الأحد، 25 أكتوبر 2015

الإبادة المبيتة


الإبادة المبيتة

توصلت وحدة التحقيقات الاستقصائية في الجزيرة إلى ما يمكن أن يرقى إلى دليل قوي، على أن إبادة جماعية ارتكبت بتنسيق من حكومة ماينمار ضد شعب الروهينغا، وذلك بحسب تقييم أعدته كلية الحقوق في جامعة بيل، ويكشف التحقيق الحصري أن الحكومة هي التي أشعلت العنف المجتمعي الفتاك لتحقيق مكاسب سياسية.

كما أمضت عيادة جامعة ييل ثمانية شهور وهي تدرس الأدلة الواردة من ماينمار، بما في ذلك وثائق وشهادات قدمتها لها الجزيرة ومجموعة فورتيفاي رايتس للدفاع عن حقوق الإنسان، أخذاً بعين الاعتبار حجم الفظائع التي ارتكبت، والطريقة التي يتحدث بها السياسيون عن الروهينغا، والتي تجعل من الصعوبة بمكان تجنب الخلوص إلى أن النية كانت مبيتة لارتكاب إبادة جماعية.

وبحسب الأدلة الحصرية التي حصلت عليها وحدة التحقيقات في الجزيرة فإن الحكومة كانت تبادر بافتعال العنف المجتمعي بهدف تحقيق مكاسب سياسية من خلال التحريض على أعمال الشغب ضد المسلمين واستخدام خطاب الكراهية لزرع الرعب في نفوس الماينماريين تجاه المسلمين، وكذلك توزيع الأموال على الجماعات البوذية المتطرفة التي ألقت بكل ثقلها وراء القيادة.

ومع اقتراب أول انتخابات عامة منذ ٢٥ عاماً، من المفروض أن تجرى في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني، تكشف شهادات الشهود والأدلة الموثقة التي حصلت عليها الجزيرة أن حزب الاتحاد للتضامن والتنمية الحاكم والمدعوم من قبل العسكر حاول تهميش المسلمين مستهدفاً الروهينغيا.



قانونيون وحقوقيون

واستعان التحقيق الجديد، والذي يقدم من خلال برنامج وثائقي جديد عنوانه "الإبادة المبيتة" بعدد من الخبراء القانونيين والدبلوماسيين لمعرفة ما إذا كانت حملة الحكومة ترقى إلى الإبادة المنظمة.

تقول بيني عرين الأستاذة في جامعة لندن ومديرة المبادرة الدولية الخاصة بجرائم الدولة "الرئيس ثين سين والذي ينتمي لحزب الاتحاد للتضامن والتنمية، على استعداد لاستخدام خطاب الكراهية لتحقيق مآرب الحكومة، وهي تهميش وعزل وتقليص أعداد المسلمين داخل ميانمار"، وتصف ما تعرض له الروهينغا بالقول "إنه جزء من عملية إبادة جماعية".

وخلص تقرير أعدته المبادرة الدولية الخاصة بجرائم الدولة إلى أن أحداث الشغب التي وقعت عام 2012، والتي شهدت صراعا بين الرهبان البوذيين من إثنية الراخينة من جهة والمسلمين الروهينغا من جهة أخرى، كانت قد خطط لها مسبقا، ونجم عن العنف مقتل المئات وتشريد أعداد أكبر من ذلك بكثير بعد إضرام النيران بآلاف البيوت.

تقول غرين "لم يكن ذلك عنفا مجتمعيا، بل كان عنفا أعد له مسبقا، ونظمت لإنجازه حافلات سريعة، لجلب البوذيين الراخينة من المناطق الخارجية ليشاركوا في العدوان"، وتؤكد أنه تم تزويد المشاركين بالمرطبات والطعام، "لا بد أن شخصا ما دفع تكاليف ذلك، وكل هذا يشير بوضوح إلى أن الأمر كان قد دبر مسبقا وخطط له بعناية".

بدوره دعا المقرر السابق لدى الأمم المتحدة حول ميانمار توماس أوجيا كوينتانا إلى التحقيق مع كل من الرئيس فين سين من حزب الاتحاد للتضامن والتنمية ووزراء الداخلية والهجرة بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

أدلة على الإبادة المبيتة
قدم فلم الإبادة المبيتة الديل على أن عملاء الحكومة كانوا يشاركون في إشعال فتيل أعمال الشغب ضد المسلمين.

وتظهر وثيقة عسكرية رسمية، حصلت الجزيرة على نسخة منها، استخدام خطاب الكراهية الذي يزعم أن الماينماريين في خطر لأن المسلمين يوشكون أن يفترسوهم.

كما يكشف التحقيق النقاب عن أن الحكومة تستخدم بلطجية مستأجرين لبث الكراهية، ووصفت عضو سابق في جهاز الاستخبارات العسكرية المرعبة في مبانمار كيف أنها شاهدت بنفسها عملاء الحكومة المكلفين بإثارة الشغب يقتعلون المشاكل مع المسلمين، وقالت شريطة عدم الإفصاح عن هويتها "كان الجيش يتحكم بالأحداث من وراء الكواليس. لم يكونوا يشاركون بشكل مباشر. وكانوا يدفعون الأموال للناس القادمين من الخارج".

ومن الأدلة الأخرى التي تم التوصل إليها وثيقة سرية تحذر من احتمال وقوع "شغب وعنف مجتمعي في كافة أرجاء البلاد"، وقد أرسلت هذه الوثيقة بشكل متعمد إلى البلدات للتحريض على الخوف من المسلمين.

كما أن أدلة واردة من داخل المؤسسة الدينية البوذية تكشف النقاب عن أن الرهبان البوذيين الذين كانو يتحدون النظام العسكري في ثورة الزعفران عام ٢٠٠٧ بدأوا يتلقون الأموال مقابل الانضمام إلى الجماعات المؤيدة للحكومة والمناهضة للمسلمين.

بينما تتوفر الأدلة على أن حكام ماينمار العسكريين تعمدوا إشعال فتيل الاضطرابات المجتمعية خلال سنوات الدكتاتورية، لا يوجد حتى الآن دليل على أن ذلك الحال استمر بعد التحول نحو الديمقراطية الجزئية.

ويحسب مات سميث مؤسس المجموعة الحقوقية فورتيفاي رايتس، فإن الأدلة بشكل عام تشير إلى عودة هذا التوجه إلى السطح من جديد، "في حالة الروهينغيا، في حالة ولاية راخينه، يمكن أن يرقى ذلك إلى جريمة الإبادة الجماعية" ومن وجهة نظره فإنه ينبغي أن يخضع عدد من أكبر الناس نفوذا في البلاد إلى تحقيق دولي بشأن الأوضاع في ولاية راخينه.

وثائق سرية
وحصل فريق تحقيقات الجزيرة على ثلاثة وثائق سرية في غاية الخطورة تشكل هذه الوثائق مجتمعة دليلاً قوياً على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد شعب الروهينغا من قبل الحكومة، بحسب ما أكده طلاب كلية القانون في جامعة ييل وما أكده الباحثون في المبادرة الدولية الخاصة بجرائم الدولة التابعة لجامعة كوين ماري في لندنالوثيقة الأولى.

الوثيقة الأولى
تويق لأمر رئاسي بإنهاء كافة عمليات أطباء بلا حدود في شمال ولاية راخينه. وقد تم طرد هذه الهيئة الخيرية بسبب تقرير أرسل إلى وزارة الصحة في راخينه بشأن مقتل خمسين من الروهينغيا في قرية دو تشاي أردان. يقع هذا الخطاب ضمن صلاحيات وزير الداخلية، مما يثبت أن أعلى السلطات في نايبايداو كانت مسؤولة عن اتخاذ القرار.

الوثيقة الثانية
تكشف الوثيقة الثانية عن قرار رسمي بحظر السفر على المسلمين باستخدام الحافلات ما بين تانغوب و يانغون.

الوثيقة الثالثة
وصدرت هذه الوثيقة في أوج انتفاضة عام ١٩٨٨. تشير إلى رغبة الاستخبارات العسكرية في المشاركة في نشاطات من شأنها أن تربك الجمهور

لمسلمون محرمون من الحقوق
في الانتخابات العامة التي ستجري الشهر القادم، يتنافس حزب الاتحاد من أجل التضامن والتنمية مع عدد كبير الأعراق والأحزاب، إلا أن منافسه الأساسي هو الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية التي تقودها أونغ سانغ سوو كيي.

يعتبر الاقتراع مرحلة قادمة مهمة ضمن الخطى التي تسلكها البلاد نحو الديمقراطية الكاملة، وقد بدأت عملية الإصلاح في ماينمار منذ عام ٢٠١٠ حينما استبدل الحكم العسكري بحكومة مدنية يدعمها العسكر.

ولكن منذ أن تنحت جانباً الطغمة العسكرية في عام ٢٠١١ استغلت جماعات من المتطرفين البوذيين عملية الانفتاح لتكتسب نفوذاً متزايداً في العملية السياسية داخل البلاد. وقد تم إقصاء المرشحين المسلمين من الانتخابات القادمة فيما يعتبر محاولة لإرضاء المتطرفين.

في مطلع هذا العام، حرم مئات الآلف من مسلمي الروهينغيا من حقوقهم، وذلك عندما سحبت الحكومة بطاقات الجنسية المؤقتة التي كانت تسمح لهم بالاقتراع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق