الجمعة، 28 سبتمبر 2018

مع إسرائيل مائة في المائة

مع إسرائيل مائة في المائة

 وائل قنديل
قال ترامب في اجتماعات الأمم المتحدة: نحن مع"إسرائيل"مائة في المائة.
وقال السيسي في نيويورك ما مضمونه: مع ترامب مائة في المائة.
بينما قال مصطفى الفقي، أحد رجال السيسي، في ذلك "إن ترامب هو أكثر الوجوه الأمريكية ارتباطًا بإسرائيل في التاريخ، واعتمادًا على اللوبي اليهودي، فهو لم يقصّر مع إسرائيل وخنق "أونروا"، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس".
الخلاصة إن السيسي مع الكيان الصهيوني مائة بالمائة، وقد تجلى ذلك في حالة السرور والحبور التي سكنت ملامحه، وهو يلتقي رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، علنًاً، للمرة الثانية في المكان ذاته، للعام الثاني على التوالي، ناهيك عن اللقاءات السرّية المتعدّدة، والاتصال الهاتفي بينهما، مرتين أسبوعيًا على الأقل، وفقًا لما تؤكّد عليه الدوائر السياسية والإعلامية الصهيونية.
 "كان أفضل اجتماع حضرته في حياتي، نتائجه ستؤثر على الواقع في الشرق الأوسط "هكذا علق الوزير الصهيوني الذي حضر لقاء السيسي - نتنياهو في نيويورك، والذي طال ساعتين كاملتين، بعد يوم واحد فقط من لقاء الدقائق الخمس بين ترامب والسيسي، الذي بانت فيه علامات الامتزاج الكامل بينهما.
لهذا، فقط، يحرص عبد الفتاح السيسي على الذهاب إلى نيويورك في كل عام، فالمسألة كلها لا تعدو بالنسبة لها كونها فرصةً سنوية للقاء العلني برئيس الوزراء الصهيوني، وعدا ذلك من فقرات هو من قبيل التفاصيل الصغيرة، على هامش الموضوع الأساس: التأكيد على الولاء الكامل للمشروع الأميركي الإسرائيلي، بوصفه التعويذة السحرية، والمسوّغ الأهم، للبقاء في السلطة، ليعود شاهرًا صوره مع ترامب ونتنياهو في وجه من يفكّر في معارضته أو يحلم بإزاحته من الحكم.
تعرف إسرائيل حدود الدور المرسوم له جيدًا، ويبذل ما في وسعه للاحتفاظ بهذه الوظيفة، الموروثة عن معلمه حسني مبارك: أن يكون جاهزًا، طوال الوقت، لتلبية الطلبات الصادرة من واشنطن وتل أبيب، فيما يتعلق بصيغ التسوية، أو التصفية، المطروحة للقضية الفلسطينية، فإن قال ترامب بالدولتين، رد السيسي: لبيك، وإن قال دولة واحدة، يهودية بالطبع، فهو حاضر.
لا تصوّر لدي السيسي، ولا همّ يشغله سوى العوائد والأرباح، فخورًا للغاية بالدوران في فلك السياسة الأميركية والإسرائيلية، فهو يقتات على التبعية، حتى وإن خرجت أبواقه تصيح بأن مصر مع السيسي تقود العالم، والحاصل أن بعضهم يطلق التصريحات كما يشعل أعواد البخور، ويخلط بين الرؤية السياسية والرقية الشرعية، في سياقٍ من الشعوذة القومية المصنوعة برداءة تثير سخرية العالم.
****
ماذا حدث لجلال أمين؟
رحل هذا الأسبوع المفكر والمثقف الكبير الدكتور جلال أمين، تاركًا خلفه مؤلفاتٍ أسهمت في صياغة أفكار ووجدان أجيال تبحث عن المعاني الحقيقية للاستقلال الوطني، ورفض التبعية والثورة على الظلم والاستبداد، غير أن المفارقة أن "المعلم" أمضى أعوامه الأخيرة، قبل الرحيل، في خدمة كل ما ناضل ضده، وحشد الجماهير لرفضه.
فاجأت ثورة يناير/ كانون ثاني 2011 جلال أمين، فاتخذ منها موقف الارتياب، ثم التشكيك في نقائها وعفويتها، بعد ذلك، حتى إنه بلغ مرحلة اعتبارها مؤامرة كونية، وراءها العدو الصهيوني، ثم تحول لاحقًا إلى منظّر منحاز لمشروع عبد الفتاح السيسي، بألوانه الصهيونية الفاقعة، ليصيب تلاميذه ومريديه بفقدان الثقة في كل ما عرفوه منه، وعنه.
رحل صاحب كتاب "ماذا حدث للمصريين" تاركًا الجميع يضربون أخماسًا في أسداس، متسائلين: ماذا حدث لجلال أمين؟.
اللهم اغفر له وسامحه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق