الاثنين، 30 أكتوبر 2023

الحرب الفلسطينية الإسرائيلية.. هل فقد بايدن السيطرة على نتنياهو؟

 الحرب الفلسطينية الإسرائيلية.. 

هل فقد بايدن السيطرة على نتنياهو؟


قبل عامٍ مضى، تواجد ثلاثة ساسةٍ سنيين عراقيين من محافظة الأنبار داخل أحد الفنادق الفاخرة المطلة على البحر الميت، وكان بصحبتهم عدد من المسؤولين الإسرائيليين.

ولم يكن موضوع الحديث بينهم يدور عن فلسطين، بل كان يدور حول الأنبار التي تُعد أكبر محافظات العراق وأقلها اكتظاظاً بالسكان. وقد ذكّر المضيفون ضيوفهم العراقيين بأن محافظتهم تشكل نحو ثُلث مساحة أراضي العراق.

إذ تتمتع الأنبار بخزانات ماء ضخمة غير مستغلة، بينما لا يعرف طريقة الاستفادة بها سوى الإسرائيليين والأمريكيين. وتوقع الإسرائيليون أن ذلك المخزون من الماء يستطيع أن يُحوِّل الأنبار إلى سلة غذاء الشرق الأوسط بأكمله. كما تحتوي المحافظة على احتياطيات بنزين وغاز يمكن استغلالها. وقد أخبرهم الإسرائيليون أن بإمكانهم مساعدة الأنبار في استخراج احتياطياتها من الثروات المعدنية.

لكن الشيء الوحيد الذي تفتقر إليه الأنبار كان الأعداد الكافية من القوة البشرية القادرة على تحقيق هذه النهضة.

وطرح بعدها الإسرائيليون السؤال الأهم الذي عُقِدَ الاجتماع من أجله في الأساس: "ماذا لو عرضنا عليكم 2.3 مليون فلسطيني؟". وأوضح الجانب الإسرائيلي أن هؤلاء الفلسطينيين من السنة مثلهم، قائلين: "الفلسطينيون شعب كادح، ولديهم نفس ثقافتكم، كما أن وجود عدد أكبر من السنة في الأنبار قد يساعد في قلب موازين السنة والشيعة لصالحكم".

ووافق العراقيون على عرض المقترح على رئيس وزرائهم بمجرد عودتهم.

وربما بالغ المسؤولون أثناء حديثهم إلى الإسرائيليين عن قدرتهم على إقناع النخبة السياسية العراقية بالفكرة قبل عامٍ مضى. لكن المؤكد اليوم هو أنهم يودون دفن حقيقة ترحيبهم بذلك المقترح من الأساس.

إذ إن دعم المقاتلين الفلسطينيين بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول قد تغلغل في وجدان العراق، كما هو حال غالبية أرجاء الوطن العربي.

حيث يخرج العراقيون إلى الشوارع بمئات الألوف في مشهدٍ نادر يتجاوز حدود الانقسام الطائفي. ومنعوا وصول ناقلات النفط إلى الأردن قائلين إنهم لن يسمحوا بوصول النفط العراقي إلى دول تعترف بإسرائيل.

ووصف رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني الرد الإسرائيلي على الهجوم بأنه "عدوان صهيوني وحشي".

أما أسلافه حيدر العبادي وعادل عبد المهدي ونوري المالكي، الذين يتسمون بالانقسام الشديد عادةً، فقد أصدروا بياناً مشتركاً يصف هجوم المقاتلين الفلسطينيين بأنه "رد طبيعي" على "الاستفزازات والانتهاكات الإسرائيلية".

وقد نفى معهد Washington Institute for Near East Policy اعتبار تلك المشاهد غير المسبوقة مسرحية. حيث تكررت المشاهد نفسها في عمّان، والقاهرة، وبيروت – وكلها من الأماكن التي لا تشهد أي مظاهرات سوى بترخيص وبموافقةٍ من الحكومة.

وربما خابت مساعي النهج الذي اتبعه الإسرائيليون، لكنها أظهرت شيئاً واحداً: وهو أن المسؤولين الإسرائيليين كان يفكرون بجدية في إخلاء الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة من الفلسطينيين، وذلك قبل هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول بوقتٍ طويل، ويريدون أن يكرروا ما فعلوه في عام 1948 – لكن بنحو ضعفي أو ثلاثة أضعاف العدد.

نتنياهو يشرح حطته لتوسيع الاستيطان وضم أجزاء واسعة من الضفة، أرشيفية/رويترز

ساحة المعركة الحقيقية

تخلّت إسرائيل عن فكرة الأرض مقابل السلام، واخفقت محاولاتها لإقامة نموذج فصلٍ يُحاوط الفلسطينيين بالأسوار والطرق ونقاط التفتيش. لهذا صار مشروع إسرائيل الوحيد اليوم هو بناء دولة فصل عنصري يسودها المواطنون اليهود وحدهم.

لكن التركيبة السكانية تتعارض مع ذلك المشروع، وخاصةً في حل الدولة الواحدة التي تحاول إسرائيل تشييدها اليوم. ولن تأتي الإحصاءات في صالح إسرائيل مهما حاولت تقسيم الفلسطينيين وفرض حكمها عليهم.

إذ تعيش أعداد شبه متقاربة من اليهود والفلسطينيين داخل المنطقة الممتدة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. لكن معدلات المواليد تختلف في ما بينهما، كما يجب وضع هجرة يهود الأشكناز في الاعتبار. ويحمل العديد من اليهود جنسيات مزدوجة، وهم يستخدمون جوازاتهم الأجنبية الآن. ومع مرور الوقت، سيصبح اليهود أقل عدداً بفارقٍ كبير داخل الأرض التي يزعمون أنهم أصحابها.

لهذا فإن السبيل الوحيد لتفادي حكم الأقلية اليهودية هو طرد أكثر من مليون فلسطيني. في مقابل ذلك، ستظل فرصة خروج الفلسطينيين منتصرين قائمةً طالما أنهم يرفضون ترك أرضهم، مهما كانت حياتهم فيها لا تُطاق.

وهذا ما يجعل التركيبة السكانية هي ساحة المعركة الحقيقية بالنسبة للجانبين.

لكن الجهود التي تبذلها إسرائيل لكسب هذه الصراع لا علاقة لها بالحلول العادلة أو القائمة على المفاوضات، ولا تتعلق بتقاسم أرض مشتركةٍ أيضاً. مما يعني أن الإصرار الأمريكي والأوروبي المتواصل على حل الدولتين – الذي لا يُمكن أن يخرج إلى النور- هو مجرد تمويه عن المهمة الحقيقية المطلوبة: التطهير العرقي.

ومن المؤكد أن فرصة الحرب التي قد تؤدي لتفريغ غزة من غالبية سكانها، الذين يقدرون بـ2.3 مليون فلسطيني، هي فرصة لن تتكرر كثيراً.

تجدر الإشارة هنا إلى ورقتين بحثيتين نُشرِتا عن السياسة الإسرائيلية منذ بدء القصف على غزة. ولم تصدر تلك الأبحاث عن جماعات مستوطنين هامشية، رغم أنه يجب القول إن المستوطنين لم يعودوا أكثر قطاعات اليمين الإسرائيلي تطرفاً.

حملت الورقة الأولى عنوان "ورقة الموقف: خطة إعادة التوطين والتأهيل النهائي لكامل سكان غزة في مصر: الجوانب الاقتصادية". وقد نشرها موقع مركز أبحاث يُديره مائير بن شبات، وهو مستشار سابق للأمن القومي ولعب دوراً بارزاً في إبرام اتفاقيات أبراهام مع الإمارات والمغرب والبحرين.

سيناريوهات ما بعد الحرب

يقول أمير ويتمان، مؤلف الورقة البحثية: "هناك الآن فرصة فريدة ونادرة لإخلاء كامل قطاع غزة بالتنسيق مع الحكومة المصرية. ونحتاج إلى خطة فورية وواقعية ومستدامة لإعادة توطين كامل السكان العرب من قطاع غزة، بحيث تتماشى تلك الخطة مع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية لإسرائيل ومصر والولايات المتحدة والسعودية".

بينما كانت الورقة الثانية مخصصةً للاستخدام الداخلي فقط، لكن انتهى بها المطاف في أيدي حركة تطالب بإعادة توطين سكان غزة. وتسرّبت تلك الورقة إلى موقع إسرائيلي يُدعى Calcalist.

وقد أعدت هذه الورقة وزيرة المخابرات جيلا جملئيل مستخدمة الشعار الرسمي لوزارتها، ودرست خلالها ثلاثة سيناريوهات محتملة لما بعد الحرب في غزة.

وترى جيلا أن السيناريو الذي سيحقق المكاسب الاستراتيجية يحتاج لثلاث مراحل: إنشاء مدن خيام جنوب غرب غزة في سيناء، وفتح ممر إنساني لمساعدة السكان، وبناء مدن في شمال سيناء.

وسيجري إنشاء منطقة عازلة بعرض بضعة كيلومترات على الجانب المصري من الحدود، بهدف منع الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من العودة. وعلاوةً على بناء مدن في سيناء، كتبت جيلا أن "كندا واليونان وإسبانيا ودول أمريكا الشمالية قد تستوعب بعض الفلسطينيين الذين تم إجلاؤهم".

بينما لدى المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية طرق أكثر مباشرة لإيصال آرائهم إلى القرويين الفلسطينيين الذين فرضوا وجودهم بينهم. عن طريق وضع منشورات على السيارات وترك دُمى ملطخة بالدماء في المدارس.

الحرب الفلسطينية الإسرائيلية -بايدن

وجاء في منشور وزعه مستوطنون يوم الجمعة، 28 أكتوبر/تشرين الأول، في مدينة سلفيت بالضفة الغربية "والله لننزل على رؤوسكم بكارثة كبرى قريباً. أمامكم فرصة أخيرة للهروب إلى الأردن بطريقة منظمة. وبعد ذلك سندمر جميع أعدائنا ونطردكم بالقوة من أرضنا المقدسة.. احملوا حقائبكم على الفور واخرجوا من حيث أتيتم. نحن قادمون".

والنية هنا جلّية، حتى لو لم تكن تفاصيل خطة تغيير وجه الشرق الأوسط، كما تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأيام الأولى بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، واضحة.

نكبة ثانية 

حتى لو انتهت الحرب غداً مع بداية أسبوعها الرابع، فإنَّ الدمار الذي سببته حرب خاطفة لم تشهدها المنطقة من قبل سيترك مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة يعيشون في الخيام. ومن الممكن ترتيب نزوح جماعي تحت ستار جهود الإغاثة الإنسانية.

وقد أوضحت كل من مصر والأردن معارضتهما للنكبة الثانية وضوحاً شديداً. وبالنسبة لكل جار عربي يعترف بإسرائيل، فإنَّ النقل الكبير للسكان يشكل قضية وجودية.

واعتبر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أنَّ حدوث نكبة ثانية يرقى إلى "إعلان حرب".

النكبة الفلسطينية \ مواقع التواصل
النكبة الفلسطينية \ مواقع التواصل

وأضاف أنَّ عمّان لن تسمح بحدوث "نكبة جديدة" كما لن تسمح لإسرائيل "بنقل الأزمة التي خلقها الاحتلال وفاقمها إلى دول الجوار".

لكن قدرة عمّان على تحقيق أي من هذين الأمرين هي مسألةٌ مختلفة كلياً.

وبعد محادثات مع المستشار الألماني أولاف شولتز، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنَّ أي نقل للفلسطينيين من غزة إلى شمال سيناء سيشكل سابقة يمكن أن تتكرر في الضفة الغربية إلى الأردن، مقترحاً بمكر أنه إذا أرادت إسرائيل تهجير الفلسطينيين في غزة لفترة مؤقتة، فيمكنها وضعهم في صحراء النقب.

يلعب السيسي، الممثل الموهوب، دور عبد الناصر منذ بداية هذه الأزمة. لكن لا شك أن كاهله مثقلٌ في سنة إعادة انتخابه بسبب المشكلة نفسها التي واجهها سلفه الأقرب حسني مبارك محلياً، وذلك إبان الغزو البري الإسرائيلي لغزة في عام 2008.

إنَّ كلاً من مصر والأردن ضعيفان للغاية، ولا يملكان سوى التهديد بزوال إسرائيل والولايات المتحدة، على الرغم من أنَّ احتمال وجود جماعات مسلحة تعمل انطلاقاً من سيناء والأردن على الحدود الجنوبية والشرقية لإسرائيل يمكن أن يجعل مخططي النكبة يتوقفون قليلاً ويعيدوا النظر في خططهم، بل يجدر بهم ذلك.

وما يهم حقاً هو رد فعل الولايات المتحدة على تصميم إسرائيل على تغيير خريطة غزة والشرق الأوسط.

التدخل الأمريكي

هل سيسمح الرئيس الأمريكي جو بايدن لنتنياهو بفعل ذلك؟

آسف، هذا سؤال ساذج. لقد فقد بايدن بالفعل السيطرة على نتنياهو، لكن الهوّة التي قادت إسرائيل أمريكا إليها مراراً وتكراراً صارت أعمق هذه المرة، بعمق أنفاق المقاومة.

وفي غضون ثلاثة أسابيع قصيرة، نجح بايدن بالفعل في عكس معظم خطط الولايات المتحدة الموضوعة بعناية في المنطقة.

ويأتي على رأس ذلك، فض الاشتباك العسكري. ويتعين على الولايات المتحدة أن تعيد للمنطقة أنظمة الدفاع الصاروخي وأنظمة الارتفاعات العالية، ومجموعات حاملات الطائرات التي أمضت السنوات الثلاث الماضية في سحبها منها.

إضافة إلى ذلك، هي الآن في وضع يسمح لها بتهديد إيران، التي سمح مرشدها الأعلى علي خامنئي بإجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق نووي مؤقت، وكان سعيداً بإبقاء هذه القناة مفتوحة.

ولدى الولايات المتحدة حلفاء رئيسيون في مصر والأردن يصرخون بأعلى صوتهم.

والأهم من ذلك كله، هناك حربان تجريان في وقت واحد، في أوكرانيا وغزة، وكلتاهما من دون استراتيجيات خروج واضحة، وكلتاهما تستنزفان القدرة الإنتاجية المحدودة للصواريخ الأمريكية والقنابل الذكية وقذائف المدفعية.

وقد نضب مخزون قذائف المدفعية الأمريكية في إسرائيل بعد سحبه لتزويد أوكرانيا. والآن يتعين عليهم إعادة سحب مخزون القذائف المخصصة لأوكرانيا لتزويد إسرائيل بها.

إنَّ قائمة السيناريوهات السيئة لبايدن طويلة وتتزايد مع مرور كل أسبوع. والمجال المتاح أمامه للمناورة بشأن إسرائيل محدود. وإذا فكر في الانفصال عن نتنياهو، فهو يعلم أنها فرصة سيستغلها الجمهوريون.

وإسرائيل تعرف ذلك أيضاً وتنتظر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. لذا، ربما يفكر بايدن أيضاً في الشكل الذي قد تبدو عليه المنطقة إذا نجحت إسرائيل جزئياً في تفريغ غزة.

مؤشرات حول ما سيحدث

هناك فقرة في الصفحة 40 من رسالة أرسلها مكتب الميزانية والإدارة في 20 أكتوبر/تشرين الأول إلى القائم بأعمال رئيس مجلس النواب تجعل قراءة هذه القضية مثيرة للاهتمام.

في هذه الفقرة، يطلب البيت الأبيض من الكونغرس تمويل "الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارين إلى الدول المجاورة"، وهو جزء من طلب بقيمة 105 مليارات دولار قُدِّم الأسبوع الماضي يشمل أموالاً لإسرائيل وأوكرانيا.

وتقول الرسالة إنَّ الأزمة الحالية "يمكن أن تؤدي إلى النزوح عبر الحدود وزيادة الاحتياجات الإنسانية الإقليمية؛ لذا يمكن استخدام التمويل لتلبية متطلبات البرمجة المتغيرة خارج غزة". هل هذا تخطيط قياسي للطوارئ أم مؤشر على أشياء قادمة؟

لن يثق أي زعيم فلسطيني يقرأ ذلك في أنَّ بايدن سيتخذ القرار الصحيح بعد الآن. فقد فُقِدَت الثقة بالكامل.

إذ عقب بضعة أسابيع فقط من إعلان مسؤول أمريكي رفيع المستوى في مؤتمر صحفي أنَّ الشرق الأوسط صار أهدأ مما كان عليه على منذ عقود، تأتي الولايات المتحدة وتجده الآن على شفا حرب إقليمية.

إضافة إلى ذلك، خرجت حليفتها الأساسية، إسرائيل، عن نطاق السيطرة، ولا تبذل أية محاولة للتمييز بين مقاتلي حماس والسكان المدنيين، وبين الفلسطينيين في غزة وفلسطينيي الداخل أو الفلسطينيين في الضفة الغربية.

إنَّ الغضب الإسرائيلي الجماعي بشأن نسختهم من أحداث 11 سبتمبر/أيلول وصل إلى الحد الذي يجعل إسرائيل الآن تضرب كل الجبهات في وقت واحد.

– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق