الخوافي للخوافي
(فمرضك) الذي لا يعلمه إلا الله، اجعلْ له صدقةً خفية لا يعلمها إلا الله.
(والهمُّ) الذي يربض على صدرك ولا يعلمه إلا الله، اجعلْ له استغفارًا خفيًا لا يسمعه إلا الله.
(والقلق) الذي يعتريك ولا يعلمه إلا الله، اجعلْ له ركعتين في الليل لايراهما إلا الله.
وهكذا.. اصنع مع كل خافية تؤلمك وترهقك ولايعلم بها إلا الله. اجعل لها خوافي صالحة لايعلمها إلا الله.
وكن واثقا بالله وبفرجه ورحمته. (فالخوافي للخوافي)
الخبيئة الصالحة. تجارة رابحةلخوافي للخوافي
(فمرضك) الذي لا يعلمه إلا الله، اجعلْ له صدقةً خفية لا يعلمها إلا الله.
(والهمُّ) الذي يربض على صدرك ولا يعلمه إلا الله، اجعلْ له استغفارًا خفيًا لا يسمعه إلا الله.
(والقلق) الذي يعتريك ولا يعلمه إلا الله، اجعلْ له ركعتين في الليل لايراهما إلا الله.
وهكذا.. اصنع مع كل خافية تؤلمك وترهقك ولايعلم بها إلا الله. اجعل لها خوافي صالحة لايعلمها إلا الله.
وكن واثقا بالله وبفرجه ورحمته. (فالخوافي للخوافي)
الخبيئة الصالحة. تجارة رابحة
مشبعة بالإخلاص، مجبولة بالصدق، محصنة بالكتمان: هي صفات الأعمال الصالحة التي لا يثبت عليها إلا المؤمنون الصالحون الذين ملأ حبُّ الله وخشيته أركان قلوبهم، فتوجهوا إليه وحده، بعيدًا عن العيون والأنظار، في أجواء إيمانية صافية لا تشوبها شوائب طلَب السمعة والشهرة، أو التعلّق بالمدح والثناء أو شائبة الرياء.
هي زينة العبد في خلوته، وزاده لآخرته. بها تُفرَج الكربات وتسمو الدرجات وتكفر السيئات.
إنها الخبيئة الصالحة، كنز من كنوز الحسنات، وهي أن يجعل العبد بينه وبين الله تعالى طاعة أو عبادة من غير الفريضة، أو عملًا صالحًا لا يطلع عليه أحد حتى أهله. إلى أن يلقى الله.
هذه الخبيئة الصالحة، هي من أعمال الصالحين الذين أخلصت قلوبهم لله تعالى، لا يستطيع أن يفعلها المنافقون ولا المراؤون. رغّب فيها الإسلام لتكون للمؤمن فرجًا عند الكربات، وطوقًا للنجاة من النيران، وغرسًا طيبًا في فسيح الجنان. قال تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 271].
وقد حث رسول الله ﷺ أمته على صدقة السر فقال ﷺ: «وصدقة السر تطفئ غضب الرب» أخرجه الطبراني في الكبير بسند حسن، وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شِمالُه ما تنفق يمينه» متفق عليه.
وتظهر أهمية العمل الصالح الخفي في تفريج الكربات وقبول الدعاء في حديث أهل الغار الذين سَدّت عليهم الصخرة مخرجه وتقطعت بهم الأسباب، فلم ينفعهم إلا التوسل إلى الله بخبايا أعمال صالحة لهم أحيطت بسياج من الإخلاص والعبودية لله عز وجل، فكانت سببًا لتفريج كُرَبهم وخروجهم من الغار.
وعلى هذا حرص الصحابة والسلف الصالح على إخفاء أعمالهم عن أعين الناس خوفًا من أن يفسدها الرياء تقرُّبًا إلى الله؛ فقد جاء عن الزبير بن العوّام رضي الله عنه أنه قال: «من استطاع منكم أن يكون له خِبْءٌ من عمل صالح فليفعل».
وقد عزى الإمام الذهبي إلى إبراهيم الحَرْبي قوله: «كانوا يستحبّون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجتُه ولا غيرها».
لقد جسد هذا النموذج الصالح الطاهر أروع الصور في التسابق والتنافس على العمل الصالح في الخفاء. فهذا أبو بكر رضي الله عنه كان إذا صلى الفجر خرج إلى الصحراء فاحتبس فيها شيئًا يسيرًا، ثم يعود إلى المدينة، فعجب عمر رضي الله عنه من أمره فلحقه واختبأ له خلف صخرة، فدخل الصدّيق خيمة ولبث فيها قليلًا، فلما خرج دخل عمر رضي الله عنه إليها فإذا فيها امرأة ضعيفة عمياء وعندها صبية صغار، فسألها عمر: من هذا الذي يأتيكم؟ فقالت: لا أعرفه ولكنه رجل من المسلمين يأتينا كل صباح فيكنس بيتنا، ويعجن عجيننا، ويحلب شاتنا، فخرج عمر وهو يبكي ويقول: لقد أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر!
أما زين العابدين عليُّ بن الحسين رحمه الله فقد كان يحمل أكياس الدقيق على ظهره بالليل ويوصلها إلى بيوت الأرامل والأيتام والفقراء، ولا يستعين بخادم ولا عبد لئلا يطّلع عليه أحد، فلما مات وغسّلوه وجدوا على ظهره آثارًا سوداء، فقالوا: هذا ظهر حمّال وما علمناه اشتغل حمّالًا! وانقطع الطعام بموته عن مائة بيت كان يأتيهم طعامهم بالليل من مجهول، فعلموا أنه هو الذي كان يحمله إليهم وينفق عليهم.
فلله دَرّهم من رجال ونساء أتقياء أنقياء أخفياء، ربّاهم القرآن ورعاهم الرحمن، وقد بشّرهم رسول الله ﷺ بقوله: «إن الله يحب العبد التقي النقي الخفيّ» رواه مسلم. لذا نرى أن سلفنا الصالح باعوا دنياهم الفانية من أجل الآخرة الباقية، فكانت أعمالهم حياة لقلوبهم ونورًا لقبورهم وربحًا لآخرتهم.
ورحم الله الزاهد الورع بشر بن الحارث: «لا يجد حلاوةَ الآخرة رجل يحب في الدنيا أن يعرفه الناس».
ويقول الحسن البصري: «إنْ كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عَبرَتُه فيردّها، فإذا خشي أن تسبقه قام». وكان ابن المبارك يضع اللثام على وجهه عند القتال لئلا يُعرف! قال أحمد: «ما رفع الله ابنَ المبارك إلا بخبيئةٍ كانت له».
لقد كان الرجل يبكي عشرين سنة خشيةً لله وامرأتُه معه لا تعلم! وهذا داود بن أبي هند يصوم أربعين سنة لا يعلم به أهله، كان يحمل الطعام صباحًا إلى دكانه فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشيًا إلى أهله فيُفطر معهم؛ يظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت، ويظن أهله أنه أكل في السوق!
فلنقتدِ بهذا الركب الطاهر، ولْنَسِرْ على دربهم. فهيّا أختي المسلمة إلى خبيئة من العمل الصالح تتاجرين فيها مع الله تكسبين فيها الربح والفلاح والرضوان، هيّا إلى دوحات البر والخير، من صلاة في دُجى الليل والأهل نيام. من تلاوة لكتاب الله بتأمل وخشوع وخضوع. من مناجاة لله بالأسحار واستغفار وتسبيح ودعاء بدموع الخوف والرجاء. أو صيام لا يعلمه إلا الله. أو تفريج لمكروب، وإغاثة لملهوف. أو صدقة في السر تطفئ غضب الرب.
لتكن لنا خبيئة صالحة ندّخرها ليوم فقرنا وذُلّنا، ليوم تشخص فيه الأبصار. ليوم تُبْلى فيه السرائر. ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ولتكن تلك الخبيئة مغلّفة بالصدق، معطّرة بالإخلاص، محاطة بالكتمان، حتى لا تفقد جمالها وصفاءها، وأجرَها وثوابَها. تاجري مع الله ولا تتوانَيْ، ولا يَغُرَّنّكِ جُنونُ عصرنا بشهوة «النجومية» واللهث وراء «الشُّهرة»! والتخفِّي وراء عبارات «تقدير الذات» و«الثقة بالنفس»! فالتجارة مع الله أكيد رابحة، وما الربح إلا ربح الآخرة ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾[آل عمران: 185].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق