الأربعاء، 22 يناير 2020

جرائم الاستعمار البلجيكي في الكونغو

جرائم الاستعمار البلجيكي في الكونغو



أوائل إبريل/نيسان 2019 أعتذرت بلجيكا رسميا وعلى لسان رئيس وزرائها، عن بعض جرائمها الإنسانية خلال الحقبة الاستعمارية في كل من الكونغو ورواندا وبوروندي.

جاء هذا الاعتذار متأخرا بعد 60 عامًا من استقلال هذه الدول.

وكان اعتذارا ناقصا لأنه لم يكن عن كل الجرائم التي أرتكبها الاحتلال البلجيكي بل عن جزء قليل منها.

اعتذرت بلجيكا فقط عن اختطافها آلاف الأطفال الأفارقة من مختلطي العرق الذين ولدوا من نساء أفارقة وآباء بلجيكيين.

وتبدأ وقائع هذه القصة منذ مؤتمر برلين الذي انعقد بين عامي 1884 و1885 ميلادية، والذي حضرته أبرز القوى الاستعمارية، وفيه حصلت بلجيكا على حصتها من "الكعكة الأفريقية" حيث أقر المؤتمر رسمياً بوضع الكونغو، تحت نفوذ ملك بلجيكا، ليوبولد الثاني.


بما يجعلها شبيهة بالمُلكً الخاصً، وله مطلق التصرف في سكانها وثرواتها.

في بادئ الأمر، لم تعتمد بلجيكا على القوة العسكرية في احتلال الكونغو وإنما اختارت الحيل الماكرة.

فبعد وعود بتطوير القارة ونقل الحضارة والصناعة إليها، أنشأ ليوبولد الثاني عدداً من الجمعيات، كالجمعية الأفريقية العالمية، والرابطة الدولية بالكونغو، التي سعت إلى جذب رؤوس الأموال للقيام بتطوير البنية التحتية في عدد من مناطق الكونغو وما جاورها.

وهذا هو المعلن.


لكن كان لدى ملك بلجيكا هدفاً آخر.

فبعد إجراء دراسات دقيقة حول المنطقة والتيقن من وجود موارد طبيعية هائلة بها، لم تتردد الجمعيات، التي ترأسها ليوبولد الثاني، في استغلال الكونغو ونهب ثرواتها واستعباد شعبها، متسببة في مقتل الملايين.

كانت مساحة الكونغو تبلغ أضعاف مساحة بلجيكا، ولم يكن سكان القبائل فيها يعرفون القراءة ولا الكتابة، فخدعهم ليوبولد ليوقعوا عقودًا تنازلوا فيها عن بلادهم.

استغلت بلجيكا ثروات الكونغو من العاج والمطاط الذي أرسل لمصانع السيارات الأوروبية.

ومن أجل توفير اليد العاملة الكافية لاستخراج المطاط، عمد الاحتلال إلى استعباد سكان البلاد.

وخلال تلك الفترة، أنشأت الجمعيات فرق من المرتزقة تكونت أساساً من العنصر الكونغولي، تحت إشراف ضباط وقادة بلجيكيين.

وعمدت هذه الفرق المسلحة إلى ممارسة القتل والترهيب لإجبار السكان على العمل في استخراج المطاط.

في البداية، وافقت بلجيكا على منح مبلغ مالي بسيط مقابل كل رطل من المطاط للكونغوليين.

إلا أن السلطات البلجيكية فرضت لاحقاً ضرائب قاسية على السكان، وأمام عجزهم عن الدفع، فقد الكونغوليون أراضيهم قبل أن يجدوا أنفسهم في النهاية عبيداً.

فخلال تلك الفترة، حدد البلجيكيون كمية معينة من المطاط لكل كونغولي، وفي حال فشله في توفيرها يتعرض هو وأفراد أسرته لأقسى أنواع العقاب.

كانت عملية استخراج المطاط من الشجر متعبة وشاقة.

وأمام عجزهم عن توفير الكميات المطلوبة، تعرض الكونغوليون للجلد وحرموا من الطعام.

كما عمد البلجيكيون إلى بتر أيدي كل كونغولي يقصر في عمله، وعمدوا أيضا إلى تشويه الأعضاء التناسلية، واغتصاب الأمهات والأخوات.

وأقدمت فرق المرتزقة على مهاجمة وحرق القرى واعتقال الأهالي من أجل إجبارهم على العمل لساعات طويلة.

وخلال الفترة ما بين 1885 و1908، لم تتردد السلطات البلجيكية في إعدام عدد هائل من الكونغوليين غير القادرين على العمل، خاصة الشيوخ والأطفال.

كما كانوا يأخذون النساء رهائن، حتى يجبروا الرجال على الانتقال إلى الغابات ليجمعوا المطاط.

وبسبب هذه الممارسات القاسية عانى الكونغوليون من المجاعات، وظهرت الأوبئة بمختلف المناطق متسببة في وفاة مئات الآلاف.

وأسفرت السياسات البلجيكية في الكونغو عن وفاة حوالي 10 ملايين كونغولي، أي ما يعادل نصف سكان البلاد.

في حين تفيد بعض المصادر بأن عدد الضحايا يتراوح بين 5 ملايين و 15 مليون كونغولي إمِّا قُتلوا عمدًا أو أُجبروا على العمل حتى الموت.

وكان النساء يُغتصبن بشكل منتظم، وأيادي المزارعين وأطفالهم تُبتر، وتُدمر الممتلكات وتُحرق القُرَى.

وبسبب انتشار ظاهرة قطع الأيادي، لقبت الصحف العالمية الكونغو بأرض الأيادي المقطوعة.

وفي عام 1908 وبمساعدة من بريطانيا وفرنسا وأمريكا، أقدمت بلجيكا رسمياً على ضم الكونغو وتحويلها لمستعمرة، باسم الكونغو البلجيكية.

الأطفال مختلطو الأعراق

كانت بلجيكا الاستعمارية تحظر الزواج من النساء الكنغولايات، لكن كثيرًا من البلجيكيين البيض أنجبوا من النساء بين أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.




فرأت بلجيكا أن الأطفال الذين وُلدوا من هذا الزواج يمثلون تهديدًا للدولة. وخاف البلجيكيون من تمردهم وإفساد مكانة الجنس الأبيض، فعزلوهم عن أمهاتهم، وعدد كبير منهم أُسكنوا منازل داخلية وجُردوا من هوياتهم، وفُرِّق بينهم وبين أخوتهم.

نحو 20 ألف طفل من مختلطي الأعراق هؤلاء رفض الآباء الاعتراف بهم فأقدمت بلجيكا على خطفهم خلال الفترة من عام 1959 حتى استقلال المستعمرات، ونُقل هؤلاء الأطفال إلى بلجيكا بالقوة، وأوكلت رعايتهم إلى معاهد ومؤسسات كاثوليكية.

حدائق حيوانات البشر


لم تتوقف العُنصرية عند مشاهد الاستعباد في المزارع ولا ضرب العبيد بالسياط على ظهرهم لإنجاز العمل، أو مشاهد قطع أيادي الأطفال لأن أباءهم لم يجمعوا ما يكفي من المطاط لصالح المحتل.

لكن تجاوز الأمر إلى وجه آخر من أوجه العنصرية المقيتة، وهو الوجه المُتمثّل فيما عُرفت بـ"حدائق الحيوان البشرية".

فخلال صيف سنة 1897 أمر ملك بلجيكا ليوبولد الثاني بإنشاء "حديقة حيوان بشرية" شرق العاصمة بروكسل، وتزامنًا مع ذلك تم نقل مئات الكونغوليًين من أجل هذه الحديقة.

كانت "حدائق الحيوان البشرية" عبارة عن عروض حية لنساء ورجال وأطفال من الكونغو يُحشرون داخل أكواخ من القش، ويُعاملون "كحيوانات الأقفاص"، يزورهم البيض للفرجة والاستمتاع ويلقون عليهم أصابع الموز وبعض الأطعمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق