الأحد، 9 سبتمبر 2018

الخوف المتبادل بين السيسي والجماهير

الخوف المتبادل بين السيسي والجماهير



وائل قنديل 
كلما زادت لوثتهم، أدركت أنهم متهافتون، على الرغم من الإفراط في استعراض مظاهر البطش والبهرجة.
كلما أمعنوا في ادّعاء القوة المطلقة، أيقنت هشاشتهم، على الرغم من عنف ضرباتهم وغبائها.
لا يحتاج الأمر لجهدٍ كثير لإدراك أن سلطة عبد الفتاح السيسي تعاني خواءً متصاعدًا، تحاول أن تستره بالمبالغة في الحديث عن إنجازاتٍ خارقة، لا يراها أو يشعر بها أحد، ولا وجود لها إلا في عناوين صحفٍ تكذب برداءةٍ لا تقنع عقل طفل.
الأقوياء بالفعل لا يحرصون على ادّعاء القوة المفرطة، ولا يصيبهم الذعر من تغريدةٍ أو كلمة نقد، أو حقيبةٍ على ظهر طالب.
الأقوياء حقًا ليسوا خسيسين في ضرباتهم، أو جبناء في طعناتهم، أو فجارًا في خصومة المخالفين والمعارضين، كما نرى منذ أكثر من خمس سنوات، تتمتّع فيها السلطة بوضعية اللعوب المدلّلة، تمويلًا ومنحًا ودعمًا سياسيًا ورعايةً بلا حدود، والنتيجة أن المواطن أكثر تبرّمًا وسخطًا، لأن العيش أكثر ضنكًا وضيقًا.
كل هذا التخبّط في قرارات الإحلال والتبديل في الماكينة السياسية، والآلة الإعلامية، يعكس حقيقة واحدة: أن نظام السيسي يشعر بأنه يحرُث في البحر، ويبني قلاعًا من الوهم فوق ألواح كارتون، ويستشيط غضبًا من أن المواطن العادي لم تعد لديه طاقةٌ لابتلاع مزيدٍ من الأكاذيب وهضم كميات إضافية من الأوهام والوعود.
بفطرته البسيطة، يتوصل إليها المصري العادي: لو كان هذه النظام واثقًا من إنجازاته المدّعاة لما كان خائفًا من الجماهير، وحريصًا على أن يكون مخيفًا لها على هذا النحو الساذج.
لو كانت ثمّة إنجازات حقًا لصفق لها الناس، والتفوا حول صانعها، ولما كانت المعتقلات وأماكن الاحتجاز بهذه الزحام الكثيف، ولما كان القضاء هو المرفق الأكثر إنتاجًا، والأعلى إسهامًا في الدخل القومي، إلى الحدّ الذي ربما يتفوّق به على إيرادات قناة السويس، بتفريعتها الجديدة.
عدد المارّين من أبواب النيابات العامة، دخولًا وخروجًا، يفوق عشرات أضعاف عدد السفن العابرة قناة السويس، وما دفعه عشرات الآلاف من المعتقلين من كفالاتٍ خلال السنوات الخمس الماضية، ربما يفوق رسوم عبور الناقلات من القناة.. ناهيك عن عشرات المليارات من الجنيهات المصرية التي تمّت مصادرتها، والتحفظ عليها، بعد انتزاعها من مالكيها وإيداعهم السجون، في مناخٍ عام يتأسّس على عقيدة استحلال المواطن في ماله وحريته وحياته، بالأسلوب ذاته الذي سمعنا عنه في سلوك جماعات العنف ومليشيات الجريمة المسلحة.
والحاصل أن النظام في مصر لا يكفّ عن الصراخ الهستيري: أنا قوي.. أنا الأقوى، وهذا يعني على الفور منتهى الضعف، والخوف من الانكشاف، إذا لا يحتاج القويّ إلا الصياح الساذج لإقناع من حوله، فضلًا عن اعتناق النظام مفهومًا معوّجًا لمعنى القوة، يجعله لا يراها إلا في البطش والقمع وإرهاب البسطاء بالعصا الأمنية الغليظة، وهذا أسلوبٌ يليق بعصابةٍ مسلحةٍ تحاول فرض سطوتها على المجتمع، بالترهيب، وليس دولة تُشعر مواطنيها بقوتها الواقعية، وجدارتها الأخلاقية، بالإقناع الذي لا يمكن صناعته بترسانات الإعلام الكذوب، أو فرضه بالإكراه، ذلك أن التاريخ ينبئنا بأن الدول القوية لا تخاف رعاياها، كما لا تخيفهم.
هل سمعت عن نظام قويٍّ ومستقر يستهلك ثلاثة رؤساء حكومة وأربعة وزراء دفاع وداخلية في أقل من أربع سنوات؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق