وباء كورونا والفيروس الثقافي والأخلاقي
مهنا الحبيل
1/3/2020
هناك سلسلة من الجدليات التي تنطلق عند أي حدث كارثي أو حالة عالمية، هذه الجدليات تنتشر في فضاء الصراع الحواري العربي، الذي تسمم كثيراً بعد حركة الربيع العربي، ثم الارتدادات السياسية والثقافية المضادة للربيع العربي.
ودعونا نقول بوضوح أن الموقف السياسي من هذا الحدث أو ذاك، لا يعكس بالضرورة أخلاق الفرد ونبل شخصيته، أكان في مسار صامت أو متفهم لموقف حكومته، أو كان فيما يطلق عليه أنصار الربيع العربي، الذي بكل تأكيد تعتبر مناصرته كقيم حقوق وحرية سياسية، قاعدة إيجابية مشتركة لكل عربي، دون الدخول في تفاصيل السبيل أو الطريقة، أو تزكية من خاض التجربة.
والحقيقة هناك تفاصيل تحتاج اليوم للفرز والحذر، في ظل صخب التوظيف السياسي الشرس، وكيف نفهم ونفرز نبلاء الثورات وعقلائها، من المندسين الحقيقيين في تاريخ أزمتها وهم مستثمرون انتهازيون، ثم قس على ذلك الطرف الآخر، الذي أصبح يمارس مشاتمة هستيرية وهذر سخيف منفلت، فيُوَجَه الصراع بين الطرفين بحسب الاتجاه السياسي للحدث وجغرافية الخبر المؤلم أو السار.
في ظل توظيف متحفز لوضع شريعة الله في موقع المدفع الجاهز، الذي يُستخدم عند أول الخبر، وهكذا يُتقاذف الموقف ويرسم له خط ديني وفتوى جازمة، دون التفريق بين آيات الله التي بعثها لأقوام حددها القرآن الكريم، وبين تنزيل الوباء أو الحدث في مقام العقوبة، ثم يكون التبرير بين الابتلاء في مواطن المسلمين أو العقوبة في خارج مواطنهم.
رغم أن الانحطاط الأخلاقي ذاته بين المسلمين اليوم، يتقاذف هذه التهمة على حساب الموقف السياسي الصراعي بين الدول أو بين الجماعات، فيعيّر بعضهم بعضاً ومنهم مسلمون متحدو الطائفة أو مختلفون، وخلطه بما كان قطعي الدلالة والثبوت في آيات الله.
ولا يتم فهم الدرس الأخلاقي الآخر في ظل هيمنة التوحش الرأسمالي اليوم، والذي تمثل مشاريع بأسه على البشرية، والتيه الفكري الذي بات يعمل اليوم، على ضرب مشتركات البشرية في الأسرة والطفولة، بدلاً من إحياء قيم العدلة الاجتماعية للإنسانية، فهي سنن كونية نؤمن بأنها تذكرة، لكن لا نستطيع الجزم بمقاصد عقوبات الله فيها.
ولعل ما يُهتدى به في هذه الكوارث دلالة الدفع للخير التي شرعها الله للناس، وفرطت فيها البشرية وهي تقتل ذاتها، بفيروسات الجشع والظلم والفصل العنصري بين الأمم، الذي يقوده الغرب رغم تقدمه الحضاري العلمي، فهنا في الحقيقة إشارات مهمة للوعي الإنساني لدروس الكوارث.
غير أن توجيه السنن الكونية في إطار عقوبة مخصوصة اليوم، لا يملك عليه احدٌ دليل جلي، وهو الجدل الذي اشتعل بعد انتشار فيروس كورونا في الصين، تزامناً مع ظلم نظام بكين ضد المسلمين الايغور، ثم انتشر الفيروس في مناطق المسلمين ودولهم، وتم العزف على البعد الطائفي، ثم وصل الفيروس لمناطق الطائفة الأخرى، فهذا التعاطي الفوضوي واستدعاء الشريعة وتحويلها بحسب المفتي أو الجماعة، هو تلاعب بدين الله.
وهنا وقفة مهمة للنظر في دروس هذه الأوبئة، حين يستعرض واقع المشروع الصيني، وكيف انتقل من النظام الشيوعي الشامل في كل نواحي الحياة، الدينية والاجتماعية والسياسية، ثم تحول لرأسمالية تنافس الرأسمالية الغربية، بدلاً من العودة الى قيم وأخلاق الشرق، ونشر الحرية لشعبه والتعاضد المدني القيمي.
فهنا واقع الصين اليوم، يشير لهذه الأزمة في الحريات السياسية والتضامن الإنساني داخلها وخارجها، وأن الصراع مع الغرب عبر السوق الأكبر لصالح الميزان الرأسمالي المتوحش لكل طرف لم ينقذ الصين أخلاقياً واجتماعياً، حتى إن تجاوزت الأزمة واخترعت مضاد لها.
كما أن سؤال المصدر للفيروس أيضاً سؤال مشروع، لكن دون مبالغات أو مسرحيات تافهة، وإنما تعقب مصدر المعلومة ومناقشتها، أما الشعوب والأبرياء أين ما كانوا فإن الواجب لهم وبينهم هو التعاون في دفع هذه الأوبئة عن البشرية، ورفض الفيروس الفتاك الآخر وهو الفيروس الأخلاقي، الذي يُعمي حركة الوعي والحقوق الإنسانية، عن فهم دروس كورونا الوبائية والثقافية.