أشرق الصباح بنوره الوضاح
حسن العيسى
«... أذكر مرة أن أستاذ اللغة العربية طلب مني وأنا في السنة الثانية من المرحلة الثانوية أن أكتب موضوع إنشاء عن (حديقة منزلكم).
والإنشاء لم تكن مادة نتعلم منها كيف نرتب أفكارنا ونحولها إلى كلمات مكتوبة وبنية منطقية متماسكة، وإنما كانت قوالب لفظية جاهزة نحفظها عن ظهر قلب ثم نرصها رصاً حين تحين المناسبة».
الراحل الباحث د. عبدالوهاب المسيري اقتطع تلك الفقرة السابقة من سجل ذكرياته في كتابه «رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر، سيرة غير ذاتية غير موضوعية».
هي «قوالب» متحجرة تصب العقول فيها، اللغة مفروضة من الأستاذ بالمدرسة ومن الأب في المنزل ومن السلطة الحاكمة ومن المجتمع الراكد المتوجس من التغيير والتطور والتجديد، هي لغة تصنع النهج الفكري المحنط، دلالات لفظية من دون مدلولات ذات معنى، سواء كان ذلك في مصر الخمسينيات – كما يتذكر المسيري - أو حتى اليوم في الكويت ومعظم بلاد الحفظ والتلقين العربية حين تنتج تلك الأنظمة ببغاوات تردد ما يملى عليها دون ابتكار وتجديد وإبداع.
الفكر الإنشائي يلف بعبارات ذكرها الكاتب حين نصف الطبيعة «... التي تخلب اللب، وتشرح الصدر، وتملأ القلب روعة وجلالاً».
فلا أنسى عبارة كنا نلقاها في مادة القراءة، مثل «... أشرق الصباح بنوره الوضاح»، كمفتاح سحري لمواضيع الإنشاء (حصة التعبير)، ويزيد الكاتب في فقرة أخرى «كان علينا أن نقف ضد نظام تعليمي معوق (وازداد سوءاً وشراسة في الآونة الأخيرة)... وحين نصل إلى الجامعة فهناك الأساتذة الذين يبذلون قصارى جهدهم كي يفرضوا على الطالب آراءهم (التي اقتبسوها من كتب أجنبية)، وهناك المذكرات الحتمية والدروس الخصوصية التي جعلت من التعليم الجامعي نكتة باهظة التكاليف...».
ما الذي تغير في التعليم والفكر بذلك الزمن الذي كان يكتب عنه عبدالوهاب المسيري، أي قبل نصف قرن تقريباً وبين اليوم...؟ إن لم يتغير شيئاً حاله من حال مجتمعاتنا العشائرية وأنظمتنا السلطوية الأبوية فقد ازداد تفاهة ورداءة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق