فكر خارج الصندوق
نُبّئَ رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بغارِ حراء برسالةٍ سماويةٍ عظيمةٍ، ثم أرسل بعدها بأشهر عدة، فنهض هذا المدثر وقام فأنذر وكبر ربه وطهر ثيابه وهجر الرجز وصبر لربه بدعوة عشيرته الأقربين إلى أن آن الأوان فصدع بما يؤمر وأنذر الناس كافةً خاصةً وعامةً.
فقضى إثر تلك الرسالة بمكة 13عاماً من الدعوة إلى الله، ولم يسلم معه إلا نفرٌ قليل، ولكن العبرة ليست بالكثرة بل برسوخ الإيمان، ولكن الإسلام عندما بدأت تخالط بشاشته القلوب خاف زعماء قريش على زعامتهم ورؤساء مكة على رئاستهم، فعاندوا وكابروا وكذبوا وادعوا وتآمروا وخططوا للقضاء على الإسلام.
فكانت بطحاء مكة وجبالها مسرحاً لجريمة قمع الحريات وكبت الآراء وعدم المساواة، فكان السيد يعذب خادمه وعبده، والأشراف يعذبون الشريف منهم، وهذه جدران الكعبة تشهد صحيفة التآمر والمقاطعة والحصار، وذاك شعب أبي طالب الذي احتضن نطفة الإسلام ثلاثة أعوام إلى أن جاءها المخاض، وتلك الحبشة تشهد فلول المهاجرين للهجرة الأولى الذين كان جُلُّ همهم مَلكٌ لا يُظلم عنده أحد والذين سُعي لاستردادهم ولكن خاب الساعي بسعيه.
تلك كانت مخططات الكفر لقمع الإسلام إثر خضوع الإسلام لمقاومة الكفر والكفار، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، عندما فكر في عرض الإسلام على القبائل خصوصاً بعد إسلام الخزرج ومبايعة النقباء له والتفكير بالهجرة إلى يثرب، أدرك كفار قريش أنهم الآن خرج الأمر من يدهم ودارت الدائرة عليهم، فبدلاً من أن يكونوا هم من يخطط والإسلام يقاوم ويتصدى أصبحوا هم في محط المقاومة والتصدي، فمن الأخطار التي أحاطت بقريش عند إسلام يثرب تهديد إيلاف قريش في رحلة الصيف وتجارتهم مع الشام بسبب موقع المدينة المنورة الجغرافي في طريقهم إلى الشام وهذا ما تسبب بمعركة بدر، وما ذاك بكائنٍ من خطط الدفاع والتصدي ولا بالهجوم والانشغال بما يدبر الخصم وبما يفكر ويتآمر، بل بما يُسمّى في العلوم الحديثة: (بالتفكير خارج الصندوق)، فتركهم النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، لخططهم وترك لهم مكة وآلهتهم ودين آبائهم وسفاهة أحلامهم، وأمر المهاجرين بالهجرة وهاجر من بعدهم إلى مهجره لينصره أنصاره ويأوي إليهم ويؤسس دولته ويشرع قانون الله عز وجل، ويضع هو صلى الله عليه وسلم، وثيقة المؤاخاة والعدل والمساواة تاركاً بمكة الجاهل بجهله والحاقد لحقده والمدبر لأمره.
و(التفكير خارج الصندوق) لعلنا بحاجته اليوم في ظل المخططات والمؤامرات التي تحاك وتدبر ضد الإسلام أو بعضها يكاد، أو لعلها لخراب الدنيا بأكملها ليست على الإسلام وحده بل لأمان البشرية أجمع، بما فيها الإسلام لأن بحقيقة تطبيقه تأمن البشرية وتسعد.
فلو أدركنا أن من يضع خطةً فلا بد أن يحسب حساب هجومك ودفاعك، فلو تركت له أمره وخطته ودفاعه والساحة له، وفكرت بما يمكن من خلاله تطبيق شرع الله عز وجل، وتحصيل العلم والفائدة والمنفعة دون السعي وراء ما تظنه فطنةً وكشفاً لمخططات العدو وتدبيره.
فعليك بفكرك وأمرك وما أمرت به ومن تأتمر به ويأتمر بك، أما من يكيد لك فاترك كيده لنحره وانشغل بالله وبرسالته وتطبيق أمره بما أوكل لك من أمرك وأن عليك صنع الفعل لا ردة الفعل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق