الأربعاء، 4 فبراير 2015

زمن السنابل

زمن السنابل

خلود عبدالله الخميس
«الأيام دُوَل» كلمتان لهما معنى يسطر بمجلدات إن فقهه القارئ عبر نظرة ثاقبة لتجاربه ومن حوله. سيكون له باب من أبواب الإيمان عظيم. كذلك الصبر والجلَد.
وحياة السنابل خير أنموذج لدول الأيام؛ فهي تقف بصلابة في أيام الصحو تتمايل عن يمين وشمال، وتتراقص للخلف وللأمام حتى يحين الليل فتنام في حضن ضوء القمر. وعندما تشتد الرياح وتتبدل الأيام الصديقة وتأتي الظروف المناخية لتقتلع كل ما هو واقف بوجهها فماذا تفعل السنبلة؟
تنحني.. فقط تنحني وكأنها تركع لأمر مرسِل الريح، صاحب الأمر لتغير المناخ ودولة الزمن.
هكذا خُلِق العظماء بقدرات استثنائية على التعايش والتوافق في زمن التسويات.
 إن المرونة خُلُق حسن ليس من السهل التحلي به، ولكنه ككثير من الأخلاقيات يتطلب الدربة والتحمل في أثناء الطريق.
السعادة غاية البشر، والمخلوقات الأخرى أيضاً، فبالتأكيد لا أحد يمتلك روحاً يحب الشعور بالألم والغرق بالحزن والعيش بتعاسة.
ها هو جذع شجرة أنَّ حنيناً عندما استبدله النبي صلى الله عليه وسلم بالمنبر. فقد كان يخطب متكئاً على ذاك الجذع قبلاً. أما جبل أُحُد فكان يمشي عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبوبكر وعمر وعثمان فرجف بهم، حتى خاطبه الحبيب المصطفى قائلاً «اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ».
كل المخلوقات تشعر. وكل شيء يأتي ويمضي بقدَره الذي يتناسب مع وسع وطاقة المخلوق. والسعادة غاية البشر والشجر والحجر وووو.
في اللفظ القرآني جاءت الآية {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} وقد جعل الله جل جلاله الفعل بيده. هو يداول الأيام بين البشر. فعلى سبيل المثال: «النصر والتمكين– الهزيمة والتدمير» وضع شروطاً لها هي السنن الإلهية. من طبّق سننه التي أقرها وذكرها في القرآن وهي تنطبق على الجميع بلا تفرقة.
في النصر كانت له دولة الأيام، ومن ابتعد ونكر وجحد كانت له الهزيمة وعليه دولة الأيام. وهكذا قِس.
في تعامل الرب مع المخلوقات لا تمييز ومحاباة؛ فهو وضع لك نظاماً واضحاً غير ذي عِوَج، فيه كل مقدمة تؤدي لنتيجة. وأصحاب التفكير المنطقي يعرفون تماماً معادلة المقدمات والنتائج. وإلهنا خاطبنا بكل وسيلة يعلم بأنها ضرورة لنعرفه.
خاطبنا بالدلائل العقلية وأكد لنا صحة النقل، وعصمة الوحي، وبيان تاريخ الوجود قبل أن نوجد نحن، بالإثبات والدليل، حدثنا عن أمم غابرة. وأمم كوفئت وأخرى عوقبت. وأمم ستلحق بأي منها طبقاً لسنن كونية إن اتبعتها نجت وإن حادت هلكت.
السنبلة زرعة أنيقة نيّقة، طويلة فارعة، نحيلة شامخة شقراء، كلما حملت في بطنها بذوراً لتطعم بها تواضعت لله وانحنت راكعة. 
كذلك إذا هبت ريح عاتية لا تقف بوجه الكائن المأمور بطاعة ربه والسنابل تعلم أن لها ربا وتسبحه وتمجده وتخفض رأسها ولا تجابه سننه بتحدٍّ بل بالانقياد لذلك لا تنقلع من جذورها، بل تعود واقفة مبتسمة تحمل الخيرات بعد أن تمر الريح إلى حيث جاء الأمر التالي.
نحن اليوم في زمن السنابل. عندما بدأت الشعوب والأمم تتنادى للحريات ونبذ الاستعباد والرغبة في اختيار مصيرها وإدارة ثرواتها جاءتهم الريح العاتية من الجهات الأربع.
البشر في الشأن السياسي الذي اقتلع الكثير من الجذور الراسخة منذ البوعزيزي وحتى الآن منقسمون بين عبيد وأحرار، أبرار وفجار، وأرى فريقا منهم سنابل وآخر صبّار.
وخطابي لأولئك الذين يريدون أن تكون دولة الأيام لهم لا عليهم: السنبلة مخلوق نبيل، لا يخضع للظروف بل يُخضِعها، تبقى حاملة للخيرات، لا تجهض حملها الحوادث العارضة، ولا غنى عن القمح في كل وجبة نتناولها.
السنبلة خير من نحاكيه في زمن الجبابرة. عندما تهب عواصف محملة بالدماء والنار يجب أن نحمي حملنا، أن نحفظ قمحنا، حتى إذا جاء أمر الله بالنصر نكون مستعدين ومستحقين له.؟

• ? @kholoudalkhames

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق