الأربعاء، 12 سبتمبر 2018

إنجازات رئيس جمهورية بيراميدز

إنجازات رئيس جمهورية بيراميدز


 وائل قنديل
يلهو عبد الفتاح السيسي بلعبة "المشروعات القومية"، كما يسلك شابٌّ أرعن في ملك أبيه، بحيث تبدو البلاد كأنها إقطاعية دانت لشخصٍ بالوراثة، يمارس فيها ما يرضي شبقه للتسلط والاستبداد على العباد، بأوهام القدرة المطلقة، والإنجازات الخارقة
.
لم يُبتذل معنى"المشروع القومي" كما يجري ابتذالُه مع نظام عبد الفتاح السيسي الآن، إذ يستخدم المصطلح للإشارة إلى كل فعلٍ يقوم به الجنرال الحاكم بأمره، حتى تضخّمت الإحصاءات والبيانات، وصار الرجل وأبواقه يهرفون بكلام مضحك عن 7777 مشروعًا قوميًا في غضون أربع سنوات، بمعدّلات تقترب من أربعة مشروعات قومية يوميًا.

كنا نتندّر على ابتذال معنى المشروع القومي في زمن حسني مبارك، بالذهاب إلى أنهم صاروا يطلقون على افتتاح كشك للمثلجات والسجائر على الطريق السريع مشروعًا قوميًا، على الرغم من أن مبارك لم يكن "غزير المشروعات الوهمية" على النحو الذي نراه الآن.

تعرّف الأمم المتحضرة، أو التي تتمتّع بالحد الأدنى من سلامة القوى العقلية والحسّ الإنساني، المشروع القومي بأنه المشروع الشامل الذي يجتمع عليه كل الناس، في هذا البلد أو ذاك، ليجعل حياة الجميع أفضل، من خلال إحداث نوعٍ من النهوض المتكامل، يستهدف بالأساس الارتقاء بحياة المواطن العادي، وإنعاش حظوظه في العيش بكرامة، في ظل سلطةٍ تحترم حقوقه الأساسية في الحرية والعدل والعمل.

وبهذا المفهوم، يكون المشروع القومي عملية صعودٍ إلى الأعلى، وتقدّم إلى الأمام، تشارك فيها جميع مكونات المجتمع، بالاختيار الحر واليقين الراسخ بأن الجميع متساوون في الواجبات والحقوق، بما يجعل انخراطهم في هذا المشروع غايةً إنسانيةً ووطنيةً وأخلاقيةً، قبل أن يكون فرصة ربحية استثمارية.

في الإجمال، يرتبط المشروع القومي بالحلم بالاستقلال الاقتصادي والتحرّر السياسي، لكسر قيود التبعية السياسية، والارتهان الاقتصادي لقوى دولية وإقليمية أخرى، وهذا ما يفجّر كل الطاقات الإبداعية لدى مكوّنات الأمة الحالمة بمشروع قومي يسكن أحلام المواطن، ولا يتم صبّه فوق رأسه، من سلطةٍ تمارس استعراضاتٍ مبهرةٍ لتخويف الجماهير، وحقنها بالأوهام التي تجعلها لا تفكّر في التغيير السياسي والاجتماعي.

ومن هنا، ينشأ المشروع القومي نتيجة حاجة مجتمعيةٍ لإنجاز ما يحقّق معنى استقلال الوطن، وتحرّره من مذلة التبعية والاستدانة، فتنكفئ الأمة الساعية إلى العيش بكرامة على نفسها، فترشد من إنفاقها، وتخصص كل مواردها (الذاتية) لما يحفظ لها كرامتها، ولا يجعلها تمدّ يد التسوّل والاستعطاف، وبيع الولاءات لمن يملكون القدرة والنفوذ.. فيكون المشروع القومي (من أموالنا بإيد عمالنا) كما كان يغنّي عبد الحليم حافظ وصلاح جاهين في مشروع إنشاء السد العالي، بصرف النظر عن موقفك السياسي من  المرحلة الناصرية.

إذن، لا يمكن إطلاق على ما يتم تمويله والإنفاق عليه من مانحين أقوياء، يدفعون المال لشراء التبعية السياسية والاقتصادية، مشروعاتٍ قومية، لأن القصة كلها تدور بعيدًا عن المواطن العادي، عن طريق سلطةٍ، أو مجموعة تعدّ على أصابع اليدين في هذه السلطة، بهدف استمرار هؤلاء في الحكم، تحقيقًا لإرادة المانحين والداعمين الخارجيين الذين يستفيدون من وجودهم في الحكم.

يقوم المشروع القومي على سواعد المواطنين، وليس فوق عظامهم، ويسعى إلى جعلهم أكثر حريةً وكرامةً، لا لكي يملأ بهم الزنازين ويحوّلهم إلى موارد ربحية لسلطةٍ عطشى إلى الدم، تتلذّذ بافتراس رعاياها، وقتلهم على قارعة الطرق، حتى لو كانت طرقًا دائرية عملاقة، يسمّيها إعلام السلطة مشروعات قومية. 

والأمر، على هذا النحو، لا يختلف عما تراه في فريق "بيراميدز" الذي ينفق عليه مسؤول سعودي بمنتهى السّفه، لكي يرضي غروره في الهيمنة والتحكّم بنشاط كرة القدم المصرية، وصولًا إلى إشباع رغبةٍ دفينةٍ في إذلال الرموز الرياضية التاريخية، واستعمال الجميع، بالأجر، لكي يجعل من نادٍ بلا تاريخ، سيدًا، بفلوسِه، على القوى التاريخية في كرة القدم المصرية.

لا تختلف بنية نظام السيسي عن حالة "نادي بيراميدز" الذي كان صعيديًا فصار سعوديًا، وتحوّل من فريقٍ مغمور إلى مشروعٍ استثماري صاخب، بواجهة مضاءةٍ بأنوارٍ تلمع فتجتذب الفراشات فتحترق، وتحرق معها القيمة والمعنى، كما يفعل موسيقار حقيقي محترم، ويقرر في لحظة أن ينتحر فنيًا، ويشتغل، بأجر، خلف راقصة مبتذلة في ملهى ليلي أكثر ابتذالًا، لا يرتاده الجمهور، بل يذهب إليه المنتفخون ثروةً والممتلئون رغبةً في تدمير التواريخ وحرق المعاني.

هنا، لا يمكن أن تتحدّث عن هذا الفريق باعتباره مشروعًا رياضيًا وطنيًا، بل محض نزوة عابرة لشخصٍ يريد إذلال الجماهير وإغوائها، وإغاظتها، ثم يخرج ليصيح: أنا السلطة.. أنا صانع التاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق