هذا الأمر، فهو يعترف ضمنيا بالكثير من الحقائق التي جاء بها الإسلام؛ وإن كان اعترافه بها بهدف مواجهتها وهدم القناعات المبنية حولها !! .

يعترف التقرير أنه لا مكان -في هذا العالم- للجمع بين النقيضين أفكار الإسلام مع أفكار الديمقراطية (الحق مع الباطل)، وأن الإسلام كفكره لا يقبل الديمقراطية بأفكارها وطروحاتها المختلفة، ولا غيرها من الأفكار والأيديولوجيات المختلفة، لذا ينصحون بأن يستثني الإسلام من قاعدة دعاوى التعددية؛ باعتبار اعتناقه رفض وإقصاء للأفكار والأيديولوجيات الأخرى !!.

إنهم بذلك يؤكدون أصلا عظيما من أصول الدين؛ بُحت "أصوات الغيورين" وهم يعلمونه للأمة؛ أنه لا مكان للنقاش والحوار ما دام النص الشرعي واضحا في المسألة، وأن ذلك من التعقيب على أحكام الله -سبحانه وتعالى- التي لا معقب لها، وأن رأي الإنسان في هذه الحالة؛ إما أن يقول : (سمعنا وأطعنا : إتباع) أو الخذلان والمهانة إن لم يسمع ولم يُطع.

ويعترف التقرير - بعد تخبطاته في نسخة القديمة - أن الاعتماد على الأشخاص كان من أسباب قصور الخطط السابقة للحكومة الأمريكية، لذا عمد التقرير إلى وضع خطة تستهدف الفكرة الإسلامية – المشكلة ذاتها - من أصولها وجذورها، فحدد سمات الأفكار الرئيسة التي سيجري العمل على ترسيخها، ثم اشترط في من يقدم الدعم والمساندة لتحقيق أهداف الحكومة الأمريكية (أفراد، مؤسسات، حكومات) أن يكون ممن يعتنق تلك الأفكار، وهي في غالبها سمات المنافقين كما نص عليها القرآن الكريم، وهذا بحد ذاته إفصاح عن حقيقة المعركة وتأكيد على التصنيف القرآني للناس (مسلم، كافر، منافق) الذي جرى العمل لسنوات طويلة على تمييعه في نفوس المسلمين، وكشف لطبيعة العلاقة الأزلية بين النفاق والكفر.

تحتاج الأمة للحصول على مثل تقرير راند 2007م إلى الكثير من التضحيات التي قد تطال رموزها!! من العلماء والمفكرين المخلصين، وتحتاج كذلك إلى إمكانات مادية وتقنية لا يمكن أن تتاح لأصحاب الحق؛ بحرية في هذه المرحلة على الأقل، كما تحتاج إلى الصبر لمواجهة الهجمة الشرسة وحملة التشويه التي تنتظرها في حال أصدرت مثل هذا التقرير!! من إعلام المسلمين قبل غيرهم!!

ولكن،، بفضل الله جاء التقرير -الأخير لمؤسسة راند 2007م - من داخل أمريكا !!، يحمل في ثناياه بشائر النصر والتمكين لهذا الدين ويكشف العجز والخذلان الذي يتقلب فيه أعداء الدين في داخل المجتمعات الإسلامية (جميع المنافقين) وخارجها (بعض الكافرين) ، ويحدد بجلاء العلاقة الوثيقة والأصل المشترك بين النفاق والكفر في محاور بارزة: (عدم تحكيم الشريعة في كل شؤون الحياة، عدم قيام الدولة الإسلامية، فساد المرأة أصل التغيير، محاربة!!! فكرة الجهاد وتجريمها، حرية تغيير الدين أو تعديله أو تكوين مزيج منه!!، الحرية الجنسية) .

أراهن أن هذا التقرير بمثابة الكارثة على عملاء أمريكيا في داخل البلدان المسلمة، ولكن تبقى آليات المنافقين (المخادعة، والكذب) حائلا دون توبتهم بعد هذه الفضيحة التاريخية إلا أن يشاء الله. إن المتأمل في السمات التي اشتمل عليها مقياس راند للمسلمين المعتدلين!، وللمنتج المستقبلي من المسلمين، الذي سينتج بواسطة: "الولايات المتحدة وحلفائها" ليتوهم أنهم قد رجعوا إلى "سورة التوبة" في استنباط مكونات مقياسهم للمنافقين ومشروعاتهم، لذا يمكن استخدام هذا المقياس (الأمريكي) في كشف أفعال المنافقين في الواقع ولن ينبس أحدهم بكلمة (المتشددين، أو الإقصائيين، أو أصحاب الرأي الأوحد) لأن "أمريكا" هي مصدر المقياس!.

لقد اختصر التقرير الكثير من التفاصيل التي كتبت للرد على المخالفين لمنهج أهل السنة والجماعة، فقد أظهر –التقرير- تصنيفه لكافة المعتقدات والآراء والأفكار التي تتشبث بها الفرق والطوائف التي انحرفت عن منهج الإسلام من المبتدعة وأصحاب الشركيات؛ ضمن سمات الإسلام المستقبلي الذي يتسيد فيه الباطل ويُغيب فيه الحق ( زعموا! ) ؛ فتحدث التقرير عن أماله المعقودة على الطائفين بالأضرحة !!.. وجعل الوصول إلى هذه الوضعية ( طواف المسلمين بالأضرحة ) مقياسا على تحقيق الأهداف الأمريكية لتغيير "فكرة الإسلام" (التوحيد) ، وهذا يكشف بجلاء حقيقة الموحدين وطبيعة الآثار التي يتركها التوحيد على معتنقيه، وكما كان التوحيد ولا زال؛ القضية الأولى لدعاة الحق عبر تاريخ البشرية ومحور دعوة الرسل والأنبياء، فإن الكفر والشرك والبدع في المقابل هدف دعاة الباطل (شياطين الإنس والجن) ومحور مشروعاتهم وحركتهم في الحياة.

وتأكيدا على كشف التقرير عن البيئات التي يمكن أن يزدهر فيها النفاق وينمو (حول القبور) فإنه قد اقترح بعض الخطط للتضييق على المساجد وتحجيم دورها باعتبارها البيئة التي تنشأ فيها الأفكار المعارضة للديمقراطية!! وتزدهر فيها المعارضة الشرعية لمشروعات صناعة النفاق والكفر.

إن من أبرز ما يتميز به هذا التقرير أنه أعلن عن طبيعة المعركة {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} الأنعام33 . فالمعركة ليست مع متشددين ولا متطرفين ؛ إنها مع الفكرة نفسها (الإسلام) { .. وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ.. } جزء من آيةالبقرة217، أمام وقودها فهم أرذل البشر –المنافقون- نعوذ بالله من حالهم.

التقرر – الهدية - يقدم تفسيرات لكثير من الأخطاء التي ترتكب بحق الشعوب المسلمة من الحكومات في العالم الإسلامي، فهو يطرح فكرة تغيير المعتقدات والثقافة بكل صراحة، ويعول على " الفكر السياسي الأتاتوركي والتونسي !! " في تحقيق أهدافه، ويشترط إخلاص المؤسسات والحكومات الصديقة في تبني تغيير الثقافة من الداخل، إيمانا منهم بدور النفاق.

الذي يقرأ التقرير سيجد إجابات عن تساؤلات ملحة حول عدد من القضايا في مجتمعات المسلمين، منها :
لماذا يجري التغيير الاجتماعي بالقوة ؟

ولماذا العمل على زيادة الفجوة بين الطبقات الاجتماعية من خلال القضاء على الطبقة الوسطى – الممولة للأعمال الدعوية والإغاثية - في غالب المجتمعات المسلمة ؟

لماذا تنهب أموال الناس في وضح النهار؟ لماذا الفساد الإداري والقضائي في العالم الإسلامي ؟
لماذا تشغل ساحات الثقافة بـ(عصرنة الإسلام : تنسيق!! الإسلام ليتواءم مع العصر) وليس بأسلمة العصر ! ؟
لماذا يصرخ الإعلام الرسمي و( التجاري ! ) في وجه القيم والأخلاق؛ علنا والرقيب والحسيب معني بحماية الساسة فقط ؟
لماذا حصرت قضايانا الاجتماعية في تجريد المرأة من كل فضيلة توصلها إلى طاعة ربها ؟

لماذا تتزايد البطالة في صفوف الشباب الذكور ، وثقافة الحرية الشخصية ؟
إن تقرير راند حجة كبيرة على كل مؤمن بالله واليوم الأخر، فالأعمال المطلوبة لهزيمة العدو كثيرة لكنها واضحة جدا، ومرتبة بحسب أولوياتها، تنطلق من إحسان المسلم لعلاقته الداخلية مع الله سبحانه وتعالى (تقديم القدوة) وإعمار المساجد بالطاعات، ثم القيام بالواجبات في المحيط الاجتماعي انطلاقا من إصلاح الأسرة، ثم الدائرة الأكبر؛ لتجفيف منابع القوة الأمريكية (النفاق) من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاستمرار في العمل الجاد على هزيمة كل القيم المادية في الحياة، فذلك كفيل بهدم الكيان المادي (الولايات المتحدة) وغيرها من الكيانات الخاوية من المعاني السليمة للحياة.

كل الأحداث تسوق الناس – بأمر الله - نحو فهم صحيح للحياة، فالصراع الذي يتأجج يوما بعد يوم هو مواجهات قيمية وأخلاقية ، بين الأنظمة الأخلاقية في عالم البشرية (القديم والمعاصر والمستقبلي) ، وتلك الأنظمة لا تخرج عن الأنظمة الثلاثة التي يعرضها القرآن الكريم : النظام الأخلاقي الإسلامي : (يستمد قوته الإلزامية من حب الخالق ورجاء ما عنده) .

والنظام الأخلاقي الكفري : (يستمد قوته الإلزامية من هيمنة المحسوس (المادي) وقصور العقل عن تجاوز إطار الحس) .

والنظام الأخلاقي النفاقي : (يستمد قوته الإلزامية من "درجة قوة" ضغط النظام الأخلاقي الإسلامي) ، وهنا ينكشف تكتيك المعركة بين الأنظمة الثلاثة؛ فعندما تسود القوة الإلزامية لنظامنا الأخلاقي على حركتنا وفعلنا في الحياة؛ يُهدم الفكر المادي وتضعف هيمنة المحسوس، وبالتالي يضطر المنافق للمخادعة وكبح ثوراته في وجه الحق، إما إذا ضعفت القوة الإلزامية لنظامنا الأخلاقي في نفوسنا؛ فسوف ينتفش العدو، وفي كل الأحوال ؛ تتجلى الحقيقة: { .. قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ .. } جزء من آية آل عمران165. فلا عذر لأحد.
المصدر : موقع المسلم
 


المفهوم الأمريكي للاعتدال الإسلامي
قراءة في تقرير راند 2007م

د. بـاسـم خـفـاجـي
ملخص :
أصدرت مؤسسة راند الأمريكية RAND Corporation مؤخراً تقريراً بعنوان (بناء شبكات مسلمة معتدلة)، يقدم توصيات محددة وعملية للحكومة الأمريكية أن تعتمد على الخبرات السابقة أثناء الحرب الباردة في مواجهة المد الفكري الشيوعي، وأن تستفيد من تلك الخبرات في مواجهة التيار الإسلامي المعاصر. يوصي التقرير أن تدعم الإدارة الأمريكية قيام شبكات وجماعات تمثل التيار العلماني والليبرالي والعصراني في العالم الإسلامي؛ لكي تتصدى تلك الشبكات والجماعات لأفكار وأطروحات التيارات الإسلامية التي يصنفها التقرير بالمجمل بأنها (تيارات متطرفة) .

كما يؤكد التقرير على الحاجة لأن يكون مفهوم الاعتدال ومواصفاته مفاهيم أمريكية غربية، وليست مفاهيم إسلامية، وأن يكون هناك اختبار للاعتدال بالمفهوم الأمريكي يتم من خلاله تحديد من تعمل معهم الإدارة الأمريكية وتدعمهم في مقابل من تحاربهم وتحاول تحجيم نجاحاتهم. يقدم هذا المقال قراءة مختصرة لهذا التقرير، مع التركيز تحديداً على الجزء الخاص بتعريف الاعتدال من وجهة النظر الأمريكية، وكيفية إقامة تلك الشبكات المعتدلة بالمفهوم الأمريكي.

كما يتضمن المقال مجموعة من التوصيات حول الآليات العملية للتعامل مع مثل هذه التقارير، قبل أن تتحول توصياتها إلى سياسات أمريكية عامة تستخدم لتحجيم أو احتواء نهضة الأمة الإسلامية.
مقدمة :
تسعى المراكز الفكرية الأمريكية المهتمة بالشرق الأوسط إلى تقديم العديد من التوصيات للإدارة الأمريكية لتوجيه المعركة الفكرية مع العــالم الإسـلامي. وتبـرز مؤسسة راندRAND Corporation ، وهي أكبر مركز فكري في العالم، كأحد أهم المؤسسات الفكرية الأمريكية المؤثرة على صناعة القرار في الإدارة الأمريكية الحالية، خاصة فيما يتعلق بمنطـقة الشـرق الأوسط.

وقد أصدرت مؤسسة راند مؤخراً تقريراً في نـهاية شهـر مـارس من عـام 2007م (ربيـع الأول 1428هـ) بعـنوان (بناء شبكات مسلمة معتدلة) Building Moderate Muslim Networks ، وهو تقرير متمم لسلسلة التقارير التي بدأ هذا المركز الفكري الهام والمؤثر في إصدارها لتحديد الأطر الفكرية للمواجهة مع العالم الإسلامي في الفترة التي أعقبت أحداث سبتمبر.

يقدم التقرير توصيات محددة وعملية للحكومة الأمريكية: أن تعتمد على الخبرات السابقة أثناء الحرب الباردة في مواجهة المد الفكري الشيوعي، وأن تستفيد من تلك الخبرات في مواجهة التيار الإسلامي المعاصر عن طريق دعم قيام شبكات وجماعات تمثل التيار العلماني والليبرالي والعصراني في العالم الإسلامي؛ لكي تتصدى تلك الشبكات والجماعات لأفكار وأطروحات التيارات الإسلامية التي يصنفها التقرير بالمجمل بأنها (تيارات متطرفة).

كما يؤكد التقرير على الحاجة لأن يكون مفهوم الاعتدال ومواصفاته مفاهيم أمريكية غربية، وليست مفاهيم إسلامية. وقبل أن نتعرض لمحتوى ذلك التقرير وأهم ما ورد فيه من أفكار، فلعله من المهم إلقاء نظرة على التقارير السابقة لهذه المؤسسة الفكرية، وملاحظة العلاقة بين ما تطرحه من أفكار ورؤى، وما يتحول منها إلى سياسات عامة تتبناها الإدارة الأمريكية، وتفرضها على العالم الإسلامي والعربي.
تقارير سابقة :
اهتمت مؤسسة راند بما يسمى بالخطر الإسلامي منذ أكثر من ثمانية أعوام، وصدر عنها العديد من الدراسات التي لا يتسع المقام لعرضها، ولكننا نعرض فقط هنا أهم هذه التقارير، وأكثرها تأثيراً على الإدارة الأمريكية. وقد أصدرت مؤسسة راند كتاباً في عام 1999م، أي: قبل أحداث سبتمبر بعامين بعنوان (مواجهة الإرهاب الجديد)، وهو من إعداد مجموعة من الخبراء الأمريكيين، وصدر الكتاب في 153 صفحة، وهو خلاصة أفكار وأبحاث أهم خبراء (الإرهاب) في الولايات المتحدة، سواء في دوائر البحث والأكاديميات، أو دوائر السياسة والاستراتيجيات، من أمثال: إيان ليسر، وبروس هوفمان، وديفد رونفلت، وجون أركويلا، ومايكل زانيني؛ كما يذكر مركز كمبريدج بوك ريفيو الذي قام بإعداد قراءة متزنة لهذا التقرير. حاول الكتاب أن يجيب عن سؤال عمّا إذا كان (الإرهاب الجديد) يشكل خطـراً استراتيجـياً علـى الولايات المتـحدة تحـديداً أم لا؟ وأشار الكتاب إلى أن خطر الإرهاب الجديد سيتركز في منطقة الشرق الأوسط، وسيهدد مصالح كل من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني.

وبعد أحداث سبتمبر قامت مؤسسة راند في عام 2004م بإصدار تقرير بعنوان (العالم المسلم بعد 11/9) في أكثر من 500 صفحة لبحث التفاعلات والديناميات المؤدية إلى حدوث التغيرات (الدينية - السياسية) التي يشهدها المسرح الإسلامي الراهن بهدف إمداد صانعي السياسة الأمريكية برؤية شاملة عن الأحداث والتوجهات الواقعة حالياً في العالم الإسلامي. قدم البحث في محوره الأول - كما تذكر باحثة متخصصة في العلوم السياسية - خريطة شاملة للتوجهات الأيديولوجية في المناطق المختلفة في العالم الإسلامي، مشيراً إلى أن المسلمين لا يختلفون فقط في الرؤى الدينية، بل يختلفون أيضاً في الرؤى السياسية والاجتماعية، مثل: الحكومة، والقانون، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، والتعليم. وتذكر الباحثة أن البحث يصنع مساواة مفتعلة بين الإسلام (المعتدل) وبين (العَلْمانية)، ويقسم العالم الإسلامي تقسيماً قسرياً؛ حيث يتم ـ مثلاً ـ تعريف منطقة معينة في العالم المسلم في كونها (سلفية)، وأخرى (راديكالية)، وثالثة (معتدلة). وتناول الجزء الثاني من البحث الخلافات القائمة بين المسلمين بعضهم مع بعض، مع تركيزه على خلافين أساسيين هما (الخلاف السني - الشيعي) و (الخلاف العربي - غير العربي)؛ حيث يخلص إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تثبت ولاءها للشيعة العراقية لصدِّ المد الشيعي الإيراني رغم صعوبة ذلك (1) .

أما في فبراير من عام 2005م فقد صدر لمؤسسة راند تقرير بعنوان (الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات)، ويرى التقرير - كما ينقل أحد الباحثين(2) - أنه لا يمكن إحداث الإصلاح المطلوب من دون فهم طبيعة الإسلام في المنطقة؛ الذي يقف سداً منيعاً أمام محاولات التغيير، وأنّ الحل يكمن في النظر إلى المسلمين عبر أربع فئات، هي: مسلمين أصوليين، مسلمين تقليديين، مسلمين حداثيين، ومسلمين علمانيين. أما فيما يتعلّق بالأصوليين فتقول (راند) : يجب محاربتهم واستئصالهم والقضاء عليهم، وأفضلهم هو ميّتهم لأنّهم يعادون الديمقراطية والغرب، ويتمسكون بما يسمى الجهاد وبالتفسير الدقيق للقرآن، وأنهم يريدون أن يعيدوا الخلافة الإسلامية، ويجب الحذر منهم لأنّهم لا يعارضون استخدام الوسائل الحديثة والعلم في تحقيق أهدافهم، وهم ذوو تمكُّن في الحجّة والمجادلة. ويدخل في هذا الباب السلفيون السنة، وأتباع تنظيم القاعدة والموالون لهم والمتعاطفون معهم، و (الوهّابيون)، كما يقول التقرير.

وفيما يتعلق بالتقليديين تقول (راند) : يجب عدم إتاحة أي فرصة لهم للتحالف مع الأصوليين ويجب دعمهم وتثقيفهم؛ ليشككوا بمبادئ الأصوليين وليصلوا إلى مستواهم في الحجّة والمجادلة، وفي هذا الإطار يجب تشجيع الاتجاهات الصوفية ومن ثم الشيعية (يقول ابن خلدون: لولا التشيع لما كان التصوف) ، ويجب دعم ونشر الفتاوى (الحنفية) لتقف في مقابل (الحنبلية) التي ترتكز عليها (الوهابية) وأفكار القاعدة وغيرها، مع التشديد على دعم الفئة المنفتحة من هؤلاء التقليديين.

وأوصى التقرير بأهمية أن (ندعم التقليديين ضدّ الأصوليين لنظهر لجموع المسلمين والمتدينين وللشباب والنساء من المسلمين في الغرب ما يلي عن الأصوليين : دحض نظريتهم عن الإسلام وعن تفوقه وقدرته، إظهار علاقات واتصالات مشبوهة لهم وغير قانونية، التوعية عن العواقب الوخيمة لأعمال العنف التي يتخذونها، إظهار هشاشة قدرتهم في الحكم وتخلّفهم، تغذية عوامل الفرقة بينهم، دفع الصحفيين للبحث عن جميع المعلومات والوسائل التي تشوه سمعتهم وفسادهم ونفاقهم وسوء أدبهم وقلّة إيمانهم، وتجنب إظهار أي بادرة احترام لهم ولأعمالهم أو إظهارهم كأبطال وإنما كجبناء ومخبولين وقتلة ومجرمين؛ كي لا يجتذبوا أحداً للتعاطف معهم) .
أما في العام الماضي فقد صدر لمؤسسة راند دراسة بعنوان ( ما بعد القاعدة ) ، وهي تقع في مجلدين :
الأول : حول حركة الجهاد العالمية ، والثاني : عن الحلقات الخارجية لعالم الإرهاب.
تبحث الدراسة في أربعة مباحث رئيسة، المبحث الأول عن القاعدة: العقيدة، والاستراتيجية، والتكتيك، والتمويل، والعمليات، وتغير الأشخاص، والمستقبل المحتمل.
أما المبحث الثاني فهو عن الجماعات الجهادية التي تبنت نظرة القاعدة العالمية، والتي ليست مرتبطة رسمياً بتنظيم القاعدة.
والمبحث الثالث حول الجماعات الإرهابية الإسلامية وغير الإسلامية والتي ليس لها أي صلات معروفة بالقاعدة، ولكنها تهدد المصالح الأمريكية والأصدقاء والحلفاء؛ كحماس وحزب الله، وغيرهما.
أما المبحث الأخير فهو عن الرابطة بين الإرهاب والجريمة المنظمة، ويتضمن ذلك طرق استعمال الإرهابيين للمنظمات الإجرامية في تمويل نشاطاتهم.

أشرف على إعداد تلك الدراسة (أنجل راباسا)، وهو معد الدراسة التي سيتناولها هذا المقال أيضاً. تدعو الدراسة الولايات المتحدة الأمريكية إلى توسيع الجهود بشكل كبير لتقويض الدعم للقاعدة وخاصة من داخل الدول الإسلامية، وتقول: إن نجاح مكافحة القاعدة (الجهاد العالمي) يتم من خلال مهاجمة العقيدة الجهادية العالمية، وقطع الصلات بين الجماعات الجهادية، وتعزيز قدرات دول المواجهة إلى مواجهة تهديدات الحركات الجهادية.

كما يقول التقرير : إن العقيدة الجهادية تواصل الانتشار وتلقى مزيداً من القبول في العالم الإسلامي، وهذا سينتج إرهابيين أكثر يجددون صفوف القاعدة، وإذا تم الطعن في هذه العقيدة ومصداقيتها فإن القاعدة ستنزوي وتموت. يؤكد التقرير أن طرق مكافحة الإرهاب التقليدية لا تكفي لهزيمة القاعدة، ويجب فهم أن الصراع مع القاعدة صراع سياسي وعقدي، وفي هذا يقول راباسا: «الحركة الجهادية العالمية حركة أيديولوجية متطرفة.. والحرب عليها في أبسط مستوى يكون بحرب الأفكار»، والهدف من ذلك ـ كما يقول التقرير ـ هو منع القاعدة من استغلال الخطاب الإسلامي والخطاب السياسي والذي استخدمته بكل براعة.

يرى التقرير أن تقويض العقيدة الجهادية العالمية من الخارج أمر صعب؛ فالقاعدة قد عبأت المسلمين ضد الغرب، لكن ليس كل الجماعات الجهادية تتفق مع القاعدة في النظرة العالمية؛ ولهذا السبب تدعو الدراسة الولايات المتحدة إلى قطع الصلة بين الجهاد العالمي والجهاد المحلي، وذلك بنشر وتأكيد الاختلافات بين حركة الجهاد العالمية (القاعدة) ، وبين حركات الجهاد المحلية التي لا تهدد الغرب.

ومن المهم تأكيد وإبراز أن الدولة الإسلامية التي تسعى القاعدة إلى إقامتها ستستبعد التيارات الإسلامية الأخرى، وبالإضافة إلى ذلك فإن الولايات المتحدة ستسعى إلى القضاء على الجماعات الإرهابية، وتعزيز قدرات الحكومات الحليفة والصديقة للتعامل مع التهديدات الإرهابية، لكن بصفة استشارية بتوفير مجال جمع البيانات والتحليل والتقرير.
تقرير راند لعام 2007م :
أصدرت مؤسسة راند مؤخراً تقريراً في نهاية شهر مارس من عام 2007م (ربيع الأول 1428هـ) بعنوان (بناء شبكات مسلمة معتدلة) Building Moderate Muslim Networks، وهو تقرير متمم لسلسلة التقارير التي بدأ هذا المركز الفكري والمؤثر في إصدارها؛ لتحديد الأطر الفكرية للمواجهة مع العالم الإسلامي في الفترة التي أعقبت أحداث سبتمبر. الجديد في تقرير هذا العام أنه يقدم توصيات محددة وعملية للحكومة الأمريكية: أن تعتمد على الخبرات السابقة أثناء الحرب الباردة في مواجهة المد الفكري الشيوعي، وأن تستفيد من تلك الخبرات في مواجهة التيار الإسلامي المعاصر.

كما يوصي التقرير أن تدعم الإدارة الأمريكية قيام شبكات وجماعات تمثل التيار العلماني والليبرالي والعصراني في العالم الإسلامي؛ لكي تتصدى تلك الشبكات والجماعات لأفكار وأطروحات التيارات الإسلامية التي يصنفها التقرير بالمجمل بأنها (تيارات متطرفة) .

كما يؤكد التقرير على الحاجة لأن يكون مفهوم الاعتدال ومواصفاته مفاهيم أمريكية غربية، وليست مفاهيم إسلامية، وأن يكون هناك اختبار للاعتدال بالمفهوم الأمريكي يتم من خلاله تحديد من تعمل معهم الإدارة الأمريكية وتدعمهم في مقابل من تحاربهم وتحاول تحجيم نجاحاتهم. يقدم هذا المقال قراءة لهذا التقرير، وتحديداً الجزء الخاص في ذلك التقرير والمتعلق بتعريف الاعتدال من وجهة النظر الإسلامية.

أعدَّ الدراسة مجموعة من الخبراء الأمريكيين العاملين بالمركز، ومن أبرزهم (أنجل راباسا)؛ وهو باحث أكاديمي، عَمِل سابقاً في عدد من المناصب الهامة في كل من وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع، وهو حاصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد الأمريكية، ويجيد التحدث بأربع لغات غير اللغة الإنجليزية، وهي: الفرنسية، الإيطالية، اليونانية والإسبانية، وله عدد من الكتب والدراسات حول العالم الإسلامي.

يحاول التقرير ـ الذي صدر في 217 صفحة، وقُسِّم إلى مقدمة وتسعة فصول، وملخص للتقرير ـ أن ينقل طبيعة المواجهة الفكرية من مواجهة بين الإسلام والغرب؛ لكي تصبح مواجهة من نوع آخر بين العالم الغربي من ناحية والعالم المسلم من ناحية أخرى، على غرار الحرب الباردة التي كانت بين معسكرين شرقي وغربي. يؤكد التقرير أن الصراع هو صراع أفكار إضافة إلى الصـراع العسـكري أو الأمني، وأن حسم المعركة مع الإرهاب لن يتم فقط على الساحات الأمنية أو العسكرية، ولكن الأهم أن يهزم الفكر الإسلامي - الذي يصفه التقرير بالمتطرف - في ساحة الأفكار أيضاً.

يرى التقرير أن هذا الصراع الفطري يحتاج إلى الاستفادة من التجارب السابقة، ومن أهمها تجربة الصراع الفكري مع التيار الشيوعي خلال فترة الحرب الباردة، ويوصي التقرير الولايات المتحدة أن تستفيد من تلك التجارب، وتبحث في أسباب نجاحها وما يمكن أن يتكرر ويستخدم مرة أخرى من وسائل وأدوات وخطط وبرامج في إدارة الصراع مع التيار الإسلامي.

يعقد التقرير مقارنة بين المعركة الفكرية مع التيار الشيوعي، وبين المواجهة الحالية مع العالم الإسلامي، ويفرد لذلك فصلاً كاملاً في الدراسة. وفي الجدول المرفق عرضاً لهذه المقارنة:

كما يرى التقرير أهمية استعادة تفسيرات الإسلام من أيدي التيار الإسلامي وتصحيحها (!) حتى تتماشى وتتناسب تلك التفسيرات مع واقع العالم اليوم وتتماشى مع القوانين والتشريعات الدولية في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان وقضايا المرأة.

ويركز التقرير كذلك على أهمية إيجاد تعريف واضح ومحدد للاعتدال الإسلامي، وأن يصاغ هذا التعريف من قِبَل الغرب، وأن يصبح هذا التعريف هو الأداة والوسيلة لتحديد المعتدلين في العالم المسلم من أدعياء الاعتدال الذي لا يتوافق مع التعريف الأمريكي والغربي له. يؤكد التقرير أن هذا التعريف للاعتدال هو من أهم ما يمكن أن يساهم به التقرير في خدمة السياسة الأمريكية، وأن على أمريكا أن تدعم فقط الأفراد والمؤسسات التي تندرج تحت مفهوم الاعتدال بالتفسير الأمريكي له، والمقدم في هذا التقرير.

يوصي التقرير أن تهتم الولايات المتحدة الأمريكية بصناعة ودعم شبكة من التيار العلماني والليبرالي والعصراني ممن تنطبق عليهم شروط الاعتدال الإسلامي بالمفهوم الأمريكي، وأن تُستخدم هذه الشبكة في مواجهة التيار الإسلامي الذي يرى التقرير أنه لا يجب التعاون معه أو دعمه بأي شكل من الأشكال، رغم ادعاء بعض فئات هذا التيار أنها معتدلة، وأنها تدعو للتعايش والحوار وتنبذ العنف.

ينصح التقرير بعدم التعاون مع كل فئات التيار الإسلامي، وأن يرتكز بناء شبكة التيار المعتدل على التيارات العلمانية والليبرالية والعصرانية فقط. ويجعل التقرير من المفهوم الجديد المقترح للاعتدال من وجهة النظر الأمريكية أحد أهم نتائج التقرير؛ ولذلك فإننا سنركز في هذا المقال على هذا المفهوم الخاص بالاعتدال الأمريكي، رغم أن التقرير يحوي العديد من القضايا الهامة الأخرى التي يجب دراستها وتحديد سبل التعامل معها، ونأمل أن يحدث ذلك في المستقبل القريب ومن خلال مقالات ودراسات أخرى.
ما مفهوم الاعتدال الأمريكي ؟
تشير الدراسة إلى أن نقطة البدء الرئيسـة التي يجب على الولايات المتحدة العناية بها في بناء شبكات من المسلمين المعتدلين تكمن في تعريف وتحديد هوية هؤلاء المسلمين. وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلى أنه يمكن التغلب على صعوبة تحديد ماهية هؤلاء المعتدلين من خلال اللجوء إلى التصنيفات التي وضعتها بعض الدراسات السابقة التي قام بها بعض باحثي معهد (راند).
 ولهذا الغرض فقد وضعت الدراسة بعض الملامح الرئيسة التي يمكن من خلالها تحديد ماهية الإسلاميين المعتدلين، أهمها ما يلي(3) :

1- القبول بالديمقراطية : يعتبر قبول قِيَم الديمقراطية الغربية مؤشراً مهماً على التعرف على المعتدلين؛ فبعض المسلمين يقبل بالنسخة الغربية للديمقراطية، في حين أن بعضهم الآخر يقبل منها ما يتواءم مع المبادئ الإسلامية؛ خصوصاً مبدأ (الشورى) ويرونه مرادفاً للديمقراطية. كما أن الإيمان بالديمقراطية يعني في المقابل رفض فكرة الدولة الإسلامية.

2- القبول بالمصادر غير المذهبية في تشريع القوانين : وهنا تشير الدراسة إلى أن أحد الفروق الرئيسة بين الإسلاميين المتطرفين والمعتدلين هو الموقف من مسألة تطبيق الشريعة .

تؤكد الدراسة أن التفسيرات التقـليدية للشـريعة لا تتناسب مع مبادئ الديمقراطية، ولا تحترم حقوق الإنسان، وتدلل الدراسة على ذلك من خلال مقال للكاتب السوداني (عبد الله بن نعيم) قال فيه بأن الرجال والنساء والمؤمنين وغير المؤمنين لا يمتلكون حقوقاً متساوية في الشريعة الإسلامية.

3 - احترام حقوق النساء والأقليات الدينية : وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلى أن المعتدلين أكثر قبولاً بالنساء والأقليات المختلفة دينياً، ويرون بأن الأوضاع التمييزية للنساء والأقليات في القرآن يجب إعادة النظر فيها؛ نظراً لاختلاف الظروف الراهنة عن تلك التي كانت موجودة إبَّان عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

4 ـ نبذ الإرهاب والعنف غير المشروع : تؤكد الدراسة هنا على أن الإسلاميين المعتدلين يؤمنون ـ كما هو الحال في معظم الأديان ـ بفكرة (الحرب العادلة) ، ولكن يجب تحديد الموقف من استخدام العنف ومتى يكون مشروعاً أو غير مشروع؟
اختبار الاعتدال ؟
يضع التقرير في الفصل الخامس مجموعة من الأسئلة التي يعدّها مقـياساً للاعتـدال، وأن الإجابة عـن هذه الأسئلة تحدد ما إذا كان الفرد أو الجماعة يمكن أن يوصف بالاعتدال أم لا. يحذر التقرير أن التيار الإسلامي يدعي في بعض الأحيان أنه تيار معتدل ولكن وفق تفسير خاص به للاعتدال، وأن وجود قائمة من الأسئلة المختارة والمتفق عليها يمكن أن يحل هذه المشكلة، ويكشف للإدارة الأمريكية حقيقة نوايا الأفراد والجماعات من التيار الإسلامي ممّن يدَّعون الاعتدال أو يطالبون أن يعاملوا معاملة المعتدلين، وهو ما يجب أن يقتصر - حسب رؤية التقرير - على من يجتازون اختبار الاعتدال.

يضع التقرير 11 سؤالاً تشكِّل في مجملها المحددات الرئيسـة لوصف الاعتدال المقترح أن تتبناه الإدارة الأمريكية. وهذه الأسئلة وردت بالتقرير، ونورد النص الإنجليزي لها حرصاً على دقة الترجمة؛ لأنه من المتوقع أن يمارس الإعلام التابع للإدارة الأمريكية الكثير من التحوير والتعديل في نص هذه الأسئلة عندما تترجم للغة العربية نظراً للحساسيات التي ستثيرها هذه الأسئلة في حال انتشارها في الإعلام العربي، وبين المفكرين والمثقفين والسياسيين في الدول العربية والإسلامية.
ولذلك نرى أهمية أن تكون الأسئلة باللغة الإنجليزية مرافقة للترجمة العربية لها. وهذه الأسئلة هي :
- هل يتقبّل الفرد أو الجماعة العنف أو يمارسه؟ وإذا لم يتقبل أو يدعم العنف الآن؛ فهل مارسه أو تقبّله في الماضي؟
- هل تؤيد الديمقراطية؟ وإن كان كذلك؛ فهل يتم تعريف الديمقراطية بمعناها الواسع من حيث ارتباطها بحقوق الأفراد؟
- هل تؤيد حقوق الإنسان المتفق عليها دولياً؟
- هل هناك أية استثناءات في ذلك (مثال: ما يتعلق بحرية الدين)؟
- هل تؤمن بأن تبديل الأديان من الحقوق الفردية؟
- هل تؤمن أن على الدولة أن تفرض تطبيق الشريعة في الجزء الخاص بالتشريعات الجنائية؟
- هل تؤمن أن على الدولة أن تفرض تطبيق الشريعة في الجزء الخاص بالتشريعات المدنية؟ وهل تؤمن بوجوب وجود خيارات لا تستند للشريعة بالنسبة لمن يفضِّلون الرجوع إلى القوانين المدنية ضمن نظام تشريع علماني؟
- هل تؤمن بوجوب أن يحصل أعضاء الأقليات الدينية على حقوق كحقوق المسلمين تماماً؟
- هل تؤمن بإمكانية أن يتولى أحد الأفراد من الأقليات الدينية مناصب سياسية عليا في دولة ذات أغلبية مسلمة؟
- هل تؤمن بحق أعضاء الأقليات الدينية في بناء وإدارة دور العبادة الخاصة بدينهم (كنائس أو معابد يهودية) في دول ذات أغلبية مسلمة؟
- هل تقبل بنظام تشريع يقوم على مبادئ تشريعية غير مذهبية؟

إن من يقرأ هذه اللائحة من الأسئلة يدرك على الفور أن تعريف الاعتدال بالمفهوم الأمريكي لا يعبر إلا عن المصالح الأمريكية الهادفة إلى تحويل المسلمين بعيداً عن الإسلام تحت دعوى الاعتدال العالمي. إننا أمام محاولة لإعادة تعريف مفهوم الاعتدال داخل المجتمع المسلم بحيث لا يستند التعريف من الآن فصاعداً إلى مبادئ الوسطية والتراحم التي حثت عليها الشريعة، وإنما أن تتحول هذه المبادئ إلى مجمـوعة من المسلَّـمات الغــربية التـي تُـقدَّم للعـالم على أنهـا مبادئ دوليـة.

ومـن المتـوقع لاحـقــاً في حال إقرار هذه التوجهات ودفعها في الساحات الفكرية الدولية؛ أن تُمنَع شعوب العالم من رفضها أو حتى الاعتراض عليها بدعوى أن ذلك سيكــون اعتـراضاً عـلى حقـوق الإنسـان الدوليـة أو الشــرائع العـالمية، كـما حــدث مـن قبـل فـيما يتعلـق بما يسمى حقوق الإنسان؛ التي أصبحت مؤخراً حقـوقاً للشـواذ وحقـوقاً لمخـالفة الأخـلاق والقيـم والعادات.

ومن الملفت للنظر أن التقرير يؤكد أهمية استخراج النصوص الشرعية من التراث الإسلامي والتي يمكن أن تدعم هذه اللائحة وتؤكدها، وأن يُستخدَم الدعاة الجــدد (أو الدعـاة من الشبـاب كمـا أسـماهم التـقرير) لتحقيق ذلـك والقـيام بهذا الدور. ويوصي التقرير أن تكـــون الـدعوة للاعتدال بعيداً عن المساجد، وأن تُستخدَم البرامج التلفازية والشخصيات ذات القبول الإعلامي والجماهيري من أجل تحقيق ذلك (!) .

كما يوصي التقرير أن يُستخدم التيار التقليدي والصوفي في مواجهة الإسلام السلفي. وقد تم تعريف التيار التقليدي في هــذا التقــرير: أنه التيار الــذي يصلــي في الأضرحة ـ بخـلاف ما تـدعو إليه الوهابية ـ ويميل إلى التمذهب، وعـدم الاجتـهاد، والميــل نحو التصوف. يؤكد التقرير أن من مصلـحة الغــرب إيجــاد أرضية تفاهم مشتركة مع التيار الصوفي والتقليدي من أجل التصدي للتيار الإسلامي.
ويؤكد التقرير على أهمية الاعتناء الأمريكي بالتعاون مع المعتدلين - وفق المفهوم الذي قدمته الدراسة - من العالم المسلم، مع التركيز على الفئات التالية :المفكرين والأكاديميين من التحرريين والعَلْمانيين.
الدعاة الجدد المعتدلين.
القيادات الشعبية الفاعلة.
الحركات النسائية المطالبة بعدم المساواة.
الصحفيين والكُتّاب والمفكرين.

ويرى التقرير أن على الولايات المتحدة أن تحدد مـن يندرج تحت مفهوم الاعتدال الأمريكي من هذه الفئات السابقة، وأن يتم مساعدة ودعم المؤسسات القائمة لهذه الفئة، وأن تساهم الولايات المتحدة بدور قيادي في تكوين مؤسسات أخرى تدعم التيار المعتدل حسب المفهوم الأمريكي، وأن تساهم في تشجيع تكوين بيئة ثقافية وفكرية واجتماعية تدعم وتسهل وتشجع قيام المزيد من هذه المؤسسات التي تخدم المصالح الأمريكية وتواجه التيار الإسلامي.

ويوصي التقرير أيضاً بأهمية التركيز على الأطراف في الصراع مع التيار الإسلامي والبعد عن المركز؛ لصعوبة تحقيق انتصارات حقيقية في هذه المرحلة، وأن يتم عكس مسار الأفكار الحالي والذي يتحرك من المركز نحو الأطراف. يؤكد التقرير على أهمية استخدام الترجمة والآلة الإعلامية من أجل تحويل مسار الأفكار لتكون من الأطراف نحو المركز، أو من الدول الإسلامية التي يعتقد معدّو التقرير أنها أكثر اعتدالاً وانفتاحاً إلى المركز الذي يحدده التقرير بالعالم العربي.

كما يقدم التقرير العديد من النماذج للجهات والأشخاص الذيـن يمكـن أن يـوصفـوا بالاعتـدال، ومـن يمكـن دعمهم أو مساندتهم لتحقيق أهدافهم.

ومن المحزن أن من ضمن الأمثــلة التــي يقدمها التقرير في هذا الشأن مجلة تصدر في جنـوب شــرق آسيا أدارت حواراً خيالياً مع نبي الإسلام ، ومثال آخر لامرأة من باكستان تعيش في النرويج ، وتعمل في مجال الكوميديا المسرحية ، وتدخل إلى المسرح وهي ترتدي البرقع ، وتروي النكات عن الإسلام والمرأة المسلمة، ثم تخلع البرقع على المسرح ليظهر تحته فستان سهرة، ويرى التقرير أن هذا ضمن الاعتدال الواجب دعمه والتشجيع عليه .

كما يذكر التقرير نموذجاً آخر وهو موقع سعودي يتحدث عن أحاديث الشهادة وينكر صحتها، ولذلك لا يرى الحاجة للالتزام بها.
مقترحات للتعامل مع التقرير، وما يتعلق بالاعتدال :
إن هذا المقال المختصر هو مقدمة للتعريف بهذا التقرير الهام، وهناك الكثير من القضايا الأخرى التي أثارها التقرير، والتي يجب أن تتم دراستها وتحديد سبل مواجهتها والتعامل معها في دراسات وأبحاث أخرى كما أسلفنا. ولكننا نوصي ـ فيما يتعلق بموضوع التقرير بالعموم؛ وإعادة تعريف الاعتدال بالمفهوم الأمريكي بالخصوص ـ بالأمور التالية:

ترجمة التقرير، وإتاحته في أسرع وقت ممكن لصُنّاع القرار في العالم العربي والإسلامي من العلماء والمفكرين والسياسيين، والتعاون من أجل فهم ما يعنيه هذا التقرير، وما يقدمه من توصيات للإدارة الأمريكية.

إعداد ردٍّ علمي يتناسب مع الطرح الذي قدمه التقرير فيما يتعلق بمفاهيم الاعتدال، والتحذير من اختطاف المصطلح من قِبَل أنصار التحرر والعَلْمانية والليبرالية في العالم العربي والغربي على حد سواء. نرى أهمية أن يؤكد العلماء والدعاة والمفكرون على مفاهيم الاعتدال الحقة التي دعا إليها الإسلام، وتوّجتها وسطية الأمة المسلمة، وحثَّت عليها الشرائع السماوية، وليس التشريعات العَلْمانية الموجهة سياسياً لقمع الآخر، وإفساد العقول، ومحاربة الأديان.

نؤكد على أهمية التعريف بالتقرير وما تضمنه من أفكار، والدقة في ترجمة المعاني الواردة فيه، وتفسير أسباب رغبة الإعلام الغربي في عدم الإعلان بوضوح عن صدور هذا التقرير؛ وهل هذا بسبب ما تضمنه من جرأة ومقترحات عملية، أم بسبب أن التقرير يقدم خريطة واضحة المعالم بالأسماء الشخصية وأسماء المؤسسات التي توصف من قِبَل معدِّي التقرير أنها (معتدلة) وفق التعريف الأمريكي المقترح للاعتدال؟

بيان أن المواجهة الفكرية مع الغرب قد بدأت من قِبَل الغرب، وأن المراكز الفكرية تقوم بحشد الآراء والتوجهات والموارد من أجل هذه المواجهة، سواء قبلنا بذلك أو استمر بعض منا في الدعوة فقط إلى التعايش والحوار. إن الأمة الإسلامية بأكملها تواجه حرباً فكرية بدأت وتمَّ حشد الأنصار لها، ولا بد أن يكون رد الفعل من قِبَل الأمة بجميع فئاتها متناسباً مع الخطر، وموحداً في مواجهة خصم يوحد فئاته، وأن تلتزم الأمة المسلمة في هذه المواجهة بالضوابط الشرعية التي تحكم العلاقة مع الخصوم والمنافسين والأعداء أيضاً.

الحث على حماية أطراف الأمة الإسلامية إضافة إلى حماية مركزها، وهو ما لا يجب أن يترك لأنصار الهجوم على أطراف الأمة كما يذكر التقرير ويؤكد في أكثر من مكان.

نوصي أن يكون الإعلام المتزن والجاد هو أحد أسلحة المواجهة الفكرية المضادة للدفاع عن حقوق الأمة المسلمة، وأن يبتعد ما أمكن عن الخطاب العاطفي غير العملي، مع عدم التقليل من دور العاطفة المتزنة والمنضبطة شرعاً في تحفيز الهمم وتقوية العزائم والدفاع الصادق عن مصالح وحقوق الأمة.

نوصي عموم المسلمين أن الولاء الحق لهذه الأمة في المرحلة القادمة يقتضي الدفاع عن الإسلام في مواجهة الحملات الهادفة إلى المساس به. ونوصي أنصار التيار الإسلامي ومحبيه أن الولاء الحق للإسلام في المرحلة القادمة يقتضي مواجهة الغرب فكرياً وحضارياً وثقافياً وغير ذلك؛ للدفاع عن أمتنا وحماية مصالحها وحقوقها
-----------------------------------------------
(*) مدير وحدة الدراسات والأبحاث في المركز العربي للدراسات الإنسانية ـ القاهرة .
(1) مركز (راند) : الإسلام (المعتدل) هو الحل لأمريكا، مركز (راند) بواشنطن، قراءة وترجمة: شيرين حامد فهمي، باحثة وأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، 25 مارس 2005م.
(2) للإسلاميين فقط: احذروا من أن يستغلّكم الأمريكيون في الحوار والتقارب المزعوم، علي حسن باكير، موقع مجلة العصر، 27 أبريل 2005م.
(3) (وصفة أمريكية جديدة لبناء شبكات الإسلاميين «المعتدلين») ، تقرير واشنطن، خليل العناني، 7 أبريل 2007م.
المصدر : مجلة البيان

 


خارطة «راند» لبناء شبكات الإسلام المعتدل !خالد الفرم
 
تنشط حالياً العديد من مؤسسات الأبحاث والدراسات الأمريكية الاستراتيجية في دراسة كيفية تقويض المد الأصولي التي تراها عنصراً رئيساً في تهديد المصالح الغربية حول العالم، وقد خلصت بعض الدراسات إلى أن أحد المحركات الرئيسية لمواجهة هذا المد المتصاعد تكمن في تمتين تيارات «الإسلام المعتدل» باعتبارها خط الدفاع الأول في مواجهة انتشار التطرف والتشدد في العالم الإسلامي.

الدراسة الأخيرة لمؤسسة (راند) التي تعتبر أشهر خزانات التفكير السياسي Think Tanks في الولايات المتحدة الأمريكية، والأقرب (عقدياً) للبنتاجون وفكر المحافظين الجدد، تمحورت حول كيفية بناء شبكة من الإسلاميين المعتدلين، وانطلقت الدراسة التي جاءت في 217 صفحة من فرضية أن الصراع مع العالم الإسلامي هو «صراع أفكار» وأن التحدي الرئيس الذي يواجه الغرب يكمن في قدرة العالم الإسلامي على ضبط المد الأصولي، وارتكزت الدراسة في فرضيتها على عاملين أساسيين أولهما أنه رغم ضآلة حجم الإسلاميين الراديكاليين في العالم الإسلامي، إلا أنهم الأكثر نفوذاً وتأثيراً ووصولاً لكل بقعة يسكنها الإسلام سواء في أوروبا أو أمريكا الشمالية، وثانيهما ضعف التيارات الإسلامية المعتدلة والليبرالية التي لا توجد لديها شبكات واسعة حول العالم كتلك التي يملكها الأصوليون. الجديد في استراتيجية (راند) استخدام مصطلح العالم المسلم، عوضاً عن العالم الإسلامي، لتمييز التعامل مع المسلمين، وتصنيف (راند) لأبناء المنطقة، إلى ثلاثة قطاعات رئيسة: المعتدلون التقليديون، المسلمون الليبراليون، والعلمانيون، وكذلك تغيير منهجية العمل الإعلامي/ السياسي من التركيز على القلب (المنطقة العربية) إلى التركيز على الأطراف الإسلامية (الأقل مقاومة) ماليزيا، اندونيسيا وغيرهما، كما تقترح الدراسة بناء شبكة الإسلام المعتدل من خلال أجنحة رئيسة، جناح أوروبا، جناح شرق آسيا، جناح الشرق الأوسط، للوصول إلى الأهداف الرئيسة.

وتبقى إشكاليات الاستراتيجيات الأمريكية الموجهة للشرق الأوسط أنها تتجاهل العناصر الرئيسة وتقفز من الأسباب إلى النتائج، وتعمل على معالجة الأعراض، عوضاً عن مداواة العلل، ففشل مشروع الدبلوماسية الشعبية لتحسين صورة أمريكا في العالم الإسلامي، انه كان (أحادي) التوجه، ويتجاهل أسباب الأزمات، بمعنى أن المشاريع الأمريكية الاستراتيجية لا تتضمن إجراء تحولات في العقيدة والسلوك الأمريكي نحو المنطقة وأهلها، وإجراء تغييرات في الخطاب والفعل الأمريكي السياسيين لجهة الموقف الأمريكي من الصراع العربي الإسرائيلي، والموقف من الإسلام، وبقية ملفات المنطقة.

كما أن الاستراتيجيات يفترض أن تكون نتاج عقل جمعي (فريق متنوع) وعبر سلسلة من ورش العمل ومجموعات التركيز، وليس فكر شخص أو شخصين يعتقدان بالحصول على تنازلات دون دفع تكاليف بالمعنى السياسي والحضاري.
المصدر : جريدة عكاظ
 


"راند" واللعب على الأطراف !خالد عبدالله المشوح

اللعب على الأطراف ودعم الليبراليين والإسلام الصوفي وتحجيم دور المسجد أبرز القضايا التي طرحتها مؤسسة "راند" في تقريرها للعام 2007 م، وهي المؤسسة الأمريكية المؤثرة في السياسة الخارجية والتابعة لوزارة الدفاع الأمريكية والتي تبلغ ميزانيتها السنوية البحثية 150 مليون دولار، وهذا بلا شك يعد انقلابا وتحولا عما صدر من ذات المؤسسة سابقا ومنهجية البحث فيها، مما يعكس التحول في فهم المؤسسة لدور الدين في العالم الإسلامي حيث اقترح التقرير تكرار تجربة الحرب الباردة من خلال إعادة صياغة الإسلام عبر أسئلة اعتبرتها المعيار الصحيح للاعتدال الإسلامي وكان الجزء الغريب منها: أن الشبكات المعتدلة هي تلك التي لا تؤمن بالشريعة الإسلامية وتتبنى العلمانية وتمارس الإسلام الصوفي التقليدي! (الذي يقبل الصلاة في القبور) حسب التقرير، وهي كلها معايير غريبة لمقاييس الاعتدال الديني وإن كانت غير مسبوقة وتنبئ بمدى جهل تلك الدوائر بالمعتقدات الإسلامية لدى المسلمين وأنها ليست أيديولوجيات قابلة لبروستريكا شبيهة بتلك السوفيتية التي فككت الشيوعية بعد ذلك معلنة انتصار المعسكر الرأس مالي!

إن نشر الإسلام المعتدل لا يمكن أن يأتي بتوصية أمريكية أو غربية كما أن الديموقراطية لا تأتي على دبابة تحمل العلم الأمريكي، بل هو هم لدى المسلمين أنفسهم وشأن ديني داخلي لدى علمائهم ومثقفيهم ومفكريهم، لكن يوم أن عجزت هذه النخب عن طرح آرائها أو أنها لم تتناغم تلك الآراء مع (الإسلام الأمريكي) كما أسماه التقرير!، برزت أطروحات تشكل "راند" أحد أقطابها المحركة لاسيما وأن سياق تقرير المؤسسة طرح تحجيم وإخراج أكبر مؤثرين في العالم الإسلامي السلفية (الوهابية) والأزهر لما تشكلانه من جمود وعدم تناغم مع المشروع الأمريكي في المنطقة مما جعل كاتب التقرير يوصي باللعب على أطراف العالم الإسلامي كإندونيسيا وماليزيا وغيرها.

لكن إذا كانت الإدارة الأمريكية وخلال أربع سنوات فشلت في نشر الديموقراطية، وتداركت ذلك بالتوصية من جديد إلى إيقاف تصديرها ودعم إسلام معتدل من المنظور الأمريكي - بدل إسلاميين معتدلين - مما يعني تشكيل أجندة إسلام جديد برؤى جديدة تتوافق بشكل تام والأفكار الأمريكية وهو ما طرح في التقرير بالموقف من الشذوذ الجنسي وحرية المرأة في اختيار الرفيق وولاية المرأة وتولي غير المسلم للمسلمين والموقف من العلمانية والديموقراطية.

وهي كلها جزئيات في فهم الإسلام كديانة لكنها مفصلة للتعامل مع الإدارة الأمريكية كما هو وارد.

التقرير يوضح مدى التخبط الكبير الذي تعيشه المؤسسة في فهم الإسلام أولا والمسلمين ثانيا وهو بلا شك ناتج عن عدم فهم الإسلام بمقوماته الأساسية التي تتقاطع مع بعض المفاهيم المادية التي يرتكز عليها الخطاب الغربي بشكله العام فالإسلام مادة وروح لا يمكن لأحدهما أن ينفصل عن الآخر وهو ما يعرف بالشريعة الإسلامية حيث يشكل الإسلام جزءاً كبيراً من حياة الناس العملية السلوكي منها والمادي.

إن تقارير مؤسسة "راند" تسهم في زيادة الهوة والصراع في العالم الإسلامي كما فعلت في العراق في دعم الصراع الطائفي ، ومن خلال دعم غير معلن لفئات نفعية وصولية محدثة تُسهم في صدام بين التيارات تتشكل على خلفيته صراعات قد تُزحزح أمن تلك الدول من خلال أطروحات خارجه عن نطاق التجديد أو التصحيح أقرب ما تكون إلى ثورات فكرية لا تتناسب مع مجتمع متفق على ثوابت محددة ورؤى متعددة.
المصدر : جريدة الوطن
 


راند توصي بدعم الليبراليين على حساب الإسلاميينمحمود جمعة-القاهرة
أصدرت مؤسسة "راند" الأميركية للأبحاث تقريرا بعنوان "بناء شبكات مسلمة معتدلة"، رصد لصراع الغرب مع "العالم المسلم" وحركاته السياسية، مؤكدا أن هذا الصراع لن يحسم عسكريا بل ثقافيا.

التقرير الذي صدر نهاية الشهر الماضي وصدرت نسخته الإنجليزية أمس قدم مجموعة توصيات لصانع القرار الأميركي ووضع معايير لتعريف "الاعتدال" بالمفهوم الأميركي، وطالب واشنطن بدعم التيار العلماني الليبرالي في مواجهة صعود الإسلاميين سياسيا.

ويتوقع أن يجد التقرير الذي عقد المركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة ندوة بشأنه تأثيرا وصدى كبيرين لدى صانع القرار في واشنطن، نظرا لأنه يقدم أفكارا وحلولا جديدة في وقت تعاني فيه الإدارة الأميركية من أزمة أفكار بعد فشل إستراتيجياتها في الشرق الأوسط خاصة في العراق وفلسطين.

تقرير مؤسسة راند الذي خرج في 10 فصول واستغرق إعداده 3 سنوات، طالب واشنطن بالإفادة من تجربة الحرب الباردة التي انتهت بسقوط النموذج الشيوعي، في "احتواء" الحركات الإسلامية، كما استعمل مصطلح العالم "المسلم" وليس "الإسلامي" بما يعني نقل الصراع مع مسلمي الغرب والدول غير الإسلامية.

وطالب التقرير الإدارة الأميركية بتركيز رسائلها الإعلامية على أطراف العالم الإسلامي مثل إندونيسيا والهند وماليزيا وأوروبا وأميركا بدلا من المركز المتمثل في المنطقة العربية، معتبرا أن التغيير في الأطراف أسهل ويحقق مكاسب أكبر.

وصنف التقرير الجماعات في العالم الإسلامي إلى ثلاث، الأولى "العلمانيون الليبراليون"، والثانية "أعداء المشايخ" مثل تركيا وتونس، والثالثة "الإسلاميون الذين لا يرون مشكلة في أن تكون الديمقراطية حاكمة على الدين".

وأوصى بالتعامل القوى مع الأولى والقليل مع الثانية وعدم التعامل مع المجموعة الأخيرة، وطالب كذلك بالتعامل مع "الإسلاميين التقليديين" وعرفهم بأنهم "الذين يقبلون بالصلاة في الأضرحة والقبور"، في إشارة واضحة للتيار الصوفي.

ويعرض التقرير في فصله الأول أهمية دور المسجد وأنه أصبح ساحة للمعارضة الإسلامية بعد تضييق الخناق الحكومي عليها، موصيا بدعم "الدعاة الجدد الذين يعملون خارج المساجد" والبرامج الإعلامية الإسلامية "المعتدلة".

وفي الفصل الثاني يرصد أوجه التشابه والاختلاف بين الحرب الباردة والصراع الحالي للغرب مع الإسلاميين، مقترحا استخدام الغرب لأساليب تلك الحرب مثل تجنيد مثقفين إسلاميين والإفادة من المهاجرين المسلمين في الغرب واستخدام منظمات المجتمع المدني لتقوية "المعتدلين" في مواجهة الإسلاميين.

وتطرق الفصلان الثالث والرابع لموضوع الديمقراطية، حيث اعترف التقرير بأن الدعوة الأميركية لتطبيق الديمقراطية في العالم الإسلامي يمكن أن تضعف حلفاء واشنطن الإستراتيجيين لأنها أفرزت صعودا سياسيا لمناهضي واشنطن.

أما الفصل الخامس فخصصه التقرير لتعريف "الاعتدال"، حيث وضع 11 سؤالا يتحدد وفق الإجابة عليها -بالمفهوم الأميركي- إطلاق صفة المعتدل أو المتطرف على الأشخاص والجماعات.

وتتعلق الأسئلة الـ11 بالموقف من العنف وتطبيق الديمقراطية وحرية الأديان وتعميم الشقين الجنائي والأخلاقي من الشريعة الإسلامية على القوانين المدنية والقبول بتولي شخصيات من الأقليات الدينية لمناصب رفيعة في الدول ذات الغالبية المسلمة والاعتراف بحقوق الإنسان العالمية.

وانتقد التقرير كذلك الأزهر الشريف وقال "إنه ليس الجهة الوحيدة لتخريج الفقهاء وإن هناك جهات أخرى مهملة إعلاميا تخرج فقهاء ودعاة أفضل من الأزهر".

وخصص التقرير الفصل الثامن للحديث عن الشرق الأوسط وحاجة واشنطن للتأكد من أن صراعها في هذه المنطقة هو صراع فكري وبالتالي لا يمكن حسمه عسكريا، مطالبا ببناء ديمقراطية في الشرق الأوسط على أساس علماني.

ورصد التقرير في الفصل التاسع مشكلة اتهام المتعاونين مع واشنطن في مشروعها في العالم الإسلامي بـ"العمالة"، موصيا بتجنيد رجال دين مسلمين للبحث عن النصوص الشرعية والأدلة الفقهية التي تدعم بعض مواقف المعتدلين فيما يتعلق بقضايا حرية الرأي والاجتهاد وحقوق المرأة والأقليات وغيرها.

وقدم الفصل العاشر مجموعة من التوصيات النهائية لصانع القرار الأميركي، أهمها استخدام القطاع الخاص الأميركي وليس المؤسسات الحكومية لتنفيذ مشروع واشنطن بالمنطقة، والعمل على إبعاد شبهة العمالة عن المتعاونين، ونقل الصراع ليتحول إلى صراع بين الإسلاميين أنفسهم وأخيرا إنشاء جمعية عالمية لدعم "المعتدلين الإسلاميين" في مدينة ذات دلالة رمزية مثل "غرناطة"، دون تحديد رمزية تلك المدينة.
المصدر : الجزيرة نت
 


تقرير راند الأمريكي.. وراند "الإسلامي" المقابل !!أمير سعيد

لا أحد يكره أن يتحلى مثقفونا باليقظة حيال أية مطامع عدائية تناوش أمتنا في مقومات قوتها ووحدتها العقدية والفكرية والاقتصادية وما إلى ذلك.

ولا أحد بوسعه أن يفرض عليهم عزلة في ملاحقة كل جديد في دنيا الاستراتيجيات، لاسيما تلك الصادرة من قلب الإمبراطورية الأمريكية الفاعلة في معظم الأحداث السياسية في العالم، خصوصاً فيما يتعلق بمحيطنا الإقليمي وداخل حدودنا المحلية.

كما أنه على حجم الأفعال تكون ردات الفعل عليها، ومتى كانت بالأصل كبيرة، استدعت كما من الدراسات حولها للتحذير من مغبة حصولها ولتحفيز أصحاب القضايا أن يسعوا للدفاع عنها ضد هجمات إمبراطورية تعبد لها الطريق دراسات استراتيجية صادرة عن مراكز بحوث هي للإدارات الأمريكية المتعاقبة في واشنطن كالأم الرؤوم وحاضنة السياسات المستقبلية.

رد الفعل إذ ينبغي له أن يكون مكافئاً لدراسة بحجم تقرير راند الصادر في شهر مارس الماضي، فإنه يستلزم له النهوض بذلك عبر عدة معطيات ومفاهيم، ترسم ملامح التعامل مع مثل هذه الإصدارات والمقالات والدراسات الغربية والعبرية، ومن ذلك:

• روح راند 2007 تتجلى في تقديم رؤية ثقافية في حلحلة المعضلة "الإسلامية" التي تقض مضاجع الأمريكيين إثر استراتيجية عسكرية بحتة أخفقت في العراق وأفغانستان، أبدت من خلال الواقع أن نشر الأمركة عبر طائرات الشبح وقاذفات بي 52، ليست ذات جدوى حقيقية في كسر شوكة هذه الأمة المسلمة، وأنه بعد 4 سنوات من الإخفاق، لابد من تقديم حلول جديدة تستبصر طريقها عبر المعطيات الجديدة التي أوجدتها الحروب على الأرض، كما أوجدها الإخفاق في سياسة اقترحها تقرير راند 2004 وتتمثل في استهداف من أسماهم بالمتطرفين الإسلاميين، والتشجيع "الظاهري" للدول العربية على نشر "الديمقراطية" فيما عرف بـ" الشرق الأوسط الجديد" عبر "معتدلين"، ومن ثم؛ فإن روح التقرير ثقافية تهدف إلى التغلغل لتغيير بنية المسلمين الثقافية بدلاً من الاقتصار على حقل كانت تسعى للعمل داخله في الماضي، وهو كسر شوكة "المتطرفين" وحدهم، وهذه الروح إذن تحمل معنى "المراجعة" وتنادي به وإن لم تذكر ذلك صراحة لسياسة لم يكتب لها النجاح من قبل خلال سنوات قليلة لا تزيد عن أربع سنوات.

وما نعنيه إذن هاهنا ليس التقرير ذاته الذي تناوله الزملاء الباحثون في هذا الصدد، وأجاد بعضهم في تفسيره ورسم ملامحه، وإنما هذه الروح التي ميزت هذا التقرير ولم يجر التعامل معها إلا من الزاوية السلبية، وهي زاوية العداء لهذه الأمة والتخطيط الهادف إلى تفكيكها وحرمانها عوامل قوتها ومحاولات استنهاضها، وقد كان بودي لو منحنا التقرير مسحة من الإنصاف في تناوله، بالنظر إليه من زاوية إيجابية تتعلق بطبيعة الشفافية التي حاول التقرير أن يتبعها وسياسة جلد الذات التي ارتسمت من خلالها رؤيته المستقبلية، إذ ما قدمه التقرير مغايراً عن سابقه هو تعبير عن رغبة في المراجعة وتطوير أدوات المواجهة، و هذا كله ليس مدحاً في التقرير بل قدح في استنكاف مقابل من قبل قوى إصلاحية عديدة في محيطنا الإسلامي، لم ينهزها إخفاق استراتيجيات وسياسات اتبعتها في الماضي ولم تؤت أكلاً ولم تغير واقعاً، وأبطأها اطمئنان إلى جادة تظن نفسها عليها، فضربت الذكر صفحاً عن مراجعة ذاتية لخطوات لم تحملها إلا إلى مزيد من الإخفاقات التي تسوقها على أنها سقوف الإنجازات ومنتهى المطامح والآمال..

ولربما كان راند مهماً، وكانت العناية به هامة، وقد قام بذلك ثلة من الخيرين ممن أطلقوا أبواق التحذير مما يحمله، وانطلقوا منبهين إلى خطورة جديده، وهو جهد مشكور، وفعل نَخالُه مأجوراً، بيد أنه في المقابل لابد من لفت ذواتنا إلى أن مراجعة ما صنعته سياسات بني جلدتنا من دعاة التغيير أو الإصلاح أولى بكثير من هذه النظرة بعيدة النظر التي تنظر إلى واشنطن ـ برغم الكراهية لسياستها ـ بأكثر مما ننظر إلى عواصمنا، وإلى ما تحصده أيدي هؤلاء الدعاة.

قيمنا في الحقيقة تدعونا إلى عدم الاستنكاف عن المراجعة ومصارحة أنفسنا وإهدائها عيوبها كي نمضي في طريق نجدد فيه محاسبتنا لتحركاتنا وسياساتنا وأفكارنا بحيث لا يمنعنا اعتدادنا بآرائنا أن نسمع طرقات النقد وإن بدت عنيفة، وإذا كان البعض قد أذهلته الحوادث عن اتهام نفسه بالتقصير، وبمحدودية التأثير وقدرة الفعل والتماهي مع متطلبات المرحلة وأبجديات الصراع وعوارض الأحداث وتبدل الأزمنة وتغيّر الأحوال، ولم يرعو أن يرى جهده يسير في طريق متعرجة أو يعود القهقرى، ولم ينتبه لأدلة نقلية تنير له طريق، فليتعلم حتى من خصمه أو عدوه في مراجعة سياسته، وليطلب العلم ولو من راند!!

إن من اللائق أن ندير الحديث في المقابل لنسأل مجموعات من مريدي الإصلاح أو ظانيه، إن كان راند يقدم الآن وصفة جديدة في مقابل أخرى لم تمض عليها أكثر من أربع سنوات، لدولة بحجم الولايات المتحدة وبثقلها الاستراتيجي الذي لا يمكن تغييره بكل هذه السرعة، ألا يحق لمن رنا ببصره إلى واشنطن أن يعالج قصوراً اعتراه في مجموعة يمضي بهم في طريق هو يجهله سياسياً على الأقل؟!

ألا تراه إذ يندد بما جاء في التقرير أو يحاذره ـ وله كل الحق في ذلك ـ مدعواً لأن يتحلى بقدر أعلى من الشجاعة، فيعالج مسألة الجمود والإقصائية الحوارية في فريق، ويراجع ما جرته قلة الوعي والبراجماتية السياسية اللامسؤولة وغير المؤصلة في فريق، والوصولية في ثالث، واتباع الهوى وانتقائية الفقه في رابع، وأحادية النظرة واختزال التغيير في المواجهة المتهورة في خامس، والاقتصار على الدعوة الوديعة في سادس؟!

فكم من غارقين في الإخفاق لا يزالون في مقدم ركبان التغيير في عالمنا الإسلامي، وكم من سياسات خرقاء أعادت كثيرين إلى المربع الأول ونقطة الصفر أو ما دونها أحياناً..

• أما مجمل التقرير نفسه من جانبه الأكاديمي، فبديهي أن نذكر أن هذا التقرير ليس كتاباً مقدساً لا عندنا ولا عند واضعيه، وبالتالي فإن ما جاء به لا ينبغي أن تنسدل عليه ستائر القداسة وأكاليلها، وبرغم بديهية هذا المفهوم؛ فإن " هزيمة نفسية " حيال ما يترجم عن الغرب ـ لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية ـ و"إسرائيل" نجدها في بعض الأوقات من أناس طيبين في محيطنا الإسلامي تدعونا إلى إعادة التذكير بذلك، بخلاف أناس اعتادوا أن يصطادوا في الماء العكر باستخدام عبارات من داخل تقارير كهذه للتدليل على أشياء ربما ألقيت في طريق هؤلاء عمداً، فالذي قرره تقرير استخباري "إسرائيلي" نشر مؤخراً عن أن وسائل الإعلام العبرية قد بدأت منذ فترة ليست قصيرة بتوجيه القارئ العربي من خلال تقاريرها، حين وجدت أن ما يترجم عنها يكاد يكافئ ما يقرؤه مغتصبو فلسطين على قلة عددهم في محيط عربي كبير !!

وهذا ما جعل كبريات الصحف والفضائيات العبرية تهتم بقارئها ومشاهدها العربي كما العبري فتلقي أمامه ما تريد أن تلقيه، ومن هنا؛ فإنه من الواجب أن نؤكد على أن الحكم على "الدعاة الجدد" لا ينبغي أن يتم من خلال راند ولا غير راند من التقارير الغربية أو سواها من المصادر غير البريئة والتي قد يمكنها تشويه من أرادت من الأشخاص متى رأت أن لحديثها عنهم ثقلاً في عقول خصومها المأخوذين إليه؛ فليس من "خصائص أهل السنة والجماعة" الحكم على الرجال من خلال راند!! وإنما بمدى قربهم أو بعدهم عن ثوابتنا نحن.

• أيضا؛ فإن هذا التقرير أو غيره، هو من شأنه أن يخاطب الرأي العام مثلما هو يقدم توصيات لمطابخ صنع القرار، ولا يمكن الجزم بأيهما يطغى تأثيره على واضعي التقرير، أو لنفترض وضعاً قد يكون مألوفاً للبعض، وهو أن هذا التقرير هو النسخة العلنية من التقرير الأصلي، وعلينا أن ندرك أن قارئ التقرير ومترجميه إلى لغات الدنيا، هم أكثر بكثير جدا من صناع القرار الأمريكي الرئيسيين، وندرك أيضاً أن التقرير موجه إلى الرأي العام الأوروبي بالخصوص و الأمريكي بنحو أكثر خصوصية، وبالتالي فعلينا أن نقرأ من بين سطوره مثلاً، تشويهاً متعمداً لشخص النبي صلى الله عليه وسلم، وللقرآن، ولسنته، وهدماً لثوابت أخرى، كصحة أحاديث البخاري، وبعض الأحكام المتعلقة بالمرأة وما إلى ذلك، وهي أمور موضوعة بهدف دعائي أكثر منه تنبؤاً بإرهاص يسبق ظهور استراتيجية ما إلى حيز التنفيذ..

كما أننا من الممكن أن ننظر إليه كحالة معبرة عن توطئة رأي عام عالمي أو محلي للقبول بأشياء قد يجد البعض اعتراضاً عليها من الجانب "الأخلاقي والإنساني"، فمثلاً حينما كان الحديث يدور على الحروب الاستباقية خلال عهد كلينتون، كان المصطلح دعائياً في الحقيقة أكثر منه يمثل تحولاً استراتيجياً عملاقاً، فما درج عليه الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص ليس إلا تجسيداً لهذه الحروب من قبل أن تهيئ لها المراكز البحثية هذا المسمى "اللطيف"، فهل كانت جميع الغزوات "الاستعمارية" إلا "حروباً استباقية"، بل هل قامت الولايات المتحدة نفسها بنَفَسِها الأوروبي بسياسية الأرض المحروقة حين انتزعت الهنود الحمر سكان القارة الأمريكية من بلدهم الأصلي وهجرتهم إلى الآخرة إلا بحرب استباقية شنتها عليهم حفاظاً على "مصالح" الرجل الأبيض في "وطنه الجديد" ؟!

• وعطفاً على النقطة السابقة، هل ترانا لاقينا جديداً يذكر في راند يستأهل حذراً مبالغاً فيه منه؟! ربما نعم، ثمة عبارات جديدة، وثمة مفردات جديدة.. تغيرات في المبنى، غير أن المعنى لم يتغير، فمعايير الاعتدال التي حواها التقرير والتي يرى الكثيرون أنه لا يمكن أن يقر بها مسلم، أو صاحب أدنى اعتزاز بثقافته الشرقية وحضارته ولو لم يكن مسلماً في بلاد العرب وغيرها، مرسومة في أدبيات كثيرة في التقارير الغربية، ومن لا يريد أن يحمل نفسه عناء الترجمة والبحث، فسيجدها في ثلاث كلمات "..حتى تتبع ملتهم"، ومن يعجب لحديث راند الصريح عن الصوفية ووجوب دعمها أمريكياً، فهو ذاهل في الحقيقة عن ممارسات جرت بالفعل خلال الحقبة "الاستعمارية" وبوسعه أن يعود إلى التاريخ الحديث وإلى كتابات المؤرخين عوضاً عن انتظار الجديد في تحليل التقرير الحديث، ومن يفهم راند على أنها مجاهرة بالعداء سافرة، فهو محق تماماً غير أنه لم يأت بجديد، ومن هاله أن يدعو التقرير إلى دعم الطابور الخامس في بلادنا فهو بحاجة لأن يقرأ رسائل بونابرت إلى هذا الطابور..
• غير أن التقرير في الحقيقة لم يخل من فوائد، نستطيع إجمالها فيما يلي :

1 ـ كشف عن دوران الغرب في حلقاته التقليدية المفرغة، ومنها مثلاً دعم حركات التصوف في بلادنا، أو هو أراد أن يوحي بذلك، وهو بنشر هذا التقرير بهذه الصراحة قد يكون يريد التمهيد لجولات تناوشية بين ما أسماه بالإسلام السني والإسلام الصوفي، أو للدقة يريد أن يغري كل طرف بمحاربة الآخر، فضلاً عن تقديم دعم حقيقي لبعض المنسوبين للأخير، وهو موضوع يستلزم نوعاً من الحذر في تناوله من قبل المنظرين المسلمين، لاسيما وتقرير 2004 كان يحمل في طياته "تبشيراً" بالاحتراب السني/الشيعي، وبالتالي؛ فإن الحكمة تقتضي النظر بروية لمثل هذه الأمور، لاسيما وأن الغرب يدرك أن التصوف إذا ما تم خصمه من الطرف السني فلن يكون إلا رصيداً عند الطرف الشيعي في المعادلة التي ساهم الغرب في إظهارها بهذا الوضوح، وإذا وضعنا في الاعتبار أن ما يسمى بالمجلس الأعلى لشيعة آل البيت في مصر يزعم وجود 10 ملايين شيعي في مصر استناداً إلى وجود الكثيرين من المتعاطفين فقط مع التصوف بكافة ألوانه من غلاته (وهم قلة) إلى معتدليه من المنتسبين اسماً إلى التصوف وهم من أهل القبلة المتلبسين ببعض المعاصي، فهو يعني أن التعامل غير الحكيم مع قضية كهذه استناداً إلى تحريش راند وغيرها، سيفضي ربما إلى مآلات غير محمودة على المدى القصير والمتوسط، وقد يوسع هوة يمكن تضييقها عبر الحوار والمناصحة والتوجيه، وعدم وضع كل الطرق الصوفية في خانة واحدة.

2 ـ بالحديث عن شق "الدعاة الجدد" ورغبة التقرير في أن يراهم جميعاً خارج المسجد، لا يمارسون وعظهم وتوجيههم وتعليمهم من داخله، إنما يطلق تحذيراً لابد أن يصخ آذان هؤلاء، بأنهم ربما قد يقعون تحت طائلة مشكلة لَطالما حذر منها المخلصون من الخشية من تفريغ المساجد من أدوارها التأثيرية التي كانت تقوم بها في السابق، واختزال فاعلية القدوة والمعايشة والتأثير الروحي في حيز الشاشة الضيق وجموده، وبثها التقني الخالي من انبثاث الروح التي تتجاوز حدود الكلمة وأناقة المشهد التلفزيوني، والذي بدا من قبل التقرير أنه مسألة متعمدة، تحدو هؤلاء إلى إعادة النظر في الاقتصار على هذا المشهد دون غيره مما يحدث التغيير الكيفي لا الكمي الذي يأخذ الجميع إلى خانة أرقام المشاهدين الهائلة.

3 ـ ما يحمله التقرير من مفهوم جديد للاعتدال، هو يعني أموراً كثيرة ينبغي ملاحظتها ولو بصورة إجمالية، إذ إن الاعتدال وفق شروط راند الجديدة سيخرج كل الأمة الإسلامية عموماً من هذا الاختبار للاعتدال، وهو ما يستحضر فوراً السؤال التالي، هل يتسم القائمون على هذه المؤسسة البحثية بالسذاجة إلى هذا الحد لتجييش الجميع ضدهم؟ ربما كان هذا صحيحاً، بيد أن الأقرب للظن يعاكس هذا التصور، ويندرج تحته احتمالات منها الرغبة في بث الاطمئنان في نفس الخصم من الظن بعدم الوقوع تحت تأثير أدوات ترمي إلى زحزحته عن موطن ثباته المبدئي ارتكاناً إلى كونه ما زال خارج حيز الاعتدال، أو هو مسعى لممارسة الضغط على "الأصدقاء" لاتخاذ مواقف أكثر جرأة في الطرح، أو هو دعاية حربية نفسية ترنو إلى إشعار الخصم بأنه بات يفقد حصونه بصورة متسارعة ما يؤثر على معنوياته، أو هو رسالة للأجهزة المعنية في العالم الإسلامي بتوسيع دائرة الثقة الغائبة بينها وشعوبها.

4 ـ النمط الأكاديمي النوعي فيما يخص الفقه الإسلامي، بما يشعر بمشاركة شخصيات تنتسب للإسلام في صياغة هذا التقرير، لتعرضه لأمور بالغة الدقة ـ وإن عولجت برعونة وبانتقائية وبقدر من الجهالة ـ يصعب أن تكون الأسماء المعلنة لصياغته هي التي اجتهدت في الاسترسال بمثل هذه الحقول الإسلامية، وإذا أمعن بعضنا النظر في تناول التقرير مثلاً لمسألة التشكيك في صحة أحاديث البخاري أو في الطريقة التي محص بها أحاديثه، لأمكنه التقاط خيط قد يقوده لهوية بعض من شاركوا في صياغة التقرير، أو يؤرخ لمرحلة "استشراقية" جديدة.

• إنه مما يدمي النفس كمداً أحياناً، أن نشهد هذه السيول الجرارة المتدفقة من المقالات والتقارير والدراسات (وبعضها ـ أكرر ـ لها كل التقدير كطرقة على ناقوس خطر)، تتناول هذا التقرير وتفيض في شرحه والتحذير منه، وفي معظمها ذاهلة عن معالجة مناظرة لحال أمتنا وحال مصلحيها، تنشغل بالآخرين عن وضعية حشرتنا فيها سياسات بدأت إصلاحية فاستحالت تعويقية، إن كثيراً من الطرائق التي سلكها إصلاحيون في أمتنا غدت مسدودة، بفعل أمراض داخلية ناخرة حتى النخاع في جسد الإصلاح، وتحتاج إلى مراجعة وإلى شفافية وإلى مكاشفة، ودعونا إذن نكن أكثر صراحة:

ألسنا نتحدث كثيراً عن الخلاف المعتبر، ثم ندير له ظهرنا متى خالفنا مخالف، فمنحناه من فيض تهمنا المعلبة له بالتفريط أو التشديد ما تنوء بحمله الجبال؟

ألسنا نمارس سياسة إقصائية في الفقه أحياناً وفي الفكر أحياناً وفي الرأي السياسي أحياناً؟؟ أوليس ما يدور في منتدياتنا الحوارية حول المقاومة العراقية أو حول قضايانا العامة والخاصة أو حول مفكرينا وعلمائنا مدعاة للمراجعة والمكاشفة لنبحث فيما وراء هذا المنتوج التربوي العجيب؟!

وهل لقولنا أننا لسنا معصومين حظاً من اليقين في نفوس ألفت أن تراجِع ولا تراجَع حتى استمرأت فقه "الردود" وكتب "الردود"، فيما تمنح ذواتها معصومية لم تتوافر حتى لأبي بكر وعمر؟!

ألا ترون أننا نردد كمّا من النصوص بطريقة تشبه سبيل من لا تجاوز تراقيهم تلك النصوص، فتجدنا، نحْذَر "شحاً مطاعاً وهوى متبعاً" ثم نقع فيهما؟ أو نقرأ "تالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم" ثم نتسابق إليها تسابق الفراش إلى حتفه؟ أو نكتب "المسلم أخو المسلم لا يظلمه.." ثم نبني قواعد أعمالنا على الظلم ودفن الأخوة؟ أيستقيم أن نعرف الكبر بأنه "بطر الحق وغمط الناس" ثم نتخذ أسلوباً انتقائياً في البحث والتأصيل يبطر الحق، ثم نعمد إلى عباد الله فنغمطهم حقوقهم وأقدارهم؟!
إن بداية هذه الأمة الصحيحة كانت ببناء قواعد العدل والوعي والإحسان، ولم يجابه عمر الروم بترجمة التقارير وإنما بإنزال القيم مناط التطبيق، وحمل المبادئ فوق الأشخاص وزرع نبتة الأخوة الحقيقية.. بعد أن نقوم بكل هذا لا بأس أن نراجع راند، وبعد أن نكاشف أنفسنا يحق لنا أن نقرأ التوصيات لنناهضها.. لنعيد الانتباه هنا: تقرير راند صدر من مركز داخل دولة لا تستنكف أن تراجع سياستها كل عدة سنوات، فهل للقوم نصيب من المراجعة ولو بعد عقود من الإخفاق؟!
المصدر : موقع المسلم
 


أسماء الشبكة الأمريكية للمسلمين المعتدلينمحمد جمال عرفة

القاهرة - " القرآن نص أدبي يخضع للتحليل ".." الشريعة منتج تاريخي ".." الحج والصوم والزكاة ليسوا من أركان الإسلام ".." الحجاب لم يفرض على المسلمات ".. تلك نماذج من آراء مفكرين ومثقفين وسياسيين ترى مؤسسة "راند" البحثية الأمريكية الشهيرة أنهم يصلحون لبناء "شبكات مسلمة معتدلة" بهدف مواجهة الأفكار المتطرفة في العالم الإسلامي.

وفي دراستها الأخيرة الداعية لبناء "شبكات مسلمة معتدلة"، نشر المركز أسماء هذه الشخصيات فضلا عن أسماء مؤسسات عربية وآسيوية وأوروبية يرى أنهم "حلفاء" أو "دعائم"، من "المسلمين المعتدلين العلمانيين الليبراليين" يمكن أن تستفيد منهم الولايات المتحدة في بناء هذه الشبكات المعتدلة.

ورغم اعتراف تقرير مؤسسة "راند" واسعة التأثير على دوائر صنع القرار الأمريكية، بأن هؤلاء المتعاونين قد ينظر إليهم في المنطقة العربية والعالم الإسلامي على أنهم "عملاء"، فإنها أشارت إلى أدوار وأطروحات هؤلاء "المعتدلين" من العلمانيين والليبراليين خصوصا في المنطقة العربية وجنوب شرق آسيا وأوروبا، وهو ما فسره في وقت سابق الدكتور "باسم خفاجي"، مدير العلاقات العامة السابق بمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) ، على أنه يهدف إلى "قطع خط الرجعة عنهم للعودة عن العمالة للولايات المتحدة".

وفي الشرق الأوسط – ورغم أن الدراسة تشير إلى ضعف شبكات الإسلام المعتدل في هذه المنطقة – يؤكد التقرير على وجود "معتدلين" مسلمين ومؤسسات "معتدلة" يمكن الاستفادة منها في تدشين مشروع بناء "الشبكات المسلمة المعتدلة" الذي تدعو إليه الدراسة، خصوصا في كل من مصر وتونس والأردن وفلسطين ولبنان وسوريا ودول الخليج (الكويت والإمارات) .
في العالم العربي
وفي العالم العربي، تشير دراسة "راند" إلى أسماء كتاب معروفين بتوجهاتهم العلمانية وتدعو لدعمهم وتذكر أقوالهم وأعمالهم التي تعكس تصادمهم مع أصول الدين الإسلامي أحيانا، مثل الشاعر السوري علي أحمد سعيد المعروف باسم "أدونيس" الذي يقول إن الدين: "يجب أن يكون خبرة شخصية وروحية، وإن كل الأمور المدنية وشئون البشر يجب أن يختص بها القانون والناس".

كما تشير لأستاذ الجامعة المصري الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي تعرض للمحاكمة عام 1995 على خلفية قوله إن: "القران نص أدبي يخضع للتحليل"، والناشط السياسي التونسي "محمد شرفي" الذي يعتبر الشريعة "منتجا تاريخيا"، والمفكر السوري الدكتور محمد شحرور صاحب كتاب "الكتاب والقرآن" الذي أثار لغطا ووصفه البعض بأنه "سلمان رشدي" العرب، والذي لا يري أن الحج أو الصوم أو الزكاة من أركان الإسلام.

ومن الأسماء الأخرى المصنفة ضمن المعتدلين العرب في الخليج العربي، وفق التقرير، د.أحمد بشارة الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي في الكويت، ود.شملان العيسى مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والمستقبلية في جامعة الكويت، ومحمد الجاسم رئيس تحرير جريدة "الوطن" الكويتية، إضافة إلى الدكتور محمد الركن مساعد عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات، وعبد الغفار حسين رئيس الجمعية الإماراتية لحقوق الإنسان.

وتؤكد دراسة "راند" أن الأردن تعد "بلدا نموذجيا لبناء شبكات معتدلة في العالم العربي"، ويستشهد على ذلك بما قاله الدكتور مصطفى الحمارنة مدير مركز الدراسات الإستراتيجية بعمان من أن "المجتمع الأردني أكثر نضجا من الحكومة" وأن هناك طلبا داخليا قويا للإصلاح والديمقراطية، كما تؤكد أن الإسلام "المصري" بطبيعته معتدل، ويتناقض مع نظيره السعودي، وترى أن التيار الليبرالي في مصر "يحتاج للمساعدة" ، هناك من يدعو لطلب الدعم من الولايات المتحدة من أجل بناء شبكات ليبرالية لزيادة التفاعل بين المثقفين الليبراليين.

أما معظم بلدان الخليج بعكس السعودية فيوجد بها "إسلام معتدل" كما هو الحال في الكويت والبحرين والإمارات، ولكن "المشكلة أنه لا توجد شبكات تنظم هؤلاء المعتدلين في علاقات تفاعلية، مثلما يفعل نظراؤهم الإسلاميون السلفيون، بحسب الدراسة. وفي الكويت، يشير "راند" إلى أن جامعة الكويت وبيت المال الكويتي يسيطر عليهما تيار الإخوان المسلمين، في حين "يكافح الليبراليون في الكويت من أجل دعم الديمقراطية والتعددية والاعتدال".
الشبكة الأوروبية
وعلى الصعيد الأوروبي للشبكة، يدخل ضمن المقترحين للانضمام لهذه الشبكة الأمريكية بشكل عام مسلمو أوروبا الذين يقدرون بـ 15 مليون نسمة، بيد أن الدراسة مع هذا ترفض ضم بعض رموز التجمعات الإسلامية الأوروبية وتعتبرهم متطرفين لا معتدلين، مثل الشيخ "أبو لبن" رئيس المركز الإسلامي في الدانمارك الذي تقول إنه لعب "دورا سلبيا" في أزمة الرسوم الدانماركية، في إشارة منها على الأرجح للشيخ أحمد أبو لبن، أحد أشهر أئمة الدانمارك الذي وافته المنية مطلع فبراير الماضي. ومن المتوقع أن يكون أدرج اسمه في التقرير في وقت سابق على وفاته. وشارك الشيخ الراحل في رفع دعوى قضائية ضد الصحيفة التي نشرت الرسوم المسيئة في سبتمبر 2005.

ومن أشهر المعتدلين الأوروبيين، بحسب "راند"، "ناصر خضر" عضو البرلمان الدانماركي عن الحزب الليبرالي الاجتماعي الذي اعتبر أنه لا يجب معارضة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم والتي نشرتها صحيفة "يولاندز بوستن" الدانماركية، و"رشيد كاشي" عضو البرلمان الفرنسي، والتونسية "سامية لبيدا" ، اللذان يعملان ضمن "منتدى طلاب الاتحاد الأوروبي" الذي يقوم بتنظيم برامج للتبادل الطلابي والثقافي لدعم فكرة الإسلام الليبرالي المعتدل، إضافة إلى إمام مسجد "باسوا" بألمانيا، الذي يدين العنف والتمييز ضد المسيحيين، و"صهيب بن الشيخ" الذي يدين الأصولية.
أسماء المؤسسات
أما على المستوى المؤسسي، فتشير الدراسة إلى بعض المؤسسات العلمانية ومنها "ائتلاف المسلمين الأحرار" الذي أسسه المحامي الفلسطيني كمال نواش وله 12 فرعا في الولايات المتحدة وفرع في كندا وآخر في مصر، ومؤسسة الدراسات الإسلامية التي أسسها المهندس الهندي "أصغر علي" في الهند عام 1980.

وفي الإمارات، هناك "ملتقى دبي الإصلاحي"، و"جمعية حقوق الإنسان في دبي" ، وكذلك "مؤسسة بن رشد لدعم حرية التفكير" التي تتخذ من ألمانيا مقرا لها وتدعم المفكرين العرب المستقلين، وقد أنشئت عام 1998.

أيضا أشار "راند" " إلى مركز دراسات الإسلام والديمقراطية" الموجود بواشنطن الذي ينظم دورات وبرامج تدريبية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ولقاءات للحوار في الأردن والمغرب والجزائر ومصر. ويتركز عمل المركز في عقد جلسات حوار بين مثقفين من مختلف التوجهات الفكرية من أجل تقريب وجهات النظر حول العديد من القضايا، كما أنه مهتم بتدريب طلاب من الشرق الأوسط على مفاهيم الديمقراطية.

ومن هذا النوع أيضا المؤسسات التي يديرها العلمانيون "الأتاتوركيون" - نسبة إلى العلمانية التركية- والتي تحرم أي مظاهر للدين في الحياة العامة كالمدارس أو الأماكن العامة ، فضلا عن المؤسسات الفرنسية المسلمة والتونسية التي لها موقف رافض في قضية الحجاب، بجانب مؤسسات بأوروبا منها: "الاتحاد الإسباني للجمعيات الإسلامية"، و"الاتحاد الوطني لمسلمي فرنسا"، و"المجلس الإسلامي البريطاني"، فضلا عن تجمعات إسلامية في دول البلقان.

أما في جنوب شرق آسيا، فمن المعتدلين المسلمين أمريكيا: مؤسسة "نهضة العلماء" في إندونيسيا التي تضم 15 ألف عضو، والمؤسسة "المحمدية" التي تضم شبكة من المؤسسات التعليمية والاجتماعية، و"شبكة الإسلاميين الليبراليين" التي تكونت عام 2001 لمواجهة المد الأصولي في إندونيسيا، ويرأسها "عليل أبصر عبد الله" الذي أصدر الإسلاميون المحافظون فتوى بتكفيره عام 2004.
نعم لليساريين والبعثيين
ولم يقتصر تصنيف "راند" للحلفاء المحتملين من "المعتدلين المسلمين" على ثلاثة قطاعات تقليدية، هي: "العلمانيون والليبراليون والصوفيون" ، ولكنه امتد إلى من يسميهم التقرير: "العلمانيين السلطويين"، ومنهم: "البعثيون والناصريون والشيوعيون الجدد" الذين "على الرغم من علمانيتهم الظاهرة فإنهم قد يتمسكون ببعض الرموز الدينية من الناحية الشكلية فقط من أجل كسب التعاطف الشعبي على غرار ما فعل الرئيس العراقي السابق صدام حسين". في أواخر فترة حكمه، حسبما يقول التقرير.

كذلك يطرح التقرير من يسميهم "الإسلاميين الليبراليين" ضمن الحلفاء، ويقول إنهم يختلفون مع "العلمانيين الليبراليين" في أيديولوجيتهم السياسية، إلا أنهم يحملون "أجندة فكرية وسياسية تتلاءم تماما مع القيم الغربية"، وهم يأتون من أوساط "الإسلاميين التحديثين" مثل الناشط الإسلامي في ماليزيا "عليل أبصر عبد الله" وشبكته الليبرالية.

وفي المقابل، يؤكد تقرير "راند" على الرفض التام لإدخال " الإسلاميين " ضمن شبكة المعتدلين هذه ، باعتبار أن " هناك شكوكا حول خطاب الإسلاميين بشأن موقفهم من الديمقراطية وهل يعبر عن موقف تكتيكي أم إستراتيجي، والشكوك حول ما إذا كانوا سيقبلون بمبدأ الفصل بين الدين والدولة، والتخلي عن فكرة الدولة الإسلامية " .
المصدر : إسلام أون لاين
 


الرسالة ترصد تفاعلات النخبة الفكرية الإسلامية مع تقرير راند 2007سمير الزهراني ـ جدة - محمد سيد ـ القاهرة
 
نشرت الرسالة قبل عددين تقرير مؤسسة راند البحثية ، والذي كان بعنوان : «بناء شبكات مسلمة معتدلة». وتحظى تقارير هذه المؤسسة عادة بأهمية قصوى لدى صانع القرار الأمريكي، سواء على مستوى التنظير أو التطبيق. فقد تأسست «راند» في عام 1948م، ولها نفوذ كبير وتأثير نوعي على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية، ولها علاقات وروابط مع وزارة الدفاع الأمريكية، فهي تشرف على ثلاث مراكز أبحاث تمولها وزارة الدفاع، وغالبا ما يتم العمل بتوجيهاتها، بناء على التقارير والأبحاث التي تقدمها للإدارة الأمريكية.

فيما يتعلق بتقرير «بناء شبكات مسلمة معتدلة»، فقد جاء في 217 صفحة توزعت على مقدمة, يليها تسعة فصول و من ثمّ فصل عاشر خاص بالخلاصة و التوصيات التي تمخّض عنها التقرير. و قد تمّ نشر هذا التقرير الذي أعده أربعة باحثين (أنجيل راباسا ـ تشيرل بنارد ـ لويل تشارتز ـ بيتر سيكل) في 27 آذار 2007م الحالي، وتمّ إرفاقه بملخص تنفيذي بنفس العنوان أيضا، من 18 صفحة. ويتناول التقرير عبر ثناياه عدّة مسائل متعلقة بالموضوع الأساس، لبناء شبكات مسلمة معتدلة، ومنها:
أولا : عرض وشرح للطريقة التي تمّ اعتمادها لإنشاء الشبكات بشكل فعلي خلال الحرب الباردة, وكيف تعرفت الولايات المتحدة على شركاء، وقامت بدعمهم وكيف حاولت تجنب تعريضهم لأي خطر.ثانيا : تحليل عناصر التشابه والاختلاف بين بيئة الحرب الباردة والبيئة القائمة اليوم، حيث الصراع مع الإسلام «الراديكالي»، وكيف يمكن لأوجه التشابه والاختلاف هذه أن تأثر على الجهود الأمريكية في بناء الشبكات اليوم.ثالثا : تفحّص الإستراتيجيات والبرامج الأمريكية المتبّعة اليوم للانخراط في العالم المسلم.رابعا وأخيرا : الاستفادة من معرفتنا حول الجهود التي بذلت في الحرب الباردة وعمال وتقارير «راند» السابقة حول الاتجاهات الإيديولوجية في العالم المسلم، وذلك من أجل إعداد وتطوير «خارطة طريق»، لإنشاء شبكات ومؤسسات مسلمة معتدلة. والمفتاح الأساس في هذه الدراسة، يكمن في أن الولايات المتّحدة قد فشلت في إيجاد شراكة مع معتدلين حقيقيين, والحصيلة النهائية لذلك واضحة تماما، ويجب العمل على تغييرها. الرسالة استشرفت آراء نخبة من المفكرين الإسلاميين حيال هذا التقرير وما قد يمثله من رسم لسياسة الولايات المتحدة في التعامل مع الدول والتيارات الإسلامية فإلى تفاصيل الاستطلاع ..المصدر : جريدة المدينة - ملحق الرسالة
 


المؤامرة التي قال لها الجميع : لا !عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

بدايةً أتوجه بالشكر الجزيل لموقعِ "سبق" على إحسانهم الظن بي ، وإعطائي مساحةً للكتابة فيها ، مع علمي الجازم أنه يوجدُ من هو أولى وأفضل مني بهذه المساحة ، ولكني توكلتُ على الله مستعيناً به سائلاً المولى أن أكون عند حسن ظنهم .

عنونتُ لمقالي الأول " المؤامرة التي قال عنها الجميع : لا " ! ، قد يقولُ البعضُ : " أيُّ مؤامرة تقصد ؟ فالمؤامرات كثيرةٌ جداً " ، وأقولُ : " إنها مؤامرة مكثوا في تدبيرها ثلاث سنوات ، وخرجت للعالم بتفصاليها الدقيقة مكتوبةً مدونةً ، ولكن مع الثورةِ المعلوماتية " النت بالذات " أصبحت في متناول الجميع " .

قد تقولون : " ما هذه الطلاسم التي تتحدثُ عنها ، ليتك تفصح أكثر " ، أقولُ : إنه تقرير " راند 2007 RAND " الأخير " .

لست بصدد الحديث عن التقرير ، وتكرار ما قيل عنه فقد كفانا المؤنةَ كثيرٌ من المحللين والراصدين للتقرير دعوني أقفُ مع التقرير وقفاتٍ سريعةً :
الوقفة الأولى : تقرير "راند 2007 " ترى فيه مصداق قوله تعالى : " وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا " [ البقرة : 217 ] ، وقوله تعالى : " وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً " [ النساء : 89 ] ، وقوله تعالى : " وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ " [ القلم : 9 ] ، وقوله تعالى : " قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ " [ آل عمران : 118 ] ، فالحرب ضد هذا الدين قائمة إلى أن يرث اللهُ الأرض ومن عليها ، ولا يشترط أن تكون حرباً بالأسلحة المعروفة فقد جربوا وفشلوا وعندما عجزوا غيروا خططهم واستراتجياتهم فجعلوها حرباً فكريةً للأمة .

الوقفة الثانية : صادف تقريرُ " راند 2007 " وعياً لم يكن موجوداً حين صدور التقارير السابقة بسبب أنها كانت قليلة التداول ، والمنشغلين بها قلة من أصحاب الاختصاص ، وقد كان من العوامل المؤثرة في ذلك الوعي انتشاره حين صدوره بسرعة ، وفي مدة قصيرة على الشبكة العنكبوتية ، وتناوَلَه كثير من المحللين والاختصاصيين بالترجمة والتحليل ، وبيانهم لما يحتويه من مصادمة واضحة لثوابت الأمة ، وفرض أناس لا قيمة لهم في الأمة مقارنة بالباقي منهم ، فهم لا يمثلون إلا شرذمة قليلة .

الوقفة الثالثة : ردّت الأمة ذلك التقرير جملةً وتفصيلاً ممثلة في عدد من علمائها ومفكريها لما فيه من تجديف ضد ثوابتها ، وعدم صحة ما ورد فيه ، والمنادة والتوصية بالتمكين للعلمانيين والليبراليين وبعض الفرق المنحرفة عن الدين الصحيح الذي أتى به محمد صلى اللهُ عليه وسلم ، بل وصلت المؤامرة مداها في مطالبة التقرير باختراق الجيوش ، والعجيب أنهم يطلقون عليهم " معتدلين " ، فالذي يسخر بالرب في شعره ، والذي يشكك في القرآن ، والذي يهزأ بالدين ، والذي يشكك في ثوابت الأمة كلّ أولئك يسمون في قاموس تقرير " راند 2007 " " معتدلين " ! ، وقد أتى في التقرير ذكر بعض أسماء أولئك المعتدلين أمثال أدونيس ونصر أبو زيد ومارسيل خليفة !

وإليكم بعض أقوال علماء الأمة ومفكريها في ردّ التقرير أنقلها من موقع " إسلام أون لاين " . قال د. نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وبلهجة حاسمة : " لا يمكن أن يفرض علينا أحد رؤيته " لافتا إلى أن "المعيار في هذا التقرير وغيره من أمثال التقارير الأمريكية ينبغي أن يكون رفض كل ما يتعارض مع العقيدة والشريعة" مشددا على أنه " لابد وأن نعلن أنه لا يمكن لأي قوة أن تجبرنا على تغيير عقيدتنا وشريعتنا ، وأن نطبق قول الله تعالى: " وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ " .

وفي حكم حاسم يؤكد الشيخ حسين حلاوة الأمين العام للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث أنه " من الواضح أن معدي التقرير الصادر عن مؤسسة راند لم يرجعوا إلى مصادر الإسلام الحقيقية ليستقوا منها معلوماتهم ، وربما استقوا معلوماتهم تلك من بعض العلمانيين أو الحاقدين على الإسلام أو الجاهلين به ".

الدكتور طه جابر علواني يعلن رفضه المطلق ويوضح سبب رفضه فيقول : " من يعرف معنى الاعتدال ويؤمن به، ومعنى التطرف ويرفضه، وله مرجعية تحدد طبيعة المفهومين .. هذا الشخص أو الأمة أو الهيئة هو من له حق تحديد من هو المعتدل، ومن هو المتطرف ؟ وهذا ما لم يلاحظ فيما هو مطروح من قبل مركز (راند) الأمريكي " .

أما د. باسم خفاجي فقد قدم قراءة عن التقرير في مجلة " البيان " ( عدد ربيع الثاني 1428 – أبريل 2007 ) ، وأوصى في آخره بمقترحات للتعامل مع التقرير ، يرجعُ إليها في المصدر المذكور ، وأكتفي بذكر هؤلاء .

الوقفة الرابعة : طالب بعضُ من ينتسبون إلى الثقافة بإهمال مثل هذه التقارير ومنها تقرير " راند 2007 " ، وعدم الاهتمام بها ، لكنها قوبلت برفضٍ قوي واستغراب شديد ، ومن ذلك ما كتبه د. سعد بن مطر العتيبي في جريدة " الوطن " ( الخميس 9 ربيع الآخر 1428هـ الموافق 26 أبريل 2007م العدد – 2400 ) رداً على أحدهم حيث بين أن " متابعة ورصد وتفنيد التقارير الراندية واجب وطني مهم " ، وطرح د. سعد في آخر مقاله سؤالا مهما : " ومن الذي يحدِّد المسلمين المعتدلين ؟ أهي معايير التقرير التي وضعها في قالب أسئلة بلهاء ؟ أم هي المرجعية الإسلامية المتمثلة في أولي العلم بالشريعة الذين أحالنا الله تعالى إليهم في قوله سبحانه: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ؟ " .ا.هـ.

الوقفة الخامسة : يريد التقرير إيجادَ نوعيةٍ معينةٍ من المميعين الذين يسميهم " معتدلين " ليقدموا تنازلاتٍ مكتوبةً عن الثوابت الإسلامية كما فعل الكنسيون في " المدونةِ البابوية " ، وهذا ما ذكره د. سعد بن مطر العتيبي في برنامج " ساعة حوار " الأخير .

الوقفة السادسة والأخيرة : لا بد من تكاتف الجهود للوقوف في وجه هذا التقرير سواء من العلماء أو طلاب العلم أو المفكرين أو المثقفين أو الأكادميين ، وعلى الهيئات العلمية مثل هيئة كبار العلماء في بلادنا ، والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي وغيرهما إصدار بيانات توضح فيه خطر هذا التقرير وغيره من التقارير التي تعبثُ بثوابت الأمة ، وتفرضُ على الأمة إسلاماً بمواصفات أمريكية !

 


أخطر آليات الوصول للأماني الراندية
د. سعد بن مطر العتيبي
عضو هيئة التدريس بقسم السياسة الشرعية بالمعهد العالي للقضاء

د. سعد العتيبي كتب لنا في محاولة استشرافية حاذرة فقال : مما لا ينبغي الاختلاف فيه أن من واجبنا الإسلامي الوطني أن نعرف ما يُراد لنا ، وما يقال عنَّا ، وما يُفترى علينا ، لنشكر المنصِف ونُفنِّد افتراء المفتري ، بيانا للحق وزيادة توضيح له ، ونأخذ الحذر قبل وقوع الخطر امتثالا لقول الباري جل وعلا ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ) .

وقبل الدخول في هذه المحاولة الاستشرافية الحاذرة أُنبِّه إلى مقولة لتشالز يوست ( Charles yost) جاء فيها : « الدرس الذي تعلمناه من حرب فيتنام : أن مقدرة الدول الكبرى على التدخل في الدول الأخرى بشكل فعّال قد تناقص وتضاءل في الزمان والمكان والتاريخ .ويمكن أن يتم تدخل دولة كبرى في حرب مع دولة أخرى عن طريق دولة حليفة لها ، وحتى إن فعلت ذلك ستكتشف لاحقاً أن ثمن التدخل يزيد كثيراً عن الفائدة المتوخاة ...» .

ولكن يبدو أن اليمينيين الذين يحكمون أمريكا حاليا يحتاجون إلى فيتنام أخرى ليتعلموا الدرس مرّة أخرى ، وهذا ما ظهرت بوادره في حروبهم التي أعلنوها بنشوة ، وسخّروا مؤسساتهم البحثية في مجاراتها مهما كانت النتائج ، وقد صرخ الأمريكان أنفسهم : لقد تحول العراق إلى فيتنام جديدة !!
1) ودخولاً في المراد : يُعدّ استبعاد البعد الديني - في الدراسة المستقبلية لعالمنا العربي والإسلامي ، مظهراً من مظاهر الدراسات الاستشراقية الحديثة أو ما يُعبّر عنه بمدرسة المستشرقين الجدد ، وقد أنصتُّ ليلةً لمحاضرةٍ كاملة من أحد هؤلاء المستشرقين ، صرّح في بدايتها بأنَّه استبعد ( البعد الديني ) من دراسته لما يعرف بالإسلام السياسي ؟! وهو موضوع محاضرته ؛ فأي موضوعية يمكن أن يقنعنا بها هذا المستشرق ! وقد بيّنت له في مداخلتي عليه ، بأن تصريحه إفصاح عن خطأ منهجي ، كشف لنا فيما بعد سرّ امتلاء محاضرته بالخلط والخبط ! الذي كان محلّ تندّر الحضور بعد ذلك ، وتتالت عليه المداخلات من عددٍ من الإخوة والأخوات تنتقد هذا الاستبعاد المستهجن للبعد الديني في دراسة الموضوعات والظواهر الإسلامية ..

ويبدو أن الرانديين ، لا يوافقون المستشرقين الجدد في نظرتهم هذه ، ولاسيما أنهم يخدمون ما يُعرف بالمحافظين الجدد .. ولكنَّهم فكّروا وقدّروا ، مستبطنين رؤية صمويل هنتجتون في صدام الحضارات !

وأظنّ تقارير راند الأخيرة تشهد لما أقول ، فإنَّها حملت على عاتقها محاولة إبعاد الدين لا استبعاد البعد الديني .. ويكفينا لتبيّن خطورة تقاريرها التي تتبنى هذه السياسة : ما نعلمه من أنها إحدى المؤسسات المعنية بالدراسات المستقبلية والخطط الاستراتيجية الأمريكية ، ومع أنَّ مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية ، إلا أنَّ لها مكتبا فاعلاً في دولة عربية مجاورة . ويتجلى خطرها أكثر وأكثر في استهداف تقريرها السابق تغيير الإسلام ذاته ، إذ كان عنوان ذلك التقرير : ( الإسلام الديمقراطي المدني : الشركاء والمصادر والاستراتيجياّت ) ، وقالت المشرفة على التقرير شاريل بينارد ( Cheryl Benardزوجة خليل زلماي ) ! مُلمِحَة إلى صعوبة المهمّة : « إنَّ تحويل ديانة عَالَم بكامله ليس بالأمر السهل . إذا كانت عملية بناء أمّة مهمّة خطيرة ، فإنَّ بناء الدِّين مسألة أكثر خطورة وتعقيداً منها « .
3) وعوداً على بدء ، فإنَّ من المهم في علم الدراسات المستقبلية : الاهتمام بالمعلومة المؤثِّرة ، حتى كان من قواعد هذا العلم قول بعض المختصين : ( اصدقني في المعلومة أصدقك في التنبؤ ) ..

ولمَّا كانت معلومات راند حديث نفس عدائي في حرف مكتوب ، صادر ممن يعلن عداوتنا ، ويكشف سوء رؤيته لنا ، فينبغي أن نقرأ التقرير قراءة استشرافية جادة ، لا تَغفل عن المنطلق الأيديلوجي والبعد الثقافي والإسقاط التاريخي الذي ينتهجه الرانديون في وضع استراتيجيتهم ضدنا ..

وبالعودة لتقرير راند السابق ( الإسلام الديمقراطي المدني ) نجد الآلية الأخطر لتحقيق مرامي التقرير مُعلنة في العنوان كما نجد تفاصيلها في صفحاته ؛ وفي مقابلة أجراها معها موقع Muslim Wakeup أكَّدت شاريل بينارد ذاتها : ضرورة دعم الحداثيين والمفكرين الذين يخدمون أهداف التقرير ومشاركتهم مشاركة فعالة، وذكرت أن هذا الدعم لا يلزم أن يكون علنياً وعلى الملأ! وحتى لو أدى هذا الدعم إلى اتهامهم بالعمالة للغرب فلا بأس؛ لأنهم مصنفين من قبل الأصوليين كأدوات للغرب على أية حال؛ لذلك فإنَّ دعمهم -على الأقل- يجعل ميدان الصراع بين الفريقين متوازنا نوعاً ما! وإذا كان هذا قول شيريل فليصدقوها أو ليكذبوها!
4) وفي التقرير الأخير ( بناء شبكات إسلامية معتدلة ) جاء التصريح بإسقاط مرحلة تاريخية قريبة على فكرته التصادمية مع الإسلام وأمة الإسلام كدرس من دروس الحرب الباردة ، بغية إقناع أصحاب القرار برؤيته عبر التذكير بنشوة آثار تلك الحرب ضد السوفييت ، منضما بذلك إلى من يعتبرون الإسلام العدو الجديد ، وهو ما لم يكتف التقرير بالإشارة إليه بوصفه دينا يحول دون الرضوخ للأمركة ، والقبول بالدمقرطة المغرية بزخرف القول ، دون وضعها في ميزان عدله - فحسب ، وإنَّما صرّح به في ثناياه .

وهذا ما صار أمراً مكشوفا يُعلنه المفكّرون الغربيون الأحرار من التبعية للمحافظين الجدد ، وللسياسة الخارجية الأمريكية ، وهذا ما أكَّده Michel Bugnon -Mordont في كتابه ( أمريكا المستبدة ) إذ يقول : « أدركت الولايات المتحدة أن التنوع السياسي والجغرافي والتاريخي في العادات والتقاليد والمعتقدات والقوانين والثقافات يشكل حواجز و روادع إنسانية وأخلاقية أمام انتشارها فكان لابد من وضع خطط تفرض الرأي الواحد وتمحو هوية الآخرين « ، وأكتفي بإيراد هذا النص ، الذي يكشف لنا بعض خلفيات وضع الخطط الاستراتيجية للسياسة الأمريكية ، التي تُعد مؤسسة ( راند ) من أهم جهات تنظيرها إن لم تكن الأهم .
4) ما أحب التركيز عليه في قراءة التقرير قراءة استشرافية ، هو : لب الفكرة الراندية المتمثلة في وضع استراتيجية لتبديل الدين وتغيير أحكام شريعة رب العالمين . ولمَّا كان القوم لهم تجربة ناجحة في تبديل دينهم المحرّف ، فإنَّ من عبر التاريخ أنّ نضع خلفيتهم تلك أمام أعيننا ونحن نقرأ أفكارهم . ذلك أن علم الاستشراف يقوم على منهجيات تعتمد أمورا منها : وضع المشاهد المستقبلية ( السيناريوهات ) في ضوء أنماط المشاهد الماضية ، وبتعبير آخر : الإفادة من التجارب الناجحة في الماضي في وضع الاستراتيجيات للمستقبل .

والتجربة الخطيرة التي لا أظنها تغيب عن المنظرين الغربيين من الليبراليين على وجه الخصوص ، هي تلك الوثيقة الكنسية أو ( المدونة البابوية ) التي وضعتها الكنيسة الغربية لها ولأتباعها متخلية بها عن ثوابتها ، وما كانت تقضي به لنفسها من حقوق وما تضعه من واجبات ، لتحظر عليهم ما كان واجبا في ديانتها ، وتحجِّر عليهم ما كان واسعا في نظرها ، وتمنح فيه خصومها من اللادينيين مكاسب هائلة تتمثل في تخليها لهم عن الشؤون السياسية والعلمية وحتى الدينية تحت مسمى ( المدنية ) .

وبغض النظر عن كيفية وقوع هذه التنازلات ، إلا أنها وقعت ! سواء كان ذلك نتيجة اختراق المجالس الكنسية من غير المتدينين بدينها ، أو كان نتيجة ضغوط هائلة تمثلت في أكوام من الاتهامات الخطيرة حول ظلمها وجورها وفسادها في موقف الدفاع الذي أدى إلى تخريب بيتها بيدها فانهارت مبادؤها التي كانت ترتسمها على مرّ حقبها التاريخية بجرة أقلام القساوسة والكهنة ..
 


وقفات مع تقرير راند

مبارك المصلح

فتح ملحقُ « الرسالة « مشكوراً في عددين ماضيين ملف تقرير « راند 2007 « ، ولم أجد صحيفة أعطت التقرير زخماً إعلامياً ، وبعداً استشرافياً كملحق « الرسالة « ، وشارك الشرعيون والمفكرون والمثقفون في طرح رؤيتهم عن التقرير ، ولا شك أن التقريرَ يمثلُ خطراً على العالم الإسلامي ، ومؤامرة واضحة كوضوح الشمس في رابعةِ النهار ، وفي مقالي هذا أضع بين يدي القراء - في نقاط - رؤيتي عن التقرير مشاركة مني لمن سبقني هنا .
النقطة الأولى : تقرير « راند 2007 « صورة من صور الصراع بين الحقّ والباطل ، فالنصارى يريدون لأهلِ الإسلام الصحيح أن يكونوا مثلهم في نصرانيتهم الخاوية المحرفة ، وقد أشار اللهُ إلى ذلك فقال تعالى : « وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً « [ النساء : 89 ] ، بل إنه حربٌ معلنة بغير سلاح لعجزهم عن قتال المسلمين ، وتجاربهم السابقة تثبت ذلك ، فلم يكن لهم حيلة إلا وضع الخطط والتقارير السرية أو المعلنة لتفصيل إسلامٍ أمريكي يوافق أجندتهم ، وصدق الله إذ يقول : « وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا « [ البقرة : 217 ] ، والقتال في الآية لا يشترطُ أن يكون بالسلاح الحسي ، بل داخل في ذلك مثل تقرير « راند 2007 « وما سبقها من تقارير ، فالحرب ضد هذا الدين قائمة إلى أن يرث اللهُ الأرض ومن عليها ، وما هذا التقرير إلا جزء يسير وبسيط مما في قلوبهم من حقد وحنق على الإسلامِ وأهله «» قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ « [ آل عمران : 118 ] .النقطة الثانية : من نعمِ اللهِ علينا أن تقرير « راند 2007 « جاء في وقت الثورة المعلوماتية بجميع أنواعها [ التلفاز ، والإذاعة ، والصحف ، والشبكة العنكبوتية ] فصادف – ولله الحمد والمنة - وعياً لم يكن موجوداً حين صدور التقارير السابقة لأنها كانت قليلة التداول ، والمنشغلين بها قلة من أصحاب الاختصاص ، وقد كان من العوامل المؤثرة في ذلك الوعي انتشاره حين صدوره بسرعة ، وفي مدة قصيرة على الشبكة العنكبوتية ، وتناوَلَه كثير من المحللين والاختصاصيين بالترجمة والتحليل ، وبينوا ما يحتويه من مصادمة واضحة لثوابت الأمة ، وفرض أناس لا قيمة لهم في الأمة مقارنة بالباقي منهم ، فهم لا يمثلون إلا شرذمة قليلة ، بل عُرفوا عند أصحابِ الفطر السليمة والفراسة أنهم من المفسدين في الأرض الذين قال الله فيهم : « وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ .
أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ « [ البقرة : 11 – 12 ] .
النقطة الثالثة : ردت الأمة تقرير « راند 2007 « بالذات جملة وتفصيلا وأجمع على ذلك العلماء والمفكرون والمثقفون والأكاديميون وغيرهم لما فيه من توصية لا يرضى عاقل بها وذلك بالتمكين للعلمانيين والليبراليين وبعض الفرق المنحرفة ، بل إن المؤامرة بلغت مداها الوقح في المطالبة باختراق الجيوش الإسلامية ! والعجب كل العجب أن يطلق في التقرير على العلمانيين والليبراليين معتدلون ! ، فالذي يسخر بالرب في شعره ، والمشكك في القرآن ، والساخر بالدين ، والطاعن في ثوابت الأمة كلّ أولئك يسمون في قاموس تقرير « راند 2007 « « معتدلين « ! ، وقد ذكر التقرير بعض أسماء من يسمون بالمعتدلين مع الأسف ، وأنه لا بد من دعمهم وتقوية شوكتهم ، وهذه من التوصيات التي جاءت في آخر التقرير والتي تقول : « يجب أن تهتم الإدارة الأمريكية من خلال مبادرة دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط ببناء علاقات مع كل من العلمانيين ورجال الدين المعتدلين والمفكرين والصحفيين والناشطين في مجال المرأة « .
ولم يكتف التقرير بالدعم للأفراد بل وصل الدعم المادي القوي وبأموال خيالية لبعض القنوات الفضائية لممارسة الحرب الفكرية ، وقد أشار د. باسم خفاجي إلى ذلك أن التقرير ذكر مبالغ غير عادية للإنفاق على ميزانية قناة « الحرة « الفضائية الأمريكية ، وراديو « سوا « تبلغ 671 مليون دولار سنويا، وطلبوا 50 مليون دولار أخرى « لمواجهة الأزمات « ، وهو ما يعادل 4 مليارات جنيه مصري ، أو 10 ملايين جنيه يوميا ، ويزيد بدرجة غير معقولة مقارنة بفضائيات عربية ضخمة كالجزيرة والعربية التي لا تزيد ميزانيتها عن 50 مليون دولار سنويا ، ما يرجح احتمال وجود « عمليات تمويل بطرق غير مباشرة « في هذه القنوات .
النقطة الرابعة : ظهرت مطالباتٌ بإهمال التقرير ، وعدم الاهتمام به ، وهو أمر مستغرب جداً ، بل كثير من الكُتاب في صحفنا لم يكتبوا عنه ، ومشكلتنا ومصيبتنا في أمثال هؤلاء الذين لا يريدون حتى التحذير من خطط الأعداء في حين أن الأعداء يعملون ليلاً ونهاراً سراً وعلانية عن طريق مراكز البحوث الاستراتيجية ، وفي هذا الصدد أعجبني ردّ د. سعد بن مطر العتيبي على أحد المطالبين بإهمال التقرير وقد بين الدكتور أن متابعة ورصد وتفنيد التقارير الراندية واجب وطني مهم ، وطرح د. سعد في آخر مقاله سؤالا مهما : « ومن الذي يحدِّد المسلمين المعتدلين ؟ أهي معايير التقرير التي وضعها في قالب أسئلة بلهاء ؟ أم هي المرجعية الإسلامية المتمثلة في أولي العلم بالشريعة الذين أحالنا الله تعالى إليهم في قوله سبحانه: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ؟ « .ا.هـ.النقطة الخامسة : هناك نوعية معينة أشار إليها التقرير باسم المعتدلين أيضا ، ولكن ما دورهم ؟! لهم دور خطير ينبغي التفطن له وهو تقديم تنازلات مكتوبة عن الثوابت الإسلامية ، وباسم أنهم « إسلاميون « ، وهذا فيه شبه مما فعله الكنسيون في « المدونة البابوية « ، والتي أشار إليها د. سعد العتيبي في العدد الماضي هنا في الملحق ، ووصفها بقوله : « المدونة البابوية « التي وضعتها الكنيسة الغربية لها ولأتباعها متخلية بها عن ثوابتها ، وما كانت تقضي به لنفسها من حقوق وما تضعه من واجبات ، لتحظر عليهم ما كان واجبا في ديانتها ، وتحجِّر عليهم ما كان واسعا في نظرها ، وتمنح فيه خصومها من اللادينيين مكاسب هائلة تتمثل في تخليها لهم عن الشؤون السياسية والعلمية وحتى الدينية تحت مسمى ( المدنية ) « .ا.هـ.
إن مثل هؤلاء في القرآن : « وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ « [ القلم : 9 ] .
النقطة السادسة : بعد خروج تقرير « راند 2007 « ما دورنا تجاهه ؟!
أما دورنا كأمة مسلمة فإنه لا بد من تضافر الجهود وتكاتفها للوقوف في وجه مخططات الأعداء ومنها هذا التقرير ، وهذا يكون كلّ بحسبه ، فالعلماء ، والمفكرون ، والمثقفون ، والأكاديميون لهم دور في تحذير الأمة ، وعلى الهيئات والمجامع العلمية دور كبير في إصدار البيانات ، وعقد المؤتمرات والمحاضرات للتحذير من التقرير وغيره من التقارير التي تعبثُ بثوابت الأمة ، وتفرض عليها أناساً لم ولن يقبلهم المجتمع ، وفي نهاية المطاف فرض إسلام بمواصفات أمريكية .
المصدر : جريدة المدينة - ملحق الرسالة
 


أخطر آليات تحقيق الأماني الراندية ( محاولة استشرافية حاذرة ) د. سعد بن مطر العتيبي
عضو هيئة التدريس بقسم السياسة الشرعية بالمعهد العالي للقضاء


في حلقة ماضية ذكرَ أنّ علم ( استشراف المستقبل ) يقوم على منهجيات تعتمد أموراً كثيرة ، منها : وضع المشاهد المستقبلية ( السيناريوهات ) في ضوء أنماط المشاهد الماضية ، وبتعبير آخر : الإفادة من التجارب التاريخية الناجحة في وضع استراتيجيات مستقبلية مشابهة .

وأوضحت أنَّ التجربة التاريخية الخطيرة التي لا أظنها تغيب عن المنظرين الغربيين من الليبراليين على وجه الخصوص ، هي تلك الوثيقة الكنسية أو ( المدونة البابوية ) التي وضعتها الكنيسة الغربية لها ولأتباعها متخلية بها عن ثوابتها ، وما كانت تقضي به لنفسها من حقوق وما تضعه عن نفسها وأتباعها من واجبات ، لتحظر عليهم ما كان واجبا في ديانتها ، وتحجِّر عليهم ما كان واسعا في نظرها ، وتمنح فيه خصومها من اللادينيين مكاسب هائلة تتمثل في تخليها لهم عن الشؤون السياسية والعلمية وحتى الدينية تحت مسمى ( المدنية ) .

ومن أهم فوائد علم الاستشراف ( الدراسات المستقبلية ) : أنه يُعنى بكشف المشكلات المتوقعة قبل حدوثها ، ليتم التهيؤ لمواجهة تلك المشاكل ، ببذل الجهود البحثية ووضع التراتيب والخطط والسياسات المضادة ، لمنع وقوع تلك المشكلات في بداياتها أو الحد من آثارها بعد تقدّم خطواتها ؛ وهذا ما يطلق عليه بعض الباحثين : ( وظيفة الإنذار المبكر ) .

وإذا حاولنا استشراف المشهد المستقبلي للنموذج التاريخي المشار إليه في تحقيق الأماني الراندية ، وهو ما لم يصرح به التقرير المعلن لمؤسسة راند ، فإننا سنصل إلى نتائج تستوجب الحذر ، بل الحذر الشديد ، خشية أن نقع ضحايا لخطط معلنة !

وفي بيان المشهد التاريخي ، سأبدأ بعرض بعض مواد تلك الوثيقة البابوية والتنازلات الكنسية ، التي وضعها المتدينون النصارى لغير المتدينين ، وإن شئت فقل : قدَّمها الكنسيون للملحدين دون مقابل ! وعنونها خبيرُ الدراسات الإستراتيجية والمستقبلية أستاذُنا د. محمد بريش بـ ( الاستبداد الديني ! أو كشف اللثام عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام – حفريات معرفية في جذور صراع الكنيسة مع العلمانية ) . ولم يجانب أستاذنا الحقيقة في عنوان دراسته ، فقد جاءت المادة (19 ) من تلك الوثيقة بتنازل كبير يمنح السلطة غير الدينية تحديد حقوق الكنيسة ، وهذا نص ما جاء في المدونة البابوية ! : « الكنيسة ليست مجتمعا صحيحا ومثالياً كامل الحريّة ، وليست لها حقوق خاصّة ودائمة ومخوّلة لها من طرف مؤسسها المقدس، بل من حق السلطة المدنية أن تحدد ما هي حقوق الكنيسة، وفي أي حدود يمكنها ممارسة تلك الحقوق « .

وجاءت المادة (31 ) بتنازل عن سلطتها في جانب الأحكام المدنية والجنائية ، ونصه : « إن المنتدى أو المحكمة الكنسية للأحكام الدنيوية لرجال الدين ، سواء على الصعيد المدني أو الجنائي ، يلزم أن تلغى كليّة ، وحتى بدون استشارة الكرسي البابوي ، ودون أي اعتبار لاحتجاجاته « .

بل منحت السلطة المدنية حق التدخل في القضايا التي تتعلق بالدين والتوجه الروحي ! كما في المادة (43) ونصها : « يحق للسلطة المدنية التدخل في القضايا التي تتعلق بالدين والأخلاق والتوجه الروحي، ومن ثم فإنه يمكنها الحكم على الأوامر والتوجيهات الصادرة عن قساوسة الكنيسة « .

وفي المادة (53) ألغت المدونة الكنسية القوانين التي تحمي ميثاق المجموعات الدينية ، وتعطي الحكومة الحق في مساندة من يتخلون عن دينهم ! : « يلزم إلغاء القوانين التي تحمي ميثاق المجموعات الدينية وحقوقها ووظائفها. يمكن للحكومة المدنية أن تساند كل أولئك الذين يرغبون في التخلي عن الحالة الدينية التي اعتنقوها ومخالفة عهودهم الرسمية، وفي نفس الوقت يمكنها -أي الحكومة المدنية- أن تحل كل هذه المجموعات الدينية، وكذلك الكنائس الجامعية، ومكاسبها البسيطة في حق الإشراف، وإخضاع ممتلكاتها ومداخلها لإدارة وقوة السلطة المدنية « .

وفي المادة (55) حققت المدونة البابوية أمنية العلمانيين ، بقولها : « يجب فصل الدين عن الدولة ، وفصل الدولة عن الكنيسة « !

ومن هنا يمكننا أن نبدأ قراءة استشرافية لتقرير راند المعنون بـ « بناء شبكات مسلمة معتدلة « Building Moderate Muslim Networks . وذلك في نقاط تقتصر على الإشارات :

أولاً : لنفترض كيفية وقوع تلك التنازلات :
- ربما كانت نتيجة اختراق للمجالس الكنسية ممن يتظاهرون بالدين !

- أو نتيجة تغييرات تربوية وسلوكية طرأت على بعض القيادات الدينية نتيجة تأثرها بنظريات فلسفية مُخترِقة عالقة ، أو تصرفات كنسية متناقضة ، أو اضطهاد داخلي ، ونحو ذلك من المؤثِّرات ..

- أو نتيجة ضغوط هائلة تمثلت في أكوام من الاتهامات الخطيرة حول ظلم الكنيسة واستبدادها وفسادها وتشويه سمعتها ، لوضعها في موقف الدفاع ، حتى أخذت تدافع بتنازل تلو تنازل ، ويضغطون علميا ( والتصرفات الكنسية الاستبدادية وغيرها قابلة للنقد العلمي ولا شك وهو ما لا يصح إسقاطه على الإسلام ) ، ويضغطون إعلاميا ، حتى أدى ذلك في نهاية المطاف إلى انهيار أهم مبادئ الكنيسة ( المحرّفة ) التي كانت ترتسمها على مرّ حقبها التاريخية ، بأقلام القساوسة والكهنة نتيجة هذه الضغوط وإشغالها بالدفاع الذي يضطرها للتنازل ، ثم إقناعها بفشل مبادئها السائدة آنذاك وتنازلها عنها بإصدار المدونة آنفة الذكر ..

- وربما كانت هذه المدونة صنيع فئة أكثر حضوراً ، وأقوى أثراً وتأثيراً من الفئة المحافظة داخل الكنيسة ، في حين كان المحافظون صوتا خافتا عاجزا ، تمّ تجاوزه بقوة الخروج إلى الواقع بعد صنع قيادات بديلة .

ثانياً : لنقرأ لبّ تلك التنازلات في المشهد التاريخي :
مما يمكن ملاحظته عند محاولة قراءة ذلك المشهد التاريخي : أنَّ الدين لم يُستبعد تماما ، كأثر من آثار التنازلات الكنسية ، وإنّما جُسِّد في شعارات وطقوس ووظائف تابعة فارغة من معاني السيادة والتمكين ، ليحقق أغراض السياسيين اللادينيين في هدوء واطمئنان !

وهذا الأمر ذاته تحقق في الحالة الأوروبية المعاصرة ، فلا زلنا نجد النص على الدِّين في دساتير عدد من الدول ! وهو أمر يطول الحديث فيه وفي دلالاته .

- ومع ذلك فقد كان للمدونة البابوية أثر ظاهر في تغيير مناهج التعليم ، فكان من أُولى الخطوات التي نتجت عن التنازل الكنسي في المجال التعليمي : استبعاد ما يتعلق بذم اليهود في مناهج التعليم الأوربية !

- كما كان لتلك المدونة أثر أكبر في الجانب ( التقنيني ) والقضائي ، فقد تم إلغاء كل ما كان للكنيسة من ذلك ، بنص الماد ( 31 ) السابق ذكره ، بل أعطت المدونة الكنسية للعلمانيين حقا بالتدخل في القضايا الدينية والخلقية والروحية ! وهو ما نصت عليه المادة (43) .

- وأمَّا حرية الخروج على الدين والتجديف الإلحادي فهذا لب المادة (53) من تلك المدونة التي صنعها رجال الدين !

- وأمَّا لبّ العلمانية في الناحية السياسية فهو ما نصت عليه المادة (55) التي أوجب فيها ( رجال الدين ) فصل الدين عن الدولة والدولة عن الدين !

وإذا عدنا إلى واقع أمتنا ، واستكملنا نظرتنا إليها بوضعها في مشهد ( راندي ) مستقبلي متواضع التحليل ، فإنَّنا سنجد من خطوات الواقع ما يعطي مشهدا للمستقبل - ما لم نُغير ما بأنفسنا - وذلك في جهتين :

الأولى : من جهة ظهور الدعوات التي يطمح الرانديون في تحقيقها ، وسأقتصر على أوضح أصولها :
1) ظهور الدعوات المناقضة للإسلام ، كالفكر العلماني والليبرالي وإن بلبوس إسلامي ، مستغلة الانحراف الفكري ، لفئة من المحسوبين على أهل العلم والدعوة ، منذ قرن ، كما في كتاب ( الإسلام وأصول الحكم ، المنسوب لعلي عبد الرازق ) .

2) ظهور الدعوات التي تطالب بتغيير مناهج التعليم في البلاد الإسلامية ظهورا خطِرا ، كما نشهد المناداة الإعلامية بتغيير المناهج في جميع بلاد الإسلام دون استثناء ، ولم تخلُ تلك الدعوات من الإشارة إلى مراعاة الآخر ، وإن كان الآخر ذلك الصهيوني المحتل لفلسطين .

3) ظهور التحريفات في الدين وتأويل النصوص من عدد من الكتّاب ممن يحسبون على أمة الإسلام ، ممن بلغت بهم الجرأة أو الجهل أو الانهزامية حدّ المجاهرة بإحياء الدعوى القاديانية المنادية بإباحة الردة عن الإسلام ، وعدم تجريم فاعلها ، بل معاقبته ، وذلك ضمن مقولات باطلة منها : نفيهم لمشروعية عقوبة المرتد ، مع أنها دعوى قاديانية المنشأ ، باطلة بطلان الديانة القاديانية .

ومن يقرأ تاريخ القاديانية في الهند يجدها مشهدا تاريخيا من مشاهد تمرير المشروع الغربي ، إذ هي صنيعة الحاقدين من المستشرقين وعملاء الجيش الإنجليزي ، وما أشبه الليلة بالبارحة ، فتلك الهجمة الفكرية تسببت في ظهور فتاوى من بعض علماء الهند تضمنت تنازلات من أخطرها جعل جهاد المحتل أمراً غير مشروع !

وللفائدة أُحيل إلى كلام مؤصّل في الردّ على فكرة تطبيع الردّة تلك الفكرة الخطِرة ، وتفنيد قوي لشبهات المنقادين لها ، وهو للشيخ الدكتور / يوسف القرضاوي سلمه الله ، أُلخِّصُه في قوله : « أجمع فقهاء الإسلام على عقوبة المرتد ، وإن اختلفوا في تحديدها، وجمهورهم على أنها القتل وهو رأي المذاهب الأربعة بل الثمانية «.

الثانية : من جهة الآليات التي يُتوقع لجوء منفذي المؤامرة الراندية ، في ضوء المشهد التاريخي للمدونة البابوية :
1) جمع شمل شتات ذوي الأفكار المنحرفة والسعي في التنسيق بينهم في صور متعدِّدة ، من مثل : المنتديات والمؤسسات الفكرية العامة في ظاهرها ، واللقاءات الشخصية والاستقطابية ، والإبراز الإعلامي لأشخاص مغمورين أو منحرفين معروفين ، وكذا التنظيمات التي تتخذ من ( مؤسسات المجتمع المدني ) شعارا ، ومن ( الليبرالية ) مسارا ، ومن ( المنح الأجنبية ) زادا للخيانة .

2) التنقّص من الشخصيات العلمية والدعوية ، الحقيقية كأفراد العلماء الربانيين ، والاعتبارية كهيئات الإفتاء ولجانه المعتبرة ؛ وذلك ابتغاء كسر جلال العلم وتحطيم محدِّدات المنهج ، وفتح الطريق للمشروع الأجنبي !

3) السعي في اختراق المجامع الفقهية والمجالس والروابط العلمية الإسلامية القائمة ، وتكوين أكثرية مطلقة ، ولو كانوا من الإداريين ، ليظهر أثرها في القرارات التي تتطلب تصويتا .

4) الضغط على المسلمين دولاً أو جمعيات أو مجامع فقهية أو مجالس إفتاء أو تجمعات إسلامية ، أو كلِّ ذلك ؛ لاستصدار بيانات ومواثيق متخاذلة تضع من المصلحة الملغية أو المتوهمة مستندا لتنازلاتها ، ثم تمرير مضامينها بشكل ما .

5) إيجاد مجامع أو مجالس أو روابط من المنحرفين فكريا ممن ينسبون للعلم الشرعي أو الدعوة الإسلامية ، وتلقيبهم بألقاب العلم والفتوى والفكر الإسلامي والخبرة إلخ .. ! ولا سيما في حال فشل محاولات الاختراق للمجامع الفقهية والمجالس الإفتائية القائمة .

6) استهداف إصدار بيان من علماء مسلمين ينتمون إلى مجمع فقهي يتبع منظومة الدول الإسلامية ، تُقدّم فيه تنازلات، على نمط المدونة البابوية : تنازلات عن المناهج التعليمية المحافظة وعن القضاء الشرعي حتى في الأسرة والأحوال الشخصية ، وعن الوقوف في وجه المرتدين بل وفتح المجال للردة الجماعية أمام إرساليات المنصرين ، ويُبقى فيه على مسمى الدِّين على النحو الوارد في تقرير راند 2003 م ، وربما يسمح بذكر الإسلام في بعض الدساتير الإسلامية ، وما تمثيلية ( الدستور العراقي ) عنا ببعيد .

7) استصدار قرارات من المجامع أو المجالس أو الروابط أو الجمعيات العلمية تخدم الأهداف الراندية .

8) فرض مقتضيات البيان والقرارات المجمعية على الدول الإسلامية التي تمتنع عن تطبيقه ، وذلك من خلال آليات ما يُعرف بـ ( الشرعية الدولية ) كميثاق الأمم المتحدة ، سلماً بالفصل الخامس وحربا بالفصل السابع ، بحجة حماية حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية ونحو ذلك من شعارات القوم .

ولقد رأينا بوادر ذلك ، وهو ما حمل على كتابة هذه الرؤية الاستشرفية الحاذرة ، مع علمي بأنها دون التحقيق المطلوب ، وإننا لنناشد علماء الإسلام في المجامع الفقهية والتجمعات العلمية أن تقف وقفة الحامي لحمى الإسلام الذائد عن حياض الشريعة .

كما نناشد قادة الأمة الإسلامية أن يأخذوا كل الاحتمالات في الاعتبار ، ويقفوا بكل ما أوتوا من قوة في وجه كل محاولة لتغيير الدين أو التنقّص من ثوابته ، أو تشويه نقائه ، فإنهم مسؤولون أمام الله تعالى أولاً ثم أمام شعوبهم ، وتاريخ أمتهم ثانياً . وليس ذلك عسيرا ، فقد وقفت الدول الإسلامية الجادة ، في إبطال بعض المؤتمرات الدولية المُغرضة ، وقفة تشكر عليها .

وختاما أود التنبيه إلى أمر مهم ، لا يسعني تجاوز التنبيه عليه في هذا الموقف ، ألا وهو : أهمية البعد عن تصنيف الأشخاص والأعيان ، والمؤسسات الدعوية ، والعلماء والدعاة وغيرهم ، ضمن آليات المخططات الأجنبية دون برهان ودليل ، فكم اتهم أشخاص بما لم يخطر لهم على بال ، وبين يدي بعض المقالات والرسائل التي يسعى في نشرها بعض أهل الغيرة ، تجاوزت الحد في التخمين ، حتى نالت من بعض خيار المسلمين .

وإن مما يريب اللبيب ، وجود أسماء وطنية عرفت بشرفها ، في طيات تقارير أجنبية مُعلنة ، كما لا يُستبعد انطلاق تلك الرسائل والمقالات من جهات مغرضة أو أشخاص مغرضين ، وصدق الله العظيم : ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) ، وإني لشاكر للإخوة الذين يتثبتون فيما يردهم من رسائل وما يقفون عليه من مقالات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق