(بورتريه)
سلمان العودة.. من "الصحوة" إلى "مقصلة العلماء"
كان من أبرز من يطلق عليهم "مشايخ الصحوة" في الثمانينيات والتسعينيات.
معروف بابتعاده عن الدولة وكل ما يتعلق بها، حيث إنه كان يعتبر العلماء "بوقا للحكومة".
معروف بابتعاده عن الدولة وكل ما يتعلق بها، حيث إنه كان يعتبر العلماء "بوقا للحكومة".
تتلمذ على يد عبد العزيز بن باز، ومحمد بن صالح العثيمين، وعبد الله بن جبرين، وصالح البليه، رغم أنه خالفهم فيما بعد.
المنتقدون له يرون فيه "إرهابيا"، ويتهمونه بأنه يدعو للثورة على "ولي الأمر"، من خلال الخطاب الديني، ولطالما اعتبرت الطبقة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، "الإسلام السياسي" تهديدا لاستقرار البلاد وسيطرتهم على الحكم.
سلمان العودة، مولود في عام 1956، في قرية البصر الصغيرة الواقعة غرب مدينة بريدة في منطقة القصيم، ويرجع نسبه إلى قبيلة بني خالد، وكان طفلا مولعا بالشعر والأدب، يذكر عن نفسه أنه حفظ في صباه القصائد الشعرية المطولة بداية من الشعر الجاهلي وصولا إلى شعراء العصر الحديث.
حاصل على ماجستير في موضوع "الغربة وأحكامها"، ونال شهادة الدكتوراه في الشريعة في "شرح كتاب الطهارة من بلوغ المرام"، وهو مطبوع في أربع مجلدات، وكان المشرف عليه عبدالله بن بية والمناقشون عبدالله بن جبرين وخلدون الأحدب.
وعمل العودة مدرسا في "المعهد العلمي" في بريدة لفترة من الزمن، ثم معيدا في الكلية ثم محاضرا، وعمل أستاذا في "كلية الشريعة وأصول الدين" في القصيم لبضع سنوات، قبل أن يُعفى من مهامه التدريسية في "جامعة الإمام محمد بن سعود"، وذلك بعد إيقافه عن العمل الجامعي لأسباب سياسية.
كان في التسعينيات من القرن الماضي، عنصرا مهما في حركة المحافظين، التي عرفت بـ"الصحوة" وارتبطت بجماعة "الإخوان المسلمين"، وانتقدت الحكومة السعودية بناء على أرضية دينية، بما في ذلك السماح للقوات الأمريكية بالدخول للسعودية في عام 1991 في أثناء حرب الخليج.
وهو موقف خالف فيه العودة، فتوى ابن باز بـ"جواز الاستعانة بالكفار"، أي الولايات المتحدة، من أجل إخراج القوات العراقية من الكويت. فقد اعترض سلمان على أستاذه قائلا: "ما يحدث في الخليج هو جزء من تصميم غربي أكبر للسيطرة على العالم العربي والإسلامي بأسره"، وكان التجرؤ على السلطة الدينية والسياسية هو مجرد بداية لما سيحدث لاحقا.
ففي عام 1993 منع العودة وسفر الحوالي من إلقاء الخطب والمحاضرات العامة، وفي العام التالي اعتقل العودة ضمن سلسلة اعتقالات واسعة شملت رموز "الصحوة"، وقضى بضعة أشهر من فترة اعتقاله في الحجز الانفرادي في سجن الحائر، وأطلق سراحه في عام 1999.
وبحسب التقارير التي تتناول السيرة الذاتية له، فإن العودة سجن لأكثر من خمسة أعوام بسبب نشاطاته، إلا أن أفكاره تطورت بعد الإفراج عنه، فقد دعا بعد اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011 للانتخابات، والفصل بين السلطات، الأمر الذي بدا تهديدا للعائلة الحاكمة.
وعاد العودة مرة أخرى إلى الهجوم على سياسات الحكومة السعودية، في إجهاض الثورات قائلا: "حكومات الخليج تقاتل الديمقراطية العربية، لأنها تخشى أن تأتي إلى هنا، انظروا إلى ما فعلوه في مصر، حيث أرسلوا مليارات الدولارات بعد.. هذا مشروع خليجي وليس مشروعا مصريا".
ثم أصدر كتابه "أسئلة الثورة" الذي دخل في قائمة الحظر على الفور.
وواصل العودة التصعيد مع الحكومة حين وجه في عام 2013، خطابا مفتوحا للحكومة السعودية، مطالبا بإطلاق سراح معتقلي الرأي، وامتصاص الغضب الشعبي المتعاظم في ما يتعلق بملف المعتقلين، "درءا لخطر الفتنة"، بحسب تعبيره.
واستخدم أسلوب حوار هادئ وناصح في خطابه هذا، كما شهد بذلك كثير من علماء الدين والحقوقيين والمواطنين السعوديين.
ورغم أن لدى العودة 14 مليون متابع على حسابه على "تويتر"، فقد تجنب في الفترة الأخيرة التعليق على الشؤون السياسية في الأماكن العامة، وركز بدلا من ذلك على الأمور الروحية، وتفرغ للتأليف وبعض البرامج التلفزيونية.
لكن ذلك لم يحل بينه وبين الاعتقال، فمن جديد، شملته حملة اعتقالات سياسية في أيلول/ سبتمبر العام الماضي، بعد نشره تغريدة على حسابه في موقع تويتر يدعو فيها الله "للتأليف بين قلوب ولاة الأمور لما فيه خير الشعوب"، وسط الأزمة الخليجية.
وجاءت التغريدة بعد حديث عن مصالحة محتملة بين قطر والسعودية، ولم تفصح الحكومة السعودية آنذاك عن مكان اعتقال العودة أو المسار القضائي لقضيته رسميا.
غير أنه وبعد بضعة أشهر من اعتقاله، تدهورت الحالة الصحية للعودة، فنقل في كانون الثاني/ يناير الماضي إلى مستشفى في جدة، بعدما أمضى أكثر من أربعة أشهر في السجن الانفرادي، بحسب ما أعلنته "منظمة العفو الدولية"، نقلا عن أفراد في أسرته.
وكانت قد نشرت أخبار عن وفاته في محبسه إثر تعرضه للتعذيب، لكن هذه الأنباء تم نفيها على لسان ابنه الذي أقر بنقل والده إلى المستشفى، دون أي تفاصيل.
العودة قدم الأسبوع الماضي إلى "المحكمة الجنائية الخاصة"، التي عادة ما تستمع للقضايا المتعلقة بـ"الأمن القومي والإرهاب"، حيث يواجه 37 تهمة، وتشمل الدعوة الخروج على الحاكم، والانتماء لـ"جماعة الإخوان المسلمين"، التي صنفتها الرياض منظمة "إرهابية" في بدايات عام 2014، ولاحقت كل من ساند التنظيم، أو انتمى له بعد ذلك، رغم أن العودة ليس عضوا في "الجماعة".
وتضمنت قائمة التهم، الإشراف على "ملتقى النهضة"، وهو مبادرة قطرية تأسست في عام 2010، وتهما أخرى تتعلق بالعمل على تحريض الشباب على "إثارة القلاقل والفوضى" في بلدانهم بهدف قلب أنظمة الحكم، وإنشاء "منظمة النصرة" في الكويت، وأنه عضو بـ"مجلس الإفتاء الأوروبي"، و"اتحاد علماء المسلمين"، مع تهم أخرى تتعلق بتغريدات على "تويتر".
وطلبت النيابة العامة السعودية الإعدام للعودة في بداية محاكمته في الرياض، وأفاد عبدالله نجل العودة بأن "النيابة طالبت بالقتل تعزيرا لوالده".
وبينما لم يصدر أي بيان عن النيابة العامة في المملكة، فإن العودة ومعه عشرات رجال الدعوة قد يواجهون الإعدام الفعلي في أي لحظة، لأنهم قاموا بدورهم كما يقولون دائما في "النصيحة وقول الحق"، و"عدم التملق والتزلف للحكام"، كما هو حال أسماء أخرى كبيرة فضلت الصمت والانزواء بعيدا عن "مقصلة العلماء"، في حين أن كثيرا من المعتقلين كانت لهم إشارة في برامجهم التلفزيونية إلى "كلمة حق عند سلطان جائر".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق