عُمان..البُعد الآخر (1_2)
عُمان.. البعدُ الآخر
أثار رحيل السلطان قابوس بن سعيد جولة اهتمام كبيرة وحوارات عديدة، تشمل أكثر من اتجاه ومسار، على الصعيد السياسي الإستراتيجي للخليج العربي والعلاقات الدولية، بين الإقليم والعالم، وعلى الصعيد الفكري الثقافي العربي، وخصوصاً كيف تقيّم رحلة السلطنة في التاريخ العربي الحديث، منذ تولي السلطان قابوس الحكم 1970 بعد إزاحة والده السلطان سعيد، وهو تاريخ مهم للغاية، ولا يمكن لأحد أن يفهم موقف التضامن الشعبي والمشاعر الحميمية للعُمانيين تجاه السلطان قابوس لحظة رحيله، من دون فهم هذه المرحلة وما قبلها.
وهنا يطرأ إشكالٌ عميق، في تحديد معالم أو ميزان التقييم السياسي لسلطنة عُمان، مقابل أي وطنٍ آخر، حين يكون المعيار قائماً، على معادلة الحكم السياسي في هذا البلد أو ذاك، وأنها تقاس بوجود نظام ديمقراطي شعبي، لم يستقر حتى اليوم في المشرق العربي، وليس ذلك مدعاةً لأي خروج من الالتزام بحقوق المشاركة الشعبية والرقابية والتشريعية ومراقبة السلطات وفصلها، ومنظومة المجتمع المدني، فذلك كله هو في الحقيقة من ضرورات صناعة الدولة المدنية الحديثة التي يمكن أن تجمعها إلى هويتها القومية وروحها الإسلامية، وبالتالي هي مسيرة مشروعة، ومستحقّة للتحقيق للشعب العُماني وغيره، ويرتبط ذلك بالموقف أيضاً، من المشاريع الخارجية بدأً من مركزية المشروع الصهيوني، وانتهاءً بالمشروع الطائفي الإيراني التوسعي.
ولكن هذه ليست كل الحكاية، فلا يمكن أن يُقاس المستقبل السياسي، والواقع الاجتماعي لأي
دولة أو مسيرة، بالوصول إلى المتطلب الشامل، ولا يمكن أن تُلغى معايير مهمة جداً وضرورية، لبقاء الدولة والسلم الاجتماعي والأهلي، والدفع في اتجاه المقدمات الحضارية والعبور الإنساني لها، في هذه الدولة أو تلك، وواقع السجون السياسية فيها، مقارنة بحالة التوحش التي يعيشها الوطن العربي الكبير، وما يجري من انهيارات كليّة لأوطانه، داخلية وحدودية.
وهناك انقسامات عديدة في الوطن العربي اليوم، بين أنصار المعسكر السعودي المصري، على سبيل المثال، تحت مسمّى محور أبو ظبي، ليس لتميز جغرافيتها السياسية ولا تاريخها، ولكن لكون أنها صاحبة المشروع الأيديولوجي في قيادة هاتين الدولتين اليوم، وإن كانت هناك حسابات خاصة للجيش المصري، والمدقق في التفاصيل يعرف أن العمق العسكري المصري لا يسير على خطّة أبو ظبي بالضرورة، خلافا للتعبية السعودية الحالية.
التجاذب الآخر هو التكتل بين تركيا العثمانية الجديدة والجمهورية الإيرانية الطائفية والعرب، الأولى بحكم أنها تاريخ تبعية للوطن العربي تحت السلطنة العثمانية، وأنها، بحسب مواليها، الدولة المركزية واجبة الاتباع، بغض النظر عن واقعها القومي ومصالحها السياسية.
والأمر نفسه مع موالين للجمهورية الإيرانية، يضعونها محوراً للمقاومة المزعومة بناء على المعارك الصوتية، أو قواعد الاشتباك الخاضعة للعبة الدولية. وبالطبع، هناك فروق خاصة في قضية صناعة الفكر الطائفي لطهران، ليكون ممهّداً للزحف الواسع العسكري والسياسي على
الأرض العربية، حيث لم يكن لأنقرة، عند انطلاق تأسيسها الديمقراطي الحديث، في العام 2002، هذا المشروع وهذا اللعب على الانقسام الطائفي.
وأمام الصراع الكارثي بين محور أبو ظبي وكل من مشروعي طهران وأنقرة، تبدو هنا لحظة تأمل في قياس الموقف العُماني الذي أصلاً لم يسع إلى التوسع مطلقاً، منذ دورات الحصار لقوات المقاومة العُمانية وإسقاط الزحف الغربي لنفوذها، ونزع زنجبار من سلطنة العُمانيين، بل عاشت عُمان مرحلة صعبة جداً سنعود لها، لكننا اليوم نطرح التأمل في موقف مسقط من الحياد، أمام نتائج التدخل للمشاريع الثلاثة في مآل سورية أو العراق أو اليمن.
تبدو مسقط التي لم ترغب أن تُطرح قطباً مماثلاً، وإنما سياسة قومية خاصة بعُمان، مارست براغماتية واسعة، اختلف معها كثيرون في دورات متعدّدة، من مواسم السياسة العربية، لكننا اليوم حين ننظر بعمق إلى مآلات تدخل تلك المحاور وتدمير ليبيا، وإسقاط السلام الاجتماعي في مصر، من محور أبو ظبي، ومشروع الزحف الإيراني، وأثره على العراق واليمن، ثم شراكة السعودية في مأدبة الإثم اليمني. ثم وصاية طهران على لبنان وتدمير سورية، ثم شراكة تركيا في تصفية ثورة سورية واقتسام النفوذ في أرضها التي يمثل تصريح وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، أخيرا عنواناً مهماً لها، حين صرح ألا حلول سياسية، والمعارضة مسؤولة عن حماية نفسها، ولا شأن لتركيا بها، وهي قضيةٌ كانت واضحة منذ اتفاق سوتشي، لكنها غُطيت إعلاميا من أنصار العثمانية الجديدة.
وبالعودة إلى سجل هذه المحاور، ودورها في تكريس القوة الإسرائيلية الجديدة، وداعميها من المعسكر اليميني الغربي الحديث، أين نضع سياسة مسقط، ذات العلاقة مع تل أبيب وطهران، والتي انتهجت علاقات بينية لتحييد حدودها ومصالح السلطنة القومية، ثم باشرت بعض الجهود لعملية فض النزاع، أو الحروب في المنطقة، وكلها كانت ضمن استراتيجية السلطان قابوس،
فهل هذا يعني تزكية مسقط؟ كلا.. ولكنها نظرة عقل تتبصّر مآلات المشرق العربي، تحت صراع المحاور، وموقف مسقط الذي لم يُعلن يوماً ولم يتقدّم، لتكون عُمان ذات سيادة على قرارات سياسية وشريحة شعبية لهذه الدولة أو تلك.
وكثيرون من أبناء الوطن العربي لا يعلمون أن السلطان قابوس استلم الحكم، وكانت حالة الإنسان العُماني في وضعٍ صعب للغاية، تعليميا ومدنياً، وطبياً واجتماعياً، على الرغم من أن لإرث عُمان الحضاري جذورا غنية، وكان عدد من أبناء عُمان خارج أرضه طلباً للرزق، فتطورت السلطنة تدريجياً واستعاد السلطان مواطنيه، وأئمة المعارضة الإمامية الإباضية التي كانت تحتضنها السعودية. وأنجز مصالحة مع قيادة الحركة اليسارية في ظفار، وانخرط بعضهم في الحكومة، وشارك في إنشاء النهضة الحديثة، بعد أن تخلت الحركة عن مشروع دولة ظفارية، كان هناك تحت كفاحه مزيجٌ من الروح العروبية والحقوقية، ولكنه كان مرتهنا بالمعسكر الأحمر الذي حوّل اليمن الجنوبي، في حينه، إلى ثكنة عقائدية شيوعية، دعمت ثورة ظفار... وللحديث صلة.
ولكن هذه ليست كل الحكاية، فلا يمكن أن يُقاس المستقبل السياسي، والواقع الاجتماعي لأي
وهناك انقسامات عديدة في الوطن العربي اليوم، بين أنصار المعسكر السعودي المصري، على سبيل المثال، تحت مسمّى محور أبو ظبي، ليس لتميز جغرافيتها السياسية ولا تاريخها، ولكن لكون أنها صاحبة المشروع الأيديولوجي في قيادة هاتين الدولتين اليوم، وإن كانت هناك حسابات خاصة للجيش المصري، والمدقق في التفاصيل يعرف أن العمق العسكري المصري لا يسير على خطّة أبو ظبي بالضرورة، خلافا للتعبية السعودية الحالية.
التجاذب الآخر هو التكتل بين تركيا العثمانية الجديدة والجمهورية الإيرانية الطائفية والعرب، الأولى بحكم أنها تاريخ تبعية للوطن العربي تحت السلطنة العثمانية، وأنها، بحسب مواليها، الدولة المركزية واجبة الاتباع، بغض النظر عن واقعها القومي ومصالحها السياسية.
والأمر نفسه مع موالين للجمهورية الإيرانية، يضعونها محوراً للمقاومة المزعومة بناء على المعارك الصوتية، أو قواعد الاشتباك الخاضعة للعبة الدولية. وبالطبع، هناك فروق خاصة في قضية صناعة الفكر الطائفي لطهران، ليكون ممهّداً للزحف الواسع العسكري والسياسي على
وأمام الصراع الكارثي بين محور أبو ظبي وكل من مشروعي طهران وأنقرة، تبدو هنا لحظة تأمل في قياس الموقف العُماني الذي أصلاً لم يسع إلى التوسع مطلقاً، منذ دورات الحصار لقوات المقاومة العُمانية وإسقاط الزحف الغربي لنفوذها، ونزع زنجبار من سلطنة العُمانيين، بل عاشت عُمان مرحلة صعبة جداً سنعود لها، لكننا اليوم نطرح التأمل في موقف مسقط من الحياد، أمام نتائج التدخل للمشاريع الثلاثة في مآل سورية أو العراق أو اليمن.
تبدو مسقط التي لم ترغب أن تُطرح قطباً مماثلاً، وإنما سياسة قومية خاصة بعُمان، مارست براغماتية واسعة، اختلف معها كثيرون في دورات متعدّدة، من مواسم السياسة العربية، لكننا اليوم حين ننظر بعمق إلى مآلات تدخل تلك المحاور وتدمير ليبيا، وإسقاط السلام الاجتماعي في مصر، من محور أبو ظبي، ومشروع الزحف الإيراني، وأثره على العراق واليمن، ثم شراكة السعودية في مأدبة الإثم اليمني. ثم وصاية طهران على لبنان وتدمير سورية، ثم شراكة تركيا في تصفية ثورة سورية واقتسام النفوذ في أرضها التي يمثل تصريح وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، أخيرا عنواناً مهماً لها، حين صرح ألا حلول سياسية، والمعارضة مسؤولة عن حماية نفسها، ولا شأن لتركيا بها، وهي قضيةٌ كانت واضحة منذ اتفاق سوتشي، لكنها غُطيت إعلاميا من أنصار العثمانية الجديدة.
وبالعودة إلى سجل هذه المحاور، ودورها في تكريس القوة الإسرائيلية الجديدة، وداعميها من المعسكر اليميني الغربي الحديث، أين نضع سياسة مسقط، ذات العلاقة مع تل أبيب وطهران، والتي انتهجت علاقات بينية لتحييد حدودها ومصالح السلطنة القومية، ثم باشرت بعض الجهود لعملية فض النزاع، أو الحروب في المنطقة، وكلها كانت ضمن استراتيجية السلطان قابوس،
وكثيرون من أبناء الوطن العربي لا يعلمون أن السلطان قابوس استلم الحكم، وكانت حالة الإنسان العُماني في وضعٍ صعب للغاية، تعليميا ومدنياً، وطبياً واجتماعياً، على الرغم من أن لإرث عُمان الحضاري جذورا غنية، وكان عدد من أبناء عُمان خارج أرضه طلباً للرزق، فتطورت السلطنة تدريجياً واستعاد السلطان مواطنيه، وأئمة المعارضة الإمامية الإباضية التي كانت تحتضنها السعودية. وأنجز مصالحة مع قيادة الحركة اليسارية في ظفار، وانخرط بعضهم في الحكومة، وشارك في إنشاء النهضة الحديثة، بعد أن تخلت الحركة عن مشروع دولة ظفارية، كان هناك تحت كفاحه مزيجٌ من الروح العروبية والحقوقية، ولكنه كان مرتهنا بالمعسكر الأحمر الذي حوّل اليمن الجنوبي، في حينه، إلى ثكنة عقائدية شيوعية، دعمت ثورة ظفار... وللحديث صلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق