حركة الخدمة التركية والخطيئة الكارثية
مهنا الحبيل
مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي بإسطنبول
على مدى أسابيع كتب علي أصلان أحد الكتاب الرئيسيين لصحيفة زمان التركية، وهي أبرز الواجهات الإعلامية لحركة الخدمة التركية التي يقودها المفكر فتح الله غولن، سلسلة من المقالات تتناول السياسة الخارجية التركية.
توقف أصلان خاصة مع أزمات الداخل، والأزمة السورية والدور التركي فيها، ثم مع دور حزب صالح مسلم، الحزب الديمقراطي الكردي، في المشروع الدولي القادم، وموقف الإدارة الأميركية من أنقرة، وتصعيد الكونغرس الأميركي على تركيا.
مقالات أصلان منحازة لواشنطن، وموقفها من هذه القضية بالتحديد، وهي مستقبل علاقات واشنطن بتركيا العدالة، وتَناول هذه العلاقات الذي لا يخلو من تضخيم واضح يمكن أن يُدركه أي محلل سياسي، في تصغير وتحقير الكاتب لموقف الدولة التركية الاعتباري، أمام واشنطن، خاصة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي تمتلئ واجهة الصحيفة بالحديث عنه بصفته ديكتاتورا مطلقا، وليس رئيسا منتخبا ديمقراطيا، وله سجل كبير في نقل تركيا للديمقراطية الجديدة، واستئنافها بعد مسيرة عدنان مندريس المغتالة.
وكانت حركة الخدمة هذه قد شاركت أردوغان قبل اندلاع الصراع السياسي الكبير، إثر دخول الحركة ميدان نزاع سياسي تجاوز مشاريعها السلوكية أو التربوية، وهو ميدان الجماعة منذ زمن، ثم أضحت طرفا سياسيا رئيسيا تحالف مع العدالة ثم انفصل عنه ضمن مشروع إسقاط سياسي لحزب العدالة.
توقف أصلان خاصة مع أزمات الداخل، والأزمة السورية والدور التركي فيها، ثم مع دور حزب صالح مسلم، الحزب الديمقراطي الكردي، في المشروع الدولي القادم، وموقف الإدارة الأميركية من أنقرة، وتصعيد الكونغرس الأميركي على تركيا.
مقالات أصلان منحازة لواشنطن، وموقفها من هذه القضية بالتحديد، وهي مستقبل علاقات واشنطن بتركيا العدالة، وتَناول هذه العلاقات الذي لا يخلو من تضخيم واضح يمكن أن يُدركه أي محلل سياسي، في تصغير وتحقير الكاتب لموقف الدولة التركية الاعتباري، أمام واشنطن، خاصة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي تمتلئ واجهة الصحيفة بالحديث عنه بصفته ديكتاتورا مطلقا، وليس رئيسا منتخبا ديمقراطيا، وله سجل كبير في نقل تركيا للديمقراطية الجديدة، واستئنافها بعد مسيرة عدنان مندريس المغتالة.
وكانت حركة الخدمة هذه قد شاركت أردوغان قبل اندلاع الصراع السياسي الكبير، إثر دخول الحركة ميدان نزاع سياسي تجاوز مشاريعها السلوكية أو التربوية، وهو ميدان الجماعة منذ زمن، ثم أضحت طرفا سياسيا رئيسيا تحالف مع العدالة ثم انفصل عنه ضمن مشروع إسقاط سياسي لحزب العدالة.
"إن واقع الحرب الإقليمية الكبرى التي تستهدف ضمنيا تركيا، يُمثل تحديا كبيرا للدولة، ويحتاج مجتمعا سياسيا أكثر تماسكا مهما بلغت الخلافات، والطريق لذلك حاليا هو عبر تحقيق الغالبية الحكومية لحزب العدالة الذي عليه مسؤولية كبيرة بعد ذلك لإعادة نهضته في المجتمع التركي"
إن معرفتي بحركة الخدمة قديمة، خاصة مؤلفات الأستاذ فتح الله غولن، وكذلك تشكيل رؤيتي عنهم، فهي لم تؤخذ من إعلام حزب العدالة، بل كانت سابقة عليه، وتفصيل الموقف من هذا الصراع الشرس الخطير يحتاج إلى كتاب أبيض.
وهو مهمة الفريق الثقافي السياسي في تركيا، الحريص على تأمين ممانعة سياسية قوية، تحفظ به الدولة والمجتمع ما تحقق من مستوى ديمقراطي، لا يزال هشا أمام التحولات الكبرى، وإرث الحقبة السياسية الصعب الذي لم يصل إلى مستوى مقبول من رفع قضايا أمن الأمة التركية، عن مستوى الصراعات الموسمية الشرسة.
واليوم نحن على مقربة من جولة انتخابية مفصلية، لواقع تركيا السياسي يصوت فيها الناخبون الأتراك بالضرورة على مرحلة استقرار لتركيا من عدمها، ودلالة هذا الأمر واضحة، حيث إن تراجع العدالة لن يكون أمام تشكيل سياسي متماسك، بل فرقاء لهم إرث صراع قومي وفكري شرس، لا يؤهلهم لتأسيس تحالف يحقق أدنى درجات الممانعة للاستقرار القومي.
كما أن واقع الحرب الإقليمية الكبرى التي تستهدف ضمنيا تركيا يُمثل تحديا كبيرا للدولة، ويحتاج مجتمعا سياسيا أكثر تماسكا مهما بلغت الخلافات، والطريق لذلك حاليا هو عبر تحقيق الغالبية الحكومية لحزب العدالة الذي عليه مسؤولية كبيرة بعد ذلك لإعادة نهضته في المجتمع التركي، ومواجهة حالة الفساد المستفحل، والبيروقراطية المنهكة، لتُضم إلى منجزاته، فيعزز ثوبه الديمقراطي ويبدأ بإصلاح داخلي متين في بيته.
لكن قضية هذا المقال وعكسته مقالات أصلان وغيرها مما ينشر ويبث عبر إعلام الحركة تمثل تطورا في تأييد الموقف الأميركي وصل مستوى خطيرا في شراكة ولو كانت غير مقصودة مع أطراف معادية لتركيا الدولة وتركيا الأمة، ورابطتها بالشرق الإسلامي والأمة الكبرى، بل واستهدافها كدولة حاضنة لأقلياتها وقومياتها.
لقد احتفت سلسلة المقالات بخطاب الكونغرس ضد أنقرة، والرسائل السرية التي تُسرب للكاتب أو الصحيفة عن طريق رجال أعمال أميركيين من أصل تركي من مناهضي العدالة، أو عن طريق أعضاء الكونغرس نفسه، في شأن ملف دعم حزب صالح مسلم المناهض لتركيا، والمدعوم عبر نظام الأسد وإيران، والذي لا يحمل مشروع سلام ولا مصالحة للقوميات في تركيا وسوريا، ولا المشرق الإسلامي، إنما هو مجرد ترس لحروب إقليمية تستخدم مشروعه الانفصالي، لحسابات ضغط دولية ضد أنقرة.
وتدمج مقالات أصلان وباقي الوقع الإعلامي لحركة الخدمة في هذا الملف، مع الموقف من الدعم الأميركي المؤيَد ضمنا في مقالات الكاتب، بقضية الحقوق والحريات في الداخل التركي، باعتبارها قضية صراع رئيسية مع أردوغان وحزب العدالة.
وهنا السياق الخطير الذي تتورط فيه حركة الخدمة لتُستخدم ككارثة تاريخية ضد تركيا المسلمة والشرق الإسلامي كله، بدعم موقف اللوبي الصهيوني والمحافظين المسيحيين المتشددين في واشنطن، والشراكة معهم بدعم مشروع صالح مسلم الانفصالي، والمراهنة على أن ذلك سيحقق لهم حصارا لتركيا العدالة وأردوغان.
وهو لعب خطير بالنار، عبر التبشير بمثل هذه الثقافة والتحريض السياسي، ودعم لوبيات الموقف الأميركي المتشددة، وخلط قضايا الصراع السياسي في الداخل بالقضايا الإقليمية، والدفاع عن موقف الغرب وإدانة موقف الدولة التركية، وتصوير واقعها على أنه ديكتاتورية مطلقة.
وهو مهمة الفريق الثقافي السياسي في تركيا، الحريص على تأمين ممانعة سياسية قوية، تحفظ به الدولة والمجتمع ما تحقق من مستوى ديمقراطي، لا يزال هشا أمام التحولات الكبرى، وإرث الحقبة السياسية الصعب الذي لم يصل إلى مستوى مقبول من رفع قضايا أمن الأمة التركية، عن مستوى الصراعات الموسمية الشرسة.
واليوم نحن على مقربة من جولة انتخابية مفصلية، لواقع تركيا السياسي يصوت فيها الناخبون الأتراك بالضرورة على مرحلة استقرار لتركيا من عدمها، ودلالة هذا الأمر واضحة، حيث إن تراجع العدالة لن يكون أمام تشكيل سياسي متماسك، بل فرقاء لهم إرث صراع قومي وفكري شرس، لا يؤهلهم لتأسيس تحالف يحقق أدنى درجات الممانعة للاستقرار القومي.
كما أن واقع الحرب الإقليمية الكبرى التي تستهدف ضمنيا تركيا يُمثل تحديا كبيرا للدولة، ويحتاج مجتمعا سياسيا أكثر تماسكا مهما بلغت الخلافات، والطريق لذلك حاليا هو عبر تحقيق الغالبية الحكومية لحزب العدالة الذي عليه مسؤولية كبيرة بعد ذلك لإعادة نهضته في المجتمع التركي، ومواجهة حالة الفساد المستفحل، والبيروقراطية المنهكة، لتُضم إلى منجزاته، فيعزز ثوبه الديمقراطي ويبدأ بإصلاح داخلي متين في بيته.
لكن قضية هذا المقال وعكسته مقالات أصلان وغيرها مما ينشر ويبث عبر إعلام الحركة تمثل تطورا في تأييد الموقف الأميركي وصل مستوى خطيرا في شراكة ولو كانت غير مقصودة مع أطراف معادية لتركيا الدولة وتركيا الأمة، ورابطتها بالشرق الإسلامي والأمة الكبرى، بل واستهدافها كدولة حاضنة لأقلياتها وقومياتها.
لقد احتفت سلسلة المقالات بخطاب الكونغرس ضد أنقرة، والرسائل السرية التي تُسرب للكاتب أو الصحيفة عن طريق رجال أعمال أميركيين من أصل تركي من مناهضي العدالة، أو عن طريق أعضاء الكونغرس نفسه، في شأن ملف دعم حزب صالح مسلم المناهض لتركيا، والمدعوم عبر نظام الأسد وإيران، والذي لا يحمل مشروع سلام ولا مصالحة للقوميات في تركيا وسوريا، ولا المشرق الإسلامي، إنما هو مجرد ترس لحروب إقليمية تستخدم مشروعه الانفصالي، لحسابات ضغط دولية ضد أنقرة.
وتدمج مقالات أصلان وباقي الوقع الإعلامي لحركة الخدمة في هذا الملف، مع الموقف من الدعم الأميركي المؤيَد ضمنا في مقالات الكاتب، بقضية الحقوق والحريات في الداخل التركي، باعتبارها قضية صراع رئيسية مع أردوغان وحزب العدالة.
وهنا السياق الخطير الذي تتورط فيه حركة الخدمة لتُستخدم ككارثة تاريخية ضد تركيا المسلمة والشرق الإسلامي كله، بدعم موقف اللوبي الصهيوني والمحافظين المسيحيين المتشددين في واشنطن، والشراكة معهم بدعم مشروع صالح مسلم الانفصالي، والمراهنة على أن ذلك سيحقق لهم حصارا لتركيا العدالة وأردوغان.
وهو لعب خطير بالنار، عبر التبشير بمثل هذه الثقافة والتحريض السياسي، ودعم لوبيات الموقف الأميركي المتشددة، وخلط قضايا الصراع السياسي في الداخل بالقضايا الإقليمية، والدفاع عن موقف الغرب وإدانة موقف الدولة التركية، وتصوير واقعها على أنه ديكتاتورية مطلقة.
"لقد رغب تحالف من علماء ومثقفين مسلمين، الدخول في مبادرة تسعى لصلح بين القاعدة السُنية الكبرى، التي تُمثلها العدالة والخدمة في إطارها الوطني الجامع، وإن لم يكن تسوية سياسية كاملة، بين حركة الخدمة وحزب العدالة والرئيس أردوغان"
وهذه كانت المقدمة الرئيسية التي عمَلت عليها واشنطن عبر المساهمة في تأسيس ما أُطلق عليه البيت الشيعي، وهو أول وأكبر تكتل عراقي استخدمه الأميركيون في التمهيد لثقافة الغزو الذي دمر العراق، وحركة الخدمة اليوم تُستخدم دون أن يَقصد أو يستوعب بالضرورة جناحها التربوي وربما كثير من السياسيين، مقاصد هذا التوظيف الخطير لها.
ليس من المعقول رغم كل الخلافات أن يُتعامل مع الرئيس أردوغان كأنموذج لصدام حسين، ولا أن يشبه واقع تركيا الآن بواقع العراق قبل الغزو. مع التأكيد على أننا الآن لا نناقش الحملة على العدالة والرئيس التركي التي تحمل كثيرا من المبالغات والمناكفات، وتُخفي ما حققته العدالة وفريقها الإسلامي من إنجازات.
وإنما نركز هنا على معنى تطور الاستخدام الأميركي لحركة الخدمة واندفاعها المتهور في هذا المشروع الذي يتجاوزها، ويهدم في ذهنية التركي وكل مسلم، صورة عطائها التربوي والسلوكي في مشروعها الروحي.
لن تُغير هذه المقالة ولا غيرها، من سياق الصراع المحتدم الذي يسبق الانتخابات الحالية في تركيا، ولكن لعلها تبعث رسالة مخلصة إلى أهمية ضبط صراع حركة الخدمة مع الدولة التركية، وتداخلها في الملف الإقليمي واندفاعها مع المُشرعين الأميركيين، أو موظفي البيت الأبيض، لتتحول إلى بيت سياسي جديد، يستخدمه الأميركيون استقلالا أو ضمن صفقتهم مع موسكو وإيران، لتدمير تركيا.
والواقع أنه ليس بالضرورة أن تُستنسخ تجربة الغزو للعراق، فهذا غير وارد، ولكن مشاريع الشيطان الكبير والصغير لها صور متعددة، أقربها منطقة حظر، تدفع لحرب أهلية كبرى في قلب تركيا، لا سمح الله.
لقد رغب تحالف من علماء ومثقفين مسلمين، الدخول في مبادرة تسعى لصلح بين القاعدة السُنية الكبرى، التي تُمثلها العدالة والخدمة في إطارها الوطني الجامع، وإن لم يكن تسوية سياسية كاملة، بين حركة الخدمة وحزب العدالة والرئيس أردوغان، ورغم ظروف الخلاف الحادة فإن باب التوافقات والتهدئة لا بد أن يبقى مفتوحا.
فإذا كانت المجتمعات في الصراعات تقبل بكل حل سلمي بعد إنهاكها، ومن ذلك صفقات التوافق السياسي، فمن باب أولى المبادرة إلى ذلك قبل الحريق، وتكاليف إطفاء أي حريق أكبر من تكاليف تجنبه، والحفاظ على تركيا ومشروعها الناشئ ضرورة إنسانية إن لم يكن واجبا إسلاميا وقوميا تركيا، والطريق إليه لا يمكن أن يتم بهدم بنيان حزب العدالة وفتح أبواب الصراع على تركيا.
ليس من المعقول رغم كل الخلافات أن يُتعامل مع الرئيس أردوغان كأنموذج لصدام حسين، ولا أن يشبه واقع تركيا الآن بواقع العراق قبل الغزو. مع التأكيد على أننا الآن لا نناقش الحملة على العدالة والرئيس التركي التي تحمل كثيرا من المبالغات والمناكفات، وتُخفي ما حققته العدالة وفريقها الإسلامي من إنجازات.
وإنما نركز هنا على معنى تطور الاستخدام الأميركي لحركة الخدمة واندفاعها المتهور في هذا المشروع الذي يتجاوزها، ويهدم في ذهنية التركي وكل مسلم، صورة عطائها التربوي والسلوكي في مشروعها الروحي.
لن تُغير هذه المقالة ولا غيرها، من سياق الصراع المحتدم الذي يسبق الانتخابات الحالية في تركيا، ولكن لعلها تبعث رسالة مخلصة إلى أهمية ضبط صراع حركة الخدمة مع الدولة التركية، وتداخلها في الملف الإقليمي واندفاعها مع المُشرعين الأميركيين، أو موظفي البيت الأبيض، لتتحول إلى بيت سياسي جديد، يستخدمه الأميركيون استقلالا أو ضمن صفقتهم مع موسكو وإيران، لتدمير تركيا.
والواقع أنه ليس بالضرورة أن تُستنسخ تجربة الغزو للعراق، فهذا غير وارد، ولكن مشاريع الشيطان الكبير والصغير لها صور متعددة، أقربها منطقة حظر، تدفع لحرب أهلية كبرى في قلب تركيا، لا سمح الله.
لقد رغب تحالف من علماء ومثقفين مسلمين، الدخول في مبادرة تسعى لصلح بين القاعدة السُنية الكبرى، التي تُمثلها العدالة والخدمة في إطارها الوطني الجامع، وإن لم يكن تسوية سياسية كاملة، بين حركة الخدمة وحزب العدالة والرئيس أردوغان، ورغم ظروف الخلاف الحادة فإن باب التوافقات والتهدئة لا بد أن يبقى مفتوحا.
فإذا كانت المجتمعات في الصراعات تقبل بكل حل سلمي بعد إنهاكها، ومن ذلك صفقات التوافق السياسي، فمن باب أولى المبادرة إلى ذلك قبل الحريق، وتكاليف إطفاء أي حريق أكبر من تكاليف تجنبه، والحفاظ على تركيا ومشروعها الناشئ ضرورة إنسانية إن لم يكن واجبا إسلاميا وقوميا تركيا، والطريق إليه لا يمكن أن يتم بهدم بنيان حزب العدالة وفتح أبواب الصراع على تركيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق