أهلنا في البصرة يتساءلون
· د محمد عياش الكبيسي
صحيفة العرب 11-9- 2018
البصرة أشهر من أن تعرّف، إنها ذاكرة الأمة في لغتها وفقهها ومدارسها التاريخية، وقاعدتها الأبرز لانتشار دعوتها وانطلاق فتوحاتها العظمى نحو الشرق، منذ أن بناها عتبة بن غزوان في عصر الخليفة الراشد عمر بن الخطّاب -رضي الله عنهما- وهي أول مدينة بناها العرب بعد الإسلام خارج حدود الجزيرة العربية، أما موقعها الجغرافي فهي ممتدة مع شط العرب، من بدايته عند ملتقى الرافدين، دجلة والفرات إلى مصبّه في الخليج العربي، وقد أعطاها هذا الموقع استراتيجية اقتصادية متميزة، إضافة إلى وفرة مياهها ومواردها الزراعية الكبيرة، ثم هي اليوم تعدّ مخزن البترول الأول في العراق، فالبصرة سطحها أنهار من الماء، وبطنها أنهار من النفط، ولا أعلم مدينة عربية واحدة حباها الله كل هذه الخيرات المجتمعة مثل مدينة البصرة.
اليوم، ماذا نقول؟ أيصدّق العالم أن البصرة بكل هذه الموارد والأنهار والخيرات تموت من العطش؟ تموت من الجوع؟ تموت من الفقر؟
لقد كان أهل البصرة ينتظرون الوعود التي كانت تطلقها أبواق الدعاية الحزبية والطائفية، والتي كانت تبشّر بالجنّة الأرضية التي تقوم على منهج آل البيت عدلاً وعلماً وزهداً ونزاهة، حتى خيّل لكثير من الناس أنه ما بينهم وبين دخول هذه الجنة إلا «سقوط صدّام»، ومن هنا كان السكوت وربما الترحيب بجيش الاحتلال الأجنبي الذي كرّس هو الآخر هذه الأمنية، وراح يتماشى مع التبشير المذهبي الطائفي بالتبشير الديمقراطي الليبرالي، وعلى كل الاحتمالات كانت هناك صورة وردية في مخيّلة هؤلاء الناس، إلا أن الحلم بهذه الصورة طال أمده كثيراً حتى بدأ يتبدد شيئاً فشيئاً، وحلّت محلّه تساؤلات أعمق بكثير من حالة المعاناة اليومية، إنها تحفر في العمق الثقافي والأيديولوجي لهذه الأحزاب التي أفرزت كل هؤلاء اللصوص والفاسدين.
لقد كان أهل البصرة ينتظرون الوعود التي كانت تطلقها أبواق الدعاية الحزبية والطائفية، والتي كانت تبشّر بالجنّة الأرضية التي تقوم على منهج آل البيت عدلاً وعلماً وزهداً ونزاهة، حتى خيّل لكثير من الناس أنه ما بينهم وبين دخول هذه الجنة إلا «سقوط صدّام»، ومن هنا كان السكوت وربما الترحيب بجيش الاحتلال الأجنبي الذي كرّس هو الآخر هذه الأمنية، وراح يتماشى مع التبشير المذهبي الطائفي بالتبشير الديمقراطي الليبرالي، وعلى كل الاحتمالات كانت هناك صورة وردية في مخيّلة هؤلاء الناس، إلا أن الحلم بهذه الصورة طال أمده كثيراً حتى بدأ يتبدد شيئاً فشيئاً، وحلّت محلّه تساؤلات أعمق بكثير من حالة المعاناة اليومية، إنها تحفر في العمق الثقافي والأيديولوجي لهذه الأحزاب التي أفرزت كل هؤلاء اللصوص والفاسدين.
لقد راح أهل البصرة يتساءلون: ما معنى هذه الأسماء الإسلامية التي تزيّن تلك الأحزاب والتيارات والميليشيات، وما معنى تلك الصور المزعومة لأئمة أهل البيت التي تزيّن مكاتب هذه الأحزاب، وما معنى هذا الحماس العاطفي في مناسبات المآتم الحسينية؟
لقد اكتشفوا أن مشاركة السياسيين لهم في كل هذه الأسماء والشعائر والشعارات إنما كانت للتغطية على عمليّات السرقة والنهب والسطو على ثرواتهم وخيرات بلادهم، من هنا نرى كيف انطلقت هذه الجموع لتدمّر مقرّات هذه الأحزاب والميليشيات وكل ما يتصل بها من مكاتب وجمعيات ومؤسسات.
ثم راحوا يتساءلون عن دور الجارة الأقرب، والتي كانت تعدهم وتمنيهم وتشجعهم على قبول الغزاة، من أجل إسقاط «الطغاة»، وتؤكد لهم استعدادها لنصرة «المستضعفين» في مواجهة «المستكبرين»، فكيف انقلبت الآية لتكون هي مصدر كل هذا الوباء من ظلم وفساد ومخدرات وميليشيات ونفايات؟ إن هذه التساؤلات هي التي دفعت أهل البصرة مؤخّراً لاقتحام القنصلية الإيرانية، والتنديد بسياساتها المشبوهة والعدوانية.
وأخيراً طالت التساؤلات من بيدهم الخمس، والذي يفترض أن يكون مردّه إلى الضعفاء والفقراء والمحرومين، أين تذهبون بكل هذه الأموال الطائلة التي تجمعونها من كل عباد الله إن لم تسعفوا بها حالات الجوع والعطش التي تعصف بحياة البصريين؟
إنها تساؤلات ستساهم في صناعة الوعي، مهما كانت نتائج التظاهرات والاعتصامات.
وأخيراً طالت التساؤلات من بيدهم الخمس، والذي يفترض أن يكون مردّه إلى الضعفاء والفقراء والمحرومين، أين تذهبون بكل هذه الأموال الطائلة التي تجمعونها من كل عباد الله إن لم تسعفوا بها حالات الجوع والعطش التي تعصف بحياة البصريين؟
إنها تساؤلات ستساهم في صناعة الوعي، مهما كانت نتائج التظاهرات والاعتصامات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق