آخر كلام
لحظة انفعال
إعدام، سجن مؤبّد، «لن ترى النور ولو في قبرك»، غرامة مليون - «لا يا شيخ، خلّها مئة مليون... معقولة».
أمن دولة، مباحث، مخابرات، تغريدات تهزّ «الأمن الوطني» وتهدّد «مصلحة الدولة العليا» - قاموس كامل يُلقى في وجهك قبل أن تخطو خطوة واحدة خارج الطائرة.
أتيت من بلدٍ يُباح فيه كل شيء ما دمت لا تضرّ أحداً، فإذا بي أصل إلى مطار الكويت العظيم... لأكتشف سريعاً أن النور هنا يُقاس بعدّاد مختلف.
«قف هنا».
«انزع الحزام الذي يحمل شنطتك الصغيرة».
الشنطة التي لا تحتوي سوى محفظتك ومفتاح سيارتك، لكن لا بأس... العامل البنغالي سيحملها نيابة عنك بكل لياقة ليمرّرها عبر جهاز الأشعة «سي تي سكان» - جهاز تمت استعارة نسخته المصغّرة من مركز حسين مكي جمعة للكشف المبكر عن الأورام... فقط للتأكد مما إذا كانت الشنطة تحمل «زجاجة بلاك ليبل»، ذلك الورم الخبيث الذي يهدد السياحة العليا والاستثمارات الفائقة التي جعلت بلادنا تنافس سويسرا وبريطانيا والنمسا، بل وحتى جزر الواق الواق، كما كانت تخبرنا أخبار جهينة عبر إذاعة الكويت التي «تُنير كل بيت».
طبعاً البلاك ليبل منكر مُحرّم، ووجوده يدمّر السياحة التي تشكل - بعد القرارات الحكومية المتسامحة - ثلاثة أرباع الدخل القومي...
السياحة والاستثمارات لدينا أكثر من عشرين أو خمسين مرة في الخليج، وأكثر من ألف مرّة من سويسرا، وأكثر من بريطانيا والنمسا وأكثر من القدرة على التنفس.
ولا تنسَ - وأنت تمرّ بالجهاز - أن تؤدي التحية الصامتة لعدد من الجناسي المسحوبة، فستجد الخبر هو ختمة معظم صحفنا الدسمة بالأخبار الحكومية المفرحة، فرحت أو لطمت، مَن يكترث؟
فقد اتخذوا القرار وانتهى الأمر. فالتحية هنا ليست واجباً وطنياً بقدر ما هي ختام «سويت» يجب أن تتعوّد عليه معدة المواطن من الآن فصاعداً.
أما أهالي تلك الدول «المتخلفة»، فهم ما زالوا حتى اللحظة يفكّرون كيف يطوّرون قوانين الأحوال الشخصية.
يا حرام، هم لم يتنعّموا بعد بما وصلنا إليه نحن من «المعايير العالمية للرقيّ والحريات»، ولم يتسنّ لهم أن يقولوا للمرأة: «انثبري في البيت حتى يرجع الزوج من الديوانية بعد كوت بوستة».
لا تنسوا «الوصية الواجبة» - ذلك الحدّ الأدنى للعدالة الاجتماعية - فقد كانت يوماً «اجتهاداً شرعياً» لم يعترض عليه أحد من الفقهاء، قبل أن يكتشف «فقه الإسلام الرسمي» فجأة - وبقدرة قادر - أنها دخيلة على عاداتنا وتقاليدنا، تماماً مثل شجرة عيد الميلاد أيام التحريم العظيم.
انتهى المجلس... ولم ينتهِ الفكر المزايد ولا الثقافة الاجتماعية.
ولأن «الدنيا ربيع والجو بديع» - الأغنية التي غنّتها سندريلا الشاشة في أيامنا الجميلة - فقد نجد مَن يغنيها لنا اليوم إذا وجدنا مخلوقاً من الجينات الفنية للراحلة نجمة إبراهيم ملقاة في جهاز ال CT Scan، نسيها أحدهم وهو يصفّق فرحاً بالمطار الحضاري العظيم. طوّروا تلك الجينات، لعلّها تُنجب لنا مخلوقة فرانكشتاينية - آخر منتجات «ريا وسكينة» - تغنّي: «الدنيا ربيع... والجو كسيف».
وكل عام وأنتم بخير.
االمصدر

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق