الاصطفاف الذي يريدونه
آيات عـرابي
منذ بداية الإنقلاب كانت ولا تزال هناك نواة صلبة تتمسك بالشرعية كاملة، ارتقى بعضهم شهداء في مجازر رابعة والنهضة وغيرها، وبعد رابعة والنهضة أصبح من المستحيل تجاوز مسألة شرعية الرئيس الذي دفع الآلاف دماءهم وأمنهم دفاعا عنه؛ باعتباره أول ممثل حقيقي منتخب للشعب في مواجهة المؤسسة العسكرية.
في أعماق وعي المعسكر الرافض للانقلاب تكون ببطء فهم جديد لحقيقة ميليشيات العسكر، وأدرك الجميع بدرجات متفاوتة أنها مؤسسة أجنبية مزروعة في الجسد الوطني، وإن تكلم قادتها بلساننا وإن تسموا بأسمائنا، وإن أجبروا المصريين على قضاء فترة خدمة إجبارية في صفوفها.
واكتسبت الشرعية التي كانت ما تزال حتى مرحلة رابعة، مجرد دفاع عن ملايين الأصوات التي أهدرها العسكر ومن التف حولهم من الحزبيين، زخما جديدا، فهي شرعية النسيج الوطني الحقيقي للشعب في مواجهة المؤسسات المستوردة التي عينها الاحتلال قبل رحيله، ورافق ذلك انهيار متسارع في الهالة الأسطورية التي بنتها قيادات الجيش حول نفسها، وانفضاح خياناتها واكتشاف زيف انتصاراتها الوهمية وسقوط أصنامها.
في هذه المرحلة كان من الطبيعي أن تسعى النواة الصلبة الرافضة للانقلاب إلى مد حالة التمترس حول شرعية الرئيس مرسي أفقيا، خصوصا مع الفشل المتوالي الذي أظهره العسكر خلال سنتين، وهنا ظهرت أصوات تنادي بما سموه بالاصطفاف.
وهو مصطلح اكتسب قدرا غير مسبوق من سوء السمعة في الفترة الماضية.
وأصبح لا هم لهؤلاء إلا الحديث ليل نهار عن اصطفافهم، والاصطفاف الذي يريدونه هو أن تضع الملح مع السكر مع العسل مع الخل مع الزيت مع الجاز في وعاء واحد وتخلطهم جميعا.
ويصبح ساعتها على الإسلاميين أن يتقبلوا وجود فصائل علمانية تضع نفسها أصلا في موضع الخصومة الجذرية مع الإخوان المسلمين، وهو ما يعني أن تحمل التجربة بذرة فسادها منذ البداية وقد أشار الدكتور رفيق حبيب إلى هذا في أحد مقالاته.
خلف هذه الصورة المبعثرة الأجزاء وتلك الأصوات التي تعلو من وقت لآخر؛ تقف منطلقات أمريكية واضحة وهي أنه لا يجب السماح للإخوان المسلمين بالعودة للحياة السياسية اللهم، إلا كما حدث في التجربة التونسية، أو كما حدث في برلمان 2005 حين حصل الإخوان المسلمون على أكثر من 80 مقعدا (تم تزوير النسب وقتها لصالح الحزب الوطني).
ويأتي هذا في وقت استكمل فيه ممثل نتن ياهو في مصر كل الأجندة التي كلفوه بها وتم استخدامه على الوجه الأمثل، فتمت مهاجمة هياكل جماعة الإخوان المسلمين والاستيلاء على الجمعيات الخيرية بحيث يتم إضعافها فلا تعود تمثل خطرا على الواجهات التي تمثل المصالح الأمريكية والصهيونية (هكذا يفكر من يقف خلف الانقلاب)، ومن ناحية أخرى تم إخلاء رفح وحصار غزة وهدم الأنفاق وتأمين الكيان الصهيوني بشكل كبير، كما تم حقن المجتمع بجرعة من العلمنة تتطلبها مرحلة ما بعد العسكر، حتى تجد "الأكشاك" العلمانية تربة صالحة تنمو بها، بشرط الحفاظ على المؤسسة العسكرية وإنقاذها من الإنهيار؛ ولذلك تجد تلك الأصوات التي تدعو للاصطفاف المشبوه تكتب شعرا في المؤسسة العسكرية التي يعيش قادتها على المعونات الأمريكية.
ولذلك لا تستغرب أبدا أن تخرج أصوات مثل حمدين والبرادعي ووائل غنيم ليتحدثوا باسم الثورة، ولا تستغرب أن يثور الحديث عما سمي بوثيقة العشرة، التي تدعو ضمنيا إلى تجاوز شرعية الرئيس مرسي.
ولا تستغرب حين تتجاوز تلك الأصوات (التي لا ظهير لها في الشارع)، حدود المنطق الطبيعي وترحب بأمثال البرادعي على الرغم من اشتراكه في المسؤولية عن الدماء مع العسكر.
وبدلا من مخاطبة الكتل الشعبية التي خدعها الإعلام لتقف خلف شرعية الرئيس مرسي، وهو أهم نتائج الثورة، تجد هؤلاء يسعون للاصطفاف مع أشخاص لا ظهير لهم ولا يمثلون وزنا في الشارع.
على هؤلاء أن يدركوا أن معسكر الثورة أصبح أكثر وعيا ويقظة تجاه تلك الألاعيب القديمة، وأصبح يميز بين الثوار الحقيقيين، وثوار السفارات جيدا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق