قبل أن يجلس"التلميذ" عبد الفتاح السيسي بين يدي "المعلم" دونالد ترامب، كان قضاؤه الذي يقبع في قاع الترتيب العالمي، على مقياس العدالة والنزاهة، قد قرّر ذبح عشرين مواطنًا مصريًا، انضموا إلى قائمةٍ هي الأضحم في تاريخ أنظمة الطغيان والظلم، وأغلق صحيفة خاصة، وألحقها بالإعلام الرسمي.
قضاء السيسي قرّر، أيضًا، تصفية 75 من المعارضين السياسيين، خرجوا أحياء من مجزرة القرن في ميدان رابعة العدوية، فكان الحكم بتصفيتهم بأحكام القضاء، ثم مصادرة أموالهم وممتلكاتهم، ومعهم مئات من المعارضين الآخرين، أو بالأحرى نهبها وإدخالها في ميزانية الدولة التي تتجسّد في شخصٍ واحد، اسمه عبد الفتاح السيسي.. جرى ذلك كله في أجواء التحضير للزيارة السنوية إلى نيويورك، حيث اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي احتفلت وسائل إعلامه بإنجازه التاريخي العظيم غير المسبوق، أنه أول حاكم مصري يسافر إلى الولايات المتحدة خمس مرات، في خمس سنوات متتالية، ليقول لحاكم أميركا، الذي منحته الميديا الأميركية لقب "المعتوه" أنه رجله وخادمه المطيع، بصرف النظر عن أن السيد (المعتوه) قال عنه إنه F killer .
كتبت سابقًا إن هذا الوصف (القاتل اللعين) لا يغضب السيسي، ولا أنصاره من فاشيست الإعلام والمؤسسة الدينية والبرلمان، بل إنهم اعتبروها إشادة من المعلم بقدرات الصبي، بل إنه كلما كان (F) أكثر و(killer) أكثر وأكثر فإنهم يتمسّكون به، ويكافئونه بالقدر ذاته، ما دام لا يقتل إلا شعبه، ويتقرّب إلى الكيان الصهيوني، زحفًا وهرولًة وتسلقًا، وهو ما تجلى في الغزل المتبادل بينه وبين ترامب، في جلسة تجديد الولاء والتبعية، مقابل تجديد رخصة الاستبداد والطغيان.
الأداء الحركي والصوتي، وتعبيرات الوجه، وانخفاض السيسي في مقعده، حتى كاد يغوص فيها فرحًا بالجلوس في حضرة دونالد ترامب يعبّر بوضوح عن رغبةٍ في إظهار أكبر قدر من الدونية والتصاغر، بما بدا معه وكأن السيسي لم يذهب باعتباره حاكمًا منقلبًا لدولةٍ بحجم مصر، وإنما ذهب بوصفه منسقًا لما يمكن تسميته (ائتلاف دعم أميركا) أو كتلة (في حب ترامب).
ذهب عبد الفتاح السيسي واثقًا من أن أحدًا لن يحاسبه على استبداده وطغيانه وتدميره كل ما هو إنساني، وإلغائه الحياة السياسية، وشطب الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان من قاموس الحياة المصرية المعاصرة، ومن ثم فالظهور على هذه الحالة المخجلة من الانسحاق أمام ترامب إنما يعبر عن التماهي الحقيقي مع معتقدات هذا (المعتوه) والتمثل الكامل لكل قيمه وأفكاره، التي جعلت البيت الأبيض كأنه من لجان الكنيست الإسرائيلي.
ذهب السيسي مطمئنًا كذلك على الداخل المصري، مدركًا أن أخبار حصد عشرات الأرواح بمقصلة الإعدامات لم تعد تثير غضبًا كبيرًا، وخصوصًا في وجود تركي آل الشيخ، الوالي السعودي، أو المندوب السامي، على مصر، والذي يتولى إشعال الحرائق في مخازن الكلام والثرثرة، بما يصلح للتغطية على كل الأحداث الجسام، ففي وقتٍ يصدر فيه القرار النهائي بإعدام عشرين شخصًا في كرداسة، وقبل أن يلقي السيسي خطاب الأكاذيب في قمة مانديلا، ويتحدّث عن حقوق الإنسان واحترام الحق في الحياة، كان لا بد من خطف منصّات التواصل الاجتماعي بعيدًا عن الفواجع الحقوقية والإنسانية في مصر، فتحتل حكايات تركي آل الشيخ مع كرة القدم والحرب على المطربة آمال ماهر حديث الصباح والمساء، وتصبح القضية الوطنية الأولى هي هل تخرج استثمارات الأرعن السعودي من مصر أم تبقى، بينما السيسي هناك، على الشاطئ الغربي من الأطلسي، يتحدث باعتباره داعية حريات وحقوق إنسان واستقلال وطني!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق