معركة القادسية..
نصر عظيم زمن خلافة الفاروق رضي الله عنه
في تاريخنا الإسلامي أيام لا تنسى، وذكريات لا تمحى، ومواقف خالدة، وبطولات مشرقة، حفرها أصحابها في سجل التاريخ بمداد دمائهم، لا بحبر أقلامهم، ومن ثم فإن هذه الصفحات لا تنسى على مر التاريخ، ولا تمحى على مرور الأيام وتعاقب الشهور والأعوام، ومن هذه الأيام الخالدة يوم القادسية، هذه المعركة العظيمة التي غيرت مجرى التاريخ البشري.
تاريخ المعركة، وأثرها في حركة الفتوحات
اختلف المؤرِّخون في تحديد تاريخ المعركة، وللأستاذ أحمد عادل كمال تحقيقٌ جيِّدٌ توصَّل فيه إِلى أنَّها في شهر شعبان من العام الخامس عشر، من السنة الخامسة عشر للهجرة، وهذا القول أميل إِليه، ولا شك: أنَّ القادسية تقع على قمَّة المعارك الحاسمة في تاريخ العالم، فهي تبيِّن أنواعاً من التَّمكين الربَّاني لأهل الإِيمان الصَّحيح، فقد انفتحت على اثارها أبواب العراق، ومن وراء العراق فارس كلُّها، وهي الَّتي من عندها استطرد نصر المسلمين، فاستطرد معه السُّقوط السَّاساني من الناحيتين الحربيَّة والسِّياسيَّة، والسُّقوط المجوسي من النَّاحية الدِّينيَّة العقائديَّة، ومن هنا انساح دين الإِسلام في بلاد فارس، وما وراءها، ففي القادسية كسر المسلمون شوكة المجوس كسرةً لم ينجبر شأنهم بعدها أبداً، وبهذا استحقَّت القادسيَّة مكانها على قمَّة المعارك الحاسمة في تاريخ البشر.
خطبةٌ عمريَّةٌ بعد فتح القادسية
لمَّا أتى عمر ـ رضي الله عنه ـ خبرُ الفتح؛ قام في النَّاس، فقرأ عليهم الفتح، وقال: إِنِّي حريص على ألا أدع حاجة إِلا سدَّدتها ما اتسع بعضنا لبعضٍ، فإِذا عجز ذلك منَّا؛ تاسينا في عيشنا حتَّى نستوي في الكفاف، ولوددت أنَّكم علمتم من نفسي مثل الَّذي وقع فيها لكم، ولست معلِّمكم إِلا بالعمل، إِنِّي والله ما أنا بملكٍ، فأستعبدكم، وإِنَّما أنا عبد الله، عُرض عليَّ الأمانة، فإِن أبيتها (يعني: أعففت نفسي من أموال الرَّعية) ورددتها عليكم، واتبعتكم حتَّى تشبعوا في بيوتكم، وترووا؛ سعدت، وإِن أنا حملتها، واستتبعتها إِلى بيتي؛ شقيت، ففرحت قليلاً، وحزنت طويلاً، وبقيت لا أُقال، ولا أردُّ، فأَستعتب.
العدل في الحكم هو الدَّعامة الكبرى لبقاء حكم الإِسلام، وسيادته، وانتشار الأمن والرَّخاء في بلاد المسلمين، هذا في الدُّنيا، وأمَّا في الاخرة؛ فلا مفرَّ من العقاب للظَّالمين؛ لأنَّ حقوق الله تعالى قد يغفرها لعبده، ويتجاوز عنه، أمَّا حقوق النَّاس فإِنَّ الله تعالى يوقف الظالمين |
كتب سعدٌ ـ رضي الله عنه ـ إِلى أمير المؤمنين ـ رضي الله عنهما ـ كتاباً اخر، يطلب فيه أمره في أهل الذمَّة من عرب العراق الَّذين نقضوا عهدهم في حال ضعف المسلمين، فقام عمر ـ رضي الله عنه ـ في الناس، فقال: إِنَّه من يعمل بالهوى، والمعصية؛ يسقط حظُّه، ولا يضرُّ إِلا نفسه، ومن يتَّبع السُّنَّة، وينته إِلى الشَّرائع، ويلزم السَّبيل النَّهجَ ابتغاء ما عند الله لأهل الطَّاعة؛ أصاب أمره، وظفر بحظِّه، وذلك بأنَّ الله ـ عزَّ وجل ـ يقول: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا *} [الكهف: 49]، وقد ظفر أهل الأيام والقوادس بما يليهم، وجلا أهله، وأتاهم من أقام على عهدهم، فما رأيكم فيمن زعم: أنه اسْتُكره، وحُشر، وفيمن لم يدَّع ذلك، ولم يُقم، وجلا، وفيمن أقام، ولم يدع شيئاً، ولم يجلُ، وفيمن استسلم ؟ فاجتمعوا على أنَّ الوفاء لمن أقام، وكفَّ لم يزده غلبه إِلا خيراً، وأنَّ من ادَّعى فصُدِّق، أو وَفى؛ فبمنزلتهم، وإِن كُذِّب نبذ إِليهم، وأعادوا صلحهم، وأن يُجعل أمر من جلا إِليهم فإِن شاؤوا، وَادَعوهم، وكانوا لهم ذمةً، وإِن شاؤوا تمُّوا على منعهم من أرضهم، ولم يعطوهم إِلا القتال، وأن يخيِّروا من أقام، واستسلم الجزاء، أو الجلاء، وكذلك الفلاحين. وفي هذه الخطبة دروسٌ، وعبرٌ منها:
-تطبيق عمر ـ رضي الله عنه ـ مبدأ الشُّورى حيث كان يستشير أهل الرَّأي في كلِّ أموره المهمَّة، بالرَّغم ممَّا عرف عنه من غزارة العلم، وسداد الرَّأي، وإِنَّ هذا السُّلوك الرَّفيع كان من أسباب نجاحه الكبير في سياسة الأمَّة.
-الاستفادة من هذه المقدِّمة الَّتي قدَّمها عمر ـ رضي الله عنه ـ بين يدي استشارته حيث ذكَّر الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ بلزوم التَّجرد من الهوى، وإِخلاص النِّيَّة لله عزَّ وجلَّ، والاستقامة على المنهج القويم؛ الَّذي سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك عصم من الزَّلل في الحكم، وأصاب الحقَّ، وظفر بثواب الله تعالى.
وقد لخَّص عمر ـ رضي الله عنه ـ هذه المشورة بخطاب وجَّهه إِلى سعد بن أبي وقَّاص ـ رضي الله عنه ـ جاء فيه: أمَّا بعد: فإِنَّ الله ـ جلَّ، وعلا ـ أنزل في كلِّ شيءٍ رخصةً في بعض الحالات إِلا في أمرين: العدل في السِّيرة، والذِّكر، فأمَّا الذِّكر؛ فلا رخصة فيه في حالة، ولم يرض منه إِلا بالكثير، وأمَّا العدل؛ فلا رخصة فيه في قريبٍ، ولا بعيدٍ، ولا في شدَّةٍ، ولا رخاءٍ، والعدل وإِن رئي ليِّناً؛ فهو أقوى، وأطفأ للجور، وأقمع للباطل من الجور، وإِن رُئي شديداً؛ فهو أنكس للفكر، فمن تمَّ على عهده من أهل السَّواد ـ يعني: عرب العراق ـ ولم يعن عليكم بشيءٍ؛ فلهم الذِّمَّة، وعليهم الجزية، وأمَّا من ادَّعى: أنَّه استكره ممَّن لم يخالفهم إِليكم، أو يذهب في الأرض؛ فلا تصدِّقوهم بذلك إِلا أن تشاؤوا، وإِن لم تشاؤوا؛ فانبذوا إِليهم، وأبلغوهم مأمنهم، وفي هذا الردِّ دروسٌ وعبر، منها:
أنَّ العدل في الحكم هو الدَّعامة الكبرى لبقاء حكم الإِسلام، وسيادته، وانتشار الأمن والرَّخاء في بلاد المسلمين، هذا في الدُّنيا، وأمَّا في الاخرة؛ فلا مفرَّ من العقاب للظَّالمين؛ لأنَّ حقوق الله تعالى قد يغفرها لعبده، ويتجاوز عنه، أمَّا حقوق النَّاس فإِنَّ الله تعالى يوقف الظالمين، والمظلومين يوم القيامة، فيقتصُّ بعضهم من بعضٍ، وأمَّا ذكر الله تعالى فلا بد أن يسود حياة المسلم في قلبه، ولسانه، وجوارحه، فيكون تفكيره خالصاً لله تعالى، ومنطقه فيما يرضيه، وعمله من أجله، ويكون همُّه الأكبر إِقامة ذكر الله ـ جلَّ، وعلا ـ في الأرض قولاً، وعملاً، واعتقاداً، فإِذا كان كذلك؛ عصمه الله سبحانه من فتنة الشُّبهات، والشَّهوات، وقد أخذ سعد، ومن معه من المسلمين بتوجيهات أمير المؤمنين، فعرضوا على من حولهم ممَّن جلا عن بلاده أن يرجعوا، ولهم الذِّمَّة، وعليهم الجزية، وهكذا نجد أمامنا نموذجاً من نماذج الرَّحمة، وتأليف القلوب، وقد أثَّرت هذه المعاملة الكريمة، وحبَّبت المسلمين والإِسلام لهؤلاء النَّاكثين، فدخلوا بعد ذلك على مراحل في الإِسلام، وصاروا من أتباعه المخلصين.
استشهاد المؤذِّن، وتنافس المسلمين على الأذان
في نهاية معركة القادسيِّة حدث أمرٌ عجيب، يدلُّ على مقدار اهتمام المسلمين الأوائل بأمور دينهم، وما يقرِّبهم إِلى الله تعالى، فقد قتل مؤذِّن المسلمين في ذلك اليوم، وحضر وقت الصَّلاة، فتنافس المسلمون على الأذان، حتى كادوا أن يقتتلوا بالسُّيوف، فأقرع بينهم سعدٌ، فخرج سهم رجلٍ فأذَّن، وإِنَّ التَّنافس على هذا العمل الصَّالح ليدلُّ على قوَّة الإِيمان، فإِنَّ الأذان ليس من ورائه مكاسبُ دنيويَّةٌ، ولا جاهٌ، ولا شهرةٌ، وإِنَّما دفعهم إِلى التنافس عليه تذكُّر ما أعدَّه الله تعالى للمؤذِّنين يوم القيامة من أجرٍ عظيم. وإِنَّ قوماً تنافسوا على الأذان سيتنافسون بطريق الأولى على ما هو أعظم من ذلك، وهذا من أسرار نجاحهم في الجهاد في سبيل الله تعالى، والدَّعوة إِلى الإِسلام.
استعمل المسلمون في هذه المعركة أسلوب التَّكتيك المتغيِّر وفقاً لكلِّ حالةٍ من حالات القتال، وظرفٍ من ظروفه |
كانت القادسية نموذجاً مميَّزاً من نماذج التَّكتيك العسكريِّ الإِسلاميِّ، حيث برع المسلمون فيها بإِتقان المناورة التَّكتيكيَّة الَّتي تتلاءم مع كلِّ حالةٍ قتاليَّةٍ من حالات المعركة، فقد ظهر على مسرح الأحداث قدرة الفاروق على التَّعبئة العامَّة، أو التَّجنيد الإِلزامي. والحشد الأقصى للوسائل؛ إِذ حشد الخليفة لهذه المعركة أقصى ما يمكن حشده من الرِّجال، كما حشد لها الفئة المختارة من رجال المسلمين، فقد كتب إِلى سعدٍ أن ينتخب أهل الخيل، والسِّلاح ممَّن له رأيٌ، ونجدةٌ، فاجتمع لسعدٍ في هذه المعركة بضعةٌ وسبعون ممَّن حضروا بدراً، وثلاثمئةٍ وبضعة عشر ممَّن صحبوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد بيعة الرِّضوان، وثلاثمئةٍ ممَّن شهدوا فتح مكَّة، وسبعمئةٍ من أبناء الصَّحابة، ثمَّ إِنَّه لم يدع رئيساً، ولا ذا رأي، ولا ذا شرفٍ، ولا خطيباً، ولا شاعراً إِلا رماهم به، فرماهم بوجوه النَّاس، وغُررهم، وهذا هو الحشد الأقصى للوسائل المادِّيَّة، والمعنويَّة للمعركة، ونجد: أنَّ في التَّعبئة لهذه المعركة تجديداً لم نعهده عند المسلمين من قبل؛ إِذ لم ينتظر سعد في (صرار) حتَّى يكتمل جيشه، ثم ينطلق به إِلى العراق، بل انطلق في أربعة الاف، ووصل إِلى مكان المعركة بالقادسيَّة في سبعة عشر ألفاً.
وهذه طريقة مبتكرةٌ في تعبئة الجيوش لم يعتمدها المسلمون قبل عمر، وحدَّد الخليفة في رسائله إِلى كلٍّ من المثنَّى، وسعد مكان المعركة الحاسمة، وهو القادسيَّة، وكان الفاروق أوَّل قائدٍ مسلمٍ يعتمد (الرِّسالة الخارطة) في دراسته لأرض المعركة، وبيئتها؛ إِذ طلب من سعدٍ أن يصف له في رسالةٍ مفصَّلةٍ، منازل المسلمين ـ أي: مواقعهم ـ كأنَّه ينظر إِليها، وأن يجعله من أمرهم ـ أي: المسلمين ـ على جليَّةٍ، فكتب إِليه سعد رسالةً يشرح له فيها بالتَّفصيل جغرافية القادسيَّة (بين الخندق، والعتيق) وما يقع على يمينها، ويسارها، ثمَّ يشرح له أوضاع البيئة الَّتي تحيط بأرض المعركة، فينبِّئه: أنَّ أهلها معادون للمسلمين، ويتَّخذ الخليفة بناءً على ذلك، قراره التَّكتيكيَّ، والاستراتيجي.
واستعمل المسلمون في هذه المعركة أسلوب التَّكتيك المتغيِّر وفقاً لكلِّ حالةٍ من حالات القتال، وظرفٍ من ظروفه، فبينما نراهم في اليوم الأول من المعركة يحتالون على الفيلة المهاجمة، فيقطعون وضنها بعد أن يرموها بنبالهم، فتفرُّ من ميدان القتال ريثما يصل إِليهم المدد القادم من الشَّام، كما يعمدون إِلى إِيصال هذا المدد إِلى ساحة القتال تباعاً، وزمرة زمرة بغية إِيهام العدوِّ بكثرته، ثمَّ يعمدون إِلى حيلة تكتيكيَّةٍ بارعةٍ، وذلك بأن يجلِّلوا إِبلهم، ويبرقعوها تشبُّهاً بالفيلة، ثمَّ يطلقوها في صفوف العدوِّ فتجفل خيلهم، وتولِّي هاربةً لا تلوي على شيءٍ، ويعمد المسلمون في اليوم الثَّالث إِلى مواجهة فيلة الفرس المحميَّة بخيالتهم، ومشاتهم، بأن يهاجموا أكبرها وأضخمها فيفقؤوا عيونها، ويقطعوا مشافرها، فتفرُّ الفيلة هاربةً، ويتساوى الفرس والمسلمون في ساحة القتال، بعد أن يخسر الفرس فيلتهم، أي: مدرَّعاتهم، ولمَّا رأى المسلمون أنَّ أمد القتال يمكن أن يطول؛ قرَّروا الهجوم العام، فعبَّؤوا صفوفهم، وزحفوا زحفةً واحدةً، وما أن تخلخلت صفوف العدوِّ، وانكشف قلبه، حتَّى كان رستم قائد جيش العدوِّ هدفهم، وما أن قضي على رستم حتَّى انهزم جيش الفرس هزيمةً ساحقةً.
وهكذا نرى: أنَّ الأسلوب الَّذي اتَّبعه المسلمون في هذه المعركة، لم يتقيَّد بالأساليب التَّقليديَّة الَّتي كانت متَّبعةً في القتال، بل إِنَّه لبس لكلِّ حالةٍ لبوسها، فانتقل من الأساليب البدائيَّة (المبارزة) إِلى الحيل التكتيكيَّة (الإِبل المبرقعة، وقطع وضن الفيلة، وفقء عيونها، وقطع مشافرها) إِلى القتال الكلاسيكيِّ التَّقليديِّ (الهجوم العامُّ، واستهداف القائد) وتميَّزت هذه المعركة بالتَّعبئة ذات الطَّابع القبلي، وميِّزة هذا الأسلوب: أنَّه يُوجِد بين القبائل تنافساً فريداً في الحماسة، والاندفاع في القتال. هذه بعض الأساليب العسكريَّة في النظام الإِسلامي الَّتي مارسها المجاهدون في القادسية.
ما قيل من الشِّعر في القادسيَّة
وممَّا قاله قيس بن المكشوح المرادي يتحدَّث عن فروسيَّته، مفتخراً لما كان منه، ومن المجاهدين الاخرين في مناهضة قادة الفرس، فيقول:
جَلَبْتُ الْخَيْلَ مِنْ صَنْعَاءَ تُرْدِي
بِكُلِّ مُدَجَّجٍ كَاللَّيْثِ سَامِي
إِلَى وَادي القُرَى فَدِيَارِ كَلْبٍ
إِلَى الْيَرْمُوْكِ فَالْبَلَدِ الشَّامي
وَجِئْنَا القَادِسِيَّةَ بَعْدَ شَهْرٍ
مُسَوَّمَةٌ دَوَابِرُهَا دوامي
فَنَاهَضْنَا هُنَالِكَ جَمْعَ كِسْرَى
وَأَبْنَاءَ المَرَازِبَةِ الْكِرَامِ
فَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُ الْخَيْلَ جَالَتْ
قَصَدْتُ لِمَوْقِفِ المَلِكِ الهُمَامِ
فَأَضْرِبُ رَأْسَهُ فَهَوَى صَرِيْعاً
بسيفٍ لا أَفَلَّ ولا كَهَامِ
وَقَدْ أَبْلَى الإِلهُ هُنَاكَ خَيْرَاً
وَفِعْلُ الْخَيْرِ عِنْدَ اللهِ نَامي
وقال بشر بن ربيع الخثعمي في القادسيَّة:
تَذَكَّرْ ـ هَدَاكَ اللهُ ـ وَقْعَ سُيُوْفِنَا
بَابَ قُدَيْسٍ والمَكَرُّ عَسِيْرُ
عَشِيَّةَ وَدَّ القَوْمُ لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ
يُعَارُ جَنَاحَيْ طَائِرٍ فَيَطِيْرُ
إِذَا مَا فَرَغْنَا مِنْ قِرَاعِ كَتِيْبَةٍ
دَلَفْنَا لأِخْرَى كَالْجِبَالِ تَسِيْ
تَرَى الْقَوْمَ فِيْهَا وَاجِمِيْنَ كَأَنَّهُمُ
جِمَالٌ بِأَحْمَالٍ لهنَّ زَفِيْرُ
وقال بعض الشُّعراء:
وَحَيَّتْكَ عَنِّي عُصْبَةٌ نَخَعِيَّةٌ
حِسَانُ الوُجُوْهِ امَنُوا بِمُحَمَّدِ
أَقَامُوا لِكِسْرى يَضْرِبُونَ جُنُودَهُ
بِكُلِّ رَقِيْقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدِ
إِذا ثوَّب الدَّاعِي أنَاخُوا بِكَلْكَلٍ
مِنَ الْمَوْتِ مُسْوَدِّ الغَيَاطِيْلِ
أَجْرَدِ وقال بعض الشُّعراء:
وَجَدْنَا الأَكْرَمِيْنَ بَنِي تَمِيْمٍ
غَدَاةَ الرَّوْعِ أَكْثَرَهُمْ رِجَالا
هُمُو سَارُوا بِأَرْعَنَ مُكْفَهِرٍّ
إِلَى لَجِبٍ يَرَوْنَهُمُ رِعَالا
بُحُورٌ لِلأَكَاسِرِ مِنْ رِجَالٍ
كَأُسْدِ الغَابِ تَحْسَبُهُمْ جِبَالا
تَرَكْنَ لَهُم بِقَادِس عز فَخْرٍ
وَبِالخَيْفَيْنِ أَيَّاماً طِوَالا
مُقَطَّعَةٌ أَكُفُّهُم وَسُوْقٌ
بِمُرْدٍ حَيْثُ قَابَلَتِ الرِّجَالا
وممَّا قاله النَّابغة الجعديُّ، وهو يصوِّر بشعره ما دار بينه وبين امرأته، وقد جزعت بسبب ذهابه في فتوح فارس، فقال:
بَاتَتْ تُذَكِّرُنِي بِاللهِ قَاعِدَةً
وَالدَّمْعُ يَنْهَلُّ مِنْ شَأْنَيْهِما سُبُلا
يَا بِنْتَ عَمِّي كتابُ الله أَخْرَجَني
كُرْهَاً، وَهَلْ أَمْنَعَنَّ اللهَ مَا بَذَل
فَإِنْ رَجَعْتُ فَرَبُّ النَّاس أَرْجَعني
وَإِنْ لَحِقْتُ بِرَبِّي فَابْتَغِي بَدَلا
مَا كُنْتُ أَعْرَجَ أَوْ أَعْمَى فَيَعْذُرَنِي
أَوْ ضَارِعاً مِنْ ضَنًى لَمْ يَسْتَطِعْ حِوَلا.
مراجع:
- علي محمد محمد الصلابي، فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه شخصيته وعصره، دار ابن كثير، 1424ه، 2003م، ص (519،511)
- أبو جعفر الطبري، تاريخ الأمم والملوك، دار الفكر بيروت، الطَّبعة الأولى 1407 هـ 1987 م. (4/454)
- عبد العزيز الحميدي، التَّاريخ الإِسلامي مواقف وعبر، دار الدَّعوة، الإِسكندريَّة،الطَّبعة الأولى 1418 هـ 1998 م،(11/155)
- ابن كثير، البداية والنِّهاية، دار الرَّيَّان، القاهرة الطَّبعة الأولى 1407 هـ 1988 م. (7/48)
- نايف معروف، الأدب في الإِسلام في عهد النُّبوَّة، وخلافة الرَّاشدين، دار النَّفائس، الطَّبعة الأولى 1410 هـ/ 1990 م. ص (222، 223).
- ياسين سويد، الفنُّ العسكريُّ الإِسلاميُّ، شركة المطبوعات للتَّوزيع والنَّشر، لبنان، الطَّبعة الأولى 1409 هـ/ 1988 م. ص (471، 472).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق