هزيمة نتنياهو والأصدقاء
وائل قنديل
حسنًا، يعلنها رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بكل وضوح من الوضع واقفًا فوق أنقاض غزة: "أصدقاؤنا في الدول العربية والعالم يعرفون أننا إن لم ننتصر سيأتي دورهم".
يقصد، بالطبع، الانتصار على مشروع المقاومة الفلسطينية، والتي هي هنا والآن مشروع كل مواطن عربي حرّ يحترم تاريخه وجغرافيته، ويتمسّك بقيمه الوطنية والإنسانية. وها هي أكثر من أربعين ساعة قد مضت على هذا الإعلان الكاشف الفاضح، من دون أن يجرؤ واحد من "أصدقائه العرب" على معارضته أو الردّ عليه وإسكاته، أو حتى الادّعاء، ولو كذبًا، أنهم يعرفون أن دورهم لن يأتي وأنهم ليسوا أصدقاءه، أو أنهم لفلسطين أقرب.
لم يستشعر أحد إهانة، والصهيوني المتخبّط في هزيمته التاريخية يتبجّح ويثرثر ويفضح سترهم ويطلب منهم الاصطفاف تحت رايته في الحرب على مقاومة فلسطين، والتي هي بكل الوجوه الحرب على فلسطين، دفاعًا عن صديقتهم وحليفتهم إسرائيل.
يستنجد الصهيوني المهزوم بأصدقائه العرب، إذن، وفي ذلك إقرارٌ بضعفه وانكساره أمام الشعب الفلسطيني، فلا يبقى أمامه والحال كذلك سوى توريط الجميع، وإقحامهم في المعركة، وكأن كل أدوارهم المشينة طوال أسابيع الحرب الأربعة في خذلان غزّة والرضا بمحاصرتها وخنقها ليست كافية، والمطلوب أبعد من ذلك.
ينطلق نتنياهو في طلب الاصطفاف من معرفة قديمة وعميقة ببنية العلاقات العربية الرسمية بنظامه، منذ أعلن قبل أكثر من عشر سنوات أن حلفًا يجمعه بما أطلق عليه معسكر الاعتدال العربي في مواجهة محور الشر، الذي يجمع كل أشكال المقاومة للمشروع الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما تجسّد في العدوان الصهيوني على غزّة عام 2014، إذ كانت التصريحات الصهيونية كلها تؤكّد أن الأصدقاء العرب، وخصوصًا النظام المصري الجديد، سعداء بكل صاروخ يقصف غزّة.
في ذلك الوقت، كتبت صحيفة معاريف الإسرائيلية، بوضوح، إن أهم نتيجة للحرب على حركة حماس هو تعزيز الشراكة الإستراتيجية مع مصر، وذكرت أن مصر وإسرائيل تنسّقان لليوم التالي للحرب، وستحرصان على عدم استفادة "حماس" من مشاريع إعادة إعمار غزّة.
لا يكذب نتنياهو أو يبالغ، حين يقول إن إسقاط مشروع المقاومة الفلسطينية، وفي القلب منه "حماس"، غاية مشتركة بين الاحتلال الصهيوني وأنظمة عربية كثيرة، الأصدقاء كما يصفهم، ناهيك عن هذه الكراهية لغزّة التي تعرّضت لسلسلة من الحروب الوحشية، تفوق، في محصّلتها، عدد الحروب التي خاضتها الدول العربية مجتمعة. ورغم ذلك، تخرُج من كل حربٍ منتصرة، على الرغم من تدميرها بشكل كامل.
غزّة هي المعجزة في التاريخ العربي وفي الجغرافيا كذلك، تجرح العدو وتحرج الشقيق ببسالتها وتمنعها على المحو، وكما وصفها محمود درويس "من هنا يكرهها العدو حتى القتل. ويخافها حتى الجريمة. ويسعى إلى إغراقها في البحر أو في الصحراء أو في الدم. من هنا يحبها أقاربها وأصدقاؤها على استحياء، يصل إلى الغيرة والخوف أحيانا. لأن غزّة هي الدرس الوحشي والنموذج المشرق للأعداء والأصدقاء على السواء". هذا وصفها بعين الشاعر، أما صفاتها على أرض الواقع فهي أجمل من كل قصيدة وأعقد من كل محاولة للتحليل والتفسير بالأدوات التقليدية، لأنها بالفعل خارقةٌ لكل النظريات العسكرية والسياسية، وحتى الإنسانية، إذ يمكنك القول إن هواءها مقاوم وبحرَها مقاوم، وطفلها كذلك يولد مقاومًا، لا يحتاج وقتًا لكي يتعلّم أبجدية الكفاح ويمتلك أدوات الصمود ومسوّغات الجدارة بالانتصار وبالحياة.
هذه المرّة لم تنتصر غزّة على نتنياهو وأصدقائه العرب فقط، بل تلقن درسًا لكل المتغطرسين العالميين الذين احتشدوا لذبحها، هزمتهم على أرضها، كما هزمتهم في عقر دارهم، وأظهرتهم عُراةً من أية قيمة أخلاقية وحضارية أمام شعوبهم التي انتفضت من أجل غزّة... من أجل الحقّ والحقيقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق