الكابوس!
الكابوس
يطاردني كابوس مزعج.. كأنه واقع متجسّد يتسلّل للأحلام.. أو حلم يقظة يخلط الحقائق بالأوهام.. يطاردني في صحوي ويكاد يفعل في منامي.. فيكون آخر ما أغادره بين الصحو والمنام .. وأوّلَ ما يداهمني قبيل الاستيقاظ في لحيظات الخلط بين الواقع والأحلام.. حيث أصحو كل يوم.. متوجّسًا مستريبًا..
أفتح التلفاز وخفقات قلبي تكاد تحجب صوته.. مهمومًا ومرعوبًا أنني ذات يوم سأفاجأ بحسني مبارك وولديه.. في كامل الأبهة والسّؤدد تطفح نشوة النصر من أعينهم.. وأرى الحاشية بجوارهم مكتملة.. يقف مبارك في أكمل صحة وأزهى حلة.. يوزّع أنواط الامتياز على كل المسؤولين الحاليّين.. ويهنّئهم بأدائهم البارع المتميز.. فقد استطاعوا ببراعة منقطعة النظير احتواء أخطر ثورة في التاريخ.. ثورة 25 يناير.. بل واستطاعوا أن يخدعوا الأمة حين أوهموها أنهم يتحركون بينما كانوا ثابتين في المكان؛ فحافظوا على الأمور جامدة على الوضع الذي تركها عليه مبارك وبنوه.. حافظوا على كل شيء كما هو حتى عاد ليستلمها من جديد.. كما كانت أول مرة.
يتكرر الكابوس.. ويختلف طوله تبعًا لنوع الأخبار.. فأحيانًا يقتصر على ما أسلفت.. وأحيانًا يتمدّد ليشمل اليوم كله.. فأرى شياطين أمن الدولة يعودون للانتقام.. لكنهم لا يعودون في صورتهم البشرية.. بل يعودون في صورة مسوخ كمسخ كافكا..
وأحيانًا أخرى يذهب الكابوس في اتجاه آخر.. فأرى جمال مبارك وقد نجحت خطته بإطلاق حيوانات حديقة الحيوانات لتبطش بالناس.. لكن قوة غريبة حوّلت الحيوانات إلى الشكل البشري.. فإذا الحمار أصبح وزيرًا، وإذا وحيد القرن نائبًا لرئيس الوزراء، وإذا الدبّ رئيسًا للوزراء، وإذا الذئب رئيس تحرير صحيفة، وإذا الحيّة الرقطاء مذيعة في قناة فضائية لا تتوقف عن هزّ كتفيها والغمز بعينيها.
لكنني في صباح آخر أرى رئيسًا غير مبارك يحتل عرش القيصر رومولوس العظيم في رائعة فريدريش درينمات.. يقولون له إن الأعداء على حدود البلاد، فيطمئنهم أن لديه خطة جهنمية لا يمكن لأحد أن يكتشف عبقريّتها، وإنه سيتصرف في الوقت المناسب.. ويقولون له إن الأعداء يحاصرون روما فيكرر نفس الإجابة.. وبعد أيام يأتونه صارخين: الأعداء حول القصر.. فيلقي عليهم خطبته الأخيرة.. وأن تلك بالضبط خطته الجهنميّة.. فقد أدرك منذ زمان طويل أن الفساد والعفن في روما قد وصل إلى حدّ لم يعد يجدي فيه العلاج.. وأنه كان عاجزًا عن قتلهم.. ولو أمرهم بذلك لما استجابوا، وأنه لذلك ترك الأعداء يدخلون ليحرقوا كل شيء ويدمّروا كل شيء.. وبعد حرق هذا الفساد كله وتدمير هذا العفن كله وانهيار كل شيء.. يمكن للبناء أن ينهض من جديد..
هل قلت قيصر؟ هل قلت روما؟
أظنني أخطأت.. كان اسم القيصر عربيًّا!! وكانت الملامح أليفة، وكانت البلدة هي القاهرة..
أخطأت.. لذلك أهزّ رأسي.. لأنفض الكابوس القديم.. وأبدأ في الكابوس الجديد.. كلّ يوم.. كلّ يوم.. كلّ يوم..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق