السبت، 16 نوفمبر 2019

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟
مثلت الدولة العثمانية آخر شكل لدولة الخلافة الإسلامية التي عرفها العالم الإسلامي منذ ظهور الإسلام وبعثة النبوة.

وقد أنجزت الدولة العثمانية -مثل الدول الإسلامية السابقة– إنجازات كبيرة كان من أبرزها فتح القسطنطينية التي كانت تمثل معقل الكنيسة الأرذوكسية وعاصمة الإمبراطورية البيزنطية العريقة.

وتمكنت الدولة العثمانية من خلال هذا الفتح من فتح أوروبا الشرقية برمتها، ووصلت جيوشها لأبواب فيينا، كما رافق هذا النفوذ المتصاعد نهضة حضارية وعلمية كانت أحد ملامح قوتها، فكانت الدولة التي لا تضاهيها دولة من الدول بما أحرزته من الأملاك الواسعة في قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا.

ورغم أوج النجاح الذي بلغته الدولة العثمانية إلا أن انهيارها كان سنة كونية كما أصّل لذلك ابن خلدون في خلاصاته، حيث يتوقع من كل دولة تقوم في هذا العالم وتزدهر أن تصل لمرحلة الرفاهية والرخاء، ثم تبدأ أسباب سقوطها بالظهور وما تلبث أن تندثر.

أسباب السقوط


لكن سقوط الدولة العثمانية قبل قرن من الزمان لم يكن مجرد سقوط نموذجي لدولة عظمى، بل تسببت في هذا السقوط مؤامرات كثيرة أكبر من تلك التي تعرضت لها الدول الإسلامية التي قامت وسقطت قبلها.


وكانت بداية هذا السقوط بضعف تدريجي نال من مفاصل الدولة من الداخل منذ القرن السابع عشر، بعد انغماس السلاطين العثمانيين في الملذات والترف على عكس ما اعتاد عليه سلاطين الدولة العثمانية في بداية عصرها أمثال محمد الفاتح من حياة زهد وورع.

وتراجعت مع نزعات الترف الفتوحاتُ التي دأب عليها العثمانيون وأوصلت سيطرتهم إلى وسط أوروبا.

وحين توقف توسع الدولة العثمانية طمع أعداؤها من حولها في التوسع والاستيلاء على أجزاء منها، فانتزع الروس والصرب بعض المناطق والمواقع المهمة.

وارتفعت وتيرة المعارك على النفوذ في القرن الثامن عشر بين الدولة العثمانية من جانب والروس والنمسا في الجانب الآخر، ولم يتمكن الروس من الانتصار على المسلمين إلا بعد إشعال نار فتنة داخلية بفتيل المسيحيين في الداخل.

في هذه الأثناء التي انشغلت فيها الدولة العثمانية بالحروب، كانت أوروبا تتقدم علميًا وتكنولوجيًا وعسكريًا بشكل لافت. وهو ما دفع العثمانيين للاستعانة بالخبرات الغربية الأوروبية التي دخلت بلاد المسلمين، يرافقها الفكر الغربي العلماني الذي بدأ أول دخول له في العالم الإسلامي.

لكن انهيار الدولة العثمانية العسكري تجلى بشكل واضح بعد الحرب العالمية الأولى التي شاركت فيها حليفةً لألمانيا والنمسا المنهزمتين، وانتهت الحرب بنتائج وخيمة على الدولة العثمانية، حيث دخلت جيوش الحلفاء الآستانة وسيطروا عليها وعلى المضائق (البوسفور والدردنيل)، واحتلت اليونان الأقسام الغربية من الدولة، في حين سُلِخت الولايات العربية وقُسِّمت إلا دويلات صغيرة سيطرت عليها دول الحلفاء.

ويرجع هذا الانهيار العسكري غالبًا للصعود اللافت للقوى المخابراتية الأوروبية التي نشطت أكثر مما كانت عليه من قبل، يدعم هذا الصعود التغلغل الإسرائيلي في أنظمة الحكم الأوروبية ونجاح الصهيونية في كسب تحالف دول أوروبا.

ولا شك أن الصراع مع الغرب كان قائمًا منذ لمع نجم الدولة العثمانية، وكانت محاولات عديدة من أوروبا لتفتيت القوى الإسلامية وتغريبها، لكن المسلمين تصدوا لهذه المحاولات بنجاح، وإن فشلوا في بعضها فسريعًا ما كانوا يستدركون وينهضون من جديد لأن وحدتهم كانت عاملًا قويًا في بقائهم.

وتمكن الأوروبيون من تشكيل خلايا نائمة عبر الأقلية المسيحية في داخل الدولة العثمانية، ونشطت هذه الخلايا بوضع الخطط والمؤامرات والاغتيالات داخل القصور في وقت انشغل فيه السلاطين بحياة الترف، وتراكمت الديون بعد إفلاس خزينة الدولة، وظهر التعصب القومي وتفشت الدعوات القومية التركية (الطورانية).

المؤامرات الخارجية

بدورها لعبت المؤامرات الخارجية دورًا حاسمًا في سقوط الخلافة العثمانية، وكانت الماسونية حجر الأساس في هذه المؤامرات، ففي سنة 1721 تأسس أول محفل ماسوني في إسطنبول في الدولة العثمانية، ولم يكن الأول فقد تأسست عدة محافل أخرى واستقطب العثمانيون الأفكار العلمانية. 

جمعت هذه المحافل كبار المفكرين الليبراليين والشيوعيين والقوميين والإباحيين وغيرهم من الذين رسموا الخريطة الأيديولوجية للعصر الحديث. 

وبدأ إعداد جميع الأفكار اللادينية في هذه المحافل بشكل سري ومعلن. 

وتزامن مع هذا النشاط الماسوني المتصاعد نشاط آخر لطائفة يهود “الدونمة”، وهم يهود في داخل الدولة العثمانية أخفوا يهوديتهم وتظاهروا بالإسلام في حين كانوا يعملون على محاربة هذا الإسلام من الداخل. وكانت هذه الطائفة تدعم المحافل الماسونية بقوة كما نشطت في إدخال الأفكار القومية إلى الدولة العثمانية، وكانت تدعمها أوروبا بشكل سري ومعلن. 

وفي عام 1876 استلم السلطان عبد الحميد الثاني زمام الحكم في الدولة العثمانية التي كانت تسمى حينها بـ “الرجل المريض”. 

ووجد عبد الحميد الثاني الدولة تعاني من ضعف داخلي وخيانات وانشقاق دويلات وتربص الأوروبيين، ثم جرأة الصهيونية التي طالبته ببيعها فلسطين، وهو الطلب الذي رفضه السلطان في موقف تاريخي شهير سُجِّل في سيرته.

جمعية تركيا الفتاة وتنظيم الاتحاد العثماني


لم يتوقف نشاط الماسونية في فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني، بل تطورت لتشكيل جمعية تركيا الفتاة، وبنفس شعارات الماسونية وبإعلان المعارضة للسلطان. 
والجدير بالذكر أن جمعية تركيا الفتاة فتحت أول مكاتبها في باريس وبرلين قبل أن تفتتحها في داخل الدولة العثمانية، كما نشطت جمعية العربية الفتاة المماثلة لها في بلاد العرب. 


وظهر تنظيم الاتحاد العثماني، وهو جناح سري تشكل من الضباط العثمانيين المعارضين بقوة للسلطان عبد الحميد الثاني. 
ثم ما لبثت أن توحدت جمعية تركيا الفتاة مع تنظيم الاتحاد العثماني في عام 1906 لتشكيل منظمة جديدة هي جمعية الاتحاد والترقي. 
وبدأت المنظمة الجديدة باستقطاب الضباط والنخب الفكرية والسياسية والمالية داخل الدولة العثمانية، وبدأت تسيطر على مشهد الحكم في حين لم يتمكن السلطان عبد الحميد الثاني من مقاومتها. 

ولم يلاقِ السلطان أي دعم من الدول العربية التي كانت تخطط للثورة العربية وإعلان الحرب على تركيا، تؤزها في ذلك بريطانيا التي وظّفت أبرز شخصية عرفها التاريخ في تلك الحقبة، وهو توماس إدوارد لورانس المشهور بـ«لوارنس العرب» الذي هيأ جميع الظروف لبسط سلطان الاحتلال البريطاني في المنطقة بعد أن كسب ودّ الشريف حسين في جزيرة العرب وتحالف معه، كما ورد فى كتاب “ثورة في الصحراء”. وهو نفسه لورانس الذي قال متحدثًا عن سياسة بريطانيا في تلك المرحلة: “لقد وضعنا بمهارة مكة في مواجهة استانبول والقومية ضد الإسلام”. وقال في مناسبة أخرى: “علينا أن ندفع بالغرب لانتزاع حقوقه من تركيا بالعنف … لأننا بهذا نقضي على خطر الإسلام وندفع به ( أي الإسلام) لإعلان الحرب على نفسه وبذلك نمزقه من القلب، إذ ينهض في مثل هذا الصراع خليفة في تركيا، وخليفة في العالم العربي، ويخوض الخليفتان حربًا دينية، وبذلك يُقضى على خطر الخلافة الإسلامية بصورة نهائية”. 

من جانبها تمكنت جمعية الاتحاد والترقي الماسونية من تغيير الدستور وتغيير نظام الدولة ووصلت قوتها في عام 1909 إلى خلع السلطان عبد الحميد الثاني في مشهد يكشف درجة تغلغل الصهيونية في البلاد، حيث تقدم رئيس معبد سالونيك الماسوني اليهودي “عمانوئيل قره صو” ليسلم السلطان باليد قرار عزله، وتم تعيين محمد رشاد سلطانًا للدولة العثمانية بدلًا من السلطان عبد الحميد الثاني الذي نفي إلى مدينة سالونيك.

تأجيج العداء

وكانت جمعية الاتحاد والترقي ويهود الدونمة وراء العديد من التهم التي ألصقت بالدولة العثمانية، مثل تهجير الأرمن واضطهاد العرب في بلاد الشام، وحملات التتريك الإجباري للجنسيات غير التركية كالشركس والأكراد والأرمن، فضلًا على حربهم الشرسة ضد السلطان عبد الحميد واتهامه بالاستبداد. 
ومن بين أبرز ضباط جمعية الاتحاد والترقي الذي اشتهر بجرائمه في الدولة العثمانية جمال باشا السفاح الذي حكم العراق ثم سوريا وحاول أن يحكم مصر أيضًا. وكان ممن تآمروا لعزل السلطان عبد الحميد الثاني مع قائدين بارزين في الجمعية، طلعت باشا وأنور باشا. 

وألصقت الجرائم التي نفذها ضباط جمعية الاتحاد والترقي بالدولة العثمانية في حين كان هؤلاء الضباط أنفسهم أعداء لهذه الدولة. 
ومع تصاعد النفوذ الماسوني العلماني في المنطقة اصطدمت جمعية تركيا الفتاة مع مثيلتها العربية الفتاة مع أنهما من أصل واحد، ذلك أن الأولى كانت تنادي بالقومية التركية والثانية تنادي بالقومية العربية. 

واستمرت سياسة التفرقة وتأجيج العداء في تحقيق مفعولها في تفتيت الدولة العثمانية، وساهمت في هذا الكيد روسيا القيصرية التي لم تنقطع عن إثارة الفتن بين دول البلقان، وتأليبهم على الحكم العثماني، ومدهم بالسلاح بدعوى التخلص من حكم المسلمين.

كمال أتاتورك



عد عزل السلطان عبد الحميد الثاني قامت الحرب العالمية الأولى، في عام 1914. وخلال هذه الحرب، برز مصطفى كمال أتاتورك، ضابط في الجيش العثماني، يرجح المؤرخون أنه كان من يهود الدونمة.


بدأ إدخال أتاتورك تدريجيًا في المشهد العسكري، حتى تولى قيادة معركة جناق قلعة (جاليبولي)، وتصدى لجيوش فرنسا وبريطانيا، ويرجح المؤرخون أن الانتصار الذي حققه أتاتورك جاء بالاتفاق مع الفرنسيين والبريطانيين للانسحاب والتظاهر بالهزيمة، من أجل تلميع رجلهم الجديد أتاتورك الذي أصبح البطل العسكري والوطني في نظر المسلمين.


وانتهت الحرب العالمية الأولى في عام 1918، واحتلت الجيوش الغربية إسطنبول عاصمة الخلافة، وكانت نكبة جديدة للعالم الإسلامي، وبدأت عملية تقسيم جسد الرجل المريض بعد أن سقط القناع عن الأطماع الحقيقية لأوروبا في العالم الإسلامي.


وتقاسمت فرنسا وبريطانيا وإيطاليا بلاد العرب رغم وعود مسبقة لهم بتحريرهم من الأتراك.


ولم يكن دور السلطان العثماني محمد وحيد الدين خليفة الدولة العثمانية آنذاك يخرج من دائرة توقيع المعاهدات، مثل معاهدة سيفر عام 1920م وهو في أضعف مواقفه بعد أن مُزِّقت أوصال دولته.


ولتستمر المسرحية مؤثرة، أعلن أتاتورك المقاومة، وحارب اليونان التي تعتبر أضعف رقم في سلسلة الحلفاء.


وزاد رصيد أتاتورك الشعبي بعد أن تراجعت اليونان عن الأراضي التي احتلتها من الدولة العثمانية، والتصق هذا النصر بكمال أتاتورك في موقعة سقاريا عام 1921 م.


وطد الرجل الجديد علاقاته مع فئات المجتمع المؤثرة وبدأ يخطب في يوم الجمعة ويدعو ويصلي أمام الجماهير، وكان في كل جولاته يصطحب زوجته لطيفة هانم وهي تلبس الحجاب، فاشتهر كرجل دين وقائد إسلامي، ولكن إلى حين.


وفي الواقع، فإن حكم الاتحاديين القومي اللاديني مهد لأتاتورك مرحلة التغيير الأشد خطورة، بين عامي 1908 و1918م الذي عرفته تركيا.


وعمد أتاتورك باتباع السياسات البريطانية التي أدت إلى عزل السلطان محمد وحيد الدين ليحل محله ابن عمه السلطان عبد المجيد الذي وقع معاهدة لوزان سنة 1340 هـ / 1923م[19] بعد ثلاثة أيام من توليه الخلافة، وتنازل فيها للغرب عن كل الأراضي العثمانية التي بأيديهم باستثناء تركيا، ثم خُلِع بعد انتهاء وظيفته.


وبدأت مرحلة جديدة، حين أعلن مصطفى كمال أتاتورك نفسه رئيسًا للجمهورية التركية في أواخر أكتوبر عام 1923، مبتدأ مشواره بنفي آخر خليفة من العثمانيين.


ويجدر الذكر أن العديد من الدول الإسلامية كانت تطمع مع صعود أتاتورك للحكم أن تعود معه الخلافة الإسلامية، وحصل الأخير على مراسلات عديدة يعلن فيها أصحابها البيعة له ويحثونه على إعلان نفسه خليفة للمسلمين، لكن أتاتورك كان مبرمجًا لإحداث تغيير جذري في نظام الحكم في المنطقة، وكانت هذه البرمجة تقضي بإلغاء مسمى الخلافة وإعلان دولة جمهورية على طراز الغرب.


وفعلًا، رفض أتاتورك بيعات الخلافة، وبعد 5 أشهر من استلامه للحكم في 24 مارس في عام 1924 م، أعلن أن تركيا الجديدة ستكون جمهورية على الطراز الأوروبي وأصدر مع هذا الإعلان قرارًا بإسقاط الخلافة.


في هذه الأثناء، كان العرب تحت صدمة الخيانة من بريطانيا، فقد استيقظوا على وقع القوات الأوروبية تحتل بلادهم بدل الوفاء بوعودها لاستقلاليتهم، وكانت مهمة الأوروبيين سهلة أمام شعوب بلا جيوش ولا دولة ولا كيان أو أي نظام يحكمهم بعد انفصالهم عن الدولة العثمانية التي كانت تدير حياتهم.


يقول لورنس العرب في كتابه (أعمدة الحكمة السبعة): “لقد كنت أعلم أننا إذا كسبنا الحرب فإن عهودنا للعرب ستصبح أوراقًا ميتة، ولو كنت ناصحًا شريفًا للعرب لنصحتهم بالعودة إلى بيوتهم، لقد كان قادة الحركة العربية يفهمون السياسة الخارجية فهمًا عشائريًا بدويًا، وكانت بريطانيا والفرنسيون يقومون بمناورات جريئة اعتمادًا على سذاجة العرب وضعفهم وبساطة قلوبهم وتفكيرهم، ولهم ثقة بالعدو … إنني أكثر فخرًا أن الدم الإنجليزي لم يُسفك في المعارك الثلاثين التي خضتها، لأن جميع الأقطار الخاضعة لنا لم تكن تساوي في نظري موت إنجليزي واحد).!!


واستمر هذا الاحتلال حتى تمكن من تثبيت أنظمة حكم موالية وطائعة له لا تزال إلى يومنا.

إعلان الحرب على الإسلام

وبهذا تمكن كمال أتاتورك بانفصاله عن العالم الإسلامي من فك الارتباط بين الشعب التركي والإسلام الذي كان سبب تألق دولته العثمانية، ثم بدأ حربه على الإسلام علانية بجملة قرارات دخلت حيز التنفيذ دون تسويف.
ففي عام 1928، صدر قرار بتغيير الحروف الأبجدية من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية في استهداف مباشر للغة العربية التي بدأت تندثر مع الأجيال الصاعدة=.


وأطلق رئيس جمهورية تركيا الجديدة حملة سماها “الثورة الحرفية” لمسح كل نص مكتوب بالحروف العربية، ووصلت عقوبة من يستعمل الحروف العربية لحد الإعدام.

وأطلق العلمانيون مشروع بيع أرشيف الدولة العثمانية لمن يريده كوسيلة للتخلص منه، ووصل سعر الكيلو من هذه الوثائق لـ3 قروش فقط، فاشترت بلغاريا 50 طنًا من هذه الوثائق لتكتشف لاحقًا أنها اشترت مليون ونصف المليون وثيقة فيها كل التاريخ العثماني الحديث، ثم بيعت أجزاء من هذه الوثائق بعد سنوات بملايين الدولارات مما عدّ صفقة رابحة جدًا.
ومُنع الأذان باللغة العربية والحجاب في المؤسسات الحكومية، وأُغلِقت المدارس الدينية وآلاف المساجد والزوايا الصوفية، وكذلك المؤسسة الدينية الوقفية، وأُجبِر الرجال على لبس البرنيطة الأوروبية.

بل بدأت محاربة الشعائر الإسلامية بالقوة حيث مُنع اللباس الشرعي واعتدى رجال الأمن على النساء المتحجبات في الشوارع وأجبروهن على خلع غطاء الرأس.

ولم تسلم المناهج التعليمية من زلزال التغيير، حيث تم استبدالها بمناهج غربية بحتة كما حوربت مجالس العلم والفقه وكل ما يتعلق بدراسة العلوم الإسلامية التي أصبحت جريمة لا تغتفر لمن يطلبها.
وأعلنت العطلة الأسبوعية لتكون يومي السبت والأحد بدلا من الخميس والجمعة.
وبدل اعتماد التقويم الهجري كما اعتاد الأتراك إبان حكم الدولة العثمانية فُرض التقويم الميلادي بقرار حكومي صارم.
أما في القضاء فتم اعتماد قانون العقوبات الإيطالي والقانون المدني السويسري بدل قانون الشريعة الإسلامية.
وأدرجت العلمانية علنًا كمبدأ في الدستور في عام 1937.
والجدير بالذكر أن كل هذه القوانين الجديدة المختلفة بشكل جذري عما سبق واعتاده الأتراك، تم تنفيذها خلال أقل من 15 سنة فقط بقوة القمع والإرهاب الحكومي[23].
ويسجل التاريخ في هذه الحقبة أن أول امرأة خلعت الحجاب كانت زوجة أتاتورك، وبدل إلقاء الخطب، بدأ الرئيس الجديد يرقص مع زوجته في كل المناسبات وعلى الطريقة الغربية[24] وظهر الوجه الحقيقي للبطل الإسلامي المصطنع.

الإملاءات الغربية
وفي الواقع لم يكن أتاتورك يأتي بقوانين من تلقاء نفسه، بل كان ينفذ إملاءات أوروبا عليه، كما تشهد لذلك معاهدة لوزان التي اشترطت فيها الدول الكبرى، لا سيما بريطانيا، على كمال أتاتورك وعلى لسان كرزون – وزير الخارجية بريطانيا آنذاك – شروطًا أربعة وهي: 
إسقاط الخلافة الإسلامية إسقاطًا تامًا. 
إعلان علمانية الدولة وقطع كل صلة لها بالإسلام ومحاربة الشعائر الإسلامية. 
طرد الخليفة وجميع آل عثمان خارج الحدود ومصادرة أموالهم وأملاكهم. 
اتخاذ دستور مدني غربي بدلًا من الدستور العثماني المستمد من الشريعة الإسلامية. 

وطمأن كمال أتاتورك الأوروبيين بتنفيذ كل شروطهم، وانسحبت بالمقابل دول الحلفاء من تركيا بمباركة كرزون والذي طمأن بدوره مجلس العموم البريطاني الذين كانوا يخشون عودة تركيا لاحتلال أوروبا قائلًا: “لن تقوم لتركيا قائمة بعد أن جردناها من الإسلام والخلافة”. وبالفعل عاشت تركيا مرحلة سلخ تام من الدين عاش خلالها الشعب التركي حربًا شديدة على الإسلام وكل ما يتصل به.

وبعد هذه الرحلة المحفوفة بالمؤامرات، أصبحت الماسونية العلمانية تسيطر على مقاليد الحكم وأصبحت معها تركيا دمية في يد اليهودية التي مثلتها طائفة الدونمة.
صدمة سقوط الخلافة
وأصبح سقوط الدولة العثمانية واقعًا وحقيقة استيقظ على عواقبه العرب منهزمين ومصدومين يرددون “أُكِلت يوم أكل الثور الأبيض”.

وفي الواقع، عايش المسلمون في هذه الحقبة الصدمة الحقيقية التي فقدوا معها البوصلة وأدركوا فداحة أخطائهم، ولكنهم غرقوا حينها في دوامة الاحتلال وتداعياته؛ ما أدخلهم في مرحلة التيه التي لا تزال مستمرة إلى اليوم، وخسروا مع هذه الصدمة كل مقومات النهضة والاستدراك، ويعود السبب الأول لهذا الضياع فرقتهم وتشتتهم والأحقاد التي تعمقت في نفوسهم، ثم بعدهم عن عقيدة الإسلام منهجًا ومنظومة حياة.

ولم تقم بعد هذا السقوط دولة خلافة في العالم الإسلامي، بل استشرت سياسة «فرق تسد» منذ معاهدة سايكس – بيكو، ووعد بلفور التي أعقبت سقوط الدولة العثمانية وتقسيمها، ثم تجلت آثار التغريب العميق الذي كان يستهدف أركان الفكر في هذه المنطقة لإجهاض أي فرصة عمل للخلافة. وبدأت ثورة داخلية بين الإسلام وأعدائه، لم تنتهِ فصولها بعد رغم الضعف الذي اكتنف بنيان المسلمين.

ورغم توثيق خياناته وثبوتها، لا زالت تركيا تتغنى بأتاتورك كبطل قومي، وتفتخر بتقديس قبره الذي يحمل ملامح الماسونية بلا خجل.

المصادر 
1-كتاب تاريخ الدولة العثمانية 
2-كتاب كيف سقطت الدولة العثمانية 
3-كيف سقطت الدولة العثمانية لسليمان بن صالح الخراشي 
4-خيري حماد - الصهيونية 
5-كتاب الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام 
6-كتاب تاريخ الدولة العلية 
7-كتاب تاريخي وذكرياتي لرضا نور 
8-شكيب أرسلان عن أعمال مصطفى كمال في تركيا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق