الاثنين، 24 سبتمبر 2018

My Incredible Story by Ghanim al Muftah (English)الفتى المعجزة.. غانم الرّابح دائما!

الفتى المعجزة.. غانم الرّابح دائما!



د. فتحي الشوك
طبيب
أدرجت وزارة التربيّة والتّعليم الكويتية قصّة الفتى القطري المعجزة غانم المفتاح ضمن منهاج اللّغة الإنجليزية لطلّاب الصفّ الثّامن، وقد كانت لهذه الخطوة صداها الواسع، فقد أثلجت صدور الكثيرين من محبّي هذا الفتى والمتعاطفين معه وقد تكون أغضبت بعضا ممّن في قلوبهم مرض. فكيف تحوّل هذا الفتى الحامل لإعاقة جسدية بالغة جعلته بنصف جسد تقريبا إلى شبه أسطورة ومثال يحتذي به في تحدّي الإعاقة؟ وكيف نافس وتفوّق على الأصحّاء وأصحاب الأجساد المكتملة؟
غانم المفتاح.. قصّة تحدّي ونجاح:
ولد غانم المفتاح في 5 مايو آيار2002 وهو مصاب بمتلازمة التّراجع الذّيلي (syndrom caudal regression) وهو عيب خلقي نادر يحدث بمعدّل واحد لكلّ 25 إلف شخص، ويتميّز بنموّ غير طبيعي للجنين في بعض أجزائه وخاصّة الأجزاء السفليّة من العمود الفقري، وغالبا ما يغيب العجز والعصعص مع تشوّه في الفقرات القطنية وقد يترافق مع تشوّهات في الجهاز البولي والتّناسلي ممّا قد يؤدّي إلى الفشل الكلوي، كما يمكن أن يبرز في مراحل تقدّم المرض قصور في التنفّس نتيجة لتشوّه في فقرات العمود الفقري الصدري. أمّا عن أسبابه فهو مرتبط أساسا بإصابة الأمّ بمرض السكّري خلال حملها وله أسباب جينية مردّها طفرة جينية تمسّ الجين HB9.

هو مرض "ثقيل" وإعاقة شديدة، ممّا يتطلّب رعاية صحّية (جسدية ونفسية) مكثّفة وإحاطة عائلية واجتماعية لامتصاص أثار المرض الحسّية والمعنوية ولتمكينه من اكتساب بعض الاستقلالية الذّاتية ومن الاندماج في مجتمعه. تلك قصّة مرض الغانم، أمّا قصّته فمختلفة تماما فهو لم يكتف بمجرّد التّعايش مع إعاقته الشّديدة بل يبدو أنّه انتصر عليها وقهرها حيث كافح مع أسرته ليفرض وجوده في مجتمعه وليتحوّل إلى رمز للتحدّي والإصرار والنّجاح، مولّدا شحنات إيجابية ليس فقط لذوي الاحتياجات الخاصّة بل وللأصحّاء أيضا.





عندما ترى غانم وهو يتحدّث بسلاسة وطلاقة، عارضا أفكاره، عندما تشاهده يبتسم ويضحك، يمرح، يسجد ويلعب، يقرأ ويكتب، تكتشف أنّك بحضرة "فلتة وفتى غير عادي استحقّ عن جدارة لقب "قاهر المستقبل الخليجي" بل هو كذلك على المستوى العالمي إذ أنّه وللأمانة لم يتواجد طفل بمثل إعاقته حقّق ما حقّقه من نجاحات، ولو كان متواجدا في الغرب لحوّلت قصّته إلى أفلام ولكان مثالا يدرّس في كلّ المدارس. تحوّل غانم من إنسان ذي احتياجات خاصّة يتطلّب رعاية ومساعدة خاصّة إلى إنسان يقدّم المساعدة والرّعاية لأمثاله من ذوي الاحتياجات الخاصّة وللأصحّاء أيضا. أنشأت أمّه سنة 2008 نادي غانم الرّياضي للسّماح لكلّ الأطفال من ذوي الإعاقة أو الأصحّاء بممارسة الألعاب الرّياضية.
لغانم كتب ومنشورات تحفّز على النّجاح وتحدّي الإعاقة والصّعوبات، وهي ملهمة للجميع، فقد كتب في مقدّمة كتابه "غانم الرّابح دائما" الّذي طبع بواسطة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في قطر: "اسمي غانم، طفل قطري، ولدت في دوحة الخير، عاصمة قطر، وتنسّمت ربيع بلادي، في لغتي: يعني اسمي الرّابح دوما، ولنقرأ ولنسمع حكايتي الجميلة". قام غانم بإنشاء جمعية "غانم الرّابح للكراسي المتحرّكة"، وهي جمعية أهلية يوزّع من خلالها الكراسي المتحرّكة على من يحتاجها. صار غانم مؤثّرا، وتجاوز مرحلة إثارة الشّفقة والعطف لدى الآخرين إلى استثارة النّشاط والتحدّي لديهم، صار علامة مميّزة للنّجاح وتخطّي الصّعاب. سمّي سفيرا للنّوايا الحسنة من قبل مؤسّسة "أيادي الخير نحو آسيا" كما تمّ اختياره من قبل مركز قطر للمال ليكون سفيرا دعائيا لها.

تمّ إدراج قصّة الفتى ضمن المناهج التعليمية القطريّة (منهاج الصفّ الأوّل ثانوي بمادّة المهارات الحياتية المهنيّة، ليقع نفس الشيء منذ أيّام من قبل وزارة التربيّة والتّعليم الكويتي الّتي جعلت قصّته ضمن منهاج الصفّ الثّامن إنجليزي، وهي بادرة طيّبة كان يمكن أن تعمّم خليجيا وعربيّا لولا ما نعيشه من فرقة وتشرذم وبثّ لروح الكراهية والحقد وتمزيق مريع لنسيج من المفترض أن يكون واحدا. قصّة غانم كان من الممكن أن تكون قصّة جامعة، تبثّ الأمل وتحفّز على العمل والتحدّي في وقت عصيب ساد فيه الكسل والإحباط واليأس وكان عنوانه الفشل. كان يمكن أن تلحق في جميع المناهج التّعليمية العربيّة والإسلامية وأن تكون موضوعا لأفلام كرتون وإعمال تلفزيونية وسينمائية تسوّق عالميا ليشاهد العالم أنّنا أمّة تعشق الحياة ولها مشروع ويمكنها أن تساهم في إثراء الحضارة الإنسانية.

غانم المفتاح.. كيف غنم وبأيّ مفتاح؟
أعتقد أنّ سرّ نجاح هذا الفتى المعجزة يكمن في بيئته، فما كان لغانم أن يغنم لولا والديه وخصوصا والدته إيمان العبيدلي الّتي لخّصت المشهد بقولها: "لست أدري من الرّابح، أنا أم أنت؟ ولكنّي أجزم بأنّي رابحة لكوني أمّك وفخورة بأنّك ابني". 
هي أمّ مثالية حقيقيّة وتستحقّ أن تكون كذلك على المستوى العربي،  لتبقى الأمّ والمرأة بصفة عامّة هي مفتاح وسرّ نجاح أيّ تجربة في بناء الإنسان وهي باب تدميره وإفساده. غانم المفتاح يعتبر مفتاحا لقفل الفشل والإحباط الّذي نعيشه اليوم، قصّة هي بمثابة شحنات ايجابية وفسحة أمل في جوّ يسوده اليأس، هي تجربة ملهمة، ستكون علينا حجّة لنستلهم ونعتبر، توقا لغد أفضل.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق