تعرف على قوانين القوة التدميرية للغباء البشري
ترجمة شيماء جابر
نشر أستاذ التاريخ الاقتصادي في جامعة كاليفورنيا، بيركلي Carlo M. Cipolla – كارلو م. سيبولا وهو إيطالي الأصل، في أوائل الخمسينيات من القرن المُنصرم مقالة تحليلية هامة جدًا، قد تبدو لك للوهلة الأولى كطُرفة عن “الغباء البشري”، حيث جاءت تحت عنوان The Basic Laws of Human Stupidity
– القوانين الأساسية القوانين الأساسية للغباء البشري.
حيث يتحدث فيها عن القوة التي ينظر إليها على أنّها أكبر تهديد وجودي للبشرية. ألا وهي: “الغباء البشري”، وفي عام 1976 قام بتحويل تلك المقالة إلى كتاب تحت نفس العنوان، ليتناول فيه تعريف الغباء البشري “Human Stupidity” والأغبياء، ويُحدد بدقة القوانين الأساسية المُلخصة للغباء البشرى.
قوانين الغباء البشري الخمس
وقد أوضح المؤلف كارلو م. سيبولا (1922 : 2000) في كتابه هذا أنّ هناك مجموعة من السمات المحددة المشتركة بين الأغبياء: فهم كُثر، وغير عقلانين، ويتسببون في خلق المشاكل للآخرين دون فائدة واضحة لأنفسهم، مما يقلل من رفاهية المجتمع ككل.
كما أكد على أنّه لا توجد دفاعات ضد الغباء، غير أنّ الطريقة الوحيدة التي تمكن المجتمع من تجنب عبء الأثر السيّئ للأغبياء، هي بذل جهد أكبر من جانب غير الأغبياء لتعويض الخسائر التي تسبب الأغبياء في حدوثها، وإذا ثبت أنّه من المستحيل إنقاذ أنفسنا من الغباء، على الأقل يمكننا أن ننتقم من خلال الضحك على ذلك.
فالكتاب مُمتع جدًا، وسلس الأسلوب، وقد تمت ترجمته لعدة لغات حول العالم، غير أنّني لا أعدك بالضحك خلال قراءته، حيث يستمد الفكاهة فقط ومضمونه من موضوعه بدلًا من محتواه أو العرض، فمؤلفه قام بكتابته في محاولة من جانبه للكشف عن واحدة من أقوى قوى الظلام، التي تعرقل نمو البشري، وتقلل مستوى سعادة ورفاهية المجتمع.
والآن دعونا نلقي نظرة سريعة على القوانين الأساسية العالمية الخمسة للغباء البشري، بحسب رأي سيبولا:-
القانون الأول – دائمًا ولا محالة يُقلل الجميع من شأن عدد الأغبياء في دوائرهم المُحيطة:-
وبغض النظر عن عدد الأغبياء ممن تتوقع وجودهم في محيطك، يقول سيبولا: “أنّك دائمًا ما ستجد نفسك تُقلل من مجموعهم الكلي، أي تقدير رقمي لهم سيكون أقل من الواقع”.
وتتفاقم هذه المشكلة من خلال افتراضات متحيزة للبعض على أنّهم من الأذكياء، وهُم ليسوا كذلك على الإطلاق، من خلال تصنيفك لهم على أساس عوامل سطحية، مثل: وظائفهم، ومستوى التعليم، أو غيرها من الصفات التي قد تعتقد أنّها بعيدة عن الأغبياء، مما يجعلك تضفي صفات العقل والمنطق ورجاحة الفكر لأشخاص بعيدين عن ذلك تمامًا، فسرعان ما يثبتون لاحقًا أنّهم أغبياء. وهذا يأخذنا إلى القانون الثاني.
القانون الثاني – احتمال أن يكون شخص ما غبي مستقل عن أي سمة أخرى لهذا الشخص:-
الغباء البشري مستقل تمامًا عن أي صفة أخرى يملكها الشخص الغبي، بمعنى أنّه قد يمتلك صفات أخرى قد تجعله في مصاف الأذكياء، لكن الغباء مستقل تمامًا، وهو يطغي على أي صفات أخرى.
ويؤكد سيبولا على أنّ الغباء البشري هو متغير يبقى ثابتًا في جميع السكان، إنّنا نجد الأغبياء في كل مجموعة اجتماعية مهما كانت، فكل فئة يمكن للمرء أن يتخيلها، مثل: الجنس، العرق، الجنسية، مستوى التعليم، الدخل تمتلك نسبة ثابتة من الأغبياء. فنجد أنّ هُناك أساتذة جامعيين من الأغبياء، كما أنّ مؤتمر دافوس الاقتصادي به أغبياء، والجمعية العامة للأمم المُتحدة بها أغبياء، هناك أغبياء في كل أمة على وجه الأرض.
ويتساءل سيبولا: كم يبلغ عددهم الغفير بيننا؟ فيقول من المستحيل أن أجزم. وعلى أي حال فإنّ التخمين من شأنه أن يكون انتهاك صريح للقانون الأول.
القانون الثالث – الشخص الغبي هو الشخص الذي يتسبب في خسائر لشخص آخر أو لمجموعة من الأشخاص، في حين أنّه لا يحصل على أي مكاسب بالمقابل، بل وربما يتكبد خسائر:-
وهُنا يؤكد سيبولا على وجود ما يسميه “Golden Law of stupidity” أو القانون الذهبي للغباء، فالشخص الغبي يتسبب في وقوع مشاكل للآخرين من دون أن يُحقق أي فائدة واضحة لنفسه.
الشخص غير القادر على وقف نفسه من نشر المقالات الإخبارية الوهمية الكاذبة إلى فيسبوك؟ غبي، ممثل خدمة العملاء الذي يبقيك على الهاتف لمدة ساعة، ثم يُغلق المُكالمة فجأة معك، وبطريقة أو بأخرى فشل في إداره حسابك؟ غبي.
لاحظ أنّ هذا القانون يقدم كتصنيف يقف مع ثلاتة تصنيفات أخرى تتعايش جنبًا بجنب مع الشخص الغبي، فأولًا هُناك الشخص الذكي الذي يفيد نفسه ويفيد الآخرين معه، ثم هُناك الشخص اللص الذي يفيد نفسه على حساب الآخرين، وأخيرًا شخص بائس أعماله تثري الآخرين على حساب نفسه.
وقد تصور سيبولا الأنواع الأربعة (الأذكياء، واللصوص، والبؤساء، والأغبياء) من خلال الرسم البياني التالي:
ويقول أنّ الأنواع الثلاثة غير الغبية (الأذكياء، واللصوص، والبؤساء) هي مجموعات لا يتصرفون بطريقة منسجمة، فهم غير مُتسقين وغير مُتناسقين، وتصرفاتهم معيبة بعض الشيء بعيدًا عن تصنيفها الأصلي.
ففي بعض الأحيان تتصرف بذكاء، وأحيانًا تتصرف كاللصوص بأنانية وحب للذات، وأحيانًا يصبحون لا حول لهم ولا قوة مع الآخرين، وأحيانًا يكونون خليط بينهم. بينما الأغبياء نموذج للاتساق مع النفس، والتصرف في جميع الأوقات بحماقة وغموض لا ينضب، وهذا الثبات ما يجعل منه شخص شديد الخطورة.
ويوضح سيبولا هذه الفكرة باسترسال، فيقول: “إنّ الأغبياءَ أساسًا أشخاصٌ خطرون ومُدمرون؛ لأنّ العُقلاء يجدون صعوبة بالغة في تخيل وفهم سلوكهم وتصرفاتهم غير المنطقية، فالشخص الذكي قد يتفهم منطق الشخص النصاب، فأعمال النصب تتسم وتتبع نمط العقلانية، أو لنقول العقلانية السيئة، ولكن لا تزال عقلانية.
والشخص النصاب دائمًا ما يريد زيادة حسابه، لكنه ليس ذكيًا ما فيه الكفاية ليستنبط طُرقًا جديدة ومُبتكرة لكي يزيد بها حسابه، وفي نفس الوقت يحقق لك أيضًا زيادة في حسابك، وبالتالي سوف يحقق الزيادة لنفسه على النقص الظاهر تمامًا لك. كل هذا أمر سيّئ، غير أنّه عقلاني، وإذا كُنت عقلاني المنطق والتفكير فيُمكنك التنبؤ به، حيث يُمكنك التنبؤ بتصرفات ومُناورات وتطلعات النصاب السيئة والقبيحة، وغالبًا ما يُمكنك بناء الدفاعات الخاصة بك تجاه.
بينما الأمر مع الشخص الغبي مُختلف تمامًا، فكل هذا مستحيل– كما هو موضوع في القانون الثالث – فهو كائن غبي، يتسبب بإزعاجك في كل الأوقات والأماكن الأبعد احتمالية، وذلك دون سبب، أو ميزة أو منفعة، ومن دون أي خطة أو مخطط يُمكن تخيله أو التنبؤ به، وليس هُناك أي وسيلة عقلانية، تمكنك من تحديد متي و/أو كيف و/أو لماذا يهاجمك هذا الكائن الغبي، ولو حدث وتعرضت لهجوم ومواجهة شخص غبي فتأكد أنّك قد وقعت تحت رحمته تمامًا”.
كل ذلك يقودنا إلى القانون الرابع والخامس.
القانون الرابع – غير الأغبياء يقللون دائمًا ولا يقدرون حجم وقوة الأضرار الكبيرة التي يسببها الأغبياء، أو التي يسببها تعاملهم مع الأغبياء:-
على وجه الخصوص، غير الأغبياء تحديدًا نجدهم دائمًا ما ينسون باستمرار أنّه في جميع الأوقات والأماكن وتحت أي ظرف من ظروف التعامل و/أو ربطهم مع الأغبياء، ستكون النتائج حتمًا كارثية، كونه خطأ فادح وخطير ومُكلف.
نحن نقلل من القوة التدميرية للغباء، وننسى بمرور الوقت حجم الدمار الذي ألحقوه بنا، وعندما نفعل ذلك نكون عُرضه للخطر. وهذا يقودنا إلى القانون الخامس والأخير.
القانون الخامس – الشخص الغبي هو أخطر أنواع البشر:-
ونتيجة لذلك إنّ الشخص الغبي هو أكثر خطورة من الشخص النصاب أو المجرم رجل العصابات. فمثل هذا الغبى، وبعكس ما نتوقع أخطر من اللص أو قاطع الطُرق أو القاتل الغبى، فالأخير لوضوح غبائه يمكننا معرفته وعزله عن المجتمع، في حين لا يمكننا أن نفعل شيئًا ضد الأغبياء.
والفرق بين المجتمعات والشعوب التي تنهار تحت وطأة مواطنيها الأغبياء، و المجتمعات والشعوب التي تتخطى ذلك المأزق هو سلوك غير الأغبياء، فنجد أنّ المجتمعات التي تتقدم على الرغم من وجود أغبياء فيها، تمتلك نسبة كبيرة من الأذكياء، يوازنون الخسائر التي يحققها الأغبياء، من خلال تحقيق مكاسب لأنفسهم وزملائهم.
المجتمعات الفاشلة، لديها نفس النسبة التي تمتلكها المجتمعات الناجحة من الأغبياء، ولكن لديهم أيضًا نسبة كبيرة من البؤساء، مما يؤدي لانتشار مُقلق للنصابين على حساب الأغبياء، ويقول سيبولا: “إنّ هذا التغيير في التكوين السكاني لغير الأغبياء سيقوي حتمًا ولا محالة القوى المُدمرة للجزء الغبي من المجتمع، ويجعل تراجعه أمر مؤكد، ويذهب به إلى الجحيم”.
أين يمكن تصنيف القائد الذي تؤدي نتيجة تصرفاته وأعماله وقيادته إلى سقوط العديد من الضحايا، وإلى وقوع خسائر كبيرة، ذلك كلّه من أجل الحصول على ترقية في المنصب أو على وسام أو حتى البقاء في نفس منصبه؟
وهُنا نشدد على أهمية معرفة كل من كان له سلطة من الأغبياء؛ لأنّ أضراره بالمجتمع في حال وقوعها تكون فاحشة وغير منطقية، وتحتاج إلى الكثير من الجهد والمال والزمن لإصلاحها، في حين أنّه يمكن تفاديها بالتعرف على مثل هذا الغبى، والمسارعة بإقصائه عن صنع القرار. ألا ترى معي أنّهم أصبحوا كُثر مُؤخرًا بيننا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق