باريس.. وهوس الإسلاماوية
لا حديث في باريس اليوم إلا عن التهديد الإسلامي وعن الاختراق الإخواني وعن زحف المسلمين على عاصمة الأنوار وقلاعها الحضارية.
وتفتتح منابر الإعلام نشراتها وحلقات النقاش فيها بالهجوم على الإسلام والمسلمين وترسم الأحزاب برامجها الانتخابية على مقاس العدوان على الإسلام وتحليل الخطر الزاحف من المسلمين كما ترسم النخب أحلامها الوظيفية وبحثها الدؤوب عن المناصب والمواقع والامتيازات بالتجييش ضد الإسلام والمسلمين.
فاق الهجوم والتشهير كل التوقعات وتجاوز المهاجمون كل الحدود إلى درجة أن كثيرا من العنصريين القدامى صاروا ينددون بالموجة الهستيرية التي لا تليق ببلد مثل فرنسا.
كيف لدولة أن تسمح بهذه الحرب المفتوحة على مكون من مكونات المجتمع ؟
كيف تسكت عن التشهير بمن كان دوما حاضرا في كل الحقب الحديثة التي مرت بها بما في ذلك حروبها التي خاضتها على القارات الخمسة ؟
تباينت الآراء من الحملة القوية ففي حين يرى بعضهم أنها سحابة صيف عابرة تمرّ كلما اقترب موعد الانتخابات ثم تتبدد رأى فيها آخرون مقدمة لشيء أخطر.
أما أصحاب الرأي الأول فيستندون إلى تاريخ هذه الحملات التي لم تتوقف يوما لكنهم يعتبرون اشتداداها هذه المرة مرتبطا بالسياق المحلي والإقليمي بما في ذلك الحرب في غزة والحرب العالمية على الإرهاب.
أما أصحاب الرأي الثاني فيستندون على نفس المعطيات لكنهم يرون أنها المرة الأولى التي تبلغ فيها حدة الهجوم هذه الدرجة من العنف ومن صمت السلطات. بل إنهم ذهبوا إلى أنها تشبه إلى حد كبير فترة حالكة من تاريخ فرنسا عندما قررت التخلص من مواطنيها اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
لا يمكن الحسم بين الرأيين لكن المحير في الهجمة الفرنسية المباغتة في باريس أنها تتم وسط صمت السلطة السياسية التي يفترض فيها الحياد ومنع الانزلاق نحو التحريض الديني أو العرقي ضد مكوّن من مكونات المجتمع.
لكن يبدو أن الأجندات الانتخابية تتجاوز القانون وتطأ الحقوق وتبيح كل ما لم يكن مباحا.
إن ربط الإسلام والمسلمين بالعنف والإرهاب وتهديد اللحمة الوطنية والثقافة الفرنسية سيعود بالضرر على الدولة والمجتمع.
فمن جهة أولى اختارت فئات كثيرة من أجيال المسلمين الجدد مغادرة فرنسا بشكل نهائي وهو ما يمثل اليوم نزيفا بشريا وخسارة كبيرة للدولة.
من جهة ثانية لم تنفع كل حملات التشويه السابقة في إقناع الرأي العام الفرنسي الذي صار على يقين بأن الهجوم على المسلمين إنما هي شماعة تعلق عليها الدولة فشلها لتتفصى من المسؤولية ومن المحاسبة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق