"طوفان الأقصى".. مظاهر الفشل الإسرائيلي
تعيش إسرائيل، حكومة وجيشا ومجتمعا، حالة صدمة كبيرة على أثر هجوم "طوفان الأقصى" المباغت الذي شنته "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس على منطقة "غلاف غزة"، المتاخمة لحدود القطاع. وهو الهجوم الذي أسفر في حصيلته الأولية عن مقتل 600 جندي ومستوطن، وجرح 2000 آخرين، فضلا عن أسر العشرات من الجنود والمستوطنين وجلبهم إلى قطاع غزة.
فهناك شبه إجماع في أوساط المراقبين في تل أبيب بأن الفشل الذي منيت به إسرائيل في المواجهة المتواصلة مع حركة حماس يفوق بكثير فشلها في حرب 1973، من منطلق أن إسرائيل واجهت في تلك الحرب دولا تحوز على جيوش قوية، فضلا عن أن إسرائيل تملك حاليا مقدرات عسكرية وتتمتع بكفاءة استخبارية لا يمكن مقارنتها مع ما كانت عليه الأمور في 1973.
"رجال حماس أكثر تصميما من حزب الله، شجعان، ليسوا أغبياء، إنهم يعرفون ما يقدمون عليه، يتوجب عدم الاستخفاف بهم، لديهم طاقة صبر، اليأس لا يصل إليهم، إنهم يستغلون الفرص ويمكن أن يكونوا خطيرين للغاية". مسؤول في أحد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية
وقد تمظهر الفشل الإسرائيلي في هذه المواجهة في إخفاق الأجهزة الاستخبارية للاحتلال في الحصول على معلومات مسبقة كان يمكن أن تسهم في إحباط الهجوم أو على الأقل تقلص الأضرار الناجمة عنه. مع العلم أنه لا خلاف على أن "كتائب القسام" خططت لهذا الهجوم منذ مدة طويلة، فضلا عن أن الكثير من قيادات "الكتائب" وعناصرها كانوا منغمسين في الإعداد له مما كان يفترض أن يساعد الاستخبارات الإسرائيلية على الحصول على معلومات مسبقة عنه.
كما تمثل فشل الاحتلال في تهاوي الدفاعات الإسرائيلية البرية والبحرية والجوية أمام الهجوم الذي شنته "كتائب القسام". فعلى الصعيد البري تمكن مقاتلو "كتائب القسام" من اجتياز الجدار الحدودي الذي أنفقت إسرائيل مليات الدولارات من أجل تدشينه بحيث يحول دون السماح بتسلل المقاومين.
مما أثار استهجان النخب الإسرائيلية أن الفرقة العسكرية التي تتولى تأمين الحدود والمستوطنات الواقعة في تخومها، والتي تضم 3 من ألوية الصفوة في سلاح المشاة، يصل تعدادها أكثر من ألفي ضابط وجندي، قد تبخرت ولم تتمكن من صد الهجوم. فقد تمكن عناصر "القسام" من اجتياز الحدود والسيطرة على المواقع العسكرية واقتحام المستوطنات وقتل عدد كبير من الجنود والمستوطنين وأسر آخرين.
كما أن عمليات الإنزال التي نفذتها "كتائب القسام" عبر الجو بواسطة الطائرات الشراعية وعبر البحر عبر قوارب، عكست أيضا تهاوي الدفاعات الجوية والبحرية. كما مثل الهجوم الذي ترافق مع إطلاق "كتائب القسام" آلاف الصواريخ مؤشرا إضافيا على عجز منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية وتحديدا "القبة الحديدية".
فضلا عن ذلك، فإن السهولة التي نقلت بها "كتائب القسام" أسراها من عمق إسرائيل إلى داخل قطاع غزة دون تمكن جيش الاحتلال من اعتراضها، ومواصلة "كتائب القسام" عمليات التسلل والسيطرة على المستوطنات حتى بعد مرور حوالي 36 ساعة على بدء الهجوم يعد فشلا آخر مدويا لإسرائيل وجيشها.
كما أن حالة الإرباك التي أصابت الحكومة الإسرائيلية التي عجزت عن تقديم إجابات للجمهور الإسرائيلي حول ما جرى وحقيقة الخسائر البشرية التي لحقت بالجيش والمستوطنين أثارت الكثير من التساؤلات حول أهلية المستوى السياسي لإدارة أزمة من هذا القبيل.
دلل الهجوم الذي شنته "كتائب القسام" على فشل الافتراضات التي حكمت سياسة إسرائيل تجاه غزة، حيث اعتقدت القيادتان العسكرية والسياسية في تل أبيب أن حركة حماس غير معنية بالتصعيد، وكل ما يعنيها تثبيت حكمها في القطاع عبر تحسين الأوضاع الاقتصادية .
إلى جانب ذلك فقد أثرت مظاهر نجاح الهجوم الحمساوي، كما عكست ذلك الفيديوهات التي بثتها "كتائب القسام" والتي وثقت عمليات الاقتحام والتسلل والسيطرة على المواقع وأسر الجنود والمستوطنين ونقلهم إلى عمق قطاع غزة، على الوعي الجمعي للمجتمع الإسرائيلي بأسره ومست بمعنويات الإسرائيليين. وقد تُكرس انطباعا لدى المراقبين في تل أبيب أن حركة حماس قد حققت انتصارا مبكرا بغض النظر عن النتائج النهائية للحرب التي أعلنتها إسرائيل على غزة في أعقاب الهجوم.
كتب المعلق الإسرائيلي بن كاسبيت في صحيفة "معاريف": "لقد نفذت حماس هجومها لتحصل على صورة نصر لكنها عادت بألبوم كامل من هذه الصور"
وعلى الرغم من الغضب الذي يعتمل في صدور الإسرائيليين تجاه حركة حماس في أعقاب الهجوم، فإن القيادات العسكرية للاحتلال باتت أكثر تقديرا لرجال حماس. فقد نقلت صحيفة "معاريف" عن مسؤول كبير في أحد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قوله: "رجال حماس أكثر تصميما من حزب الله، شجعان، ليسوا أغبياء، إنهم يعرفون ما يقدمون عليه، يتوجب عدم الاستخفاف بهم، لديهم طاقة صبر، اليأس لا يصل إليهم، إنهم يستغلون الفرص ويمكن أن يكونوا خطيرين للغاية".
وعلى الرغم من أن إسرائيل قد أعلنت حالة الحرب على غزة لأول مرة منذ 50 عاما، فإن خياراتها العسكرية تجاه القطاع تبدو محدودة.
فمن الصعب جدا على حكومة نتنياهو أن تحدد أهدافا إستراتيجية وعملياتية لهذه الحرب. فلو أعلنت إسرائيل أن هدفها القضاء على حركة حماس في قطاع غزة فإن هذا سيعني تنفيذ عملية برية واسعة النطاق ستفضي إلى إعادة قطاع غزة وتورطها في الوحل الغزي إلى أمد بعيد جدا. فضلا عن ذلك، فإن هذا التوجه سيفضي إلى سقوط آلاف القتلى في صفوف جيش الاحتلال والمستوطنين.
حسب كل المؤشرات فإن إسرائيل قد تشرع، تحت تأثير الرغبة في إشباع غريزة الانتقام، في تنفيذ عملية برية في عمق قطاع غزة قد تفضي إلى سقوط آلاف "إن لم يكن أكثر" من القتلى في صفوف المدنيين الفلسطينيين. لكن سقوط أعداد كبيرة من القتلى في صفوف المدنيين الفلسطينيين سيعزز من فرص تفجر مواجهة متعددة الساحات. وإن كانت إسرائيل قد وظفت كل إمكاناتها العسكرية والاستخبارية قبل الهجوم في محاولة لاحتواء عمليات المقاومة في الضفة الغربية، فإن سقوط عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين خلال الحرب على غزة سيؤجج هذه المقاومة في ظل تراجع الوجود العسكري الإسرائيلي هناك، حيث إن إسرائيل ستكون معنية بتركيز ثقلها العسكري ضد غزة ومقاومتها. ويمكن للمقاومة الفلسطينية أن تركز عملياتها داخل إسرائيل وضد قوات الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية ذاتها.
في الوقت ذاته فإن حربا تجبي أرواح الكثير من المدنيين في قطاع غزة قد تدفع فلسطينيي الداخل إلى التحرك والاشتباك مع قوات الاحتلال، تماما كما حدث خلال الحرب على غزة في مايو 2021.
لكن سيناريو الرعب الذي تخشاه إسرائيل يتمثل في فتح حزب الله مواجهة جديدة خلال عملياتها في قطاع غزة. فمبادرة حزب الله إلى فتح هذه المواجهة يمكن أن يقلب حسابات إسرائيل رأسا على عقب. فحزب الله يحوز على ترسانة صواريخ تمتاز بعددها الهائل ومدياتها الطويلة ورؤوسها الثقيلة، فضلا عن أن الكثير منها صورايخ ذات دقة إصابة عالية، بشكل يمكنها من ضرب مؤسسات ومقدرات عسكرية ومدنية حساسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق