الأحد، 26 يناير 2020

حكايتي وحكاية كل سوري مع الطيران

حكايتي وحكاية كل سوري مع الطيران

د.أحمد موفق زيدان
حدث أن كنت و عائلتي التي تضم أطفالاً، أحدهم  أسامة يبلغ من العمر خمس سنوات، نمضي العيد في الشمال السوري المحرر مع الأهل والأقارب، كان طيران الاحتلال الروسي والأسدي لا يُفارق المحرر، وذاك ما يميز المحرر السوري منذ بداية الثورة الشامية وحتى الآن، فقد غدا الطيران الحربي المجرم بمثابة الأوكسجين للاحتلال وبقائه، فمن طيران العصابة الأسدية إلى طيران الروس لطيران الاستطلاع، كله يحلق في السماء ما دامت الثورة محرومة من مضادات لهذا الطيران، وغدا السوريون العاديون خبراء بنوعية الطائرات المحاربة، تُضيف المراصد إلى خبرتهم وتجربتهم الكثير، إذ إنها تقوم بإبلاغهم عبر قبضات اللاسلكي عن مكان إقلاع الطائرات وتوجهها واحتمالية استهدافها لهذه البلدة أو تلك.
   
صبيحة ذلك اليوم كنت قد تركت الأهل في تفتناز الحبيبة لأغادرها إلى مدينة إدلب في عمل خاص، وما إن دلفت إلى مسجد برغل وسط المدينة حيث البناء العثماني القديم، والأقواس والقببب بالأحجار القديمة التي تحكي قصص انتصار تاريخي، والتي ميزت ذلك العهد حتى سمعت انفجارً ضخماً يشي بقصف طيران، وظللت أتحسب وأخشى أن يكون مكروهاً قد أصاب من هو في البلدة كون الانفجار يشير إلى أنه بعيد نسبياً، وسريعاً تمكنا من الاتصال عبر الواتس مع الأهل في البلدة ليؤكدون لنا أن القصف بالفعل طال بيوتاً في المدينة ولكن بفضل الله لم يسفر عن إصابات وخسائر.

تمضي الأيام ونعود إلى اسطنبول وما إن خرجنا من مطارها، حتى فوجئنا بوجهه المرعوب من طائرة كانت أقلعت بصوتها المعهود، فقد غدت الطائرة رعباً له وربما لكل من هو على شاكلته داخل سوريا
عُدت إلى تفتناز لأجد طفلي الصغير أسامة الذي لم يبلغ الخمس سنوات وقد تغير فيه كل شيء، قالت لي أمه إنه حين سمع صوت الطائرة يهدر فوقنا اتخذ زاوية من البيت، وصمت صمتاً لا يمكن أن تشرحه كتب، وما إن أفرغ طيران الحقد حمولته حتى عاد إلى حضني، لا يتكلم ولا يلوي على شيء، وظل يطلب معلومات ممن هم حوله عن الطيران والقصف ولماذا يحصل هذا، لكنه يعرف شيئاً واحداً أن بشار الكيماوي مجرم يقتل أهل سوريا، ومعه الاحتلالان الروسي والإيراني، وسيشب على هذا كما هو حال ملايين الأطفال والشباب في سوريا.
   
تمضي الأيام ونعود إلى اسطنبول وما إن خرجنا من مطارها، حتى فوجئنا بوجهه المرعوب من طائرة كانت أقلعت بصوتها المعهود، فقد غدت الطائرة رعباً له وربما لكل من هو على شاكلته داخل سوريا، لا فرق بين طائرة مدنية وعسكرية، تذكرت هذا وأنا أعود من تغطية مدينة حلب عام 2013 إلى باكستان، وبينما كنت أتجول في شوارع بيشاور حتى سمعت طائرة عسكرية قد اخترقت جدار الصوت فلجأت باللاوعي إلى أقرب جدار خشية أن تكون طائرة حربية سورية تريد أن تقصف، فقد انتقل اللاوعي بسرعة إلى أنني في حلب وفي سوريا.
    
هكذا يتربي وينمو أطفال سوريا وكبار سوريا على الخشية من أي طائرة، ربما للآخرين طائرات ورقية يلعبون ويلهون بها، ولكن السوريين تلعب بهم طائرات من كافة الأصناف والأنواع باستثناء الطائرات الورقية، طبعاً هذا عداك عن كافة صنوف الأسلحة والذخائر التي صبت عليهم وعلى مدى عقد كامل، إذ لم يتبق سلاح ولا ذخيرة إلاّ وقد تم تجريبها بهم، في مقابل التجربة السورية الواحدة وهو سلاح الصبر واليقين والإصرار على نيل الحرية مهما كان الثمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق