الحلف والارتباط مع إيران ومحورها فيهما إثم كبير
الحلف والارتباط مع إيران ومحورها فيهما إثم كبير ومنافع لقيادة حماس
وإثمهما على الأمة والدين وفلسطين أكبر من نفعهما على الحركة
المقدمة
منذ عشرين عاما قدمت نصيحتي برفق شديد وحبّ كبير للأخوة الأحباب القائمين على المشروع الاسلامي في فلسطين مطالبا اياهم بضرورة التوقّف والمراجعة الشرعية والسياسية الاستراتيجية في العلاقة مع ملالي إيران وتفرعاتها في المنطقة، وعلى وجه الخصوص –حينها- النظام الطائفي القابع بدمشق وحزب الله الطائفي في لبنان.
وقد امتدّت النصائح بين أخذ وردّ طيلة ثلاثة أعوام بحبّ وحرص ورفق كبير، وذلك رجاء التواضع والاستماع وتصحيح المسار، الأمر الذي كان يغبّش عليه بعض دعاة التنظيم العصبويين.
وقد ذكرت لإخواني أن الاستمرار في نفس المسار السياسي الفلسطيني المرتبط والمتحالف والمراهن على ايران – وكان ذلك حينها خارج فترة الضرورة والاضطرار-، سيفضي لا محالة الى ثلاث نتائج قطعية هي:
1- تلويث نقاء المسار الاسلامي وتجربته، وحرف سويّته الواجبة ليكون مقتديا بالمصلحين ومهتديا بالنبي محمّد الأمين وثابتا على صراط مستقيم يفضي للنصر المبين.
2- تشويه وعي الأمة الديني والسياسي، وإحداث تصدّعات حقيقية فيها قائمة حول اصطفافات متباينة مع وضدّ إيران ومشروعها في المنطقة، وبدل أن تكون القضية الفلسطينية قضية صلبة تجمع الأمة، فستصبح قضية رخوة تفترق بسببها الأمة -لا قدّر الله-!
3- اختطاف دماء وجهاد وجهود الدعاة والمجاهدين وحركات فلسطينية من قبل إيران لمد نفوذ مشروعها الطائفي، ولتنظيف أوساخها في المنطقة -وكانت بغداد قد سقطت حينها-، مشيرا ومحذّرا من أن القيادات السياسية لا ينبغي أن تتعامل مع دماء أبنائنا التي أهرقت في أطر تنظيمية وكأنها ملك لها، بل هي ملك وامتداد للأمة وأمانة في أعناق تلك القيادات والحركات.
فماذا كان، وما الذي حصل، والى أين وصل بنا الحال اليوم؟
حركة حماس بين مراحل الاستحياء وضرورة أكل لحم الخنزير وجواز الكفر السياسي الاضطراري!
عندما زار الشيخ خليل القوقا -أحد مؤسسي حركة حماس- طهران في يوم القدس الخميني عام 1989، وعندما زار الشيخ أحمد ياسين ايران عام 1998 كان ذلك بمثابة العقد الأول من العلاقة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، والتي ذهبت الى خمينيّها معظم القيادات السياسية العربية والاسلامية ببلاهة وخفة وجهل بالمشروع الايراني، ذلك المشروع الذي اختاره الأمريكان ليكون بديلا عن الشاه في مواجهة التمدد الشيوعي الخطر في ايران، فقامت أمريكا حينها بتسليم السلطة في ايران للخميني -تماما كما سلّمت بعدها بربع قرن السلطة في بغداد للملالي-، وقد فهم آنذاك السوفييت الخطوة الأمريكية في الهيمنة على ايران ومحيطها العربي من خلال اتفاقها مع الخميني وتمكينه من السلطة وموافقتهم على اعدام جيش الشاه وتشكيل الجيش الطائفي الجديد، فكان الردّ السوفييتي هو احتلال أفغانستان.
وقد اتسم العقد الأول في العلاقة –غير الشرعية- بين حركة حماس وإيران بالحياء والاخفاء، والاشارة الدائمة بالاتهام للشقاقي وحركة الجهاد الإسلامي باعتبارها غارقة في العلاقة مع ايران، خلافا لحركة حماس السنيّة التي كانت تدرّس أبناءها في الحلقات التربوية التنظيمية حقيقة المشروع الشيعي المعادي، مبرزة أشكال الكفر في أقواله وعقائده، ومميّزة نفسها عن حركة الجهاد في الوعي الاسلامي العام وخصوص حركات الاخوان.
لكن العقد الثاني في العلاقة -غير الشرعية- بين حركة حماس وملالي ايران قد توسّع وتشعّب وتطّور في الاتجاه الخاطئ، ولم يعد فيه حياء ولا استحياء ولا اخفاء، لاسيّما أن موقف العلماء حينها وبشكل عام كان هزيلا وضعيف الرؤية، حيث رأى عذرا للحركة وروّج له في هذا الاتجاه تحت علّة غير شرعية ولم يقل بها أحد من الفقهاء، وذلك حين روّجت قيادات حماس جواز أكل لحم الخنزير للضرورة حيث تخلّت عنها شعوب الأمة والدول السنيّة -كما تدّعي-، وقياسا عليه فلا حرج شرعي في علاقتها مع إيران وأكل لحم الخنزير، دون أن ينتبه كثير من قادتها بأن أكل لحم الخنزير يؤكل بقدر الضرورة ولا يتوسّع فيه، وقد ساعد قيادة حماس ودفعها في هذا التوجه عنصران هما، سياسة قطر وقناة الجزيرة التي احتوت الحركة ووجّهتها بشكل مدروس -أمريكيّا-، ثم امتدادات الاخوان المسلمين التي روّجت لحماس مقولاتها حول مبررات الضرورة وحكاية لحم الخنزير، كما شكّك بعض دعاة تلك الحركات بل وطعنوا فيمن يشير لهذا الأمر منتقدا التوجه السياسي لقيادة حماس، مكمّمين أفواه المصلحين بحجّة أن هناك جهاداً ومجاهدين، وأن اخوانكم في الميدان أدرى بشؤونهم، وأنكم لا تزنون ذرة غبار في نعال أحد المجاهدين!
أما العقد الثالث والذي بدأ بعد حقبة الربيع العربي وتتوّج بعملية السابع من أكتوبر، فقد انتقلت فيه قيادة حماس السنوارية من الحياء والاستحياء ثم أكل لحم الخنزير للضرورة، الى استبدال وصف لحم الخنزير بلحم طيب حلال ومشروع، بل إن الشراكة معه هي واجب الوقت وضرورة المرحلة، ولا حرج في الجمع بين تناقضاته مهما ارتقت، دون اعتبار في المواقف السياسية للدّماء المسفوكة في الساحات، طالما أن من يرى ذلك ومن يقوم على هذا المسار هم الأخوة الثقات العاملون في القضية الفلسطينية والذين يستهدفون تحرير الأقصى المبارك من خلال حلفهم الاستراتيجي مع ملالي ايران وأذرعها في الساحات!
وقد تتوّج هذا التوجّه الموغل في الاثم والضلال حتى أثمر هلاك غزة وأهلها، وتراجع واقع القدس وأقصاها، ورفع المخاطر للدرجة الحمراء في عموم مدن ومخيمات الضفة الغربية التي تنتظرها ليال سود وأيام فظيعة.
إن قيادات حماس الحالية وفي عقدها الثالث في العلاقة مع ايران لم تعد ترتبط بها على استحياء، ولم تعد تأكل من لحم الخنزير للضرورة، بل انتقلت للبوح بالكفر السياسي –ولا أقصد التكفير العقائدي- وذلك على لسان قاداتها الذين بدل أن يتوبوا إلى الله من كبائرهم السياسية في حقّ الأمة والدين، وبدل أن يراجعوا بشجاعة المسار ويتراجعوا عن الأخطاء، بدأوا يرفعون الصوت عاليا ليبدّلوا وعي الأمة، ويشرعنوا مذهبا ودينا جديدا في السياسة الشرعية، يبيح لهم الحلف السياسي مع ايران التي تملك مشروعا كامل الأركان في هدم الدين وتمزيق شعوب الأمة، وفي نفس اللحظة والاتجاه أطلقت قطر وقناة الجزيرة كتّابها ومحلّليها ليتقيأوا على العلماء والعلم الشرعي بأفكار واجتهادات ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يقل بها أحد في المذاهب الأربعة، ولم ترد في مقولات الشاذين في تاريخ الفقه الاسلامي جميعه! وذلك بتجويز الحلف ووجوب التعاون مع إيران في الساحات التي تقاتل فيها مع المسلمين، وبنفس الوقت مواجهتها في الساحات التي تقتل بها المسلمين!
من المسؤول عن هذا التراجع الاسلامي، والانزياح الفكري، والخلل المنهجي والأخلاقي؟
ان دعاة وعلماء التنظيم وامتداداتهم في الجماعات الاسلامية ذات المرجعية العصبوية لا يعرفون عن مفهوم الولاء والبراء في فلسطين إلا القطيعة الواجبة والعداء المضطرد والمتصاعد مع محمود عباس، والذي لا يقوى على قتل حمامة، ولا يملك مشروعا يستهدف اجتثاث الدين وقتل الموحدين، بل هو رجل ضعيف مستخذ أمام الاسرائيليين، خلافا لإيران التي قتلت من المسلمين في العراق واليمن ولبنان والشام ملايينا من الموحدين في سبيل منع نهضة المسلمين وبالاتفاق مع الأمريكان وبرضى وموافقة الاسرائيليين، فمن يا ترى الذي يستحقّ الاتهام؟ هل هي قيادة حماس؟ أم هم الدعاة والعلماء التنظيميين المتعصبين؟ أم هو منهج وفكر حركات التغيير الاسلامي وعلى رأسهم منهج الاخوان المسلمين، لاسيّما بعد التغيير الذ طرأ عليه بعد استشهاد حسن البنّا واستلام الهضيبي وتغيير المسار الذي بناه المؤسّس الأول وقوّمه القطب سيد الشهيد؟
الحلف والارتباط بإيران ومحورها فيهما اثم كبير ومنافع لقيادة حماس…
واثمهما على الأمة والدين وفلسطين أكبر من نفعهما على حركة حماس.
انه لاعتداء على القضة الفلسطينية وأقصاها المبارك، ومن المجحف بالشعب الفلسطيني المسلم والمضحّي والمجاهد، القول بأن الحلف مع ايران فيه فوائد للأقصى وللقضية الفلسطينية وأهلها، بل حتى إنه من الظّلم القول أن تلك العلاقة غير الشرعية فيها مردود ايجابي على حركة المقاومة الاسلامية حماس والتي هي في الأصل نتاج شعب فلسطين وملكه، فمنافع تلك العلاقة انعكست ولا تزال على قيادات حركة حماس وعقد ومكاتب التنظيم فحسب.
أمّا عن القدس فهي من ملالي إيران براء، فالذين قتلتهم إيران -ولا تزال- في العراق واليمن والشام هم أحفاد من حرّر القدس، وهم آباء من سيحرّره بإذن الله، كما أن بلادهم تذوق المرّ والعلقم منذ عقود على يد أمريكا وروسيا وإيران والأنظمة الحاكمة وأجهزتها الأمنية بسبب توجّه الشعوب الصادق نحو فلسطين وبسبب ارتباطهم العميق بالأقصى والقدس، وبسبب رفدهم لشعب فلسطين في كلّ حقبه وقبل أن يكون للملالي دولة في إيران.
أليست جريمة ما تقوم به بعض قيادات حماس في غزة ولبنان حين تصبغ شعب فلسطين المجاهد بنقيض توجّه وولاء كل محيطه العربي والاسلامي الرافض لإيران، فمن المسؤول اذن عن خلق تلك الفجوة المتعاظمة بين فلسطين ومحيطها العربي، وهل ترى قيادة حماس وتعترف بعظمة وتسامح وانحياز شعوب المنطقة، والتي اتهمتها –ولا تزال- نحو فلسطين بالخذلان؟
حركة المقاومة الاسلامية ضحية الاختطاف الايراني بسبب قياداتها القاصرة
إن حركة حماس التي تعبّر في أصلها وميدان عملها عن عموم الأمة وثقافتها وتوجهها السياسي الأصيل، -ولذلك فإن الأمة جميعها قد دعمتها في كل مراحلها، حتى اعتبرتها النافذة الاسلامية الوحيدة في فلسطين-، تتعرّض اليوم لإتلاف حقيقي سيغيّر ماهيّتها تدريجيا حتى تفارق الأمة وتفترق عنها، وذلك بسبب المشروع الايراني الذي بات يستخدمها بشكل مذموم ومفضوح، فهل حركة حماس كمكوّن فلسطيني اسلامي ملك للقيادات الحالية التي تعبث بها وبمقدّراتها وفق رؤيتها القاصرة وغير الراشدة؟
الشعوب هي الأصل والبوصلة
ككثير من الحركات السياسية الاسلامية الطموحة للسلطة، قفزت حركة حماس عبر قياداتها الأولى والثانية والثالثة للعلاقات المباشرة مع الأنظمة، وذلك باعتباره شرطا لازما لتبوّء السلطة، وطلبا للاستقواء على الأنداد في الساحة الفلسطينية، الذين تقف حركة حماس واياهم على أرضية اتفاق أوسلو والرؤية الأمريكية التي شرّعت وشرعنت العملية السياسية، والتي أفضت لولوج حركة حماس للسلطة الفلسطينية في الانتخابات التشريعيّة عام 2006، وذلك بموافقة الحكومة الاسرائيلية.
ولعلّ هذا الخطأ المنهجي هو من آفات الحركات الاسلامية المعاصرة، وعدم تفريقها بين وجوب السعي للسلطة انطلاقا من رؤية وجوب تمكين دين الله وأحكامه في الأرض، وقياما بواجب عمارة الأرض كما أراد الله، والسعي للسلطة المفضي لتمكين التنظيم والحزب والحركة ورجالاتها، وبسط نفوذهم وتوسع صلاحياتهم واعتبار ذلك نصرا، دون ارتباطه بتبدل أحوال الناس وخدمة قضايا الأمة ورعاية الدين، وهو فهم وتفريق لازم يفضي لضبط ايقاع العمل السياسي للحركات الاسلامية السياسية بما لا يرتد بالسوء والشرور على دين الله وتردّي أوضاع شعوب الأمة، فالسلطة فرع عن أصل وتابع لها وليس العكس، وغياب هذا الفهم أدخل الحركة الاسلامية منذ الثمانينات في تجارب فاشلة في خياراتها أو غير موفقة في ادارتها، الأمر الذي نتج عنه تضحيات وعذابات وسجون بلا طائل ولا نتائج توازيه في واقع الأمة ورعاية شعوبها وحفظ دينها وثقافتها، وتجارب مصر وسورية والعراق والسودان وتونس والجزائر والمغرب والأردن على ذلك تشهد.
لقد ارتبطت حركة حماس استراتيجيّا بالأنظمة العربية وتحالفت مع إيران منذ أن استهدفت تحقيق السلطة وقبلت بها في وجود المحتلّ، الأمر الذي أدى عمليا لاستبدال مشروع التحرير بالتموضع في السلطة وتمكين الحركة والتنظيم بديلا عن تمكين الدين وتحقيق مصالح المسلمين، وهذا خلاف ونقيض ما لأجله تشكّلت الجماعة، وما لأجله دعمت شعوب الأمة الحركة!
ان الشعوب والشعوب فقط -بعد الله- هي مادة التحرير وخامتها الأساسية، وكل حركة أو حزب أو تنظيم يتجاوز تلك الحقيقة سينتهي للفشل المدروس من قبل من هيّأ الظروف وعبّد الطريق ومهّد الخطوات لاستدراج تلك الحركة أو ذلك الحزب والتنظيم للولوج للسّلطة بمعزل عن صمّام الأمان وسبب نجاح التجربة، وهو النّسيج والبناء الحقيقي مع الشعوب الذي يجب أن يسبق تحقيق خطوة الولوج للسلطة.
إيران العدوّ الأكبر للأمة في العراق واليمن والشام هي الحليف الأكبر والوحيد لحركة حماس!
لابدّ للعقلاء من التوقف أمام حقيقة قادمة ستشرخ الأمة وتتلف حركة حماس، وهي أن الحليف الوحيد الذي تعتزّ به قيادة حماس الحالية، هو إيران الصفوية والتي باتت من أكبر أعداء الأمة في كل محيط فلسطين اللصيق والمتوسط والبعيد، الأمر الذي سيفضي لا محالة الى تصدعات وشروخ في الأمة بين من يقف الى جانب حماس في موقفها، وبين من يعذرها مؤقتا وعلى مضض، وبين من يفارقها ولا يبني عليها رجاء ولا أمل.
ان حجم الكوارث التي أصابت شعوب الأمة في العقود الأخيرة بسبب مشروع إيران السياسي الطائفي يتجاوز حجم الأذى والاتلاف الذي تحقق في فلسطين خلال قرن، كما أن مستقبل ايران الواعد في المنطقة –برعاية امريكية- يشير الى ترتيبات وخطوات ستفضي لتصدعات قادمة لا محالة، وذلك بناء على قراءة وموازنات لا يتجاوزها العاقل حتى وإن كان من غير المسلمين، أو كان من العلمانيين الذين لا يؤمنون بمرجعية الدين، فهل تقرأ حماس تلك الصورة؟ وهل يستحضر كتابها وفلاسفتها الغيورين ذلك المشهد المفزع والأليم؟
المنظور الأمريكي لعلاقات حماس بين تركيا وإيران في ميزان الردع المحسوب؟
من حق السائل العربي والمسلم أن يسأل، من الأولى بفلسطين والأقصى وحماس؟ هل هي ايران الصفوية أم تركيا الاسلامية؟
بلا شكّ ان تركيا أولى من ملالي ايران المعاديين لثقافة الأمة والمعتدين على شعوبها والمحتلين لبلادها، لكنّ أمريكا الماكرة سمحت لملالي ايران بدعم حركة حماس طيلة ربع قرن رجاء احتوائها وعزلها تدريجيّا عن الأمة، كما التحكّم بمفاصلها السياسية والعسكرية، الأمر الذي نتج عنه منعرجات وسقطات منها قبول العملية السياسية في ظل الاحتلال، ومنها تحقّق الانقسام الفلسطيني، وليس آخرها الترتيب الواهم والتعويل القاتل على ايران وميليشياتها وأفرعها في عملية سبعة أكتوبر2023، والتي لا تزال رحاها تهرس الناس في غزة، وتتلف المخيمات في الضفة وتتقدم نحو استكمال ابتلاع المسجد الأقصى.
ومن نافلة القول أن سقف تركيا وقيادتها الحالية هو ما قام به أردوغان حين رفض اعتبار حركة حماس حركة ارهابية، بل اعتبرها حركة مقاومة وطنية، وهو بهذا الموقف قد أنقذ حماس مرحليّا من حملة كادت أن تفصل عمودها الفقري عن جسدها، ولولا هذا الموقف العالي لكانت الحركات وقياداتها تفرّ من حركة حماس كما فرّت من القاعدة، وجميعنا يتذكّر كيف عزلت أمريكا ياسر عرفات حتى لم يبق هناك رئيس عربي يتصل به أو يزوره ثم قامت بسمّه وقتله، وهذا كان مصير قيادة حماس في حالة عزلها اقليميّا وتثبيت وصف الارهاب على قيادتها وتشكيل الحلف الدّولى لاجتثاثها كما طالب به الرئيس الفرنسي ماكرون.
ان سقف ما حقّقه –ويمكن أن يصل اليه- أردوغان هو تحقيق دولة النّجاشي لقيادة حماس، اقتداء بما حقّقه للقيادات الاسلامية من جميع البلدان العربية، وكذلك لعموم الشعب السوري، على وجه الخصوص في السنوات الخمسة الأولى التي أعقبت الثورة.
ويمكن تفسير عجز أردوغان عن دعم حركة حماس عسكريا وماليا، حيث إنه لو قام بذلك فانه يتوقع انتقال الاضطراب في محيط تركيا الخارجي الى حالة حروب داخلية، لاسيما والأمريكان لا يفارقون تدريب وتسليح قسد والبي كاكا، كما يدعمون كل مناوئ لتركيا، ولديهم برامجهم وخططهم لفصل الأعراق والأقاليم التركية عن بعضها البعض وإحداث حالة احتراب داخلي عرقي وطائفي كما برعوا بإنجاز ذلك في العراق وسورية، والمحصّلة أن المتوقع من تركيّا في ظلّ بطش الأمريكان، وفي ظل أزمة هوية وصراع تعيشه تركيا، هو دعم سياسي محدود ودار الحبشة النّجاشية وبعض المواقف الدبلوماسية والاقتصادية.
وبكلمة فان أي مشروع تغيير أو تحرير يعتمد على الأنظمة وبالجملة على الخارج، فإنه لا محالة سيبقى رهينة له وسيفشل وسيستهلك الدماء والأوقات والمقدرات في معارك عبثية تهدم أكثر ممّا تبني، لاسيّما اذا كانت هي الأهداف الأساسية للخارج والداعم، كما حصل ذلك في ثورة الشام الأبيّة، وكما تجسّد سياسيا بانزلاق التجربة المصرية النقيّة.
المفارقة الغائبة في قراءة العلاقة بين أمريكا وملالي إيران وادارة الصراع في المنطقة؟
لقد شاهد العالم بأمّ عينه كيف سارت مسرحيّة إيران الهزليّة -التي تحدّث عنها ترامب في واقعة مقتل قاسم سليماني- في ضرب اسرائيل بشكل مدروس ومتفق عليه مع الأمريكان ومبلّغ به مسبقا عن طريق السفارة السويسرية، كما كشفت التقارير الأمريكية عن نزول سبعة صواريخ في جنوب فلسطين المحتلّة دون رؤوس تدميرية، وبالجملة لم يصب نتيجة مئات الصواريخ والمسيرات الايرانية لا الشجر ولا الحجر ولا البشر!
والمفارقة الغائبة هنا هي في حجم الانضباط الايراني الرهيب والرعب من الأمريكان العميق، والذي عبّرت عنه إيران مائة مرة إبّان عملية سبعة اكتوبر نافية علاقتها بها ومنكرة لدرايتها عنها ومتعهّدة ألف مرة بضبط الساحات ومنع توسع المعركة اقليميا! فيما قامت إيران بدعم حركات المقاومة ماليّا وعسكريا لأكثر من ربع قرن، حيث سمحت لها الادارات الأمريكية المتعاقبة بدعم حركتي حماس والجهاد وذراعهما العسكري، وهو ما أفضى عمليّا لمعركة 7 أكتوبر!
فهل عمليّة إيران الأخيرة وضربتها الهزلية لإسرائيل –والذي ردّت عليه اسرائيل بشكل محدود ومقصود- أشدّ خطرا ومآلا من دعم حركة حماس بالعتاد والسلاح وتدريب مقاتليها خلال ربع قرن والذي أسّس لمعارك متكررة مع إسرائيل؟ أم أن كلا الأمرين مدروس ومقصود؟ أم أن أمريكا تدرك جيدا أهمية وصلابة القضية الفلسطينية وقدرتها على جمع الأمة باتجاه الأقصى، فكان لابدّ من تحريك إيران لاحتواء الحركة وتمثيل القضية الفلسطينية بدلا عن محيطها العربي؟
ان أقل جواب يمكن تقديمه بناء على كامل المشهد خلال ما يزيد عن ربع قرن في العلاقة بين ملالي ايران وقضية فلسطين، يؤكد أن أمريكا -التي ترصد وتدرك تفاعل كل شعوب وأعراق العرب والمسلمين مع فلسطين- لن تسمح للمسلمين من أهل السنّة بامتلاك مفاتيح القضية الفلسطينية، وذلك باعتبارها قضية جامعة ورافعة ودافعة للأمة نحو التحرر والتحرير والنهضة والتغيير، ولذلك فإنها لن تسمح إلا بخيارين، فإما أن يمتلك مفاتيح القضية العلمانيون، أو أن تتربع ايران على عرش المقاومة ويسيطر على مفاتيح القضية الفلسطينية الملالي المجرمون والضامنون.
وبكلمة يمكن القول أنه لا يمكن تحقيق تحرير فلسطين دون شرط فكّ العلاقة مع المشروع الايراني السياسي المعادي واللّعين، تلك العلاقة التي لم تتوقف عند خلق فجوة بين القضية الفلسطينية ومحيطها العربي المكلوم من ايران المحتلّة، بل تجاوزته الى العبث السياسي في الساحة الفلسطينية، ثم جيّرت دماء الشهداء وتضحيات الآباء والأمهات لأجل الترويج لمذهبها ومدّ نفوذها السياسي، ورفعت أسهمها أمام الأمريكي سيّد المنطقة، وأثبتت له أنها الراعية لكل أذرع المقاومة والميليشيات في المنطقة، وأنها الضامن الأقوى لضبط الساحات بعد تمزيق أحشاء شعوب دول المنطقة، لتحوز بجدارة على وصف معول الهدم الأمريكي وأكبر مطرقة للمشروع الصليبي الصهيوني في المنطقة.
الخاتمة
ان فلسطين وأقصى المسلمين نعمة عظيمة وهبة للعرب والمسلمين من رب العالمين، فهي القضية الأولى الصّلبة والجامعة لشتات الأمة وحركاتها وشعوبها وأعراقها، حيث يتسابق ويتوق اليها العرب والأكراد والأتراك والأمازيغ وغيرهم، وهذه احدى تجليّات ومعاني البركة التي وضعها الله فيها للعالمين.
ومنذ أن فكّك المشروع الغربي المنطقة وأسقط الخلافة، أدرك قيمة فلسطين سياسيّا وثقافيّا وحضاريّا، وأدرك أنها أصلب القضايا الجامعة للعرب والمسلمين على طريق التحرير والتغيير ثم التمكين واسترداد الدور الحضاري للعرب والمسلمين الذين كانوا لقرون طويلة ساسة الدنيا.
لذلك فقد حرص المشروع الغربي -الذي تقوده حاليّا أمريكا- على ادارة الملف الفلسطيني وعدم السماح للأمة الواعدة باستلام مفاتيحه وادارة القضية، ومنذ ذلك الحين وأمريكا تدير الشأن الفلسطيني بين الأيادي القوميّة العلمانية المعادية للدين في المنطقة العربية، وما أن ضعفت التجربة القوميّة ولفظت رموزها ومناهجها الشعوب العربية، وتقدّمت أمامها الصحوة الاسلامية، حتى سلّمت أمريكا ملف القضية الفلسطينية للجمهورية الخمينية، التي أبدع ملاليها باحتواء واستخذاء البلهاء فدمرونا ودمّروا القضية.
ان الخيارات السياسية المطروحة اليوم مخادعة، ويقصد منها عدم انبثاق مشروع مستقلّ في ارادته السياسية يعبر عن أهداف العرب والمسلمين وشعوب المنطقة، فالمطروح اليوم في الخيارات السياسية الخارجية إمّا أن تكون مع ايران المقاومة وإما أن تكون مع الأنظمة العربية المتواطئة، والمطروح في الخيارات السياسية الداخلية إما أن تكون مع حركة المقاومة الاسلامية حماس وإما فأنت من فريق التنسيق الأمني ومن جماعة فتح وعبّاس، علما بأن الطرفين فتح وحماس من الناحية السياسية سقطا سياسيا وشرعيا وأخلاقيّا في الحلف مع المشاريع المعادية للدين ومحتلي دول المنطقة، أفبعد كلّ هذا نجعل ايران وملاليها هم نصير الفلسطينيين والأمين على أقصى المسلمين!
لا نصر في فلسطين في الحقبة الحاليّة، لاسيّما أن من يديرون شؤونها ويحددون خياراتها منحرفون أو مختلون، وأقلّ ما يقال في حقّهم أنهم سفهاء سياسيا ولا يجوز أن يعطوا صلاحيات في قيادة أو تحديد خيارات المرحلة، الأمر الذي يوجب على علماء ونخب الأمة من غير الفلسطينيين أخذ زمام المبادرة، والتوقف عن حديث النبوءات ورؤيا الشيخ في المنام والتي عطّلت عقول الراشدين وأخرست ألسنة الغيورين، واختلطت قيمة وقدسية دماء الشهداء والبطولات والمضحين، بقيمة وصوابيّة الخيارات السياسية التي باتت لدى البعض أكثر أهميّة من مستقبل الأقصى وشعب فلسطين ومصالح عموم الأمة وقضايا الدين!
ان في مصر الكنانة والعراق العظيم والشام الأبية والجزائر والسودان والمغرب واليمن وموريتانيا وغيرهم من دول العرب والمسلمين من يفوقون القيادات الفلسطينية الحالية في أفهامهم وانحيازهم السويّ ورؤيتهم الجامعة، ولا ينقصون عنّا في غيرتهم على أقصى المسلمين، والذي رفع السماء بغير عمد لو أنّنا هلكنا جميعا كفلسطينيين فان أحدا من الأمة وشعوبها لن يتنازل عن تحرير الأقصى ولن يدير ظهره أمام دماء المسلمين، فالأمر توحيد وعقيدة ودين، فهل استوعبت يا عبدالله لماذا تصرّ أمريكا واسرائيل على بقاء ملفّ القضية الفلسطينية في حضن الملالي الإيرانيين؟
يقول الله في كتابه العزيز (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر من بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) سورة النور الآية 55.
ويقول سبحانه (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) سورة الاسراء الآية 7.
ما قلته من حقّ فمن الله وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان وأستغفر الله العظيم وأتوب اليه.
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 22-4-2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق