فليتفضّل السادة المتحضّرون المتأنقون، ويحددوا لنا قائمة بالأدوات التي يريدون من الشعب الفلسطيني استخدامها في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية.
ليفتينا عمرو حمزاوي وإبراهيم عيسى، ومن لفّ لفّهم من المستنكفين من المقاومة بالحجر وبالسكين، في ما يجب على الفلسطيني الأعزل فعله وهو يرى طفله الرضيع يُحرق في مهده، وأقصاه يُقتَحم بالقوة المسلحة، وابنته تنتهك وتهان على المعابر وفي الطرقات، حتى يرضى عنه أولئك الذين يذرفون الدمع ساخناً على ضحايا محرقة النازي التي مضى عليها قرن، بينما الشعب الفلسطيني في محرقة أكثر بشاعة الآن.
ليس لدى الفلسطيني "إف 16" أو صواريخ بعيدة المدى، ولا حتى بندقية، بينما المحتل يستخدم ضده كل أنواع الأسلحة الفتاكة، فلماذا تستكثرون عليه أن يبدع في مقاومته بالحجر وبالسكين والخنجر؟
يكتب عمرو حمزاوي في "الشروق" وكأنه مستشرق يقف على الحياد بين "يد سيفها لك ويد سيفها أثكلك"، ممسكاً بما يسميها "مسطرة أخلاقية وإنسانية"، يقيس بها المسافة بينه وبين الضحية والقاتل بالتساوي، ليقول من دون وجل "إذا كنا ندين صنوف العقاب الجماعي التي أنزلتها وتنزلها إسرائيل بالشعب الفلسطيني، ونخاطب شعوب العالم لتتضامن معنا، كأصحاب حقوق مهدرة ولتحتفظ في ذاكرتها الجمعية بمكان خاص للتاريخ العدواني لإسرائيل وللنضال الفلسطيني، والمقاومة التي لم تخفت جذوتها أبدا، فإننا لا نملك حق تغييب جريمة العقاب الجماعي التي أنزلتها، في أواسط القرن العشرين، بعض الحكومات العربية بمواطنيها من اليهود المصريين والسوريين واللبنانيين والعراقيين".
هنا يخلط حمزاوي، بوعي في الغالب، بين مسألتين لا رابط بينهما، ويبتذل قضية اغتصاب وطن واقتلاع شعبه من جذوره، ويهبط بها إلى مجرد مسألة حقوقية إنسانية، قافزاً فوق جوهر الموضوع، وهو أن الحكومات العربية التي لا يمكن القبول باضطهادها أقلية من مواطنيها دينيا وعرقيا، لم تكن حكومات احتلال، ولم تأت من البحر، أو تسقط من السماء، على هذه الأرض، وتنتزعها من سكانها الأصليين، وتبيد أهلها، وتشرّدهم في المنافي.
وبالتالي، حتى بمعيار المستشرق المحايد، لا تصح المقارنة بين ممارسات حكومات ضد أفراد من شعوبها، وفظائع عصابات احتلال ضد أصحاب الحق في أرضهم وتاريخهم.
ثم يقفز حمزاوي قفزة أعلى، ليسقط على الهدف مباشرة، فالرجل يريد إدانة انتفاضة السكاكين، منطلقا من المساواة، مرة أخرى، بين اللص وصاحب البيت المُعتدى عليه، فيقول "إذا كنا ندين الاعتداءات المتكررة للمستوطنين المجرمين، وهم جميعا كذلك، وبغض النظر عن مدى تورطهم في ممارسة العنف اليومي ضد الفلسطينيين، لأن فعل الاستيطان يمثل، في ذاته، جريمة وعنفاً، فإننا لا نملك ترف الصمت على انجرار بعض الفلسطينيين إلى العنف المضاد".
ثم يقطع ويفتي بأنه "خطأ فادح أن نساند، كمصريين أو كعرب، أعمال العنف المضاد التي يرتكبها بعض الفلسطينيين. فعظمة المقاومة الفلسطينية هي في سلميّتها التي جسّدتها خالصةً الانتفاضة الأولى في ثمانينيات القرن العشرين".
إذن، المسألة، في نظر حمزاوي، عنف وعنف مضاد، وكأن الطرفين شريكان يتنازعان على قطعة أرض، أو أسهم شركة، للأول فيها مثل ما للثاني، أو جاران يتنازعان على أسبقية الري، وليست قضية مقاومة احتلال وتحرير أرض، يحق لأصحابها، بل يتوجب عليهم، استخدام كل ما تصل إليهم أيديهم من سلاح، حجراً كان، أم سكيناً، أم عبوات حارقة، أو صواريخ، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يوجد صهيوني بريء وآخر غير بريء. وبلسان حمزاوي، في المقال نفسه، فكون الشخص مستوطناً فهذه بذاتها جريمة، فلماذا، إذن، نساوي بين المجرم والضحية؟ يريد منّا حمزاوي أن يكون موقفنا من هولوكوست النازي، هو الموقف نفسه من هولوكوست الصهاينة ضد الفلسطينيين.
حسناً: هولوكوست النازي يخص الألمان والأوروبيين، لم نكن طرفاً فيه، ولا نعلم عنه إلا ما تروّجه الآلة الصهيونية، بينما الهولوكوست الذي تمارسه إسرائيل، منذ أكثر من ستين عاماً، يشوي جلودنا ويكوي أكبادنا، ويحرق مقدساتنا وأرضنا وتاريخنا، فأية "مسطرة أخلاقية إنسانية مجتمعية" تلك التي تفرض عليّ أن أساوي بين شقيقي وعدوي؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق