الدرة
(( إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ، إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ ))
الامام الشافعي
الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015
الطفل السوداني مخترع الساعة «المشبوهة» في البيت الأبيض
الطفل السوداني مخترع الساعة «المشبوهة» في البيت الأبيض
«ساعة جميلة (Cool clock)، أحمد. هل تريد أن تحضرها إلى البيت الأبيض؟ يمكننا أن نلهم أطفالا آخرين محبة العلم مثلك. هذا ما يجعل أمريكا عظيمة».
هذا التعليق الذي نشره الرئيس الأمريكي باراك أوباما على صفحته على «فيسبوك» وقرأه 31 مليون شخص، كان موجهاً لصبيّ أمريكي من أصل سوداني يدعى أحمد محمد الصوفي.
اشتهر محمد فجأة بعد أن تحوّل مشروعه المدرسي لاختراع ساعة إلى خبر ذاع في وسائل الإعلام بعد أن اشتبهت معلمته بأن ما اخترعه كان «قنبلة» وليس ساعة وكان أن اعتقل الولد ابن الـ14 عاماً ووضعت الأصفاد في يديه واقتيد لمخفر الشرطة، في تسرّع يحمل مؤشرات حمّى الرهاب العالمي من المسلمين.
لا يشمل الرهاب بالغيهم فحسب بل يضمّ أطفالهم أيضاً، وتبع ذلك نوع من مرحلة اكتشاف للغباء الذي أحاط بالحالة، واستفاقة بعض الضمائر الإنسانية وربما غريزة الاستثمار العاطفي في رمزيّة القصة التي تستعيد مجددا فكرة الحلم الأمريكي، فقرأنا تعليق هيلاري كلينتون التي قالت للصبي«أحمد، حافظ على فضولك واستمر بالبناء»، ووجدنا صاحب شركة «فيسبوك» يعبّر كأوباما عن رغبته بمقابلة الصبي، و«غوغل» تمنحه كرسيّا في معرضه للعلوم، و«تويتر» تفتح له الفرصة للتدرب، وقرأنا عن دعوة من كبار الشخصيات في الأمم المتحدة للقائه.
من المفترض، حسب وسائل الإعلام، أن محمد أحمد قد لبى دعوة أوباما أول أمس الاثنين وزار البيت الأبيض الذي كان يحتفل بـ «ليلة علم الفلك»، ولكنّ أشباح «الإسلاموفوبيا» حضرت معه أيضاً، فأحد الصحافيين سأل الناطق باسم البيت الأبيض جوش إرنست إن كانت هناك مخاوف أمنية تحيط بمجيء الفتى المسلم فقال: «أنا متأكد أن أحمد، مثله مثل جميع من سيحضر ليلة علم الفلك سيمر عبر الإجراءات الأمنية والتفتيش الضروري لضمان سلامة الرئيس والبيت الأبيض وجميع المشاركين في المناسبة»، وهي إجابة لا تقلّ غباء عن اشتباه المدرسة بالصبيّ واتصال المدرسة بالشرطة واعتقال الشرطة له سابقاً، مما يجعلنا نتساءل حقّاً إن كانت الدعوة الرئاسية وزيارة البيت الأبيض هي حركة سببها نصيحة من مكتب الرئيس للعلاقات العامّة أكثر منه طلبا حقيقيا صادرا عن أوباما، الذي كان، وما يزال، تحت ضغط حملات سياسية، شارك فيها خصماه الجمهوريان، دونالد ترامب، وبن كارسون تحاول الحطّ من شأنه من خلال تصنيفه مسلماً، وكأن ولادة الشخص مسلماً أو حتى ارتباطه بشكل ما بالإسلام (حتى لو كان مسيحياً ولا يؤمن بهذا الدين كحالة أوباما)أمران كافيان لوضعه في مرتبة أدنى من مراتب البشر الأخرى، ومبررا لاضطهاده أو اعتباره خطراً إرهابياً كامناً، وهذا أمر يفوق الحطّ من شأن أوباماً لكونه من أصل أمريكي ـ أفريقي (كما يقصد ترامب فعلياً)، فكارسون نفسه أسود!
ما زاد من تعقيد موضوع الصبيّ السوداني قبوله أيضاً دعوة لزيارة الرئيس السوداني أحمد حسن البشير قام وأبوه بتلبيتها، فظهرت صوره في الصحف وانبرت بعض وسائل الإعلام الأمريكية (وكذلك مرتادو وسائل التواصل الاجتماعي السودانية لأسباب أخرى) إلى مهاجمته فالرئيس السوداني، كما هو معلوم، متهم بارتكاب جرائم حرب، وهناك مذكرة توقيف بحقه من المحكمة الجنائية الدولية، مما أدخل قصة الطفل في منحنيات سياسية جديدة.
يمكن تناول قصة أحمد من زوايا عديدة، أهمها بالتأكيد كشفها المتجدد لآليات اشتغال العنصرية ورهاب الإسلام الواضح عملهما معاً في كل بقاع الأرض، وهو ما بينته، مثلاً،
صحيفة «بيلد» الألمانيةالتي وثقت خطاب الكراهية ضد المهاجرين الذي ينشره مستخدمو موقع «فيسبوك» ومن بينها أقوال مثل:«أوباش قذرون يجب قتلهم»، أو جمل من قبيل أن صلاة المسلمين في الجوامع في فرنسا تشبه الاحتلال النازي، على ما لفّقت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي ماري لوبان.
تكشف القصة أيضا الطبيعة المركّبة والمعقدة لهذه العنصرية والتي يشترك فيها أشخاص يتعرّضون هم أنفسهم للعنصرية ولكنهم يجدون مبررات لإعلاء شأن أنفسهم من خلال الحطّ من شأن المسلمين، ولو كانوا ينتمون لعرقهم أو حتى دينهم نفسه، بحيث يصبح هؤلاء الضحيّة المثالية للعالم، من استراليا وكندا وميانمار والصين وبلاد القوقاز وأوروبا الشرقية إلى… بلاد المسلمين أنفسهم، حيث يتعرضون لقصف أنظمتهم ولهجمات طائرات تبلبلت ألسنتها واختلطت جنسياتها فاحتاجت بروتوكولات جوّية للمرور، أحيانا بأعذار من قبيل أنهم تكفيريون وإرهابيون، أو بدون مبررات حتى سوى أنهم موجودون تحت خطوط العرض التي تريد الطائرات «تنظيفها» بإخراج سكانها منها فيفرّون هاربين إلى أقاصي الأرض حيث يجدون العنصرية تنتظرهم هناك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق