الاثنين، 27 يناير 2020

"محمد علي" وحديث النجاح والفشل!

"محمد علي" وحديث النجاح والفشل!

سليم عزوز

أحسن المقاول، والفنان محمد علي صنعاً، بإعلانه الانسحاب من المشهد السياسي، واغلاق صفحته على "فيسبوك"، بعد فشل دعوته للثورة في 25 كانون الثاني/ يناير الجاري، لأنه بما فعل قطع الطريق على من قرروا أن يتعاملوا معه على أنه مادة للاستهزاء والسخرية، وآخرين من دونهم وجدوا فيه شماعة ليعلقوا عليه فشلهم، وكأن الهزيمة بدأت به، وكأنهم لم يهزموا على مدى سبع سنوات هي عمر الانقلاب العسكري!

لست على اتصال بـ"محمد علي"، وقد دعوته إلى عدم الاتصال بنا أو التواصل معنا، وأن يظل بعيداً، يخاطب "أهله وعشيرته"، ومن يعز عليهم أن يجدوا أنفسهم معنا بعد سنوات من التخوين والتكذيب والإنكار. فها هو واحد منهم يتخطى الرقاب، وهو يشبههم، ليس سياسيا وليس داعية، وليس ضليعاً في السياسة، إنه بسيط كبساطتهم، وابن الحارة المصرية، ومن هنا كان الحكم عليه ليس ضمن المعايير المعتمدة في التعامل مع السياسيين أو المتدينين!


"قطع الطريق على من قرروا أن يتعاملوا معه على أنه مادة للاستهزاء والسخرية، وآخرين من دونهم وجدوا فيه شماعة ليعلقوا عليه فشلهم"

الدكر:
تقول دعاية السلطة إنه سكّير، فيكون الرد: وما المشكلة؟ وتقول دعاية الشيطنة إنه "زير نساء"، فلا يقف أنصاره أمام ذلك كثيراً، فإذا قالوا إنه لص سرق أموال الدولة وهرب، قيّدوا التهمة في خانة الرجولة، فلم يعد السيسي هو "الدكر"، فسمات الدكر تنطبق على محمد علي، ليتم استدعاء قيم قديمة، فيدهش الناس عندما يعلمون أن "ريا" و"سكينة" كانتا خارجتين على القانون، وأن "أدهم الشرقاوي" كان قاطع طريق، فكيف حفظ الوجدان الشعبي لهم أنهم رموز؟ وهو تساؤل يرجع إلى الحكم بالقيم الحديثة!

فقد كان يكفي الناس أن "سكينة" وأختها كانتا كمائن لاصطياد جنود الاحتلال وقتلهم، وأن أدهم الشرقاوي كان شهماً، لم يقبل الضيم، وإن قام بقطع الطريق!

أذكر في طفولتي أنني عاصرت آخر سلالة "خُط الصعيد"، وكيف كان الناس يتحدثون عن أحد الأشقياء، الهاربين من العدالة، باعتزاز، لأنه كان يقطع الطريق على السيارات الحكومية المحملة بالدقيق، ويمكن الأهالي من الاستيلاء عليها، دون أن يحصل منهم على مقابل لهذا. ولم يفكر أحد في أن هذا الدقيق وإن كان مملوكا للحكومة، فإنه في الطريق لتوزيعه على مواطنين آخرين، فيكفي أنه يوجع السلطة، ويكفي أن واحدا منهم هو من يتمرد على قوتها وبطشها، ومن هذا المنطلق تغنى شاعر الربابة ببلدياتي "مصطفى هاشم"!

ومن هنا، فالذين أوبوا مع محمد علي من "أهله وعشيرته"، استدعوا المعايير القديمة، فلم يشغلهم كل ما قيل في صاحبهم الذي يتحدث بلغتهم، وليس بالنحوي، ويتجاوز كإنسان تربى في نفس بيئتهم، ولا يستخدم الكلمات الضخمة الفخمة التي تقال في ميادين السياسة وفي خطب السياسيين!

ظاهرة منى الشاذلي:

لقد راعني قبل الثورة، هذا التجاوب من قبل البسطاء مع مقدمة برنامج "العاشرة مساء"، منى الشاذلي، ولم أكن أرى فيها ما يبرر هذا الاحتفاء، لأنها تفتقد لكل مقومات المذيعة الناجحة، فهى سطحية وبسيطة، وجاهلة لا تقرأ ولا تكتب، وتغيب عن الوعي وهي تبحث عن جملة أو كلمة أو لاصطياد عبارة تراوغها!

وإذ كنت حاداً في نقدها، فقد كان يدهشني أن هناك من ينبرون للدفاع عنها، وإذ سمعت إجابات مختلفة على سؤال الحفاوة، إلا أن زميلة لخصت الموضوع ببساطة وعفوية: أن الناس يشعرون أنها منهم، وأنها في تعثرها فهي بنتهم، وأختهم، فلا ينزلون عليها أحكامنا. وهو نفس تعاملهم مع محمد علي، الذي انطلقت نجوميته كصاروخ عند أول بث له؛ لم يكن عبر قناة فضائية، ولكن عبر صفحة على "فيسبوك".. كانت تفتقد للتأمين اللازم، فتمكنت الأجهزة في مصر من السطو عليها!

لقد نجح محمد علي نجاحا لم يحققه أحد قبله منذ الانقلاب العسكري، ولا يجوز أن نحكم بفشله، لفشل دعوته في إخراج الناس للثورة، صحيح أنه كان في حكم المغامر وهو يطلق هذه الدعوة، ولم يترك لنفسه مخرجاً، أو "خط رجعة"، لكن عذره أن هذه مشكلته باعتباره يفتقد للوعي السياسي، فتعامل مع نظام كما لو كان يقود "خناقة" مع سكان الحارة المجاورة.


"نجح محمد علي نجاحا لم يحققه أحد قبله منذ الانقلاب العسكري، ولا يجوز أن نحكم بفشله، لفشل دعوته في إخراج الناس للثورة"

إن خطأ محمد علي أنه نقل نفسه إلى خانة الناشط السياسي، فتحدث عن شكل الدولة في المستقبل بشكل بسيط يفتقر للعمق، ثم جعل من نفسه زعيما سياسيا يوجه ويدعو، ولو ظل عند فيديوهات الأولى لكان خيراً له، لكن هل كانت تقبل الجماهير منه أن يظل هناك، وقد تم استعجاله في الأسبوع الأول لظهوره من أجل فعل شيء على الأرض؟ فقد آمن جمهوره بأن النظام فاسد ومنحرف، وأنه يبدد مليارات الجنيهات على ملذاته، وملذات الأصدقاء، ليقع محمد علي ضحية لغواية الجماهير، ولتصدر حكمها عليه بالفشل، لأنه استجاب لها، ونجحت في جذبه إلى خندق الهزيمة بحسن نية منه ومنها!

نجاح غير مسبوق:
لكن من الإجحاف أن يتم الحكم على محمد علي بالفشل، لأنه فشل في دعوته الأخيرة، فالحقيقة أنه على مدى خمسة شهور حقق نجاحا غير مسبوق، منذ وقوع الانقلاب!

لقد كان سبباً في إيمان البسطاء، أو حزب الكنبة، بأنه ليس تحت القبة شيخ، وإذا كان التفريط في التراب الوطني هو ما دفع القوى المدنية المؤيدة للجنرال لأن تنفض أيديها منه، فإن ظهور خطاب محمد علي أنهى انحياز البسطاء للسيسي أو وقوفهم على الحياد منه.

ولا يستطيع أحد أن ينكر أن السيسي قبل ظهور محمد علي ليس هو قبل ظهوره، وقد استشعر خطراً في خطابه، فخرج (السيسي) لا يأبه بتحذيرات أجهزته والذين من حوله، فكان كمن يكحلها فأعماها، وقد أعطى مصداقية لكلام محمد علي، بتأكيده أنه يبنى وسيبني القصور فمصر بلد كبير (لم تعد فقيرة وبائسة)!

وتوقف السيسي عن استخدام خطابه الذي يروج للمهانة والإذلال، فنحن دولة فقيرة، وهو الكلام الذي عاد فيه وزاد ولت وفت بصياغات مختلفة، فلم يعد يستخدمه الآن، وقد بنى سلسلة من القصور والمخابئ، ينافس بها سلسلة مطاعم كنتاكي، ومليارات الجنيهات أهدرت من أجل تلبية رغبات أسرة قررت أن تعيش منبتة الصلة بالشعب المصري الذي يشكو الفاقة ويبيت على الطوى ويستحلب الصخور!


توقف السيسي عن استخدام خطابه الذي يروج للمهانة والإذلال، فنحن دولة فقيرة، وهو الكلام الذي عاد فيه وزاد ولت وفت بصياغات مختلفة، فلم يعد يستخدمه الآن، وقد بنى سلسلة من القصور والمخابئ  "

وتحدث محمد علي عن الأعمال التي تمنح بالأمر المباشر لمقاولين فاسدين، في وقت تم فيه طي صفحة شركات المقاولات الكبرى التي شاركت في بناء كل دول الخليج!

ثم انتقل إلى لقاءات تلفزيونية وصحفية في وسائل الإعلام العالمية، فأحدث نقلة مهمة في نقل القضية الوطنية للخارج، وهو الأمر الذي لم تفلح فيها قوى عريقة، وشخصيات بارزة، كانت في سفرها للخارج تخاطب نفسها، وتتحدث للجالية العربية، بل لمن معها من هذا الجالية، ولو تم الإمساك على هذه الأموال التي تبددت في رحلات الشتاء والصيف لأسر المعتقلين والمشردين في الأصقاع من الشباب الرافض للانقلاب، لكان خيراً وأبقى!

نعم فشلت دعوة محمد علي للثورة، لكن هذا لا يدفعنا لإنكار ما حقق من نجاحات، وقد كان وفيا لوعده فاعتزل السياسة، وإن كنت أعتقد أنه لن يستمر في ذلك، وهذا تحليل لشخصيته وليس معلومة عنه، فلست على اتصال به.

لقد سخر منه البعض، وكأنهم تمنوا فشله، وقالوا متى مارس السياسة لكي يعتزلها!

لا بأس، هو لم يمارسها، فماذا فعل من مارسوها؟!

ولا بأس، فقد فشل، ففي أي شيء نجحتم؟!

ولا بأس، فقد تنحى ليصبح الطريق ممهدا لكم للانطلاق، فمتى تنطلقون؟!

إنهم من قال فيهم العقاد:

"الذين لا يعملون ويؤذيهم أن يعمل الآخرون"!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق