وائل قنديل
حسناً، فليحتفل السيد جبريل الرجوب، رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني، بانتصاره على المواطن العربي، الرافض للذهاب إلى التطبيع، من بوابة كرة القدم.
انتهت دراما مباراة "فلسطين والسعودية" ضمن تصفيات كأس العالم وأمم آسيا، بإصدار الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" قراره إجبار المنتخب السعودي على خوض المباراة في رام الله، ورفض طلبه نقلها إلى خارج فلسطين، كي لا تقف البعثة السعودية بين يدي السلطات الصهيونية، للحصول على أذون وأختام الدخول إلى فلسطين المحتلة. كتبت، في مقال سابق، إن نقاط المباراة الثلاث لن تمنح العرب بطولة العالم، لكنها، إن أقيمت في رام الله، سوف تمنح إسرائيل نقاطاً إضافية في حلم التطبيع، غير أن إصرار الرجوب على القتال، حتى آخر نفس، من أجل جر السعودية إلى مستنقع التطبيع الرياضي كان لافتاً ومثيراً للأسى، بما بدا معه وكأن نتيجة المباراة لا تهمه، بقدر ما يهمه تحقيق اختراق حواجز التطبيع وموانع الرضوخ للرغبة الإسرائيلية. الجدل الذي يثيره جهاد الرجوب الكروي سبق وإن عاشه المصريون، في أبريل/ نيسان، من عام 2010، حيث كان جبريل الرجوب، ينشط في محاولة استدراج منتخب مصر لكرة القدم لخوض مباراة ودية مع منتخب فلسطين في القدس المحتلة، وقد استجاب له اللواء سمير زاهر رئيس اتحاد الكرة المصري، ووافق على أن يسوق المنتخب المصري، بكامل نجومه، إلى الأراضي المحتلة، ليلعب مباراة مع منتخب فلسطين فى القدس المحتلة، في أغسطس/آب من العام نفسه. في ذلك العام، كان حسني مبارك ونظامه أكثر ارتماء في الحضن الإسرائيلي الأميركي، هو العام الذي كان فيه الموقف الرسمي المصري واضحاً وصريحاً في العداء لمشروع المقاومة الفلسطينية، في محاولة لتفادي السقوط الذي أتى بعد أشهر معدودات، باندلاع ثورة يناير.
وحينها أعلن عزام إسماعيل، عضو اتحاد الكرة الفلسطيني، أن الحدث "يتجاوز الرياضة، ليصبح حدثاً سياسياً وإنسانياً، لكسر الحصار والعزلة التى تفرضها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، وقد جاء "بمباركة المستوى السياسي في البلدين".
كان ذلك انقلاباً وتحولاً جذرياً في موقف القائمين على الرياضة المصرية، خصوصاَ أنهم هم أنفسهم الذين ألغوا فكرة مباراة منتخب مصر الأولمبى مع نظيره الفلسطيني، والتي كان مقرراً أن تقام نهاية مارس من العام نفسه، بعد أن كانوا في قمة الحماس لها، وكانت حجتهم فى الإلغاء أن الأوضاع في الأراضي المحتلة غير ملائمة.
فيما بعد قوبل الإعلان عن إقامة تلك المباراة بعاصفة من الرفض والاستنكار على كل المستويات الشعبية والسياسية والدينية أيضاً، حيث رفضها الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى، وكذلك مجمع البحوث الإسلامية فى مصر، فضلاً عن عدد كبير من لاعبي المنتخب المصري، منهم محمد أبو تريكة، استنكاراً لـ "ارتكاب" ما أسميته وقتها "الفعل الرياضي الفاضح" في القدس المحتلة.
الآن، يصر جبريل الرجوب على وضع الشعب السعودي في الاختبار نفسه، وقد كان يستطيع أن يعفي الجميع من هذا الموقف، لو أنه كان على مستوى مرونة "فيفا" الذي لم يكن يمانع في نقل المباراة، لو وافق الاتحاد الفلسطيني. وأحسب أن مسؤولي الرياضة، والسياسة، في السعودية، يدركون أن كسب مائة نقطة من مباريات الكرة لا يعادل تسجيل نقطة سوداء في سجل الرضوخ لإرادة التطبيع الإسرائيلية، خصوصاً في هذا التوقيت الذي يبدع فيه الشعب الفلسطيني ملحمة انتفاضة السكاكين.
ويبقى مثيراً للعجب أن يبني الرجوب، ومن يمثلهم، دفوعه في الإصرار على دخول السعوديين إلى رام الله، بالإذن الصهيوني، هو من أجل دعم الشعب الفلسطيني. وكما قلتها قبل خمس سنوات لمسؤولي الرياضة المصرية، إذا كنتم جادين حقاً في تقديم شيء للشعب الفلسطينى، فلماذا لا تكونوا شجعاناً، وتلعبوا مع منتخب فلسطين فى غزة المحاصرة، دخولاً عن طريق معبر غزة الذي تغلقه السلطات المصرية، وساعتها سيصفق لكم الجميع، وتنجو جوازات السفر العربية من دنس التأشيرات الإسرائيلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق