الجمعة، 7 سبتمبر 2018

تزوير أرقام التنمية وتعطيش الفقراء.. ماذا تعرف عن الوجه المرعب للبنك الدولي؟

 تزوير أرقام التنمية وتعطيش الفقراء.. 
ماذا تعرف عن الوجه المرعب للبنك الدولي؟
في عام 1997 تولى الاقتصادي الأمريكي الشهير والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، جوزيف ستيجليتز، منصب نائب الرئيس الأول وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي. بعد فترة وجيزة من عمله داخل أروقة البنك الدولي وإطلاعه على خباياه، بدأت تتكون لدى ستيجليتز بمرور الوقت خيبة أمل جراء أفعال البنك الدولي، فبدأ يعبر عن رأيه على الملأ. ومع تزايد انتقاداته للبنك الدولي، تمت الإطاحة به من منصبه، بناء على أوامر من وزير الخزانة الأمريكي لاري سامرز.
ومنذ مغادرته البنك الدولي، عكف ستيجليتز، الأكاديمي المخضرم الذي التحق بالعمل في أرقى الجامعات مثل (MIT) وييل وستانفورد، قبل أن يتولى رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ويحصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001، عكف على انتقاد البنك الدولي وفضح الممارسات التي يقوم بها.
ففي مقابلة مع ستيغليتز في يونيو (حزيران) عام 2011 فقد أعرب عن انتقاداته لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قائلًا إن دعم البنك الدولي لما يعرف بـ«توافق واشنطن Washington Consensus»، وهو مجموعة من السياسات التي تعزز الاستقرار والتحرير والخصخصة» للاقتصاد، يعد دعمًا ضارًا بسبب تركيزه على إزالة القيود، وبدلًا من ذلك يجب أن يساعد سياسات الدول على تطوير «هيكل تنظيمي مناسب». ويعلق ستيجليتز في نهاية المقابلة، أنه يجب أن يكون هناك التزام أكبر للمبادئ الديمقراطية من قبل مؤسسات بريتون وودز (يقصد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي).  

فتح الصندوق السري

لا يتوقف الأمر عند ستيجليتز، فهناك العديد من الاقتصاديين الذين استقالوا أو تمت إقالتهم بسبب تعارض أفكارهم وقناعاتهم مع ما يقوم به البنك الدولي. فها هو رافي كانبور، الاقتصادي المتميز في مجال التنمية، الذي عينه البنك الدولي ليقود فريقًا في كتابة تقرير عن التنمية في العالم (WDR) حول الفقر.
في يونيو عام 2000 استقال كانبور بشكل مفاجئ، بسبب ما اعتبره ضغطًا غير معقول للتخفيف من لهجة التقارير حول النمو وإعادة التوزيع الاقتصادي، بمعنى أن يغير كانبور في حقيقة الوضع الاقتصادي للبلدان التي سيتم كتابة تقرير التنمية عنها، ويرى البعض أن وزير الخزانة الأمريكي لاري سامرز نفسه أصر على بعض هذه التغييرات الأساسية، ويطلق عليها الكثيرون رقابة صريحة.  
كتب بعدها جوزيف خان مقالة في صحيفة نيويوك تايمز بعنوان «شوكة في طريق الثروات» كشف فيها عن الكثير حول كواليس استقالة كانبور، حيث إن اختلاف العقيدة الاقتصادية لكلا الطرفين كانت سبب خروج كانبور، الذي يعتقد بأن الحكومات قادرة على تحديد مسارها الخاص وسرعة تحركها في الأسواق، وهو ما أراد كانبور أن يوضحه في التقارير، بينما يريد البنك الدولي أن يرسم مسارًا خاصًا لا بد أن تسلكه الدول، والقائم على وصفة تشمل تحرير التجارة، وخصخصة أصول الدولة.
في واقع الأمر، لا يخلو وقت من انتقاد البنك الدولي، مثله في ذلك مثل صندوق النقد الدولي، بسبب دوره في الترويج لإجماع واشنطن، الموازي لسياسات التكيف الهيكلي عند صندوق النقد الدولي، مع اشتراط اتخاذ العديد من التدابير أيضًا قبل منح الدول القروض. ويعتقد البعض أن برامج البنك الدولي تركز على تدابير التقشف التي تؤذي الفقراء، بينما تسمح للشركات الكبرى بالازدهار.

سجل التهجير المرعب

البنك الدولي، كثيرًا ما يتجاهل الأثر البيئي والاجتماعي للمشاريع التي يدعمها. على سبيل المثال، ساعد البنك الدولي في تمويل برنامج «التنمية المتكاملة لمنطقة الشمال الغربي» المعروف اختصارًا بـPolonoroeste في البرازيل، الذي عُد من أكثر القروض سيئة السمعة في التاريخ، والذي تم افتتاحه في المدينة الأمازونية روندونيا عام 1981. وهو مشروع بقرض قيمته 1.6 مليار دولار لتمهيد نحو 1500 كم من الطرق وإعادة توطين المهاجرين في شمال غرب البرازيل. تسبب البرنامج في هجرة كثيفة نحو تلك المنطقة واندفاع سكاني للأراضي أدى إلى تدمير واسع النطاق للغابات المطيرة وإحداث ضرر بالغ بالسكان الأصليين. وبعد انتقادات دولية كبيرة للمشروع، توقفت مدفوعات البنك الدولي للمشروع.
السهم الآخر من سهام النقد الموجهة للبنك الدولي، وكذلك صندوق النقد الدولي، هو دوره في التسبب في ارتفاع الديون بين البلدان النامية. وبالرغم من أن القروض تهدف إلى مساعدة البلدان، كما يقول البنك على نفسه، إلا أنها تتسبب أيضًا في تحمل تلك البلدان للديون التي يجب عليها أن تدفع فوائدها وأن تظل في شرك البنك.
وعلى مدار السنوات الثلاثين الماضية تراكمت هذه الديون بشكل كبير لدرجة أن العديد من البلدان أصبحت تنفق أكثر على خدمة التزامات ديونها أكثر من الإنفاق على الخدمات الاجتماعية الأساسية، وهو ما يتعارض مع الهدف الرئيسي الذي يدعيه البنك وهو الحد من الفقر، حتى إن بعض الاقتصاديين يشبهون ذلك الهدف الذي يدعيه البنك بأنه مجرد «ساتر دخاني» والهدف الحقيقي له هو استخدام القروض المشروطة في مقابل اتخاذ البلدان سياسات نيوليبرالية تفيد في النهاية الشركات والمؤسسات المالية الغربية.

تهيئة المسرح للشركات العابرة للقوميات

يجادل الاقتصادي الكوري الجنوبي الشهير، ها جوون تشانغ، في أن البنك الدولي (وصندوق النقد الدولي) يقدمان أنفسهم على أنهم «السامريون الصالحون» الذين يعتبرون مساعدة العالم النامي هي دوافعهم الوحيدة، ولكنهم في الواقع«السامريون الأشرار» بحسبه لأن دوافعهم في الأساس أنانية. كما يقول تشانغ، أن الغاية الحقيقية للبنك الدولي (إلى جانب صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية) هي تهيئة بيئة سياسية في الدول النامية تكون صديقة للشركات عبر الوطنية، وهي بيئة تفيد الشركات عبر الوطنية والمجموعات الصغيرة من النخب في البلدان النامية، وتؤدي تلك السياسة إلى تدهور التنمية الاجتماعية لغالبية السكان.
أما الصحفي وصانع الأفلام الوثائقية الأسترالي الشهير، جون ريتشارد بيلجر، فقد كشف في كتابه المميز «الحكام الجدد في العالم The New Rulers of the World» الكثير حول أساليب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في التعامل مع الدول النامية. فيجادل بيلجر في أن البنك الدولي (إلى جانب صندوق النقد الدولي) هو وكيل أغنى البلدان على وجه الأرض، وخاصة أمريكا، وتتمثل مهمته في تقديم القروض للدول الفقيرة، ولكن في حالة ما إذا قامت بخصخصة اقتصادها والسماح للشركات الغربية بحرية الوصول لأسواقها ومواردها الخام.
وإذا كان البنك الدولي يقول إن هدفه هو مساعدة الفقراء، مستشهدًا بهذا التطور العالمي، فإن الواقع يشير بخلاف ذلك، حيث إن آثار سياساته هي أن الأغنياء يصبحون أكثر ثراءً من سداد الديون، والعمالة الرخيصة، ودفع أقل قدر ممكن من الضرائب. في حين أن الفقراء يصبحون أكثر فقرًا حيث يتم خفض وظائفهم والخدمات العامة المقدمة لهم من أجل دفع الفائدة فقط على الديون المستحقة للبنك الدولي. فالبنك، على حد قول بيلجر، كان يعمل خلال الحرب الباردة بأكملها باعتباره مؤسسة تقوم بتوزيع الأموال على الأنظمة الاستبدادية بشكل رئيسي في العالم الثالث التي دعمت الغرب في الحرب الباردة.
يؤيد ما سبق العديد من الدراسات بكافة أشكالها، فوفقًا للعديد من الأبحاث التي أجراها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين وغيرهم من المنظمات الإعلامية، فإن السدود ومحطات الطاقة وبرامج المساعدة الفنية وغيرها من المشاريع التي يمولها البنك الدولي؛ قد دفعت ما يقدر نحو 3.4 مليون شخص من منازلهم أو خارج أراضيهم أو تم تهديد مصادر رزقهم.
ففي نيجيريا، على سبيل المثال، قامت سلطات الولاية بطرد الأشخاص الذين يعيشون في منطقة البادية الشرقية دون إنذار أو تعويض، وهي حي فقير في مدينة لاغوس التي تعد أكبر مدينة في البلاد. كما يدعي الآلاف من الكينيين أنهم اضطروا للخروج من منازلهم في غابات أسلافهم بسبب برنامج مساعدة فنية وحفظ يرعاه البنك الدولي.
البنك الدولي نفسه، قد اعترف بخطئه في سياسة التوطين التي ينتهجها، فيقر بوجود «أوجه قصور خطيرة في تنفيذ سياسات إعادة التوطين»، وذلك بعد أن أمر بإجراء مراجعة داخلية لأعماله، وردًا على ذلك، تقول جيسيكا إيفانز، المحامية وكبيرة الباحثين في هيومان رايتس ووتش، أنهم لا يستطعيون فقد أن يتعهدوا بعدم ارتكاب الأخطاء في المستقبل، بل يحتاجون إلى العودة وإصلاح الأخطاء التي ارتكبت في الماضي.
ويعد الفقراء هم الأكثر عرضة لأضرار الأنشطة التي يمولها البنك الدولي، وللدهشة، فهم نفس الأشخاص الذين تحاول المؤسسة إخراجهم من الفقر. فتقول إيفانز، أنه غالبًا ما يفقد الأشخاص الذين يعاد توطينهم؛ الكثير من فرص كسب رزقهم. فعلى سبيل المثال، إذا اعتمدوا على زراعة الكفاف، فإن الأمر يحتاج غالبًا إلى إعادة بناء هذه الزراعة من جديد.

غض البصر عن مليون قتيل.. البنك الدولي في إندونيسيا

يذكر بيلجر في كتابه، أنه في فترة الستينيات من القرن الماضي، استولى الجنرال سوهارتو على السلطة في إندونيسيا بمساندة سرية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. أطاح الجنرال بمؤسس إندونيسيا الحديثة، سوكارنو، الذي آمن بالاستقلال الاقتصادي للبلاد. من أجل ذلك فقد أبقى سوكارنو الشركات عبر الوطنية ووكلائها والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، خارج البلاد. ومع وصول سوهارتو تم استدعاؤهم مرة أخرى لإنقاذ إندونيسيا.
وخلف تغيير النظام، المدفوع من الدول الغربية والمؤسسات الدولية على رأسها البنك الدولي، أحد أكثر جرائم القتل دموية في تاريخ الحرب العالمية الثانية، حيث قُتل أكثر من مليون شخص في هذه العملية، حيث اتخذ سوهارتو خطوات وحشية لتعزيز سلطته من خلال جمع الآلاف ممن لهم ميول شيوعية وإعدامهم.
عام واحد في ظل حكم سوهارتو، كان كفيلًا بإعادة تصميم اقتصاد إندونيسيا، ما منح الغرب إمكانية الوصول إلى الموارد الطبيعية الهائلة والأسواق والعمالة الرخيصة، ما أطلق عليه الرئيس نيكسون «أعظم جائزة في آسيا».
أقرض البنك الدولي نظام سوهارتو على مدى العقود الثلاثة اللاحقة نحو 30 مليار دولار بوصفها قروضًا من أجل التنمية، وغض الطرف عن المليون شخص الذين قتلوا خلال فترة حكم سوهارتو. وأتت الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 لتعري نظام سوهارتو، إذ انهار الاقتصاد الإندونيسي، ما أدى لتراجع سوهارتو عن السلطة بعد حكم دام ثلاثين عامًا سرق خلالها ما يقدر بنحو 15 إلى 30 مليار دولار من الشعب الإندونيسي، تحت رعاية البنك الدولي.

التعطيش مقابل التنمية! البنك الدولي في بوليفيا

في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، رفض البنك الدولي تقديم قرض بقيمة 25 مليون دولار إلى جمعية تعاونية محلية للمياه في كوتشابامبا، بوليفيا. وبدلًا من ذلك، فقد أصروا على أن تقوم الحكومة البوليفية بتسليم إدارة إمدادات المياه المحلية إلى شركة أمريكية تسمى «بكتل».
بموجب ذلك الضغط من قبل البنك الدولي، فقد تم إعطاء الشركة الأمريكية سيطرة كاملة على إمدادات المياه المحلية في كوتشابامبا، حتى على مياه الأمطار، حتى إن الشركة منعت السكان المحليين من جمع مياه الأمطار للشرب، فإما أن يدفعوا مقابل الشرب أو يموتوا عطشًا.
أما عن الرسوم التي فرضتها الشركة الأمريكية على السكان مقابل استهلاك المياه فكانت أكثر مما ينفقه السكان على الغذاء، أو نصف دخلهم. لتظهر حركة مقاومة تحتج على ذلك، وترد عليها الحكومة البوليفية بالقوة العسكرية حتى يصاب أكثر من 100 شخص في المناوشات التي وقعت بينهم. في نهاية المطاف، تراجعت الحكومة، وتمت إعادة إمدادات المياه إلى المجتمع المحلي من جديد، ما يعني عودة المياه للسكان بشكل مجاني. لتنضم تجربة أخرى من تجارب دعم البنك الدولي للشركات عابرة الوطنية على حساب الشعوب الفقيرة.   
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق