( هل حقًا فشِل الإسلاميون .).؟ (2)
د.عبدالعزيز كامل
لنبدأ بأدب الحوار.. في قضايانا الكبار
وصَف الله تعالى الرسولَ – صلى الله عليه وسلم – بأنه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (128/ التوبة).. ولأنه (عليه الصلاة والسلام) يعز عليه عَنَت المسلمين ومشقتهم.. ولكونه الحريص عليهم ؛ فقد دلهم على جملة من صالح الأخلاق التي جاء لِيُتَمِمها، وذلك في صمتهم ونطقهم، وفي حوارهم وجدالهم ، فالرأفة والرحمة والرفق ولين الجانب والتواضع والتصبر والتبين والتثبت وحس الظن بالمسلمين..( وبخاصة في أزمنة الأزمات والفتن التي صار بعضُها يرقِق بعضًا ) كل ذلك أصبح مطلبًا جديرًا بالاستحضار عند أي نقاش أو حوار ، لأن الشيطان يتحرى صدور كلمةٍ منفلتةٍ من هنا ، أو لفظةٍ نابية من هناك ؛ ليمارس – لعنه الله – أخطر مهامه وأشنعها ، وهي إيغار الصدور وتمزيق الأواصر وتفريق القلوب لإرباك الصفوف ، كما في الحديث : (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبَدُه الْمَصْلُونُ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ) أخرجه مسلم (2813) والتحريش هو إثارة العداوة، وإلقاء البغضاء وتأليب النفوس وتقليب القلوب بعضها على بعض.
مما يُؤسف له ؛ أن كثيرًا من الحسابات على وسائل التواصل، صارت وسائل تقاطع وتدابر، وتحولت إلى منابر لاستدعاء ألوان الهجاء، كلما مر ذكر شخصٍ ما؛ أو كيانٍ ما؛ أو قضيةٍ ما؛ أو حدثٍ ما ؛ مما تختلف فيه وجهات النظر وزوايا الاجتهاد، وبدلا من التسديد والتقريب والسعي للإصلاح كما أُمرنا ؛ يفتح البعضُ الأبواب لإثارة شهوة البعضِ للتنقيص والتنغيص والسُباب، ولممارسة هواية إشاعة الإحباط، وتعميم ثقافة التثبيط ، وربما يتطور الأمر إلى تبادل السيئ من القول والفعل، تقاذفًا بالمهلكات من كبائر الإثم ، كسوء الظن، أو السب أو الهمز أو اللمز، أو السخرية من أناس بأعيانهم لتحقيرهم أو تدمير أشخاصهم ببعض عيوبهم، مع إظهار ازدرائهم أو الشماتة بهم..وكل هذا من محبطات الأعمال ومعوقات التوفيق ..
البعض يتبادل اللكمات بدل الكلمات، وآخرون يجالدون إخوانهم بالتي هي أخشن.. بدل أن يجادلوهم بالتي هي أحسن، وهناك من يرسل بالعقاب قبل العتاب، أو يُحِل النطيحةَ محل النصيحة، أو يكسو رغبته في الهدم والنقض، بثياب التقويم والنقد ..
كل هذا وغيره صار ظاهرة ضارة ، مع أن الله تعالى خاطب من شرفهم بالعبودية له؛ أن يترفعوا عن النوايا الهابطة والطوايا الدنية فقال : ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) (53 / الإسراء ) وأمر بإحسان القول لكل الناس : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة / 83)
حتى مع من ليسوا إخواننا من الناس : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت /46)
يمكننا بقليل من التورع والتحفظ والتحلي بأ دب الحوار؛ أن ندخل – آمنين – في أي نقاش من قضايانا الكبار..ومنها موضوع سؤال المقال..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق